مواضيع اليوم

حول ضرورة تجديد المعرفة الدينية

zakaria zakaria

2009-02-08 17:49:38

0

حول ضرورة تجديد المعرف الدينية

كثر الحديث عن ضرورة تجديد العلوم الدينية في الآونة الأخيرة، وقد يكون ذلك مصحوبا بمبادرات علمية وأحيانا بدعوات من هنا وهناك[1]. لكن تبقى هذه الدعوات في غالبيتها منحصرة في قضايا خلافية حول تقويم المعرفة الدينية دونما النفاذ إلى الأسس النظرية لهذه المعرفة. وقد اعترت هذا النقاش نواقص كثيرة سواء من طرف بعض أصحاب دعوى التجديد أو من جهة من يرفض المس بالعلوم الدينية بدعوى كمالها وعدم حاجتها للتجديد[2]. فإذا كان الأصل في النقاش الاعتراف المتبادل بالحق في الاختلاف، فإن التشنيع على هذا الطرف أو ذاك لا يترك المجال للنقاش العلمي والفكري ليحصل به المراد. وفي هذا الباب أود أن أشير إلى ملاحظة مهمة، وهي أنه لا أحد يحق له يتكلم باسم المعرفة الدينية محتكرا إياها لنفسه، قادحا في من قد يكون له اهتمام أو رأي فيها. كما لا يجوز أن ينعت من يدلي بملاحظاته حول هذه المعرفة بالمشاغب أو الضال، أو العصراني[3]. كما لا يجوز لمن له ملاحظات حول المعرفة الدينية أن يعتبر دعاويه مطلقة وملزمة إلى أن يثبت جدارتها العلمية وقوة أسسها النظرية.

أما بخصوص تأملاتي هذه، حول موضوع يعترف المختصون فيه بصعوبته، فإنها لا تعدوا أن تكون ملاحظات لشخص فضولي يود أن يصرح بما يخالج ذهنه. وفي هذا السياق أعتبر هذه الأفكار مجرد تساؤلات تسعى إلى جلب الانتباه لأهمية قراءة المعرفة الدينية من جهة نموذج معين، وهو أصول الفقه ودوره في تغييب الجوانب السياسية والاجتماعية  انطلاقا من ملاحظات منهجية حول الطريقة التي قرأ بها هذا العلم المشكلة السياسية.

من المعروف جدا أن علم الفقه مرتبط بعلم الأصول، باعتبار هذا الأخير البناء المنطقي للأول. فقد تم التركيز دائما على أهمية أصول الفقه بالنسبة للتشريع في المعرفة الدينية الإسلامية، وقد جرى العرف عند جل النظار المسلمين أن يعتبروا مصادر التشريع هي الأصول التي ينبغي التقيد بها في إصدار الأحكام الفقهية حول وقائع معينة. ومن المعلوم أيضا أن كتاب الرسالة للشافعي هو أول محاولة منظمة في لتقعيد لأصول الفقه. فحسب بعض الدارسين لم يكن هناك قبل كتاب الرسالة نظام جامع، ولا قواعد كلية يرجع إليها الناس، بل إنهم يتكلمون في المسائل الأصولية حسبما اتفق؛ ولهذا فإن نسبة أصول الفقه للشافعي كنسبة المنطق إلى أرسطو[4].

إذن يهمنا هنا كتاب الشافعي في طرح السؤال التالي: إذا كان كتاب الرسالة هو أول محاولة منظمة في أصول الفقه وهو يحتوي القانون الكلي والقواعد العامة لاستنباط الأحكام الشرعية وإقامة الأدلة عليها، وفيه يرتب الشافعي مصادر الأحكام، فمن الممكن أن نطرح الفرضية التالية: هل كان هاجس الرسالة طرح نظرية في التشريع من منطلق تدليل صعاب استنباط الأحكام من النصوص الدينية فقط أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى إعادة تأسيس هذه النصوص من منطلق تأويلي يبرر للفترة التاريخية للشافعي إمكانية تأسيس أصول الفقه وفق منظور إيديولوجي محكوم بظرفية تاريخية وسياسية؟ لماذا قيد الشافعي مفهوم النص بالخلفية "الكلامية" التي تعني به النقل في مقابل العقل؟ و لماذا لم يصرح الشافعي بمنهجيته الأصولية في الرسالة بل اكتفى بعرض مضمون أفكاره بطريقة حوارية دون التصريح علانية بالمنهج المتبع؟

قبل أن نتطرق إلى هذه الأسئلة، يجدر بنا أن نضع بعض الملاحظات حول المرحلة التاريخية للشافعي وكذا منهجيته في تأسيس الأصول.

