مواضيع اليوم

حول الديموقراطية

ait oubrahim

2009-04-17 20:42:15

0

بعد قرون عديدة عاشتها البشرية في ظلام شديد ، استطاعت فيها عقول بعض المفكرين والمعلمين ان تخترق حجب الظلام وتبعث فيها شعاعاً من الضوء ليتوسع وينتشر مع الزمن مؤشراً للملايين من ابناء البشرية طريق الكفاح والنضال من اجل تغيير واقع حياتهم المسربل بالعنت والعسف والارهاب لينطلقوا في افاق جديدة يتصدرها حق الانسان في الحرية والكرامة وبناء عالم خال من الاضطهاد والعبودية . وتدافعت تيارات التحضر والمدنية تجتاح كهوف الظلام لتغمرها بنور الثورات التي تدفقت اشعاعاتها لتبدد ظلام التخلف والانحطاط الفكري والسياسي والاجتماعي وتمنح شعوب الارض سبل تلمس طريقها نحو الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وتنير للفكر سبل التطور والتقدم والابداع.

 


ولكن لايعني هذا البته ان جميع شعوب الارض نالت استحقاقاتها مما بلغته البشرية اذ بقيت عديد الشعوب ترزح تحت عبْ ظلام حياتها الدامس ، وحالت نظمها الشمولية والمستبدة من تسلل النور الذي غمر العالم الى شعوبها لتبقى اسيرة قرارات حكامها وسياساتهم الطاغية ، ولكن على الرغم من كل السدود والحواجز التي تقيمها نظم الاستبداد والديكتاتورية للحؤول دون تواصلاً شعوبها وتفاعلها وتلاقح افكارها ورؤاها وثقافاتها بمفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان فأنها لابد بالغة ارادتها في ارساء قواعد لنضالها الدؤوب والحثيث للحاق بركب النظم التي انتصرت لحق الانسان في الحياة والكرامة .
ومن الحقائق التي يتعين ادراكها ان شعار الديمقراطية لا يحمل مضمونا او مفهوما واحدا" لدى جميع الذين يرفعونه بل قد يتباين تباينا" كبيرا" حتى قد يعني احيانا" مفاهيم وتأويلات متناقضة سواء على الصعيد النظري او التطبيقي بعد ان سخرت هذه الكلمة احيانا" للسيطرة وتكييف افكار الناس خدمة لنظام لما لها من قوة جذب لدى الانسان المعاصر .
ان مدلول كلمة الديمقراطية ومقاييس تطبيقها على ارض الواقع يؤشر اذا ما كانت النظم والقوى السياسية التي ترفعها لاغراض الدعاية وحدها ام هي مخلصة لها تأكيدا لايمانها بها كطريق حياتي يؤطر مسيرتها السياسية والاجتماعية ليعطي للحس الانساني ابعاده الحقيقية ، وان كلمة الديمقراطية تحمل العديد من المضامين وحسب القوى الطبقية التي ترفعها فأن مفهوم الديمقراطية لدى البرجوازية يختلف اختلافا" جوهريا" عما هو لدى الطبقات الاخرى ، وحتى المفهوم لدى البرجوازية يختلف باختلاف المراحل، فأن مدلول الديمقراطية لديها قديما عندما كانت تصطرع مع النظم الملكية التي كانت تدعم الاقطاع تختلف كليا" عنه الان بعد ان اصبحت على قمة الهرم السياسي ، كما ان المفهوم اختلف لدى عامة الناس قديما عما هو عليه الان ، فبينما كانت جموع الشعب تعارك الحياة من اجل البقاء وتحسين مستويات المعيشة بعد ان كانت الامكانات المادية لاشباع حاجاتها الاساسية غير وفيرة كانت تطالب بديمقراطية المساواة والفرص المتكافئة وفتح باب التعليم والثقافة لها ولابنائها في حين اصبح المفهوم الان بعد ان اشبعت حاجاتها المادية والتعليمية والثقافية ذات ابعاد اكبر واعمق فحينما كانت قساوة الحياة تفرض على الانسان ان يوفر وقته وجهده في الصراع من اجل الحياة والبقاء فأن تقدم البشرية وزيادة الرفاهية جعل لديه متسعاً من الوقت لمزيد من الاهتمام بما يجري في المجتمع فتغير نمط علائق الفرد بالمجتمع فاصبح اكثر التصاقا" بمشكلات مجتمعه وغدت نقاط التماس مصالحه وعائلته اكثر مما عليه سابقا" ونتج عن ذلك تفاعلا وتأثيرا متبادلين بين الفرد والمجتمع ، كما ان التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته المجتمعات المتقدمة خاصة جعلت الفرد امام مصاعب وتناقضات جمة هي وليدة التقدم الحضاري ، فرضت عليه نمطا مغايرا من العلاقات مع مجتمعه وبخاصة في المجتمعات الرأسمالية حيث ان الضغوط التي تمارس عليه نتيجة لهذا التقدم جعلته يشعر بأنه مستلب عاجز عن السيطرة على حاضره ومستقبله وان هناك قوى تتجاذبه باتجاهات مختلفة ولا يملك مفراً من الخضوع لها ، وان الشروط المادية القاسية التي يعيشها الانسان في ظل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة وشعوره بقيود العبودية التي تشده الى الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي لم يسهم بشكل فاعل ومؤثر في صنعه جعلت من الديمقراطية هدفا" مقدسا يناضل الانسان من اجل بلوغه لتغيير واقع علاقاته المجتمعية واخضاعها لمشيئته والمساهمة في تحرره من قيوده غير المرئية والتي اصبح عاجز كليا" امامها ، لهذا اصبحت الديمقراطية طوق نجاة لانتشاله من مستنقع مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتكييف نشاطاته على وفق رغباته ومصالحه ، ومن هنا اخذت الديمقراطية هذا البعد الانساني والتي باتت تشكل مطمحا" وغاية لكل البشر على اختلاف درجات وعيهم وادراكهم ومواقعهم .
ولما مثلته الديمقراطية من قوة اغراء في حياة الناس انصرف الكثير من السياسيين والمفكرين لايجاد اكثر الالفاظ دلالة لمعانيها وكان من اكثر هذه التعاريف للنكولن هو (حكم الشعب بالشعب وللشعب )غير ان من ينظر الى خارطة العالم السياسية لم يجد أي نظام في العالم يتمثل هذا المعنى ، لان هذا التعريف الذي هو بمثابة مثل اعلى لمفهوم الديمقراطية ، هو بعيدعن المفهوم السياسي الاجتماعي الذي خلق هنا او هناك نماذج من الديمقراطية والتي هي يقينا بعيدة عن جوهر هذا التعريف وتعبر عن حكم طبقة اجتماعية او اجزاء منها في غياب رأي الغالبية من الشعب وفي شروط تأريخية معينة حيث ان المعنى الحقيقي لهذا التعريف هو ان يمارس المجتمع مباشرة جميع قضاياه الحيوية وذلك برفع اعضاء من صفوفه لينهضوا بهذه المهام ويستطيع في أي وقت ينحرفون به عن المهام الموكلة اليهم ان يزيحهم عن مواقعهم التي انتخبوا اليها في حين هذا لم يكن ميسورا في ارقى الدول الديمقراطية حيث ان جهازا" خاصا متميزاً عن المجتمع يدير هذه الشؤون بغياب المجتمع يسمى الدولة وتملك تحت متناول يديها اجهزة القهر والقمع لترويض اعضاء المجتمع ووضعهم تحت وصايتها ، وبذلك يفقد المجتمع رقابته على السلطة السياسية وممارساتها ، وتمثل الدولة بجهازها التنظيمي استلاباً والغاء للمجتمع وبدلا" من ان تكون اداته في تمشية اموره وتحت رقابته تصبح قوة فوقه ومنعزلة عنه ، وعوضا" من ان تصطرع اراء ابناء المجتمع وتتبلور مواقف تمثل الاغلبية في مختلف شؤونه العامة مؤطرة بالقانون الذي وجد بارادة الاغلبية لتنظيم الحياة العامة للمجتمع تصبح الدولة القوة الفعلية ذات الارادة الواحدة وتفسره حسب اهوائها بما يخدم جهازها المنظم الذي هو اداة الطبقة المسيطرة اقتصاديا " ذات الموقع المتميز بوسائل الانتاج ويطبع النظام نفسه بطابع علاقات الطبقة السائدة وحتى هذه الطبقة التي رسمت معالم وروح النظام السائد فأنها لا تحكم الا القلة منها ذات النفوذ الاقتصادي الكبير والتي تمسك بيدها مفاصل الاقتصاد وبالتالي زمام السلطة السياسية والاقتصادية وان ما يسمى بالحقوق المتساوية بين ابناء المجتمع وحقهم في ادارة شؤونهم الاجتماعية وفي تنظيم علاقاتهم السياسية والاقتصادية ما هي الا اطراً ديمقراطية قد افرغت تماما" من مضامينها واصبحت اطر بدون صور وهذا ما نلاحظه بالعدد القليل من اعضاء المجتمع الذين يشكلون الجهاز السياسي ويحكمون بأسم الاغلبية دون قدرتهم على ازاحتهم عن سدة المسؤولية ان كلمة الديمقراطية لم تأخذ ابعادها ومضامينها الحقيقة الا مع ظهور البرجوازية على مسرح الحياة السياسية كقوة اقتصادية وبدأ منظرو البرجوازية الكبار يحقنون في شرايينها الدم الذي يصبغها بصبغة عصرها والذي هو حاجة الطبيعة البشرية الى الحرية والمساواة ، وبالدرجة الاولى حاجة الطبقة الصاعدة والتي بدأت براعمها تتفتح من رحم النظم الملكية المطلقة المدعومة من الاقطاع وبما يخدم هدفها انذاك بالصعود الى الحكم كطبقة قائدة جديدة وتحويلها في ذات الوقت الى شعارات تدغدغ بها عواطف الجماهير لتسير خلف رايتها في تصفية الاقطاع نهائيا " وكل الامتيازات التي يتمتع بها والمحرومة هي منها واجتثاث افكاره ومنطلقاته من ارض المجتمع وهذا كله لا يتم الا عبر تسلقها سلالم السلطة والسيطرة على جهاز الدولة ، الاداة الفعالة في تغيير بنية المجتمع الطبقية .
لم تكن هناك كلمة ذات مفعول اكثر جاذبية وتأثيراً من كلمة ديمقراطية تستخدمها البرجوازية لتعبر بها عن صبوات الشعب ليتجمع تحت راية نضالها وهي الكلمة ذات المدلولات الكثيرة والتي تستطيع ان تكيفها بأرادتها بما يخدم هدفها السياسي ولا يتقاطع كليا" مع رغبات الشعب .
وان اهم صفة تتمثل بها الديمقراطية البرجوازية هي صفتها التمثيلية وهذا ما يتجلى في الصيغة البرلمانية لتنظيم السلطة والتي تعتبر قمة انجازاتها في التعبير المباشر والدائم عن ارادة الشعب والاكثر عقلانية وامكانية في دفع من يمثل طموحه في الحياة والتي هي بالحقيقة صيغة لديمقراطية غير مباشرة تجسد من خلالها البرجوازية دكتاتوريتها الطبقية وتتحول من ديمقراطية للجميع الى ديمقراطية اقلية مسيطرة اقتصاديا" ، وان ما يطلق عليه حرية الشعب في اختيار من يمثله بالتصويت الحر والذي هذا بدوره سوف يعكس رغبات ناخبيه في تقرير مصير القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها ما هو الا مفهوم نظري خاو اذا ما جرد من شروطه المادية وما يخلقه من قوة اجتماعية ذات تأثير على استعمال الحقوق المدنية المعترف بها قانونيا" ، كما ان الناخب الذي ادلى بصوته في الاقتراع العام لانتخاب ممثلي مجلس النواب ينتهي دوره منذ رميه بطاقة الانتخابات في صندوق الاقتراع وكف رأيه في تقرير الشؤون العامة وانعدمت مقدرته في اسقاط من يمثله في حالة فشله في تحقيق وعوده الانتخابية ، ويصبح بالتالي المجلس المنتخب مجلسا" حاكما" بأسم الشعب لا بارادته ، وتلعب الاحزاب في الدول الرأسمالية دورا" كبيرا" في مسخ الحياة البرلمانية وافراغها من مضامينها الديمقراطية الشكلية اذ تحول ارادة الناخبين الى اقلية واكثرية برلمانية عندما يصطرع حزبان او اكثر في البلد ويستحوذان على الحياة السياسية بصراعهما من اجل السلطة ويتركان لما عدا ممثليهم في الظل نظرا" لما تملكه هذه الاحزاب من قدرات مالية كبيرة وادوات دعائية نشيطة لم تتيسر للمرشحين المستقلين هذه الامكانيات كما هو الحال في انكلترا او الولايات المتحدة مثلا" ويصبح اعضاء البرلمان ممثلين لاحزابهم اكثر من ان يكونوا ممثلين للمجتمع وينسلخ هؤلاء من ناخبيهم ويتحولو الى ادوات تؤتمر من قبل قادة احزابهم وتحترف العمل السياسي بعيدا" عن الشعارات الاسترضائية المتسمة بالوعود لتحقيق المطامح الشعبية الملتقطة من معاناتهم اليومية ويصبح البرلمان خاضعا" لارادة هذه الاحزاب ولقوانين صراعها من اجل السلطة بعيدا" عن رقابة اعضاء المجتمع غير المنظمين وقاطعين عليهم طريق مباشرة حقوقهم السياسية ويصبح النواب يعزون الفضل الاكبر لانتخابهم لاحزابهم التي سخرت امكاناتها المادية والدعائية لهم وبذلك يصبحون مدينين بأنتخابهم لاحزابهم وليس للجماهير غير الحزبية التي اودعتم ثقتها .
ان الممثلين الذين قفزوا الى كراسي المجالس التشريعية نتيجة جهود احزابهم او ناخبيهم غير الحزبيين لا يمثلون الا نصف سلطة البلد أي السلطة التشريعية التي تحتاج الى السلطة التنفيذية لادارة دفة حكم البلد ما يعني ان هناك فاصلا" بين السلطتين تمارس الثانية منها وظائف الدولة اليومية التي تمتد الى جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية وغيرها وتمتد اصابعها الى المصالح الحيوية لحياة المواطنين ، وقد عهدت هذه المهمة الى جهاز اداري قد نظم تنظيما متسلسلا" واصبح بحكم عمله مستقلا" كلياعن السلطة التشريعية المنتخبة وبذلك يكون ممثل المجتمع في ادارة شؤونه العامة ، ولكي لا تنقطع الخيوط التي تربط السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية في دولة ديمقراطية البرجوازية تمتلك السلطة التشريعية حق استدعاء اعضاء السلطة التنفيذية امامها لتقديم فاتورة الحساب عن تصرفاتها اليومية ، ولكن من المعلوم ان السلطة التنفيذية هي ليست الوزير فقط وان كان يمثل قمة الهرم في وزارته ولكن هناك جيشا" عرمرما"من الموظفين يتوسعون افقيا" بأستمرار وتصبح السيطرة على تصرفاتهم امرا" يكاد يكون مستحيلا وتبدأ الهوة تتسع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية كلما كبرت اجهزة الدولة واتسعت واصبحت مستقلة عن رقابة السلطة المنتخبة واداة في يد قلة من المتنفذين واصحاب المصالح الاقتصادية العليا ذوي الامتيازات ، وبذلك يتم على وفق هذا المنظور سيطرة البرجوازية على السلطتين التنفيذية والتشريعية بعيدا" عن رقابة جماهير الشعب غير المنظمة الذين يشكلون غالبية الشعب .
ان الملكية البرجوازية لوسائل الانتاج تلعب دورا" اساسيا" باعطاء سمات الديمقراطية ، بأعتبارها الالية السياسية لسلطة البرجوازية الممسكة بأدوات الانتاج المادية حيث تمتد سيطرتها الى مراكز القرار السياسي وهي الدائرة الاقل ضيقا والاكثر تأثيرا" وتسيطر على الحياة الاقتصادية الاكثر اتساعا" ومنها الى دوائر الحياة الاجتماعية ، مستثمرة ملكيتها وادارتها لوسائل الانتاج الاجتماعية وبذلك تكون البرجوازية قد وطدت مكانتها في الحياة السياسية والاقتصادية وهما عصبا" الحياة في المجتمع ، حيث تضع تحت سيطرتها كل وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة بحكم امكاناتها المادية وبذلك تستطيع بسهولة ميسورة نشر افكارها ورؤاها في كل مجالات الحياة ، وهنا تسقط اسطورة المساواة الحقوقية لجميع المواطنين التي ترفعها البرجوازية على اعلام احزابها المختلفة وتسم الحياة السياسية بميسم علاقاتها الاجتماعية خالقة اطارها السياسي الذي تتحرك من خلاله بحرية لتعزيز وتأكيد سيطرتها الطبقية ويصبح النظام السياسي الذي اقامته ، نظام امتيازات الملكية الخاصة والثروة التي يمتلكها الفرد . وبالرغم مما ذكر اعلاه تبقى المؤسسات التي تقيمها البرجوازية ذات طابع تقدمي لما تمنحه من حريات شخصية وسياسية ، لانها تساهم بشكل فعال في تنمية الوعي السياسي لشرائح ولطبقات الشعب الاخرى التي تستطيع ان تستثمر هذا الجو في تنمية وعيها السياسي بشكل اسرع مما لو لم يتوفر هذا الجو الديمقراطي ويخلق لديها الاحساس بقوتها ومكانتها لتلعب دورا" هاما" في الحياة الاقتصادية والسياسية ، كما ان هذا يمنحها القدرة على
حماية مصالحها ولعب دورا مهم ذي تأثير على الشؤون العامة في الدولة ، كما يمكنها ان توظف الديمقراطية البرجوازية كاطار سياسي تتمكن من خلاله انضاج نضالها السياسي والاقتصادي وصولا لتحررها الاجتماعي ، وذلك بتنظيم نفسها في احزاب سياسية وتحولها الى قوى سياسية - اقتصادية تؤدي دوراً هاماً في حياة البلد وبأستمرارية نضالاتها تستطيع ان تنتزع من البرجوازية مواقع سياسية واقتصادية ، وبتراكم هذه الانتصارات تتمكن ان تحيد الدولة ذات الطبيعة البرجوازية الطبقية لان الاخيرة تكف في لحظة معينة من التطور الاجتماعي وان تكون سلاحا" بيد البرجوازية لضرب اعدائها ، وبالتالي يحدث احد الامور اما ان تقفز شرائح من البرجوازية او تحالف وطني عام عبر صناديق الاقتراع وتغير الية عمل الدولة القديمة من خدمة الشرائح الاجتماعية الغنية فقط الى مجموع شرائح المجتمع واشباع الحاجات المادية والثقافية بشكل حقيقي لكافة شرائح وطبقات المجتمع او تتخلى البرجوازية عن هيمنتها على المؤسسات السياسية الديمقراطية التي ناضلت طويلا من اجلها ، بعد ان تصبح هذه المؤسسات غير قادرة على تقديم الضمانات الكافية للحفاظ على مصالحها الطبقية ، وعندئذ تصبح سلطتها السياسية مهددة بالخطر بعد تغير علاقات القوى الطبقية وميل كفة ميزان القوى السياسية والاقتصادية لغيرها وتصبح شرائح وطبقات المجتمع الاخرى خير مدافع عن الديمقراطية البرلمانية وقيمها ، وتنتقل البرجوازية الى صفوف المعارضة لها وتبدأ باستخدام اخر اسلحتها قبل رفع راية الاستسلام البيضاء ، فنستخدم الجيش وقوات القمع الاخرى في ضرب حركة القوى الديمقراطية المتنامية ، واذا ما تكللت جهودها بالنجاح رجعت بالبلد القهقرى وتنكرت لكل شعارات الحرية والمساواة والاخاء التي رفعتها وناضلت تحت الويتها او تبرز نتيجة تخلخل البنية الاقتصادية للبرجوازية وما يعقبها من ضعف لها على السلطة السياسية ان يتقدم الى الصفوف الامامية جهاز بيروقراطية الدولة الذي ينظم سلطتها السياسية في اطار العلاقات الاجتماعية السائدة ويبدأ بتحديد سلطة رأس المال الخاص وزيادة نفوذ جهاز الدولة وان كانت هذه الدولة تستلهم بسياستها تلبية مصالح النظام الرأسمالي الى ان تصل حداً تسترخي قبضة الرأسمال وتنفك الدولة عن ان تكون معبرا مباشرا" رئيسا" له ، وتصبح الدولة جهازا" بيروقراطيا" فوق جميع الطبقات بعد ان اصبحت دائرة نفوذ البرجوازية اقل قدرة على الصمود بوجه عناصر الدولة الطامحة للتحرر من ربقة التبعية لطبقة البرجوازية وتنفصل شريحة من البرجوازية ممسكة بجهاز الدولة مسخرة ادوات القمع التي تحت يديها لضرب أي تحرك مضاد لطموحها ورغبتها في السيطرة والانفراد بالسلطة السياسية ، وتبدأ دائرة الحريات السياسية تضيق شيئا" فشيئا ولا يستبعد ان يقفز الى رأس الهرم السياسي في الدولة احد العسكريين او العناصر ذي النزعة التسلطية او الديكتاتورية ويسحب بساط الحريات الشكلية من تحت اقدام الجميع ، ويغرق الجميع في مستنقع البطش والارهاب والمطاردة ،كاتما" كل صوت يطالب بالحريات المفقودة ، ولم تجد الطبقات والشرائح بدا من اعادة تنظيم نفسها ورص صفوفها وتكتيل جهودها للاطاحة بالنظام وتغيير بنيته الاستبدادية واعادة الحياة الى عجلة الديمقراطية رغم قصورها مشذبة كل العناصر التي استطالت خارج نطاق دائرتها في محاولة الاستئثار لوحدها .
وغالبا" ما تلجأ البرجوازية الى هذا من العمل السياسي وذلك بتحريك اجهزة الدولة البروقراطية ومساعدة الاجهزة القمعية للقيام بالالتفاف على الديمقراطية رغم قصورها عندما تجد الطبقات والشرائح المناوئة لها قد قوي عودها وتصلب تنظيمها واصبحت قوة مؤثرة في الحياة السياسية - الاجتماعية ، واستطاعت ان تمد نفوذها داخل جهاز الدولة وتنتزع حقوقها الاقتصادية والسياسية واصبحت تهدد قلاع البرجوازية الاقتصادية ، وهذا نابع من طبيعة البرجوازية وفهمها الى الديمقراطية ، التي لا تخرج عن النطاق التمثيلي ، والمقتصرة على المجال السياسي بالنسبة الى غير ها من الطبقات والذي يمثل هذا اعلى ما يمكن ان تسمح له لدمقرطة الحياة؟ الاجتماعية . والذي يتماشى مع مصالحها الطبقية ، في حين تمثل الديمقراطية الاطار الذي من خلاله يتيح لها السيطرة السياسية على الحياة العامة في البلد وكذلك الطريق الى امتلاك رؤوس الاموال واستثمارها في شراء قوة عمل الاخرين في مصانعها ومعاملها لجني الارباح الطائلة وتوزيع الجوع والفقر والمرض على الاخرين لاسيما في الدول البرجوازية غير المتطورة . يتضح من هذا كله ان للحياة الديمقراطية الحقيقة شروطها التي بات من اللازم توفرها كيما يستطيع المواطن ان يجني ثمار هذه الديمقراطية الممارسة حياتيا" والتي مدت جذورها في ارض الواقع وليست الديمقراطية الشكلية المقتصرة على حق المواطن في ان يضع اسم من يريده في صناديق الاقتراع وغالبا" ما يجهل قناعات المنتخب في كافة الشؤون العامة خلا ان ينتمي الى حزب معين ، ومن ثم تنقطع روابط الاتصال بين الناخب؟ والمنتخب ، ويقرر الاخيرة نتيجة التفويض الذي منحه اياه الاول في تقرير ما يشاء من امور حياة المجتمع باسم ناخبيه دون ان يجد ناخبوه طريقا" لاسماعه وجهة نظرهم في تقريرشؤونهم العامة ، عليه لا بد من توفر شروط في الحياة الديمقراطية لكي تستطيع ان تنطبق المضامين على كلماتها ، ففي الوقت الذي يمارس المواطن حقه الشرعي في انتخاب ممثليه ، فلا بد ان يتواصل هذا الحق في مساهمته الفعالة والايجابية في ادارته او مساهمته المباشرة او غير المباشرة في ادارة شؤون حياته الاجتماعية في العمل ، او في الخدمات الاجتماعية التي تيسر حياته اليومية ، كما يجب ان تكون العلاقة بين اجهزة الدولة الدنيا والعليا علاقة ديمقراطية مبنية على التفاهم وتبادل الاراء وصولا لصيغة تخدم الهدف المركزي بعيدا عن سياسة الحاق الاجهزة الدنيا بالاجهزة العليا بشكل تعسفي وتسلطي واقتصار الاجهزة الدنيا تنفيذ سياسة الاجهزة العليا دون مناقشة او ابداء رأي لا سيما ذات العلاقة بحياة المواطنين المباشرة ، كما ان من واجبات المنظمات الجماهيرية ، منظمات المجتمع المدني ان تلعب دورا رئيسا في توجيه جماهيرها وتثقيفهم وتكوين وعي بحقوقهم وبلورة ارائهم ووجهات نظرهم تجاه مختلف الشؤون المطروحة على الساحة السياسية او الاقتصادية او الثقافية او غيرها من الامور ذات المساس المباشر بحياتهم وحياة عوائلهم كما يجب ان تلعب وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ذات الاستقلال الكامل عن الاجهزة الدولة دورا" فعالا" في التوعية والتثقيف ونقل اراء الجماهير واجتهاداتها الى السلطات العليا صاحبة القرارات العليا .
كما ان المواطن لا يمكن ان يمارس حقوقه السياسية والاجتماعية التي يمنحها اياه القانون ما لم يكن قد ضمن مستقبله وعائلته اقتصاديا" اما الديمقراطية الليبرالية حتى وان ضمنت حق الاقتراع العام للجميع وضمنت للجميع حقوقاً سياسية متساوية ، فأنها لم تمنح جميع المواطنين الا مساواة شكلية وذلك للتفاوت في اوضاعهم الاقتصادية والاختلاف في تأثيرهم على القرار السياسي كما ان الجزء الاعظم من السكان لا يتمتع بحماية اجتماعية ، كحق الحصول على العمل وفي نيلها قسطها من التثقيف الاجتماعي وفي الحصول على حقها في المساعدات المالية في حالة المرض او العجز او الشيخوخة ، كما ان ضغط الحياة المعاشية بفرض على هؤلاء ان يسخروا كل اوقاتهم للحصول على قوت يومهم ، عازفين عن الاهتمام بالشؤون العام ما ابقى الاهتمام بالشؤون السياسية احتكارا" لاصحاب المال وللطبقة الحاكمة .
وعلى الرغم من التطور الحاصل في الدول الرأسمالية المتطورة وبروز طبقات وشرائح اجتماعية واحزاب سياسية كقوى مؤثرة استطاعت ان تنتزع الكثير من حقوقها الاقتصادية والسياسية وتصبح كقوة اجتماعية - سياسية منظمة وحصول افرادها على الضمان المادي والصحي والتعليمي وحق الحصول على عمل وسكن لائق وكذلك في حصولها على المساعدة في حالة البطالة والتقدم الحاصل في الضمان الاجتماعي في حالة العجز او الشيخوخة ومستلزمات الراحة النسبية وحقهم في الحصول على التدريب المهني دون تمييز ، ان هذه كلها غير كافية لشد المواطنين الذين يشكلون غالبية السكان الى الاندماج بالعملية السياسية كي يصبحوا جزءا" منها مالم يحصلوا على استحقاقاتهم في الحياة الامنة المستقرة اقتصاديا" لتجنبهم الاذلال وتحافظ على كرامتهم وتبعدهم عن وصايا الاخرين وتأثيراتهم ويمتلكوا من الثقافة والوعي ما يمكنهم من الاسهام في تقرير مواقفهم الصحيحة واخذ دورهم في صنع القرار وفي مراقبة تنفيذه وان يكون لديهم من الوسائل التي تمكنهم ان يعبروا عن ارادتهم وارائهم في القضايا المطروحة التي تمس حياتهم ، وان يتحرروا تماما من التأثيرات والضغوط الخارجية التي تحاول ان تجرهم الى مواقف تتعارض مع مصالحهم . وقطعا" المسار التي سلكته الديمقراطية والمحطات التي توقفت فيها والصراعات الطبقية التي عاشتها والعقبات التي صادفتها هي ليست واحدة في العالم ، حيث لكل بلد خصوصياته ، وان المراحل التي مرت بها الديمقراطية ومررنا عليها سابقا" هي تجربة الدول الغربية الرأسمالية بأعتبار الديمقراطية بصيغتها التمثيلية الحالية هي صناعة غربية وتشكل قاعدة اساسية ينبغي ان تكون الاساس والمنطلق للحديث عن الديمقراطيات في العالم وخصائص كل منها ، واذا كانت الديمقراطية هدفا" للشعوب تبتغي الوصول اليها فيقينا" هناك عديد الطرق لذلك ، وان أي مجتمع ليس ملزما" ان يتخذ ذات الطريق الذي سار عليه الاخرون لان الديمقراطية ليست قوالب جامدة تحشر فيها الشعوب او النظم لتصبح ديمقراطية ،واذا ما تصور احد ان خطوات الديمقراطية تبدأ بصناديق الاقتراع بتشكيل المجلس النيابي ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي وتنتهي بتشكيل الوزارة من الاغلبية النيابية فهذا تسطيح للديمقراطية لانها اعمق واوسع من هذا بكثير فالعديد من الدول تأخذ بكل هذه الاجراءات لكنها لم تبلغ الديمقراطية لكون الديمقراطية في المقام الاول تربية وثقافة وممارسة وهناك الكثير من السياسيين من يصل عن طريق خطواتها الى سدة الحكم لكنه لا يمتلك ثقافتها وقدرة ممارسة مفاهيمها كاحترام الرأي الاخر وحقه بالتعبير عن نفسه بحرية حتى وان كان مخالفا" ، واقرار التعددية الحزبية والخضوع لرأي الاغلبية فيما يتخذه من قرارات ونحوها ، وهناك العديد من النظم من يعتمد كل الطرق الديمقراطية في الانتخابات والتمثيل لكنها ليست ديمقراطية لما تمارسه الاحزاب والقوى السياسية المهيمنة من وسائل واساليب تتقاطع مع الاخلاق الديمقراطية كرشوة الناخب وشراء صوته او ممارسة التزوير واساليب القهر والاكراه تجاه الناخبين وغيرها من الطرق التي تنزل بكرامة الانسان الى الحضيض وتفرغ الديمقراطية من مضامينها الحقيقية .
والرأي الذي يتفق عليه الكثيرون ان الانسان من العسير ان يكون حرا" في خياراته وينتخب من يمثله ويعبر عن طموحاته وغاياته بقناعة تامة ما لم يتحـــرر من ضغـــط الحاجــــة والعوز والفاقة ، وبذلك يربطون الديمقراطية السياسية بالاكتفاء الاقتصادي للمواطن حتى لا يصبح صوته بضاعة معروضة للبيع لمن يدفع اكثر .
وتصبح الانتخابات لعبة النخب السياسية في واقع اجتماعي متخلف لا يملك الانسان فيه حرية خياراته وهو لا يعدو كونه تابعا" يـدور في فلك من لديه النفــــوذ المالي او العشائري او المناطـــــــقي او الدينــــي ونحـــوها.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !