مواضيع اليوم

حول الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي

نزار يوسف

2009-03-15 19:32:02

0

 

حول ألإصلاحات الديمقراطية في الوطن العربي
 
هل يجوز أن نطبق ديمقراطية الآخرين على أنفسنا ؟؟ و هل يجب علينا مثلاً أن نطبق الديمقراطيات الغربية بحذافيرها تماماً على أنفسنا و بدون شروط موضوعية أو مقدمات ؟؟ أم أنه يجب أن تكون لنا تجربتنا الديمقراطية الخاصة بنا ، المنبثقة عن تاريخنا و ثقافتنا و شخصيتنا الحضارية ؟؟؟.
دائماً و أبداً ، و سواء على مستوى الفرد أم الجماعة أم المؤسسة أم الدولة أم المجتمع ، يتوجب علينا أن نعرف ماذا نريد بالضبط و أن نعرف ماذا نفعل . أي أن الأولوية المطلقة هنا هي تحديد ماهية و نوعية الهدف أو الغاية المراد الوصول إليهما و صحة ومنطقية و صوابية الآلية و الطريقة المعتمدة للوصول إلى ذلك الهدف أو تلك الغاية . هناك حكمة مأثورة تقول ( ما جدوى الركض إن لم نكن على الطريق الصحيح ) . ذلك ما يفترض أولاً أن تكون الغاية أو الهدف المنشود بحد ذاته صحيح ، و ثانياً أن تكون آلية تنفيذه صحيحة . و أي اختلال في أحد هذين الأمـرين ، تكون نتيجته خاطئة و ربما عكسية . ووجوب صحة الهدف أو الغاية ، يستوجب ضمن شروطه الموضوعية ، الاختيار الصحيح و التبني الصائب للمفاهيم السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية و ما يتبع ذلك . أما صحة آلية التنفيذ ، فتستوجب من بين ماتستوجبه من شروط ، عدم الخلط العشوائي أو الغيـر منطقي لهذه المفاهيم ، وتقبلها كما هي بطريقة مسلوقة سلقاً ، دونما تدبر و كأنها قطع غيار مستوردة معدة للتركيب التلقائي و التشغيل الفوري  .
لطالما كان الفهم الخاطئ لهذه المفاهيم و المصطلحات ، و التفسير العشوائي لها ، من بين أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور إشكالات عدة في الوطن العربي . و خاصة منها تلك المستوردة من المجتمع الغربي بشكل مجرد عن عوامله و أسبابه و ظروفه . و الفهم الخاطئ يؤدي بالضرورة عند وضع تلك المفاهيم حيز التنفيذ ، أن توضع في الموضع الخطأ و الغير مناسب لها ، ذلك ما يؤدي بدوره إلى أن تعطي تلك المفاهيم نتائج عكسية و ضارة بالمجتمع و هذه المفاهيم تشبه تماماً الأدوية الطبـية ، لكل منها حالاته الخاصة به، و لا يجوز إعطاؤها إلا بناء على تلك الحالات و كما أنه للأدوية محاذيرو موانع و دواعي استعمال ، كذلك تلك المفاهيم ، لها محاذير أو موانع أو دواعي تطبيق . قد يتواجد شخص مريض و علاجه يستوجب إعطاؤه عقاراً طيباً معيناً . لكن هذاالعقار لا يجوز إعطاؤه إذا كان هذا الشخص يعاني مثلاً من ارتفاع ضغط الدم أو هبوط في القلب أو قصور كلوي أو حساسية تجاه ذلك الدواء .... الخ . و بالتالي يجب في هذه الحالة إما إعطاؤه دواء آخر ينسجم و تلك الموانع و المحاذير ، أو إزالة تلك الموانع و المحاذير و إعطاؤه الدواء نفسه. و دواعي الاستعمال تعني أنه لا يجوزإعطاء هذا الدواء إلا في حال ظهور أعراض و بوادر سريرية معينة على المريض و ضمن جرعات محددة . هذا الأمر ينطبق أيضاً على المجتمع من حيث المحاذير و الدواعي ،فلا يجوز إدخال أو تطبيق مفهوم ما على مجتمع ما ، إذا كان هذا المجتمع يعاني من خلل هنا و أزمة هناك أو حساسية ما ، هذا إذا افترضنا صحة ذلك المفهوم . يضاف إلى هذا ، أنه لا يجوز إدخال أو تطبيق هذا المفهوم إلا إذا كانت حالة ذلك المجتمع التاريخية أو السياسية أوالاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية تطابق حالة المجتمع الذي خرج منه ذلك المفهوم ... هذا إذا كان ذلك المفهوم يطبق فعلاً في المجتمع الذي خرج منه ، فكيف إذا كان عملياً لا يطبق .
هذا الأمر ينطبق على حالة محددة من حالات المجتمع في مجال و زمن معين ، أما إذا كانت هذه الحالة دائمة في المجتمع و عامة و شاملة ، فهذا الأمرأو المفهوم سيحمل في هذه الحالة صفة الأساس الذي سوف يقوم عليه المجتمع . فنحن هنا أمام مجتمع و دولة و مؤسسات تنطبق عليها صفة البناء أو الصرح . و أهم شيء في البناء هو الأساس لأنه سيحمل هذا البناء كله . و أي خلل في هذا الأساس يعني انهيار البناء كله . و الأساس يعني الجذور و الأصول ، يعني القواعد و الدعائم ، يعني التاريخ و التراث و البناء ، يعني الأمة و الدولة و المجتمع ، فهذا البناء كله قائم على هذا الأساس كله . و كما أن لكل بناء أساس خاص به ، فكذلك لكل أمة و مجتمع، تاريخ و تراث و عادات و تقاليد خاصة به و مرتبط بها و ناتج هو نفسه ( أي المجتمع ( عنها ، بمعنى أن هذا المجتمع هو محصلة لهذا التاريخ و هذه العادات و التقاليد ، ويتسم و يتصف بها و يتميز . تماماً كالمورثات الجينية التي تعطي الإنسان طابعه و سماته و تكوينه.
إن كلمتي أساس و بناء تعنيان أيضاً الدقة في المعايير و المقادير ( شكل هذا الأساس – المواد الداخلة فيه – كميتها – نسبتهاقدرتها على الحمولة – صلابتها ... الخ ) و هذا يتحدد بالبناء الذي سوف يتم بناؤه ) كبير – ثقيل – طويل ... الخ ) و طبيعة الأرض التي سيقوم عليها هذا البناء ( صخريةرملية – طينية ... الخ ) . و طبقاً لذلك فإننا لا نستطيع وضع أساس لبناء صغير ، مكان أساس لبناء كبير ، و لا أساس لبناء في أرض صخرية مكان أساس في أرض رملية ، ذلك ما يعني أن هذا البناء سيكون معرضاً للانهيار و آيلاً للسقوط.
مما تقدم نقول .. إن الديمقراطيات الغربية لم تنتج عن فترة زمنية آنية محددة ، بل هي نتاج تاريخ طويل . و هذه العبارة تحمل في طياتها مفهوم التراكم الفكري و الثقافي و الديني على مدار عقود و قرون . والمرتبط بالأحداث و الوقائع الحاصلة خلال هذه الفترات الطويلة المتعاقبة . و مفهومالتراكم يعني تكوين أساس ، فتراكم الطبقات الجيولوجية يؤدي إلى تشكل نواة الجبال أوالقارات أو أرضية البحار . و تراكم المال يؤدي إلى تشكل المال الذي هو من الأصول الثابتة في أي عمل تجاري و اقتصادي . و التراكم الفكري و الثقافي يؤدي إلى أساس فكري . أما التراكم الفكري و الثقافي المرتبط بتراكم الأحداث و الوقائع التاريخية ،فيؤدي إلى أساس فكري إيديولوجي سياسي مستقل بذاته ، إقليمياً و عرقياً و دينياً ، وهنا يتجلى لنا المعنى في الحديث عن مفهوم الأساس و البناء كتشبيه . فكلمة محصلة تعني تراكم ، و كلمة تاريخ تعني أحداث و وقائع و كلمة طويل تعني زمنأً كبيراًكافياً لتخمير و التفاعل . أي تفاعل فكري ثقافي مع تراكم أحداث و وقائع بفعل عامل الزمن الطويل . و هذا التفاعل أدى إلى خلق أساس فكري سياسي مستقل بذاته ، لا يمكن دمجه مع الأسس الفكرية أو الثقافية الأخرى لأنه مرتبط بأحداث و وقائع خاصة به ،تميزه عن بقية الأسس . و هذا الأساس نتج عنه عادات و تقاليد وصلت معها مجتمعاتهم إلى ثقافتها الراهنة.
و هذا التلاقح بين الفكر و الثقافة و بين الوقائع والأحـداث ، نتج عنه خلق مجتمع له عادات و تقاليد انبثقت منها ثقافة خاصة مميزة أعطت مفهوم الديمقراطية الغربية . و حتى يكون لدينا هذا المفهوم الناتج عن هذا الكيان ،يجب أن نخلق نفس التراكم الفكري و الثقافي مع نفس تراكم الوقائع و الأحداث المرتبطة به ، لينتج عنها نفس الأساس الذي يعطي نفس المفهوم ، تمـاماً كعملية الجينات الوراثية . فحتى يكون لدينا نفس الشخص تماماً ، يجب أنيكون لدينا نفس الصبغيات ونفس الجينات و شريط الـ DNA و الشيفرة الوراثية ، و هذا غير وارد إلا في حالة واحدة و هي الاستنساخ التي ظهرت في الآونة الأخيرة و التي لم تصح على مستوى الإنسان ، والتي عارضتها كل الأديان و الشرائع . هذه الظاهرة التي ظهرت في عصر العولمة والفضائيات و الغزو الثقافي و الفكري . و هذا ما يقودنا إلى مفهوم جديد و هو استنساخ الحضارات في زمن العولمة كي تصبح كلها ثقافة واحدة و تفكير واحد محدد سلفاً ،تماماً كمحاولة استنساخ الإنسان التي لم تنجح حتى الآن. إن المفهوم الديمقراطي الغربي الذي جاء نتيجة و محصلة تقاطع الديانة المسيحية الوافدة إلى أوروبا ، و فهم الإنسان الأوروبي لها ، فضلاً عما أفرِز تاريخياً عنها من طوائف ) بروتستانت و غيرهم ) ، بالإضافة إلى الثقافة الأوروبية المتأصلة و المميزة لأوروبة مع الأحداث و الوقائع ، كالثورة الصناعية و التغيرات الدينية في القرون الوسطى ،بالإضافة إلى الحروب الأوروبية – الأوروبية و الثورات الاجتماعية و السياسية الحاصلة بالدرجة الأولى لأسباب داخلية بحتة و ما نتج عن ذلك من تغيرات في النظم السياسية ( ملكي ، جمهوري ) و هذا كله كان أوروبياً داخلياً بحتاً ، أي لم يكن للعرب مثلاً يد فيه.
طالما نحن لدينا التاريخ و التراث و الحضارة السالفةالتي أغنت الحضارات الأخرى و منها الحضارة الأوروبية ، إذاً فنحن نمتلك الأساس الفكري السياسي المستقل بذاته و الناتج عن تراكم فكري ثقافي حضاري ، ضارب في جذورالتاريخ . و منذ الأبجدية الأولى المسمارية و الحضارة الفينيقية ، مروراً بالدين الإسلامي و الحضارة الإسلامية و حتى الآن.
لدينا القرآن الكريم و سنة الرسول صلوات الله عليه و مآثر أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم . الذين قدموا بصفاتهم و أفعالهم مثلاً عليا سامية في التسامح و مكارم الأخلاق . ألم يقل الخليفة عمر رضوان الله عليه لوالي مصرعندما اشتكى احد المواطنين على ابنه " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " ألا تمثل هذه المقولة حجر أساس فكري لقضية مساواة البشر ؟؟ . ألم يقل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " السلطان الفاضل هوالذي يحرس الفضائل و يجود بها لمن هو دونه و يرعاها من خاصته وعامته حتى تكثر في أيامه و يتحسن بها من لم تكن فيه " و قال أيضاً في وصية لبعض عماله " اخفض للرعية جناحك و ابسط لهم وجهك و ألن لهم جانبك و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة والتحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك و لا ييأس الضعفاء من عدلك " . و قال أيضاً " من عامل بالعدل فيمن دونه ، رزق بالعدل ممن فوقه " . ألم يقل رسول كسرى للخليفة عمر " يا عمر حكمت فعدلت ، فأمنت فنمت " .
هذه القضية تستوجب طرح مفهومين اثنين .. الأول هو الديمقراطية ، و الثاني هو التجربة الديمقراطية و التمييز فيما بينهما لناحية الحيثيات و المضمون و الغاية و الهدف. و العبرة هنا تأتي في الكلام عن التجربة الديمقراطية و ليس الديمقراطية بحد ذاتها . و ربط ذلك بـ " تاريخنا وثقافتنا و شخصيتنا الحضارية " . فالحديث المجرد و المسلوق عن الديمقراطية ، يتضمن في معناه استيراد من الخارج إلى الداخل و يوحي بعملية تطعيم صنف مع صنف من فصيلة مختلفة و يوحي بالتسرع و التعجل و عدم التبصر . أما الكلام عن تجربة ديمقراطية ،فيتضمن في معناه خلق و ابتكار مفهوم من صميم الداخل و جميع عناصره و مكوناته من نفس عناصر و مكونات المجتمع الفكرية و الثقافية و يوحي بعملية تطعيم صنف مع صنف من نفس الفصيلة و يوحي بالحكمة و التبصر و التأني و الاختبار . و إذا ما ظهر هناك خلل ما ، فإنه من الممكن تلافيه أو الحد منه ، نظراً للإحاطة بكل أجزاء هذا المفهوم ومعايشتها كونها نابعة من نفس التاريخ و الثقافة و الفكر . كما إن التجربة تفرض المراقبة المستمرة قبل الوضع في حيز التنفيذ ، بينما في الحالة الأولى يكون من الصعب تلافي الخطأ و نتائجه في حال حدوثه لعدم الإحاطة بكل عوامله و مفاهيمه وعايشتها بشكل كامل كونها غريبة دخيلة .
( نلمح إلى أن هذه القضية تحتاج إلى دراسة أكبر و أعمق )
نزار يوسف  



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !