مواضيع اليوم

حول قضية المحللين السياسيين و مدراء المراكز الاستراتيجية العرب

نزار يوسف

2013-11-07 10:04:26

0

800x600

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-bidi-font-family:Arial;}

من كتابي ( هوية الفكر العربي المعاصر ) - صفحة / 526 / .

 

تطالعنا في هذه الأيام ، ظاهرة عجيبة غريبة ، هي ظاهرة المحلل السياسي و مدير مركز الدراسات و البحاث الاستراتيجية  فلان الفلاني .. و هي ظاهرة مستحدثة على ما يبدو ، وإحدى مفرزات مفهوم مثقف السلطة و السلطان و مثقف الكرسي الخيزران . هي ما يُعرف اليوم بمسميات تطلق على أشخاص فرديين من مثل ( رئيس المركز الاستراتيجي للدارسات - رئيس مركز البحوث و الدراسات العالمي - رئيس المركز الكوني لمجرة درب التبان الفكري ) أو يخرج عليك أشخاص تراهم لأول مرة و لا علاقة لهم بالفكر و الثقافة و تتطلق عليهم أوصاف و مسميات مثل ( الباحث الاستراتيجي - المحلل الاستراتيجي - المفكر و المحلل السياسي - محلل البول الثقافي - الباحث الاستراتيجي ... الخ ) . و لأجل ذلك نقول الاتي ..

أولاً .. إن عبارة ( مركز الدراسات الاستراتيجية ) هي عموماً ، قد ظهرت أول ما ظهرت ، في الولايات المتحدة الأمريكية و من ثم ، بريطانيا و الاتحاد السوفييتي سابقاً ( روسيا الحالية ) و ألمانيا و فرنسا ، و ما إلى ذلك من دول عظمى قوية . و هنالك دول تتحرج من اعتماد مراكز أبحاث استراتيجية لديها، معتبرة أنها لم تصل بعد إلى هذا المستوى .

 

ثانياً .. إن ( مركز الدراسات الاستراتيجية ) هذا ، يكون وجوده في مثل هكذا دول ، متناسباً و متوافقاً و متزامناً مع عظمة هذه الدولة و قوتها السياسية و العسكرية الاستراتيجية الكبرى و إمكانياتها و مواردها العلمية و الفكرية الهائلة .

 

ثالثاً .. إن ما يسمى و ما يُعرف بمركز الدراسات الاستراتيجية ، تكون وظيفته الأساس ، تقديم النصح و المشورة ، حصراً للإدارة السياسية العليا الحاكمة في تلك الدول ( رئيس الدولة - وزير الدفاع - رئيس الوزراء - رئيس الأركان ... الخ ) و ليس إلى عموم الجمهور و متتبعي التلفاز و أبو حمودة و أبو عبودة و أبو شلفوط . فالغاية الأساس من مراكز الأبحاث و الدراسات الاستراتيجية في تلك البلدان ، هو مساعدة رأس الهرم السياسي في اتخاذ القرار الاستراتيجي الصائب ، السياسي أو العسكري أو الاثنين معاً ، فهذه المراكز تختص أساساً بتقديم معلومات و إحصاءات و معطيات تمتد على مستوى العالم ككل و تكون مرفقة بنصائح معينة ، يقدم كله جميعاً على شكل دراسات إلى الرؤوس العليا في هرم المنظومة السياسية أو صاحبة القرار السياسي .

 

رابعاً .. إن مراكز الدراسات و الأبحاث الاستراتيجية ، هي عبارة عن مؤسسات هائلة عملاقة ، تحتل أبنية كبيرة ضخمة و لها فروع و مؤسسات و منظمات و هيئات تابعة لها ، منها ما يكون متشراً في أنحاء العالم و أحياناً يتبع لها وسائل إعلام .

 

خامساً .. يقوم على هذه المراكز ، كوادر علمية و فكرية و ثقافية ، على مستو كبير من الدراية و التخصص و الخبرة ، تضم في مجموعها ، العلماء و القادة السياسيين و العسكريين ، المتقاعدين منهم أو الموجودين على رأس عملهم ، كذلك تضم أساتذة جامعات و معاهد ، كبار و باحثين و كتّاب متخصصون أقارع ، الذين لديهم مؤلفات و كتب بحوث ، و ممن له ماضٍ و باع في الفكر و السياسة و الحرب ، و ليس أشخاص مجهولون لا يُعرف لأحدهم قرعة أب ، يؤتى بهم من قوارع الشوارع . و نادراً ما يظهر هؤلاء الكوادر الحقيقيون في وسائل الإعلام أو القتوات التلفزيونية ، إلا لحاجات الضرورة القصوى أو لأمر هام جلل . و عادة ما يتم الحديث عنهم في وسائل الإعلام تلك بصيغة الغائب ، و ذلك بنقل تصريحات و أقوال لهم ، أو مقاطع من بعض دراساتهم ، فغالباً ما يمتنع هؤلاء عن إجراء لقاءات صحفية أو تلفزيوينة ، إلا للضرورات القصوى و بمناسبات نادرة .

 

هذا بالنسبة لمراكز الأبحاث الاستراتيجية ، أما بالنسبة للتوصيفات من مثال (باحث استراتيجي - مفكر استراتيجي - محلل استراتيجي - كاتب و محلل سياسي ... الخ ) فهي بالتعريف الأساس الصحيح لها .. هو الشخص البالغ من العمر عتياً ، و المتحصّل على موقع استراتيجي بمجال معين و خبرات فكرية ثقافية تؤهله لأن يكون خبيراً أو باحثاً استراتيجاً . و عادة ما يكون هذا الشخص من رعايا و مواطني دولة عظمى كبرى ، أو دولة إقليمية ذات وزن كبير ، و يتسلم هذا الشخص فيهما مناصب قيادية كبرى كقائد جيوش مثلاً ، أو مناصب سياسية عالية و متنوعة ، كأن يكون سفيراً لدولة كبرى أمضى حياته متنقلاً بين عواصم العالم الكبرى ذات الأهمية العالية و الحساسة ، و يكون قد شارك بخبرات و حوادث ميدانية ، عسكرية أم سياسية ، على مستوى العالم و دوله و  أحداثه الهامة الجسام . و غالباً ما ينطبع طابع الباحث الاستراتيجي أو المحلل الاستراتيجي على هؤلاء الأشخاص أو ما يقاربهم بشكل كبير ، كشخص له باع طويل في السياسة الدولية ، من خلال عمله طيلة حياته مثلاً ، في منظمات دولية متعددة ، و أخر سياسية ، و شارك بأكثر من عملية مفاوضات سياسية دولية ، و تنقل بحكم وظيفته أو موقعه ، بين مختلف دول العالم . و يهمنا القول إن الكثيرين في دول الغرب المتحضرة و القوية ، من أصحاب المواقع السياسية و العسكرية و الفكرية ، يتحرجون من تسمية أنفسهم بمثل هكذا أوصاف ، و يعتبرون أنفسهم أنهم لم يصلوا بعد إلى موقع يؤهلهم الحصول عليها . و ذلك من باب معرفة الشخص من هؤلاء ، لحجمه الحقيقي ، و من منطلق المثل القائل .. ( العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً ، لكن الجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً ) .

 

إذا نظرنا إلى عالمنا العربي اليوم ، لرأينا العجب العجاب و المضحك المبكي ، حيث يخرج عليك أشخاص من أشباه المثقفين و ليسوا مثقفين .. و أشباه المفكرين و ليسوا مفكرين .. لا قِراعهم قِراع علم أو فكر أوثقافة أو أدب ، و لا ماضيهم كذلك . يخرج الواحد منهم و الذي ليس له و لا كتاب واحد أو مؤلف واحد ، يخرج في هذا الزمن العربي الرديء ، زمن العهر و التعهر و المعاهرة .. يخرج على القنوات الإعلامية العربية و يُكتب عنه أنه ( مدير مركز كذا للدراسات الاستراتيجية ) . شخص مشبوه فكرياً و ثقافياً و أدبياً ، في إعلام مشبوه من أساسه فاقد للمصداقية أمام شعوبه ، في عملية مشبوهة بعضها ضمن بعض ، و كله من منطلق المثل القائل ( إن لم تستحِ فافعل ماشئت ) .. يا أخي ألا تستحي من نفسك ؟؟!! ألا تخجل من نفسك ، أنت و إعلامك هذا ، الذي اصطنعك ، باستضافتك و إطلاق مثل هكذا وصف و تسمية على شخصك ؟؟!! . أنت صنيعة من صلب صنيعة .. أنت صورة عن هذا الزمن الفاجر الكافر . هل تستطيع أن تشرح لنا هذه الحالة و التوصيف التي وصموك بها و التي تُبكي منشد الأفراح قوافيا ، و تُضحكُ ربات الحجال البواكيا ، في آن معاً ؟؟!! أي مركز أبحاث و دراسات هذا الذي تدّعيه أنت و إعلامك ؟؟!! أي بحوث و دراسات هذه ؟؟!! و أية إستراتيجية هذه ؟؟!! و يدعي هذا الإعلام المتواطئ معك ، أنك باحث و كاتب و محلل سياسي و استراتيجي ، و أنت لم تؤلف يوماً كتاب واحد و لم تقرأ ربما كتاب واحد و لا علاقة لك لا بالفكر و لا الأدب ، من أين لك بمركز دراسات و بحوث إستراتيجية ؟؟!! أنت الذي لا تغيب عن إعلامك هذا ، يومين إلا و تظهر في الثالث . أما وجدت صورة تلمّع بها نفسك و وجهك ، سوى القول أنك رئيس و مدير مركز دراسات و بحوث ؟؟ أين مركز دراساتك هذا ؟؟ و أين دراساتك تلك ؟؟ إن كل كلامك هو إما تحريض للنفوس أو تضليل للعقول . مرة تخرج علينا بصفة كاتب و باحث ، و مرة بصفة باحث استراتيجي ، و مرة بصفة محلل استراتيجي و أخرى محلل بول، و مرة بصفة مفكر ، وأخرى بصفة خبير استراتيجي .

