يرتبط الرمز بشكل عام و الرمز القومي بشكلٍ خاص بتاريخ المجموعات البشرية و تطورها خلال مدة زمنية طويلة، و تلعب العواطف الإنسانية و خاصةً الذكريات المشرفة كالإنتصارات دوراً كبيراً في إخراج الرمز بالشكل الذي هو عليه، ثم يصبح بعد ذلك إرثاً عزيزاً تتداوله أجيال تلك المجموعة.
فالرمز القومي الذي يعتبر العلم أحد تعبيراته هو مثل الإنسان، و هو إذ يبدأ طفلاً فإنه يأخذ من حياة الشعب الكثير من الحب و الرعاية و الدماء و الدموع، حتى يرتبط بهذا الشعب كإرتباط الطفل بوالديه، و تمر الأيام و السنون و التجارب على الشعب فتصقله و تغير من أحواله، و مع ذلك يبقى العلم ذلك الطفل المدلل الذي تجلب رؤيته كل مرة، و هو يرفرف في الأعالي، المسرة للقلوب.
إذاً ظهور الرمز هو عملية تراكمية لا تحتاج إلى قرار، و القرار يأتي في مرحلة تالية على وجوده، أي أنه مجرد إعترافٌ بالواقع و تثبيت له، فليس هناك شعبٌ في التاريخ إلتفت حول نفسه ليكتشف فجأةً أن لا علم له، أو يقرر أن علم آباءه و أجداده لم يعد يعجبه، فيبدأ بإستدراج عروض بالسرعة الكلية لخياطة علم يستره، و هو ربما يناسب الذوق الفني لبعضٍ من أعضاء لجنة إنتخبت نفسها لهذا الغرض، لكنه قد لا يعجب أذواق جميع الناس في الحاضر و المستقبل.
لا شئ يجمع الكُرد في كل مكان سوى علم كُردستان بألوانه المعروفة، فالوطن مقسم، و اللغة غير موحدة، إذ أن هناك صعوبة جدية في فهم اللهجات المختلفة، و (أي رقيب) لا يحفظه الجميع، كما أن التاريخ أخذ يسلك دروباً مختلفة تصبح لها مع الزمن مصبات متباعدة، لذلك يستغرب المرء الدعوات إلى إلغاء الأمل الوحيد الذي يلتف حوله الكُرد و الذي قد يلغي يوماً جميع الفوارق بين الشعب الكُردي.
يُهيأ لي أن الدعوة لتصميم علم يناسب الخصائص القومية للشعب الكُردي في سوريا ـ إذا صحت ـ تفتقر إلى الدقة، فالدعوة في الحقيقة هي لتصميم علم يناسب اللحظة الحزبية الراهنة للمكونات صاحبة الدعوة، و هي قد تتغير سريعاً مثلها مثل غيرها و مثل الإتفاقات التي تجمع أطرافها، و حينها سيضاف سببٌ جديد لأسباب النزاع يكون محوره العلم، و الدعوة تأتي في الواقع لحفظ ماء الوجه للطرف الذي حاول فرض عَلَمه بالقوة لكنه لم يلق رواجاً بسبب رفض الشعب له و لإفتقاره في الحقيقة لأي معنى، و هي بالنسبة للطرف الآخر مُتابعة لسلسلة تنازلاته التي لا يعلم هو نفسه إلى أين ستوصله.
و رغم أن (مشكلة العلم) ليست قضية الساعة، لكن طرحها بهذا الإلحاح يدفع المرء للتساؤل و هو إذ يرى (إعلان هولير) يُفرّخ الهيئة تلو الأخرى، و تولد تحت رعايته لجنة من رحم أخرى، فيما إذا كانت أي من هذه الهيئات التي ولدت بهذه الطريقة، الشرعية للشطب على رموز و إستبدالها بأخرى، و هل جرى إستطلاع آراء المعنيين بالأمر في تغيير علمهم؟
يؤسفني أن أبلغ من يرغب في تغيير الرمز القومي للشعب الكُردي بفشل مسعاه، المسألة أيها السادة ليست بتلك البساطة التي تشبه إيجاد راية لفريق كُرة قدم يستطيع إداريي الفريق مفاجئة جمهورهم به، المسألة أكبر من ذلك بكثير، فتحت هذا العالم و لأجله سقط الشهداء، و حلم الكُرد بكُردستان، و بنوا آمالاً عريضة بتحريرها، شاركهم فيها أخوتهم الكُرد في كل مكان.
إن تغيير العلم في هذه الآونة ليست بتلك القضية الملحة، و من يسمع مثل هذه الدعوة يُخيل له أن قلوب أصحابها قد تصافت، و قاموا بحل جميع مشكلاتهم، إذ عُرف قتلة الشهداء و تم القصاص منهم، و أطلق سراح المخطوفين و تم الإعتذار منهم، و ليس هناك فوضى في كل شئ، و لم يتبقى إلا راية لتجييش الجيوش تحت ظلالها و ذلك لإتمام الإحتفالات بالنصر.
على من يرغب بتغيير الرمز الكُردستاني أن يعلم أنه يشطب على ماضي شعبه، و أن يكف عن الحديث عن شئ أسمه غربي كُردستان أو كُردستان الغربية أو كُردستان، و ليدرس التاريخ الكُردي، إذا أراد، بإعتباره تاريخاً لا صلة له به، لا من قريب أو بعيد.
النص عبارة عن أجوبة على أسئلة موقع (ولاتي. نت) حول عزم الهيئة الكُردية العليا إيجاد رمز قومي خاص بالشعب الكُردي في سوريا.
التعليقات (0)