سؤال: كيف نحصن أبنائنا ضد التطرف وبم ننصحهم في اختيار النهج الديني الصحيح فى ظل التيارات الدينية المتعددة وخاصة فى الجامعة حتى يخرجوا من حيرتهم التى هم فيها؟
هناك حيرة بين أبنائنا وخاصة طلاب الجامعات حيث يوجد عندهم جماعات إسلامية متعددة المذاهب والمبادئ منها الإخوان المسلمين ومنها الجماعات المتطرفة مثل الجهاد ومثل غيرها من الأنواع وتقريباً كان هناك رجل من الجماعة الأمريكان كان مكلف من قِبَل المخابرات الأمريكية لعمل بحث عن الجماعات الإسلامية فعمل كتاب في ذلك وهذا الكتاب موجود في السوق فقال فيهم إنهم أكثر من مائة جماعة وكل جماعة تخالف الثانية فى فكرها وفى نظامها وفى تعاليمها وغيره، ويوجد مع هؤلاء الشباب الجماعات الصوفية وهى أنواع كثيرة منها على سبيل المثال الطرق الأحمدية التى تنتسب لسيدي أحمد البدوي فقط حوالى 60 طريقة كلها أحمدية، منها الشناوية الأحمدية، والصوفية الأحمدية، المرازقة الأحمدية، الجهادية الأحمدية، حوالى 60 طريقة وهذا غير الشاذلية وهي أكثر من ذلك وغير الرفاعية وغير البرهامية أو الدسوقية وهي تنتسب لسيدي إبراهيم الدسوقى لا يستطيع إنسان أن يعدها من الطرق الصوفية فيحتار الشباب بين ذلك أيهم على الحق الجماعات الإسلامية أم الطرق الصوفية هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لو اختار الجماعة الإسلامية فأى منهم على الحق ولو اختار المنهج الصوفي فأي منها سيسير معها وأيهم أفضل من سواها، فالحقيقة هي حيرة عامة، وبعد الشباب تراوده فكرة لماذا لا تكون طريقة واحدة والكل يسير على نهجهاوينتهى الأمر.
الحقيقة باختصار يا إخواني حتى لا أطيل عليكم لأني أعلم أن منكم من عنده مصالح أو عنده مشاغل وأيضاً الإذن مفتوح لمن كان عنده مشاغل فليتفضل ولا حرج – تعدد المناهج الإسلامية سواء كانت مناهج صوفية أو مناهج الجماعات الإسلامية، يرجع ذلك إلى وسعة الإسلام، فقد قالوا قديما: (الوسعة تقتضى التفاوت)، ومعنى التفاوت: التعدد والتباين والإختلاف، ونضرب مثل:
لو أن دكتور متخصص فى الأنف والأذن ولا يعلم غير ثلاث أو أربع أصناف لعلاج الإنفلونزا فستكون الروشتة واحدة فأي مريض سوف يذهب إليه من أى مكان سيعطى له نفس الروشتة، هل سينفع هذا؟ بالتأكيد لا ينفع، لأن الناس تختلف .. واحد يحتاج لمضاد حيوي 500 ويوجد واحد لا يتحمل 500 لأنه قد يموت لأنه فى حاجة إلى 250 وهناك من لا يحتاج أكثر من 125 وهناك واحد صحتة شديدة ويحتاج إلى 1000 ولا ينفع معه 500 فلابد أن يكون العلاج متنوع حسب الحالة التى أمامه، وأيضاً هذا الأمر يكون بالنسبة لشرع الله، فما الذي جعل هناك مذاهب فى الشريعة الإسلامية؟ اقتضت سعة الشريعة الإسلامية وجود هذه المذاهب لأنها صالحة لكل زمان ومكان فإن كل حكم من أحكام الشريعة بل كل جزئية من جزئياتها فيها في نفس الجزئية وفي نفس الحكم: حكم للشاب وحكم للمُسِن أو العجوز وحكم للمرأة وحكم للسليم وحكم للمريض وحكم لمن يعيش فى المنطقة الحارة وحكم لمن يعيش فى المنطقة الباردة وهذا فى كل حكم من أحكام الشريعة.
ولو أننى سأُفتِي فتوة واحدة للكل سوف أظلم كثير من الناس لكن الشريعة جاءت للكل، سنضرب مثل: سيدنا رسول الله e عندما سأله أحد الصحابة عن القُبلة للصائم فى نهار رمضان قال: لا بأس، وسأله آخر نفس السؤال فقال له: إنها تفطر في الصيام، فهل هناك تعارض؟ لا يوجد تعارض لأن الأول كان رجل عجوز ليس عنده شهوة تحركه فقال له: لا بأس، وأما الثاني فكان شاباً وهذا الأمر سيحرك عنده الشهوة فقال له: إن القبلة تفطر فى الصيام، فلو أنني أخذت حكم واحد وطبقته على الكل سوف أظلم الآخرين، فلو أخذت الحكم الأول فسوف أظلم الشاب بالفتن ولو أخذت الحكم الثاني وقلت إنها تبطل الصيام يكون قد ظلمت الشيخ الكبير لأنه ليس عنده شهوة وهذه السعة تقتضي: {أعطي لكل ذي حق حقه} وهكذا الأمر يا إخواني في كل مبادئ الشريعة الإسلامية لأنها لديها الوسعة فإذا نظرنا إلى الوضوء، إذا كنت أنا متوضأ وصادفت أن امرأة سلمت علىَّ، ما الحكم؟ الإمام أبوحنيفة قال: ليس في الأمر شيء، الإمام الشافعي قال: إذا كان هناك حائل –فوطة أو منديل أو شيء آخر- لا يبطل الوضوء ومن غير هذا يبطل الوضوء، الإمام مالك قال: استفتى قلبك فإن كانت الشهوة تحركت من نظرة تبطل الوضوء وليس من السلام أي أنه لو نظرت لامرأة وتحركت فيك الشهوة فلا يصح الوضوء ولكن سلمت على ألف امرأة ولم تتحرك شهوة فليس في الأمر شيء، وأين الحائل هنا، قال: الحائل هو القلب، فإختلافهم رحمة لهذه الأمة ووسعة لهذه الأمة.
الشريعة: هى العمل بظاهر القرآن والعمل بالأوامر الظاهرة التى جاء بها النبي العدنان e.
الحقيقة: هى حال القلب عند العمل بشرع الله U والإثنان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، بمعنى أنني سوف أصلي وإتجاهي إلى القبلة وطهارة الثوب والمكان ووقوفي على هيئة الصلاة والركوع والسجود وحركات الصلاة كلها بالشريعة فلو أبطلت منها شرط –وهذه الشروط تسبق الصلاة- أو ركن منها –وهذه الأركان فى داخل الصلاة- بطلت الصلاة، وهذا الكلام مفهوم يا إخواني لكم، فلو أنني جئت بها كلها على التمام وقلبي شارد عن الصلاة وذاهب بعيد عن الله U في هذه الصلاة، هل ستنفع هذه الصلاة؟ لا لن تنفع، ولكن لابد من أجل إتمام الصلاة أن يكون القلب مع الجسم في الصلاة، وماذا في القلب؟ القلب فيه الخشوع والتدبر والتفكر والإنكسار لله U.
فقلبي يصلي بالخشوع لربيوجسمي يتابع المختار في الحركات
هذه هي الصلاة، لكن الجماعات الإسلامية قالوا: ليس لنا إلا الظاهر وأما الباطن فليس لنا فيه من شيء، لنا ظاهر الشريعة نتمسك بها، نتمسك بالأعمال الظاهرة وليس لنا شأن بالأعمال الباطنية، لأهم شيء عندنا هيئة الركوع وهيئة السجود وزي النبي ولبسه الذي كان يرتديه e واللحية التى كان يتركها والسواك الذي كان يستخدمه وليس هناك في الشرع غير ذلك، ومن قال غير هذا فكلامه غير صحيح، ولكننا نقول لهم إنكم محقين في جزء ومخطئين فى جزء آخر، محقين فى لزوم الشريعة، ولكن مخطئين في قولكم أن ليس هناك غير الشريعة، ولكن الشريعة والحقيقة شيء واحد وهل ينفع جسم بلا روح؟ كذلك لا تنفع الصلاة بحركاتها الظاهرة بدون روحها وهو الخشوع، ما الدليل على ذلك؟ قول الله سبحانه وتعالى: } قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون { [الآية، ولم يقل سبحانه والذين هم فى صلاتهم راكعون، أو ساجدون ولكن العبرة هنا بالخشوع ولذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب t: {إن المرء ليشيب عارضيه في الإسلام يصلي لله خمسون عاماً لم تكتب له صلاة واحدة كاملة} قيل له: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: لا يحسن وضوءها ولا يتم ركوعها وسجودها ولا يصطحب الخشوع فيها، لأنه لابد من هذه الأركان كلها حتى تتم الصلاة، وذلك معناه لزوم الشريعة والحقيقة، والسؤال الآن بم نبدأ الشريعة أم الحقيقة؟
هذه هي نقطة الخلاف، الجماعات الإسلامية قالوا البداية بالحركات الظاهرة، فأول أمر تفعله إطلاق اللحية ولبس الجلباب الأبيض القصير وتحتها البنطلون وغيرها من الأشياء الأخرى التى نحفظها، ونقول لهم نحن وأنتم ننظر فى منهج المدرسة (المدرسة الإسلامية) من هو واضع المنهج؟ ومن هو أول مدرس في هذه المدرسة؟
واضع هذا المنهج هو الله U وأول مدرس هو سيدنا رسول الله e أول من درّس المنهج وأول تلاميذ تلقوا المنهج هم أصحاب رسول الله e نبحث معاً لنرى ما هو نظامهم وقد قال لنا ربنا U: } أولئك الذين هداهم الله فبهداهم إقتده { [الآية
متى فرضت الصلاة يا إخواني؟ قالوا فرضت قبل الهجرة بعام واحد في الإسراء والمعراج بإتفاق الروايات في ذلك. وكان النبي e يدعوا إلى الله U قبل ذلك بإثنى عشر عاماً، فماذا كان يفعل فى هذه المدة الطويلة، قالوا: كان يزكي نفوس أصحابه، ومعنى يزكيها: يطهر القلب مما فيه من الأمراض، وهل للقلب أمراض؟ نعم مرض الحقد ومرض الحسد ومرض الشُح ومرض الغيبة والنميمة وغيرها وغيرها من الأمراض التى لا نستطيع حصرها وعدها في وقت قصير.
والتزكية هذه من أجل دخول الفرد منهم على الله ليتحقق فيهم قول الحق U: } إلا من أتى الله بقلب سليم { [الآية، فيدخل على الله بقلب سليم ليس فيه شيء مما قلناه من هذه الأمراض، فلما فُرضت الصلاة أعطى الله المقياس الذي نقيس به الفلاح للمصلين فقال U: } قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى { [الآية، يعنى لابد من التزكية أولاً قبل الصلاة ويزكي نفسه يعني يطهرها مما ذكرنا فإذا صلى يصلي صلاة حضور وخشوع بين يدي الله U، ولكنه إذا صلى من غير التطهر فإنه يقف في الصلاة وياتى بحركات الصلاة كلها ويصلى الركعة حتى ولو في نصف ياعة ليعطيها حقها وزيادة ولكن وهو يصلي يفطر كيف يضر فلان وكيف ينتقم من فلان وكيف يدبر مصيبة لفلان فهل تنفع هذه الصلاة فظاهرها كامل وتام، ولذلك قال النبي e عندما قالوا له: {إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها، قال e: لا خير فيها هي في النار} والصلاة التى كانت تؤديها والصيام؟ وإن كان ذلك لقول الحق U: } إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر { [الآية، هذا هو الهدف من الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فسيدنا رسول الله e بدايته مع أصحابه أنه طهرهم أولاً وهذبهم وزكاهم وبعد ذلك فرضت الصلاة، فإذا صلى الواحد منهم بعد ذلك هذه الصلاة تكون شروطها وأركانها تامة وفيها الخشوع لله U، لأن الله U لا يحتاج إلى قناطير مقنطرة ولا إلى عداد لركعات الصلاة يعد علينا ألف ركعة أو ثلاثة ألاف ركعة، وما الذي يحتاجه منا يا رسول الله؟ قال e: {من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لم يُحدِّث نفسه فيهما بشيء خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} وذلك فى عمره كله ركعتان ولو مرة واحدة فإن الله لا يحتاج إلى عدد ولكنه يحتاج إلى خشوع ومدد، فإخواننا في الجماعة الإسلامية أخذوا بالظواهر وقالوا: ليس هناك غيرها، لأن الظواهر قد تعجب النفس وترضي غرور النفس لأنه يصير ما شاء الله تارك لحيته وعامل كذا وكذا.
فمظهره أمام الناس عالم من علماء المسلمين وشيخ من شيوخ المسلمين وليس هناك مثله وهذا الأمر يرضي غرور نفسه.
الجماعة الصوفية لم ينكروا الشريعة الإسلامية، قالوا الشريعة كما هي لأنها الأساس وهي الأصل وهي الكل ولكن لكي تُقبل لا بد وأن يكون معها الحقيقة، ولا بد أن يكون معها طهارة الباطن ومعها حركات القلب بين يدي من يقول للشيء كن فيكون، وقالوا من أجل أن يتابع المرء مع رسول الله e ليس الشأن أن يتابعه فى حركات الصلاة الظاهرة وفقط ولكن لا بد وأن يتابعه فى حركات باطنه وهو في الصلاة حتى تكون المتابعة كاملة، أين كان يتحرك قلبه وهو في الصلاة؟ أين كان يذهب؟ أإلى البيت أم إلى الحقل أم إلى المصنع؟ لا أبداً، إنه مع الله، وعندما سألوا رجل من الصالحين ولمَ كان يسهو رسول الله e قال: إنه e قال فى الحديث الشريف: {لست أنسى وإنما أُنَّسى للتشريع}وإن لم ينسى كيف كنا سنعلم حكم سجود السهو، وقال له أوضحها لك:
يا سائلي عن رسول الله كيف سهاوالسهو من كل قلب غافل لاهى
قد غاب عن كل شيء سره فسهاعما سوى الله فالتعظيم لله
فإنه استغرق في شهود الله فغاب بالله عما سواه صلوات الله وسلامه عليه، ومن أجل ذلك أقبلوا على تهذيب النفس وتصفية القلب وتزكية السر والروح مع القيام بأحكام الشريعة، هل أدركتم الآن الفارق بين هؤلاء وأولائك وكلامي هذا واضح بين الجماعات الإسلامية - والصوفية، فالجماعات قالوا الظاهر فقط ولا شيء غيره ولكن نقول لهم لا ينفع الظاهر وحده كما لا ينفع أن يعيش الجسم بلا روح ولا تنفع صلاة بلا خشوع ولا ينفع صيام بدون مراقبة باطنية للملك العلام، سوف يصوم عن الأكل والشرب والجماع من آذان الفجر إلى غروب الشمس ولكنه يتتبع بنظره النساء هل يصح صيامه أو أنه أضاع نهاره فى اللغو أو الكذب أو الغيبة والنميمة هل ينفع صيامه؟ أو يشهد شهادة زور هل ينفع صيامه؟ ولذلك قال e: {رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش} وقال e: {من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه} هل أن الصيام وحده ينفع بلا مراقبة؟ لا ينفع.
وإذا ذهب إلى الحج وإلى أداء المناسك لكن لم يعمل بقول الله U: } فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج { [الآية، فلو أنه حج وأدى الأركان وفق الشريعة ولم ينته عن هؤلاء الثلاث هل سينفع حجه؟
أخرج زكاة ماله ولكن نيته مدح الناس له وثناءهم عليه، ويقولوا أنه يخرج حق الله وينفذ شرع الله فهل تنفع هذه الزكاة؟ لا تنفع لقول الله U: } لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى { [الآية، فلا بد أن يكون هناك عمل القلب مع عمل الجسم .. عمل الإثنين معاً، فلا ينفع عملاً واحداً منهم من غير الآخر.
فالصوفية قالوا: علينا أن نعمل كما كان يعمل رسول الله e نبدأ بإصلاح النفوس ومعها نعمل بشرع علام الغيوب ومن يدَّعي الصوفية ويسقط الأعمال الشرعية فقد خرج عن طريق القوم: "فمن تحقق ولم يتشرع فقد تزندق، ومن تشرع ولم يتحقق فقد تفسق، ومن تشرع وتحقق فقد أخلص ودقق"
فهذا نظام الصوفية لا بد من الشريعة مع الحقيقة وبعد ذلك ندخل على الصوفية من منهم نسير معه؟
نسير مع الذين يقولون ويعملون ولا يتسولون، ولذلك عندما دخل سيدنا عمر t وأرضاه المسجد ووجد رجل يتعبد قال له: {من الذي يطعمك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، قال: ماذا أفعل؟ قال: لا بد أن يكون لك عمل لأن العمل عبادة لله U}
وإذا نظرت لأحد من الصوفية تجد أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه صنعة وتلك من حكمة الله ومعظم مشاهير الصوفية ملقبون بصنعتهم، فهذا سيدي "أحمد الفولي" كان يعمل بتجارة الفول، وسيدي "الجنيد" كان يعمل ويصنع القوارير التى هى الزجاجيات، وهذا سيدي "على الخواص"، وسيدي "الخراز" كان يصنع الخرز، وسيدي "أحمد الحريري" كان يعمل الحرير، وسيدي "الصايغ" كان يعمل في صياغة الذهب، فكلهم على هذا المنوال وسيدي "الحلاج" كان يحلج القطن، كان يرسلون إليه القطن في المساء ويأخذونه صباحاً محلوجاً وكان ما يحلجه في ليلة واحدة لا يستطيع غيره أن يحلجه في شهر، وكانت هذه بداية ظهوره واشتهاره، فكلهم يعملون بأيديهم لأن هذا هو شرع الله وهذا أمر الله وهم لا يخالفون شرع الله طرفة عين.
وأنا أريد أن أعرف أوصاف الشيخ الذي سأسير خلفه؟ وما الشروط الواجب توافرها فيه حتى يطمئن قلبي؟
الشرط الأول: عدم مخالفة الشريعة.
لا يخالف الشريعة في كل حركاته وسكناته طرفة عين ولا أقل، فمثلاً لو أنني وجدت شيخاً جالساً ممدداً ساقيه وهناك امرأة عن يمينه وأخرى عن يساره ويدلكون له رجليه وهما أجنبيتان عنه، فهذا لا ينفع فى السير فى طريق الله U، وإنما هذا لا يكون شيخاً إلا للشياطين، ولا يكون شيخاً فى عداد الصالحين لأن شيخ الصالحين تكون إسوته وقدوته سيدنا رسول الله e، وإذا وجدت شيخاً آخر مخاوياً للجن يعمل بالورقة والقلم والكتابة ليس هذا بطريق القوم ولا طريق رسول الله ولكن طريق رسول الله: هو شرح وبيان كتاب الله U وأن يكون معلماً.
الشرط الثاني: أن يكون عالماً بشرع الله وكتاب الله U وعالماً بسنة رسول الله e وعالماً بنهج الصالحين من عباد الله أي أنه عالم كامل طبق قول رسول الله e: {من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم}
هؤلاء الجماعة معهم علم إلهامي من الله U ولن يأتيه علم الإلهام إلا بعد العمل بالعلم الذي تعلمه فى أحكام الشريعة المطهرة.
الشرط الثالث: عدم الطلب وعدم الرد.
فإذا الشيخ طلب مني شيء من الدنيا مثل أن يقول: عليك أن تحضر خروف في مولد سيدنا الحسين، أو يقول عليك مبلغاً من المال أن تحضره فلا يصح هذا الكلام فى طريق الله لقول الله سبحانه وتعالى: } اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون { [الآية،
ذلك هو شرط الصوفية في هذا الأمر (لا نطلب ولا نرد)، لكن الشيخ لا يفرض على أحد شيء ولا يطلب من أحد مال ولا يكلف خليفته على جمع شيء من ذلك لأن الشيخ في طريق الله لا يطلب ولا حتى يخطر على باله طلب ولا يسأل بحاله ولا بقاله، فمن الجائز أنه لا يطلب ولكنه يُنَوه بكلامه عن قلة المال وكثرة النفقات ويقول ان المولد يكلف نفقات كثيرة ولا يوجد أحد عنده مزية ولا أحد يأتي بشيء فهذا هو طلب ولكن بلسان الحال.
ولكن الرجل الذي اختاره الله U لا يطلب بلسان حاله ولا بقاله ولا يتمنى في نفسه عطاءاً من أحد لشدة اعتماده على الواحد الأحد ولا يتوكل إلى على الله سبحانه وتعالى، أما الذين يحصلون على العادة التى يفرضونها على المريدين ليسوا إلا قطاع طريق الله U على عباد الله الصالحين، لأنه يدخل البيت ليأخذ منه العادة وقد يكون الذي أخذ منه العاده لا يؤدى فرائض الصلاة، فالشيخ ليست وظيفته أن يأخذ منه شيء ولكن وظيفته أن يهديه إلى الصلاة، فلعل هذا يكون ماله من ربا أو من سُحت أو من غش فكيف يقبل هذا المال، "لكن الصالحون لا يطلبون شيئاً ولا يردون"
وربنا أعطاهم كشاف إلهى يعرفون به الحقيقة فلا يقبلون شيئاً إلا إذا تحققوا أن هذا صالحاً.
الشرط الرابع: البصيرة النورانية
لقول الله U: } قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني { [الآية
فرسول الله e يدعوا إلى الله على بصيرة هو ومن اتبعه، فإذا أتى أحد بشيء يقول له: لا أحتاجها ويقول إرجعوها إليه لأنه يراها أنها ظلمة، يرى عليها ظلمة المعصية ، هل يطعم أبناءه ظلمات، فإن لقمة الحرام لها تأثير سريع جداً جداً جداً في إطفاء نور القلب والعياذ بالله U، مثل أن لقمة الحلال لها تأثير سريع جداً جداً جداً في زيادة نور القلب ولمعان القلب، فلا بد أن يكون على بصيرة، وكلمة "على بصيرة" معناها أن يوضح إلي الطريق السديد إلى الله U فإذا جلست معه وبدأ الحديث معي، فإن الله يأتي على لسانه بما هو عندى من هموم وأوجاع وعيوب وأخطاء من غير أن أقول له شيء من هذا فهو يحدثني بما هو في نفسي من غير أن أقول له شيء منها: } آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما { [الآية، فهذا يكون علماً من الله U وإذا سألته كيف عرفت هذا؟ يقول لك أنه ليس عنده شيء ولكن الله الذي علمني، أما الذي يقول: أنا علمت وأنا عرفت فهذا ليس بشيخ وإنما مازال طفلاً صغيراً، ولذلك قالوا في الحكمة: "إذا رأيت الرجل يفتح لسانه بأسرار مزيته فاعلم أن ذلك نقص في مقام عبوديته" فمقام الرجل هو مقام العبودية، مقام العبودية (التواضع والإنكسار والتذلل وإنكار الذات) وهذا هو مقام الصالحين في كل وقت وحين، ومثال لذلك الإمام البوصيري t عندما قال قصيدته العظمى (البردة) وأنشدها على سيدنا رسول الله e في المنام وخلع e عليه بردته واجتمع عليه الأنام قال لهم: لا تغتروا بي ولا تظنون أني أنفع:
أمرتك الخير لكن ما أتمرت بهوما استقمت فما قولى لك استقم
لا تظنون أني أحسن منكم ولا بخير منكم ولست مميزاً عنكم وهذه هي أحوال الصالحين الحقيقيين في كل وقت وحين، والرجل الثاني عندما سألوه أن ينصحهم فقال لهم:
أغير تقي يأمر الناس بالتقىطبيب يداوي والطبيب سقيم
فهذا هو حال الصالحين دائماً يرى نفسه لا شيء وإن خصه الله بشيء فيكون من عطاء الله ومن كرم الله ومن جود الله U حتى إذا أكرمني الله بكرامة على يديه فيقول: إنما هذه هي بركة رسول الله e وسيدنا رسول الله e يقول: هذا فضل الله وبهذا يرجع الأمر كله لله U، ولا يقول هيا خذ الميكرفون وذيع على الملأ، فلا يصح أن يكون هذا ولي، وإنما الولي يَفرُ من الكرامة كما تفر المرأة من حيضتها.
وأما الذي يطير في الهواء فإنما تحمله الشياطين لأن رسول الله e لم يطير فى الهواء، وأن أحد من أصحابه لم يطير فى الهواء، وهؤلاء هم أسوتنا وقدوتنا y وأرضاهم أجمعين.
فلا بد أن يكون على بصيرة .. عنده نور من الله سر قوله e: {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله}
وماذا يفعل الشيخ لي؟ إنه سيظل معي حتى يهذب نفسى ويصفي قلبي ويعطيني المنهج الذي سوف أسير عليه حتى أصل إلى الله U فإنه سيأمرني وينهاني، والشيخ الذي يأمر وينهى فهو غير محبوب للنفس ولكن النفس تريد شيخاً فُرجة تنظر إليه، ولذلك قالوا: الناس يحبون عالم متساهل أو ولي مجذوب، العالم المتساهل سيساهل معهم كما يريدون ويعطيهم الرُخَص، وهذا ما يريدونه، ويقولون ضعها في رقبة عالم وأخرج منها سالم وهو حر أتركه يحمل، والولي المجذوب ليس بمرشد وإن كان يظهر على يديه كرامات لكنه لا يأمر ولا ينهى وذلك طلب النفس، لكن الولى العالم العامل لا بد وأن يقول ويسأل: لم فعلت هذا ولم تفعل كذا؟ وسوف يزجر المريد فإن لم يكن في اليقظة فسوف يأتيه في المنام ويوبخه والنفوس لا تقبل ذلك إلا النفوس التى اصطفاها الله واختارها الله ليجعلها عينا من عيونه في بلاد الله وفي أرض الله U.
سؤال: كيف يختار الشيخ؟
يستخير الله والله سوف يبين له مع من يسير لأن الناس الصادقين فى الصوفية تتعدد مشاربهم حتى يشرب كل من مشربه وليس هناك إختلاف فكلهم إلى الله U، ولكن مع من أسير؟
بعد أن أستخير الله U والذي يشير عليّ الله في منامي به سوف أسير معه ولكن المشكلة كلها أن يسير المريد مع الكل فهذا لن يستفيد من أحد ولن ينتفع من هذا ولا من هذا.
هل ينفع إن تلميذ يحضر في كل يوم فى مدرسة من مدارس البلد فلن يسجل في أى مدرسة من المدارس لكن لابد أن يكون مقيد في مدرسة رسمية واحدة حتى يأتى له التموين الخاص به من كتب وكراسات وله أستاذ محدد هو الذي يضع له درجاته وهو الذي يُقَيمه وبعد ذلك إذا أراد أن يزور كل عام مدرسة ما فليزور ولكن تكون زيارة وليس مقيداً في سجلاتها ولا يكون مطالباً بدروسها، ولذلك قال الشيخ الشعراني t: (لا يصلح حال المريد إلا إذا أفرد شيخه بالقصد وجعل له شيخاً واحداً يتلقى منه ويقتدى به فى سيره وسلوكه إلى الله U)
ومن غير ذلك لا ينفع، وهل يمكنني أن أستخدم خمسة روشتات لخمسة أطباء في وقت واحد لا ينفع ذلك لأنني سوف أُلقى بنفسي إلى التهلكة لأنه لا بد أن تكون روشتة واحدة لطبيب واحد حتى أُشفى كذلك لابد أن يكون هناك شيخ واحد أسير معه حتى أصل إلى الله U، لكن أنا أريد أن أسير مع هذا ومع هذا لأن نفسي تريدني أن أكون حراً فلا أكون مقيد عند واحد حتى لا يحاسبني لأن نفسي لا تحب الحساب وتحب ان تسير على هواها فستظل هكذا لن تتقدم أبداً فى طريق الله وستظل فى مكانها وهذا حال كثير من المريدين والسالكين يريد أن يكون هنا وهناك حتى يكون على هواه.
خالف هواها وحاذر أن توليهإن الهوى ما تولى يَصُم أو يَصِم
فلا بد أن يخالف هواه ويذهب إلى من يأخذ بيده، وهذا الشيخ من الجائز أن يطردني مرة ومن الجائز أن يوبخني أو يزجرني، ولا بد أن أكون على علم بهذا الأمر لأن هذا في مصلحتي فلو نظرنا إلى الأب إذا عاقب إبنه أو ضربه فليس ذلك كرهاً له وإنما حباً فيه وخوفاً على مصلحته فعندما يوبخني الشيخ مرة أغضب وأمشي وأقول في نفسي أذهب إلى غيره فيكون هذا من نفسي فلن أنفع، أو زجرني مرة وتركته ومشيت فلن أنفع لأن هذا نظام رسول الله e مع أصحابه الكرام وأنتم كلكم تعلمون أنه عندما عاد من غزوة تبوك وجاء إليه المتخلفون جاء المنافقون إلى رسول الله وجاء كل واحد منهم بعذر فلم يعاتب منهم أحد وكان الجماعة الصادقين عددهم ثلاثة قالوا: والله ما كان عندنا من عذر فيقول للواحد منهم أما أنت فقد صدقت وانتظر حتى ينجيك الله U، وبماذا عاقبهم؟
قال لأصحابه: لا تكلموهم ولا تردوا عليهم السلام ولا أحداً منهم تخدمه زوجته ولا تطعمه ولا تسقيه، فلو أن أحداً منا عاقبه الشيخ بمثل هذا فسوف يقول: ليس لي في هذا الأمر شيء وأقول في نفسي البلد مملوءة بالمشايخ وسوف أبحث عن غيره إرضاء لنفسي وتكبرا منها، ولكن سيدنا ومولانا رسول الله e يعلمنا المنهج فكم يوماً ظلوا على هذا الأمر؟ ظلوا خمسين يوماً على هذا الحال حتى كما قال الله U في شأنهم: } ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه { [الآية، وهم على هذه الحالة وكان أحدهم شاعر وهو سيدنا كعب بن مالك فعرف بشأنه ملك الروم فأرسل إليه رسالة مع أحد رسله فذهب إلى المدينة يسأل عن سيدنا كعب بن مالك فدلوه عليه فقال له: إن ملك الروم أرسل إليك هذا المال وهذه الرسالة، فلما قرأها وجده يقول فيها: لقد سمعت أن صاحبك قد قلاك "أبغضك" وهذه الأموال لك فأقدم إلينا. فقال: هذه أيضاً مصيبة أخرى أنزلها الله علىَّ، أفبعد أن منَّ الله علىَّ بالإسلام أذهب إلى الكفرة، أنظر إلى هذا الصدق فلو أنه لم يكن صادقاً لمضى إلى بلاد الروم لكن الصدق نجّاه حتى صدر لهم قول الله: } ثم تاب عليهم ليتوبوا { [الآية، تاب عليهم الله U وهذا الكلام واضح.
وهذا الشيخ اسمه الشيخ المرشد الولى العالم العامل } الرحمن فاسأل به خبيراً { [الآية، بعدما أتأكد منه أسلَّم له روحي والذي يقول لي أنفذه ولو حتى عنفني، وإن دافعت عن نفسي فما أنا إلا طفلاً صغيراً، لأنى إذا دافعت عنها فقد نصرتها وهى لا تسير إلا بالتوبيخ واللوم والتعنيف، هي طبيعتها هكذا ولا تسير إلا بذلك، ولكنها تحب المدح وتحب الثناء، تريد عندما تذهب للشيخ فيقول له: شرفت يا شيخ فلان لقد آنستنا وكرمتنا ونريد أن نراك دائماً وضعوا له طعاماً وشراباً ليأكل ويشرب وبعد ذلك يخرج ولم يأخذ شيئاً بما وصاه لا شيء، وما المنهج الذي أخذه؟ لا شيء، لكنه يقول: لقد زرت الشيخ فلان إنه يعظمني ويكرمني، هذا الذي تقوله لي نفسي وإن لم يكن لي منزلة عند الله ما كان ليعظمني ويكرمني، وإذا ذهبت إلى شيخ غيره فقال: لا تدخلوه البيت، فيقول: ليس هذا شيخ أيطردني؟ ألا يعلم أن منزلتي عند الله عظيمة، وهذه هي هفوات النفس تريد من يعظمها ويكبرها ويكرمها لكن النفس التقية النقية الأوابة إلى الله U تحتاج شيخاً يدلها على الله U ويأخذ بيدها إليه ويدخلها نار المجاهدة لأنه لا توجد حلاوة من غير نار، وكما أن الذهب لا يظهر جوهره إلا بعد دخول التبر النار فكذلك الإنسان لا يصل إلى مقامات القرب من الحنان المنان إلا بعد أن تدخل نفسه وجسمه إلى نار المجاهدة فهذا لا بد منه.
سيدي أبو اليزيد البسطامي t قال: "كنت حداداً على نفسي إثنتى عشرة سنة ثم تنعمت بعد ذلك بعد أن فتح الله عليّ"
فكيف يتنعم أحد من غير جهاد والجهاد يحتاج إلى خبير قرآني وحكيم رباني ولا بد أن أسلم نفسي له ولا بد أن يكون معه تصريح بإذن من حضرة النبي e: } وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا { [الآية، فمن ليس معه إذن فكيف يمكنه إيصال أحداً إلى الله فهو لا يستطيع أن يُسَير نفسه فكيف يُسَير غيره، "فاقد الشيء لا يعطيه" فهذا ما قد تعلمناه.
سؤال: هل لا بد أن آخذ عهد على الشيخ؟
العهد لله ولرسوله والعهد الذي يأخذه الشيخ يقول: بايعت الله ورسوله.
السؤال: هل يشترط القرب من الشيخ في المكان؟
المرشد الحقيقي لا يشترط فيه البعد أو القرب هذا إذا كان مرشداً حقيقياً، ولقد قالوا بالنسبة للمرشد لا يشترط قرب المسافات لأنهم قالوا: (ليس بشيخ من لم يمد مريده من وراء حجاب)
وكان المريدين الأكابر في الأزمنة الماضية كان يرى شيخه في العمر مرة لكن صورة الشيخ بعد ذلك لا تفارقه ويواليه ويواجهه فى المنام أحياناً وفي العيان أحياناً أخرى، وهذا بحسب حاله وسلوكه مع الله U وليس شرطاً أن يجالس الشيخ ليل نهار، هذا ليس موجود في الطريقة ذلك لأنه ليس أحد عنده وقت لذلك ولكن يمده الشيخ، يمد روحه من وراء حجاب، فأنا إذا وجدت أن الشيخ الذي سأسير معه ليس على الطريق وليس على الجادة فعلىَّ تركه والذهاب إلى من هو على الجادة وعلى الصواب ولكن لا أفعل ذلك تسلية أترك هذا وأسير مع هذا من أجل شيء في نفسي، ولكن إذا كان الشيخ الذي أسير خلفه ليس على الجادة أو قد انتقل إلى جوار الله فعليَّ أن أبحث عن غيره ولكن الذين قالوا أن إبن الشيخ يكون شيخاً بعد انتقال أبيه وإن لم يكن يعرف شيئاً فهذا ليس صحيحاً وليس موجود فى دين الله ولكن ابن الشيخ النوراني الوارث مقامه الروحاني هو الذي يرث الشيخ، فعلي أن أنظر إلى بضاعة كل شيخ من هؤلاء من عنده الحال ومن عنده النور ومن عنده الهداية وأجعل نفسي عنده ونريد من كان معه إجازة من رسول الله ولا نريد من كان معه إجازة من شيخ المشايخ وهذا ولا بد من استحضار صورة الشيخ فى كل عمل من الأعمال.
التعليقات (0)