إن عبارة توصيفية من مثل ( الكاتب و الباحث ) تتألف من مفردتين .. (الكاتب ) و تعني بكل بساطة أن هذا الشخص له مؤلفات و له كتب .. (الباحث) و تعني أيضاً بكل بساطة أن هذا الشخص يكتب و يؤلف في مجال البحوث و الدراسات ، التاريخية منها أو السياسية أو الدينية أو الاجتماعية ، أو كلها مجتمعة ، هذا هو تعريف توصيف ( الكاتب و الباحث ) . فعندما تبحث عن هذا الشخص المسمى ( كاتب و باحث ) و تستعلم عنه ، تكتشف أنك أمام شخص لم يؤلف كتاباً واحداً في حياته و ربما لم يقرأه ، ثم تكتشف بعد ذلك أنه لا علاقة له بالفكر و الثقافة ، و أن له مجال آخر تماماً .

إن إطلاق مسميات و توصيفات مثل ( كاتب و باحث - محلل سياسي - باحث استراتيجي ... الخ ) على أشخاص لا يصلون إلى أعلى من كلمة (متعلم) مثلها كمثل أصحاب اليافطات التجارية الدعائية و التي تعطي دلالة كبيرة و إشارة واضحة على الكذب و الخداع و قلب الحقائق و بشكل أدق ، النفاق الخفي .. ترى مكتباً تجارياً يعتمد التدليس و الخداع مع الزبائن ، و يعلق يافطة على مدخل مكتبه ، كُتبَ عليها ( مكتب الوفاء ) . و آخر مشهور بالنصب و الاحتيال و محكوم بكذا جناية ، يضع على باب مكتبه أو دكانه يافطة تقول ( مكتب الإخلاص التجاري ) . و آخر اشتهر بالسرقة و الاختلاس يسمي مكتبه التجاري ( مكتب القناعة للتجارة ) . تقف أمام دكان أو حانوت لبيع الفروج ( الدجاج ) حيث ترى قطعان الفراريج المذبوحة و المقطّعة الأوصال و المعروضة للبيع ، فترفع نظرك إلى الأعلى قليلاً لترى يافطة مكتوب عليها ( فروج المَلِك ) . و بجانبه دكان مشابه لبيع الفروج المذبوح و المقطع الأوصال و فوق البوابة ، يافطة كبيرة مرسوم عليها ديك يرتدي بذلة رسمية مع كرافتة و يجلس على كرسي يدخن النارجيلة ، مكتوب بجانبه عبارة ( فروج الأمير ) . كذا الأمر نرى لحّام و قد علق عجل مذبوح مسلوخ معلّق من عرقوبه و الدماء تسيل منه إلى الأرض ، و فوق الحانوت ، يافطة مكتوب عليها بالخط العريض ( ملحمة العجل السعيد ) أو ( ملحمة العجل الضاحك ) .. هذا من ذاك ، و هذه القرعة من ذاك الرأس . كل ذلك منهج و نتاج نفاق إرادي أو لا إرادي .

 

نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !