حول موقف المجمع المقدس
من حكم المحكمة الإدارية العليا بالزواج الثاني للأقباط
كمال غبريال
تضمن بيان المجمع وحديث البابا في مؤتمره الصحفي اليوم 8/5/2010 ما يلي من أخطاء:
أن زواج المسيحي "أمر ديني بحت"، وهذا خطأ يترتب عليه نتائج خطيرة، فالصحيح هو أن زواج المواطن المصري ذو شقين، شق مدني يخضع للقانون المصري، الموكل سن تشريعاته لمجلس الشعب، مع مراعاة الخصوصيات الدينية لمن تتناولهم القوانين، وشق ديني طقسي، يرجع لانتماء المواطن الديني والطائفي.
أن حكم المحكمة الإدارية العليا خالف القاعدة القانونية والشريعة الإسلامية في الحكم على غير المسلمين وفقاً لشريعتهم، وهذا خطأ يدخل في باب المغالطة التي تهدف لاستنفار الأقباط دفاعاً عن عقيدتهم على وجه غير صحيح، فالحكم يستند إلى لائحة 1938 المقدمة للدولة من الكنيسة، وهي السند القانوني المعترف به من يومها وحتى الآن، وبالتالي يكون من الخطأ المتعمد تصوير الحكم بأنه انتهاك للشريعة المسيحية ولخصوصية الأقباط الدينية.
حديث البابا عن تعديلات أخيرة للائحة 1938 قدمها المجلس الملي ونشرت في الجريدة الرسمية، أمر غير سليم قانونياً، فتعديل لائحة معتمدة قانونياً لا يتم بواسطة طرف واحد هو المجلس الملي، وإنما بمقترح من المجلس الملي الممثل للكنيسة، يناقش في مجلس الشعب، ويؤخذ فيه آراء مختلف الفئات والتيارات الفكرية ليكتسب قاعدة شعبية، ثم يعتمد بعد ذلك من مجلس الشعب. . فالنشر في الجريدة الرسمية وحده لا يعطي ما ينشر حجة قانونية، وهذا بالفعل ما أخذته المحكمة الإدارية العليا في اعتبارها عند إصدار حكمها محل النظر.
حديث البابا في الطعن في تعبير لائحة 1938 عن الشريعة المسيحية، بأن من سنها "باشوات لا يفهمون شيئاً" أمر مرفوض ولا يليق شكلاً وموضوعاً، فهؤلاء الذين يسفه منهم بعد انتقالهم من دنيانا، هم أراخنة (شيوخ) الأقباط المنتخبون، وكانوا يمثلون الأقباط قانونياً في ظل مفهوم الملل الوارد في الخط الهمايوني الذي استند إليه البابا في حديثه، وقد قدمت الكنيسة وقتها هذه اللائحة للدولة باعتبارها تمثل الشريعة المسيحية، وظلت تمثل المسيحية طوال جلوس أربعة بطاركة على الكرسي المرقسي.
إذا كان للبابا شنودة الثالث الذي خلف الأربعة بطاركة السابقين رأي مختلف في فهم المسيحية من هذا الجانب، فينبغي أن يقدمه للدولة وللأقباط على أنه رأي شخصي يرى أنه الأكثر صواباً، وليس بصفته الرأي الإلهي مطلق الصحة. . ولا يفيد في تأييد البابا في إعطاء رأيه هذه الصفة، الحديث عن أن من سبقوه من البطاركة كانوا أيضاً معترضين على الطلاق لغير علة الزنى، ذلك أنهم إن كان هذا هو رأيهم حقيقة، فإن موافقتهم طوال تلك العقود على التزام الكنيسة العملي باللائحة، يعني أنهم كان يعتبرونها تعبر عن فهم مسيحي يراعي ظروف الناس العملية، في حين أن لهم رأي مختلف لكن لا ينزع عن الرأي الذي تعبر عنه اللائحة تعبيره أيضاً عن المسيحية، وهذه كياسة ورحمة بالأقباط يفتقدها قادة الكنيسة الآن.
موقف البابا والمجمع المقدس باعتبار أحوال الأقباط الشخصية (وليس فقط ما يخص صميم العقيدة) من اختصاص الكنيسة وحدها، ووفق ما يزعمونة من شريعة مسيحية، هو توجه خطير من الكنيسة يجيشون الأقباط حوله، كما لو كانوا يطلقون النار على أمل الدولة المدنية التي يحلم جميع المصريين بها، والتي هي أمل الأقباط في التمتع بالمواطنة والمساواة مع سائر أخوة الوطن باختلاف معتقداتهم الدينية. . كما أن هذا الضغط لترجيح الاعتماد على النص الإلهي في أمور الحياة المدنية للأقباط، وعلى رأسها شئون الأسرة، يعضد مقولات السلفيين المتأسلمين بالعمل وفق الشريعة الإسلامية، ليكون على الأقباط القبول بوضعية "أهل الذمة"، وما يترتب عليها من عدم التجنيد بالجيش، وعدم تولي وظائف الولاية العامة، بالإضافة إلى دفع الجزية، وسائر ما يترتب على هذا من نتائج خطيرة على مستقبل الوطن والأقباط في القلب منه.
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com
التعليقات (0)