من المعروف أن الفضاءات المكانية التي شكلت ذهنية الإمام هي: مكة حيث ولد، والمدينة حيث قرأ لملك الموطأ ثم العراق، حيث درس فقه الحنفي، كان ذلك سنة 184هج. وقد تشكلت قريحته في العلم بعد ذلك فتولى الفتوى في السجد الحرام، وبدأ ينتشر له مذهبه حتى عاد إلى العراق مرة أخرى فتأتى له نشره، كان ذلك أواخر القرن الثاني للهجرة وبداية القرن3هج. كان مذهبه وسطيا بين فقه مدرسة الحديث وفقه مدرسة الرأي، مع مناصرته للسنة حيث كان يحاجج بخبر الواحد والحديث المرسل، وقد انتشر مذهبه بين أهل مصر بشكل كبير[5].

لقد تأثر الإمام بالحركة الثقافية والحراك السياسي والاجتماعي لزمانه، خصوصا أواخر القرن 2 هج، حيث تأسست الدولة العباسية وانتشرت إيديولوجيتها وما صاحب ذلك من ترجمات للعلوم العقلية والفلسفة، ودخول أفكار جديدة على الثقافة العربية وما يتطلبه ذلك من مناظرة معها ونقاشها. وقد شهد هذا القرن كذلك حركة تدوين كبيرة للمعارف الإسلامية من علوم حديت ولغة وفقه وتفسير.. كل هذه الاعتبارات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لوضع فكر هذا الرجل في سياقه التاريخي.

إذن، ليس من الغريب أن يقوم الشافعي بتأسيس أصول علم الفقه في هذه الفترة، حيث لا زالت هذه العلوم في حاجة إلى مشروعيتها، وكذلك السنة والحديث باعتبارها مصدرا ثانيا للتشريع بعد القرآن.  فأي نوع من الدراسات تلك التي ستكشف عن الخلفيات الأيديولوجية لآليات التأصيل التي اعتمدها هذا الأصولي من حيث هي منهج نظري وفلسفي وليس فقط فقهي أصولي؟

 

تحضرني هنا الدراسة القيمة التي أنجزها المفكر نصر حامد أبو زيد، حيث أوضح في كتابه " الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية " أن الشمولية التي حرص الشافعي على منحها للنصوص ، إنما تسعى إلى تكبيل الإنسان بإلغاء فعاليته وإهدار خبرته. أما إذا أضفنا إلى ذلك، يقول نصر حامد، أن مواقف الشافعي الاجتهادية تدور في إطار المحافظة على الثابت، فهي تسعى إلى تكريس الماضي بإضفاء طابع ديني أزلي على الممارسة الفقهية. إن السياق الأيديولوجي للاجتهادات العلمية لهذا الفقيه، يدور حول ترسيخ الممارسة النصية بما يضمن لها الاستمرارية والشيوع والهيمنة على مجمل الخطاب الديني كله منذ عصر التدوين. ولهذا يجب تكسير حاجز الصمت حول هذا السياق، وتفكيك مستنداته الفكرية والعلمية لفتح المجال أمام مجاوزة تحنط النصوص المكبلة بالقواعد الفقهية والحواجز النفسية.      

 

 

الحسين أخدوش/ المغرب



[1] . انظر على سبيل المثال تجربة حسن الترابي في كتابه تجديد الفكر الإسلامي- دار البعث بالجزائر- الطبعة الأولى، ودعوته إلى تجديد علوم أصول الفقه.

[2] . أنظر على سبل المثال ردود سعيد بيهي حول إقامة البراهين والأدلة على انحصار القواعد والأدلة، حوار علمي هادئ مع دعاة تجديد أصول الفقه، مكتبة الهداية- الدار البيضاء- الطبعة الأولى، 1426هج/2005م.

[3] . أنظر دعوى سعيد بيهي في الرد على مخالفيه، الرجع السابق ص 8-9

[4] .انظر سلسلة تقريب التراث، كتاب الرسالة للشافعي، إعداد محمد  نبيل غانيم- مركز الأهرام، ط 1988م-1408ه ص31-32

[5] .الرجع نفسه، ص 27




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !