كانت أراضي يحمر الشقيف قبل الخمسينيات شبه جرداء يعتمد أهلها على زراعة الحبوب والتبغ وتربية المواشي، وكان فيها قليل من الزيتون القديم العهد (المعمّر) الذي كان يتشارك في قطافه أغلب أهالي البلدة، وفي أواخر الخمسينيات بادر المرحوم الحاج حيدر إبراهيم عليق بزراعة الزيتون بوسائل قديمة حيث كان يجمع البذور والنصوب من بين جذوع أشجار الزيتون ويعتني بها ويرعاها ويبذل مشقة وعناء وجهدا لا نظير له لتنمو سنة تلو الأخرى، فكان أول من امتلك كروم خاصة للزيتون في يحمر ومن ثم عمل على تنمية هذه الزراعة بإنشاء أول المشاتل المختصة في الجنوب عامة عمل فيها سنوات طويلة بمعاونة ولديه المتخصصين في الإرشاد الزراعي المرحوم الحاج سلمان وعلي حيث كان يقصد المزارعون هذه المشاتل بكثافة من كافة المناطق اللبنانية، وفي أواخر الستينيات كان أيضا أول مزارع بادر في البلدة إلى إصلاح أراضيه بالتعاون مع المشروع الأخضر، عندها بادر أهالي البلدة إلى زراعة الزيتون وإصلاح أراضيهم حتى باتت يحمر الشقيف لغاية اليوم على حوالي 25 ألف شجرة زيتون منتشرة في كرومها وأطرافها.
وفي مطلع الأربعينيات كانت يحمر الشقيف أيضا شبه معدومة علميا وثقافيا إلا بعض الذين لم يتجاوز عددهم أصابع اليد بسبب طغيان الإقطاع السياسي آنذاك وسيطرة أزلامه، ورغم هذا بادر أيضا المرحوم الحاج حيدر إبراهيم عليق، الذي كان يجيد القراءة والكتابة ولا سيّما القرآن الكريم، إلى تسجيل أولاده في مدارس النبطية الرسمية في ظل فقر وظروف صعبة وتحت ضغط أزلام هذا الإقطاع الذين كانوا يحاولون منعه عن تعليم أبنائه ورغم ذلك كان يكدّ ليل نهار بمشاركة زوجته المرحومة الحاجة نايفة حجازي ليؤمنا لهم ثمن الكتب والملبس والمأكل إلى أن قطفا أول ثمرة علم ومعرفة في يحمر الشقيف في مطلع الخمسينيات حيث نال ولده المرحوم الحاج إبراهيم حيدر عليق أول شهادة متوسطة (البريفيه) في البلدة ومن الأوائل في المنطقة فذاع صيته، وفي 11 كانون أول عام 1952 عيّن أول مدرّس رسمي من يحمر الشقيف وباشر أول مهام التدريس في بلدة حجولا قضاء جبيل وتعاقب على مناطق عدة لا زالت تذكره، فكان مثالا وقدوة إلى جانب أشقائه الأصغر وكان أبناء حيدر عليق يتميّزون بالذكاء حيث كانوا من الأوائل، وهكذا كرّت السبحة حيت بادر عندها أهالي يحمر الشقيف إلى بيع مواشيهم وإرسال أولادهم إلى مدارس النبطية لتعليمهم أسوة بأبناء حيدر علّيق حتى باتت البلدة على نسبة عالية من العلم والمعرفة كنّا نفتخر بها خاصة في كنف الأحزاب الوطنية واليسارية التي كانت تساهم في تعزيز العلم والثقافة والفكر، ولكن عادت وتدنّت للأسف في ظل سيطرة الأحزاب الطائفية والمذهبية التي ساهمت وما زالت تساهم حتى يومنا هذا في استخدام جيل الشباب أداة لمشاريعها ووقودا لحروبها على حساب التحصيل العلمي والثقافي والفكري الذي كان سائدا أيام الحركة الوطنية اللبنانية.
كان للمرحوم الحاج حيدر إبراهيم عليق أثر كبير ودور طليعي وريادي في تأسيس وتحديث زراعة الزيتون وتنميتها وفي إطلاق التنمية الزراعية واستصلاح الأراضي وفي النهضة العلمية والثقافية والفكرية في بلدة يحمر الشقيف.
التعليقات (0)