مواضيع اليوم

حين ساهمت باعمار كنيسة ..

عمادالدين رائف

2009-07-23 08:31:42

0

 

فيما كنت وصديقي الاستاذ محمد دلبح في المكتب الصغير في احد زوايا السوبر ماركت الذي كنا نمتلكه سويا في مدينة "لوغان" في ولاية ويست فرجينيا القريبة من عاصمتها شارلستون .. اذ بسيدتين في نهاية حقبة الخمسينات من عمرهما تصطحبهما احدى العاملات في السوق .. نهضت على الفور للترحيب بهما كما هي العادة في ويست فرجينيا حيث العلاقات الانسانية عالية المستوى وعميقة التأثير فما بالنا اذا كنا في مدينة لوغان مسقط راس اشهر زعماء الهنود الحمر "لوغان" وفيها ووري ثراه.
بعد تبادل التحايا والامنيات وقوفا حيث المكتب الصغير بالكاد يتسع لشخصين، قالت احدى السيدتين انهن من بلدة مجاورة يقمن بجمع تبرعات لاعادة اعمار كنيسة البلدة بعد ان اصبح جزءا منها ايلا للسقوط ..
ودون تردد اعربت لهن عن شكري لمجيئهن واعطائنا فرصة المساهمة في اعمار بيت لله .. وقدمنا لها مبلغا من المال (من العيب ذكر قيمته) .. اعربت السيدة عن شكرها وعلامات الدهشة قد بدت عليها وحضنني وقبلتني من الخدين وهكذا فعلت السيدة الاخرى.
انتهى الامر في لحظتها وعدت وصديقي محمد نتداول شؤوننا ومعظمها يتعلق بعملنا المشترك.
بعد 3 او 4 ايام تلقيت مكالمة من محمد يبلغني فيها ان احدى السيدتين اللواتي قابلناهن قبل ايام تريد مقابلتي للاهمية .. فتوجهت على التو الى السوبر ماركت ذاته ووجدت السيدة ومعها شخصين يماثلانها بالعمر تقريبا استقبلاني بحفاوة وابلغاني انهم حضروا ليوجهوا لي دعوة لحضور قداس يوم الاحد المقبل وسوف تكون مناسبة لمشاهدة الكنيسة ومدى حاجتها لاعادة اعمار جزء منها وايضا للتعرف على اهالي البلدة .. فرحبت بالدعوة وشكرتهم على اهتمامهم ووعدتهم بان احضر معي كل من تتوفر لديه فرصة من الشباب العرب العاملين معي.
يوم السبت وبينما كنا نتناول طعام العشاء في المنزل و في وجود معظم الشباب تقرر من سيذهب غدا للكنيسة ومن لا يسعفه الوقت .. وسألت بعض الأصدقاء اذا كان يتوجب علينا ان نأخذ ما يشبه الهدية او شيء من هذا القبيل ..
وفيما نتبادل الاحاديث عن زيارة الكنائس وكيف انه منذ ان خرجنا من رام الله لم نزر كنيسة واخذنا نسترجع بعض الذكريات ..
وقررت دون تفكير مسبق صباح يوم الاحد وبنما كنا نهم بركوب السيارة ان نقوم بتوزيع "بوستر" كان مكتب جامعة الدول العربية في نيويورك قد طبعه على حسابه يتضمن صورة لكنيسة دمرها العدو الصهيوني عند اجتياحه لبنان عام 1982 ويظهر مجسم للسيد المسيح في الصورة وفي وجهه اثار طلقة احدثت حفرة في خده الايمن، فيما رصاصة اخرى فصلت الساق عن الفخذ فظهر الساق معلقا في مسمار (برغي) من اسفله بالحائط،، ونفس المشهد فصل الذراع عن الكتف وظل معلقا من وسط الكف بالحائط.

وصلنا البلدة والتي تحتل الكنيسة ساحة واسعة من وسطها الى جهة الشمال .. وما ان نزلت من السيارة وصحبي حتى استقبلنا رئيس البلدية ومعه شريف البلدة وشخص ثالث وتقدمنا سويا حيث الحضور اصطفوا ووجوههم متقابلة نساء ورجالا اطفالا وشبابا وتقدمنا وبصحبتي رئيس البلدية وخلفي صحبي حيث زاد عددهم عن عشرة وبعد الانتهاء من التعارف والسلام على جميع الحضور .. طاف بنا رئيس البلدية والقسيس واطلعانا على معالم الكنيسة كلها وقدما لنا معلومات اهم ما فيها ان عمرها نحو 100 عام .. مما دعاني للسؤال وماذا كان يفعل الناس في هذه البلدة النائية وما يجاورها من بلدات قبل 100 عام ..؟؟ فقيل ان المنطقة من اكثر مناطق الولايات المتحدة انتاجا للفحم الحجري ولهذا فهي مليئة بالبلدات الصغيرة تتناثر حول مناجم الفحم .
تقدمنا الحضور في دخول الكنيسة وجلست في الصف الاول واعتلى القس الموقع المخصص لالقاء الموعظة .. وبدأها بالترحيب بالعرب المسلمين واطلق علينا اسم (ليبانيز) عرفت لاحقا انهم يعرفون العرب كلهم بانهم لبنانيون لان اول المهاجرين لتلك المنطقة كانوا لبنانيين .. ثم طلب مني القس ان اتقدم لاعرف نفسي وصحبي لاهل البلدة....
رغم المفاجأة غير المتوقعة استجبت على الفور لدعوة سيد الكنيسة بعد ان طلبت من صديقنا جمال الفلسطيني ابن تل الزعتر والذي خطفت والدته اثناء اجتياح الكتائب للمخيم ان يناولني نسخة من "البوستر" وصعدت المنصة وبدأت الحديث فقلت .. (النص مسجل ومطبوع منذ ذاك التاريخ – طبعا بعد ان قلته مرتجلا)
قلت : يسعدني ويشرفني انا ابراهيم علاء الدين ان اقف في هذا المكان الطاهر لالتقي بهذه الشخصيات الرائعة، ويشرفني ان اقدم لكم نبذة عن جاليتنا الصغيرة التي تقيم الى جواركم وفي عاصمة ولايتكم ..
فانا اسمي كما قلت لكم ابراهيم علاء الدين من بلاد اسمها فلسطين .. هذه البلاد هي موطن السيد المسيح عيسى عليه السلام .. فهو فلسطيني مثلي ولون عينيه مثل لون عيني ولون شعره مثل لون شعري، وطوله مثل طولي، ولغته مثل لغة اهلي في ذاك الزمان .. واشعر ان علاقة قرابة قوية تربطني به فمدينته التي ولد فيها اقرب على مدينتنا من شارلستون على مدينتكم ..

ومدينتنا اسمها اللد .. ويسمى اهلها عربا مسلمين .. لكن التاريخ يقول ان اهل مدينتنا كانوا يهودا.. ثم اصبحوا مسيحيين عندما جاء السيد المسيح ومنها خرج احد اهم مؤسسي المذهب القبطي.. ثم صاروا مسلمين مع الفتح الاسلامي لفلسطين.. ليعودوا ويعتنقوا الدين المسيحي زمن الحروب الدينية حين احتل الاروبيون بلادنا .. ثم رجعوا ليصبحوا مسلمين مع تحرير المسلمين لفلسطين.
ويبدو ان التعايش بين الاديان كان على ما يرام في بلدنا .. وهناك شاهد تاريخي على عمق التعايش بين المسلمين المسيحيين فيها ممثلا بالكنيسة بجوار المسجد والذي لا يفصل بينهما سوى جدار ..
وكان اهلي يعيشون في حالة من الاستقرار والهدوء كباقي الناس .. الى ان جاء اليهود واقاموا دولة اسرائيل وطردوا اهلي من منازلهم دون ان يسمحوا لهم حتى بحمل ملابسهم الشخصية .. فهاجر اهلي مسلمين ومسيحيين من بلدنا سنة 1948وذهبوا الى مدينة رام الله وهي مدينة اغلب سكانها ومالكي اراضيها مسيحيين .. فاحتضنوا اهلي وشاركوهم المسكن والمأكل والمشرب .. وتعاونوا سويا لتحمل بؤس الكارثة الى ان تمكنوا من تجاوز اثارها الاقتصادية والاجتماعية وتشاركوا بالاعمال وسكنوا بجوار بعضهم لا فرق بين مسيحي ومسلم وكانت مدارسهم مختلطة واعمالهم مشتركة وعاشوا سويا 19 سنة .. الى ان جاء اليهود مرة ثانية واحتلوا ما تبقى من فلسطين ومنها رام الله سنة 1967.. فهاموا على وجوههم من جديد .. وانا ومن معي في ضيافتكم اليوم نمثل بعض ضحايا هذه الكارثة الانسانية .. وها نحن وجدنا انفسنا هنا في ويست فرجينيا بينكم حيث احتضنتمونا ورحبتم بنا ومنحتمونا فرصة العمل والتجارة والاقامة والامن والامان .. فشكرا لكم شكرا لكم ايها السيدات والسادة.
ايها السيدات والسادة لا بد في هذه المناسبة من التاكيد على ان العلاقة بين المسلمين والمسيحيين هي علاقة راسخة يسودها التعاون والاحترام المتبادل .. لكن العدو الحقيقي للمسلمين والمسيحيين هم اليهود ...
(وهنا فتحت البوستر وعرضته على الحضور فأخذ الجميع ما بين يشهق مستهجنا ومن وضع يده على فمه ومن صرخ قائلا .. لا لا .. عندها توقفت عن الحديث وتركت الصورة تتكلم .. ونزلت عن المنصة فأحاط بي عدد كان يتزايد على الدوام ما بين من يشد على يدي مسلما ومن يربت على كتفي ومن يقبلني ومن يرفع قبضة يده مهنئا ..
وكان يوما للتآخي بين جاليتنا العربية المسلمة الصغيرة وبين اهل احدى البلدات الصغيرة ولم يمض اسبوع او اقل الا والصخف في ويست فرجينيا تطلب لقائي للحديث عن فلسطين والمسيح والحروب والهجرة والتاريخ وقد اجريت الكثيرمنها.

لماذا هذه القصة التي ربما ذكرتها على شكل شذرات بين الفينة والاخرى.. لماذا اذكرها اليوم وما هي المناسبة..؟؟؟
للسادة الكرام اصدقاء وصديقات زملاء وزميلات .. ان ما اوردته هنا هو احد فنون التسويق والعلاقات العامة .. للعلم لم يكن دافعها مصلحة شخصية فلم اكن بحاجة كي ابدأ حملة علاقات عامة ان ابدأها من بلدة صغيرة .. وكان يمكن لي ان ابدأها بحفل ادعو اليه سادة عاصمة الولاية .. لكن الهدف الذي تفاعلت معه بسرعة ولم يكن مخططا له هو البدء من القاعدة الاجتماعية الجماهيرية للمجتمع .. ومن خلاله أسرت قلوب اهل المنطقة ..
لا اربد الاطالة في الشرح فرسالتي واضحة ...
طبعا للحادث بقية بل بقايا فقد اقمت في ويست فرجينيا 3 سنوات حققت فيها الكثير جدا من الامور الهامة ربما تأت مناسبات للحديث عن بعضها.

ابراهيم علاء الدين
alaeddinibrahim@yahoo.com


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !