مواضيع اليوم

حين تصبح الديانة عبئا على الفرد والمجتمع

مصعب المشرّف

2010-06-09 18:44:18

0

 

حين تصبح الديانة عبئا على الفرد والمجتمع

السماح للقبطي المطلق بالزواج ضرورة لصيانة العفة وحماية السلم الإجتماعي



قوبل قرار المحكمة الإدارية العليا المصرية والذي توجه إلى كنيسة الإسكندرية بقبول الزواج الثاني للمطلق من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية المعروفون بالأقباط (ومنهم مئات الآلاف من المواطنين السودانيين الأقباط ) .... قوبل بالرفض التام من جانب المجمع الكنسي المقدس الذي دعاه البابا شنودة الثالث للإنعقاد يوم الثلاثاء 8/6/2010م وفق ما تناقلته الأخبار مؤخرا . وقد رفض هذا المجمع الذي يضم 82 قسيسا يمثلون كافة الكنائس المصرية قرار المحكمة الإدارية العليا بحجة عدم الإختصاص وأن الشريعة الإسلامية تنص على ترك أهل الكتاب وما يدينون به .......
وبالطبع لم يفت عن ذهن البابا شنودة الثالث التلميح بذكاء إلى أن مثل هكذا حكم يؤدي إلى تكريس الإنطباع لدى الرأي العام العالمي و (مانحي الإعانات لمصر كامب ديفيد) وجميعهم من الغرب المسيحي ، بأن المسيحيين في مصر يتعرضون لضغوط بشأن عقيدتهم ويمارس في حقهم الإضطهاد ...... الإضطهاد من جانب المسلمين بالطبع حتى وإن لم يحدد البابا شنودة الثالث هوية أو عقيدة هؤلاء "الضاغطين" صراحة.

البابا شنودة الثالث بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية .... نكن له الحب والإحترام لمواقفه الراسخة في دعم القومية والقضايا العربية ورفضه الشجاع للغزو الأجنبي وكامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل رغم ما عاناه خلال عهد السادات من هجوم ونفي إختياري ... ونؤكد له أن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية

ولكن الذي غاب عن ذهن البابا شنودة الثالث كان الآتي:

1) أن مصر ووفق دستورها المعمول به ليست دولة إسلامية مثلما هو عليه الحال في المملكة العربية السعودية مثلا والتي تعتمد شرائع الإسلام دستورا معلنا لها لتنظيم أوجه الحياة وأحكام القضاء...... وبالتالي فإن تفسير قرار المحكمة بأنه إضطهاد ديني للأقباط يعتبر قفزة للتحايل على الدستور المصري المشار إليه.

2) أن المحكمة الإدارية العليا المصرية وكافة المحاكم المدنية والجنائية المصرية (عدا محاكم الأحوال الشخصية) لا علاقة لها بالقوانين الإسلامية . وإنما تنظر وتصدر أحكامها وفقا لقانون علماني مدني موضوع.

3) وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز إقحام الدين الإسلامي والمسلمين في قرار المحكمة الإدارية المصرية العليا . خاصة وأنها لم تقل أو تشير في حيثيات حكمها من قريب أو بعيد إلى المفهوم الإسلامي فيما يتعلق بحكمة الزواج والطلاق ثم الزواج من جديد لكلا الشريكين الذكر والأنثى. وإنما جاء في حيثيات هذا الحكم أن الدولة ووفقا للدستور وبصفتها راعية للمواطن فإنها تكفل له حق الزواج وتكوين الأسرة بغض النظر عن ديانته.

4) أن المحكمة الإدارية العليا المصرية لم تتجاوز سلطاتها فيما يتعلق بحكمها تمكين المواطن المصري من ممارسة حقه الإنساني بالزواج. ولم تتدخل في أحكام الشريعة التي إرتضاها الأقباط لأنفسهم .... والدليل على ذلك أنها لم تتدخل في صلب هذه الشريعة بقدر ما تحاول صيانة حق دستوري للمواطن المصري والذي يقع ضمن إختصاصها كمحكمة إدارية ..... وربما لو حاولت المحكمة الإدارية فرض قانون الأحوال الشخصية للمسلمين على الكنيسة المصرية لربما جاز للبابا شنودة الثالث الإحتجاج على قرارها.

5) أن المحكمة الإدارية العليا لم تتبرع بالنظر وإصدار الحكم . وإنما نظرت في أمر حق المواطن المصري بالزواج بناء على طلب تقدم به متضرر قبطي يعاني من مشكلة عدم القدرة على الزواج ثانية بعد طلاقه لأسباب لا تتعلق بتغيير الملة أو الزنا ، وإنما تتعلق بعدم القدرة على التعايش مع الشريك الآخر.
......................
من ناحية أخرى ودون حاجة للتطرق بإدراج بنود الحكمة من الزواج والطلاق وتعدد الزوجات (والتي يعرفها الجميع تقريبا) فإنه يمكن طرح الأسئلة التالية :

1) هل يجيز العقل والضمير ... .. عقل وضمير الإنسان البسيط بل والبدائي أن نجبر الزوجان على الحياة معا تحت سقف واحد رغم الكراهية التي يكنها أو يصرح بها طرف لآخر . أو كراهية متبادلة لأسباب تتعلق بعدم التوافق والقدرة على التعايش . أو خلافات في المباديء والمفاهيم أو خلافات تتعلق بالإنفاق وتلبية الطلبات .. إلخ من خلافات وحساسيات قد تنشأ بين زوجين دونا عن غيرهما بعد الزواج وبحكم الممارسة ولا يستطيعان التأقلم معها؟

2) حتى الحيوان الذي يمشي على الأربعة والطير الذي يمشي على الإثنين لايمكن إجباره على الحياة مع شريك لا يرغب به أو لا يرغب كلاهما الحياة معا . فكيف نجبر رجلا وإمرأة على الحياة معا بزعم تعاليم الدين؟........ ولربما لا نبالغ إذا قلنا أن الجماد الطوب إذا لم نضع بينه الملاط المناسب فإنه لايتماسك ولا يشد بعضه بعضا ... فكيف هو الحال بنزعات البشر أصحاب اللحم والدم؟ ..... وهل من مقتضيات الدين أن يكون عبئا على الفرد والمجتمع؟

3) ربما لو خلق الرجل المرأة بيديه ووفق مزاجه ومراده ثم تزوجها .. لربما كنا فرضنا على الرجل في هذه الحالة عدم تطليقها وأن لا يتزوج مرة أخرى بعد تطليقه إياها .

4) إن إجبار الزوجان على الحياة معا رغم أنف المشاكل والخلافات قد أدى بالفعل إلى نشوء وتفشي ظاهرة العنف الزوجي الشرس الذي تشتهر به البيوتات القبطية في مصر والسودان وتلك الكاثوليكية في كافة أنحاء العالم.

5) إن إجبار الزوجان على عدم الطلاق رغم المشاكل والخلافات والكراهية والعنف المتبادل يؤدي إلى الإنفصال وأن يعيش كل واحد منهما في مكان مختلف (هذا في حالة توفر المأوى الآمن لكل منهما). وهو ما يؤدي في النهاية إلى فتح الباب على مصراعية لممارسة أحدهما أو كلاهما لجريمة الزنى تلبية لمطالب جسدية ونفسية رفطرية إعتاد عليها خلال فترة زواجه السابق بحلوه ومره ...... ومن البديهي إذن أن ينطبق نفس الحال بالنسبة للرجل القبطي الذي يحجر عليه الزواج ثانية بعد طلاقه...... فهل يرى البابا شنود الثالث في زنى هؤلاء رمضاء يستجار بها من نار ؟

 6) تعتبر الكنيسة في الأرض (وليس الإنجيل المنزل من السماء على عيسى عليه السلام) أن الطلاق لغير الزنا وتغيير الملة خطيئة يحرم بموجبها على مرتكبه الزواج مرة ثانية ..... وفي نفس الوقت ومن ضمن ما يردده الأقباط هو قول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : "من كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر" ...... وعليه فإنه وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يفترض البابا شنودة الثالث أن الإنسان يجب أن يكون بلا خطيئة؟

7) على البابا شنودة الثالث والمجمع الكنسي المقدس لدى الكرازة المرقسية أن يتعامل مع حقائق وطبيعة البشر في الأرض كما خلقهم الله عز وجل . وحيث لا يمكن تنميط الإنسان وتحديد نزعاته والسيطرة عليها كأنه آلة حديدية أو رغيف من إنتاج مخبز آلي . وحيث لا يجوز التناقض هنا بأن نتقبل الفرد المسيحي كإنسان في مأكله ومشربه وملبسه وفرحه وغضبه ومروءته وجرائمه وحياته ومرضه ومماته ثم نطلب منه أن يكون ملاكا ونصف إله في زواجه.

8) من نافلة القول أن كثير من المسلمين يجدون في هذا التعنت الكنسي تجاه المطلق القبطي مدعاة كي يلجأ القبطي المصري أو غيره إلى تغيير ملته إلى الإسلام حتى يجد الحل الأنسب لنزعاته الإنسانية الفطرية ..... ولكن قبل ذلك فإننا ومن منطلق الحرص على حقوق هذا الإنسان بغض النظر عن ديانته فإنه يهمنا كمجتمع أن يعيش الأفراد فيه دون ضغوط نفسية ودينية تؤدي بهم إلى إرتكاب جرائم الزنا والإغتصاب والتحرش الجنسي وهتك الأعراض وغير ذلك من جرائم يندفع إليها الإنسان المحروم من إشباع رغباته الجنسية . وحيث لا يفوتنا الإشارة إلى أن السودان يلتئم على أعداد لا يستهان بها من الأقباط المواطنين السودانيين الذين يتبعون في قناعاتهم الروحية إلى كنيسة الأسكندرية ... وهو ما يعني تأثر السودان بما يجري في مصر بالضرورة في مثل هذه الحالة. وهو ما يكسبنا الحق المشروع للتدخل بالرأي الذي نراه سليما وكفى دون إملاءات. هذا مع إحترامنا وتقديرنا للأقباط وعلى راسهم البابا شنودة الثالث.

 





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات