لا يوجد ما يُقال.. ولا يمكن أن تسعف الكلمة أياً منا هنا.. هكذا أحسستُ في الأيام الماضية.
لكنّ الصمت كُفر لا يقبله عقل أو دين.. ونحن بشر، واليوم يبكي الصخر والأشجار والصمت، فكيف لا نَنتحب جميعا؟!
وبعد الصمت يأتي الغضب.. حنق على النفس لتخاذلها، لأن بإمكاننا جميعا أن نفعل أكثر، أن نطلق العنان لآرائنا، لصوتنا، لأيدينا وسواعدنا لتمتد لإغاثة الأطفال والأمهات، الشباب والكهول، إلى شعب إرادته تُلهمنا جميعا، شعب يصارع لأجل حقه في الحياة، بحياته وحياة أولاده.
منذ عام سبعة وستين، وكل نَفَس في غزة لغزة.. يولد أطفال القطاع مدركين أن أنفاسهم مُكرّسة لأجل فرصة أن يعيشوا حياة طبيعية، حياة حرة، لأن كل خطوة يخطوها طفل في غزة، بعزيمة وأمل وكرامة، قد تقربه من تلك الحياة التي ينشدها.. حياة غير مكبلة بالاحتلال ولا مثقلة بتبعاته.
كل نفس في غزة ترفع شعبها من واقعهم، لأن هواء غزة مثقل فقط بأحلام أبنائه، وعِزة نفْسهم لا تكبل.
هذه المرة، لم يطلب أهل غزة منا شيئا، لم يشركونا أساهم، لم يستنجدوا بنا، نحن البشر، نحن إخوانهم. ارتفعت أيديهم الى السماء بالدعاء، لأن السؤال لغير الله مذلة.. وغزة لا تُذَل..
علينا أن نثبت لغزة وأهلها أننا إخوانهم، وأننا معهم. وأن لوعة القلب تُجاوز الإحساس الى الفعل.
وفي هذا الموقف، يكون اقتصارنا على الشعور بالأسى عاراً! لأن مأساة غزة لا تحتاج الى التعاطف، فالمرء لا يتعاطف مع أخيه حين يقع عليه ظلم، بل يهب لنجدته.. "فمن رأى منكم منكرا..".
وهناك طُرقٌ كثيرة لتصويب المنكر، طرق لا تتوقف عند إلقاء اللوم، طرق لا يعيقها التخاذل، طرق تُحوّل بكاءنا الغاضب يدا ممدودة تختصر المسافات بين أصواتنا وهواء غزة. أمس، بعث سيدنا جلالة الملك دمه ودم أبناء الأردن الى غزة لتختلط هناك بدماء اخواننا.
واستجابة لنداء سيدنا نبدأ اليوم باستقبال المساعدات من خلال مؤسسة نهر الأردن، لتكون ساعِدَنا جميعا، نمدها لشعب قد نجعل خطواته لأجل الحياة أقل عزلة ووحدة، لنستطيع القول إن نحيبنا خرج عن صمته.. و"ذلك أضعف الإيمان".
التعليقات (0)