التاريخ : 16/11/2009
اسم الكاتب : عدلي صادق
ما يجري في اليمن الشقيق يُدمي القلب. لم نعلّق عليه بسبب تفاؤلنا المشروع، بأن تخمد الحرب الدامية بين الإخوة في القريب العاجل. ويقرأ واحدنا باحترام، بيان جماعة الإخوان المسلمين السورية، التي رأت فيما يجري سلسلة من محاولات لزعزعة الاستقرار في المشرق العربي. فمن خلال بيانهم المستنير؛ تميّز إخوان سورية عن سواهم بالنظرة الواقعية والصائبة، لا سيما وأن الحديث الصريح جاء على ذكر الفتنة، وأشار الى أن ما يجري في اليمن، ليس حلقة في فلاةٍ، بل هو جزء من مخطط مرسوم، غايته دق المسامير الديموغرافية والسياسية في بُنية المجتمعات العربية والإسلامية، بُغية تمزيقها، وإثارة القلاقل في ربوعها، والتحكم بإنسانها وقرارها!
إخوان سورية تميزوا لأنهم اختبروا كل البرامج، وذاقوا الأمريْن، وتنكرت لهم حلقات شقيقة، وجلسوا طويلاً في منافيهم يتأملون، لأنهم هم أيضاً في العام 1978 كانوا ضبطوا توقيت انفجارهم على ساعة الشقاق العربي الناجم عن كامب ديفيد ولجأوا الى القنبلة والبندقية وسفك دماء الأبرياء ما استحث ـ للأسف ـ سفك دمهم ودم أبرياء غيرهم. الآن هم يقولون إنهم لطالما حذروا من مخططات التقاتل والتفتيت، ونبهوا القائمين والمحرضين عليها، وقالوا إن الأمة في غنى عن معاركهم الصغيرة، التي لن يستفيد منها إلا الأعداء المتربصون، من قوى الاستكبار العالمي والصهيونية، وأنهم لن يجنوا منها، هم وحلفاؤهم، إلا المزيد من الكراهية والخسارة!
في هذا السياق، نُقدّر أسباب جماعة إخوان سورية في الضم على جراحها وعدم المجيء على ذكر إخوان فلسطين وحماسهم، الذين ما زالوا يشكلون فريقاً من حوثيي تفكيك الأوطان والكيانات، وكان ضرورياص ان يُفصح إخوان سورية عن قراءتهم للمشهد الفلسطيني باعتباره المشهد المركزي في هذه المنطقة، وليس ما يجري في يمن العرب والعروبة والإسلام، إلا جزءاً من سياق يتلطى بفلسطين!
فالحوثيين، تشكلوا في التسعينيات، خارج الصفوف التقليدية للزيديين، وظلُّوا لنحو عقد من الزمن، أقلية ذات خطاب سياسي ثوري، تَتغذى على شعارات الطنين الرائجة التي لا تجلب سوى الكوارث. وكان طبيعياً أن يتمحك الإيرانيون باليمن، لكي يدخلوا من الباب الواسع تحت عناوين الوساطة والتهدئة والترشيد، ولكي يقيموا الصلات مع شيوخ الزيدية التقليديين. وسرعان ما ظهر من وراء الشيوخ ومن بين ظهرانيهم، تنظيم باسم الشباب المؤمن. ثم بدأ الابتعاث من أوساط اجتماعية ذات شكايات شبيهة بكل شكايات الريف العربي في غياب التنمية؛ الى إيران، منذ أوائل العشرية المنصرمة، وتشكلت لدى أولئك البسطاء، بُنية حكم إسلاموي ثوري: مرشد أعلى، ومكتب سياسي، وهيئة شورى. وكان زعيمهم وقتها حسين الحوثي، ووالده بدر الدين، أحد مراجع الفقه الزيدي وعلم الكلام، ولم يكن خافياً أن يُرفد هذا الإطار، بعشرات الخريجين الجدد من المعاهد والحوزات الإيرانية واللبنانية وعشرات المتدربين العسكريين القادرين على تدريب غيرهم، ومعهم مختصون في إنشاء شبكات أنفاق لفرض حالات عسكرية مستعصية وقاهرة. وكان طبيعياً كذلك،ً أن يستقطب التشكيل الجديد للحوثيين، المئات من الشبان الصغار الفقراء، وأتُبعت في ذلك سياسة الكوبونة وتأمين الدخل المادي لمتعهدي متعهدي تحشيد الشباب أو تجييشهم. ولكي يستعجلوا إعطاء الانطباع بأنهم ضد الصهيونية، انقضوا على مواطنين يمنيين من أتباع الديانة اليهودية، ونكلوا بهم وطردوهم من بيوتهم وقتلوا من قتلوا منهم، لكي تتأذى فلسطين ثلاث مرات، مرة بتجيير اليهود الذين اختاروا طوعاً المواطنة اليمنية، لإسرائيل، لكي تتباكى عليهم وتكسب عطفاً، ومرة بتهيئة هؤلاء اليمنيين لتقبل فكرة اللجوء الى الدولة العبرية أو الى مستوطنات الضفة، ومرة لصرف الأنظار عن معاناة الشعب الفلسطيني، ليتركز الاهتمام على معاناة النازحين اليمنيين ـ ومن بينهم يهود ـ بلا مأوى بفعل ما يسميه الأعلام الغربي الإرهاب الإسلامي الذي لا يعرف التعايش أو التسامح مع الأديان والثقافات والآراء!
في هذا السياق، خاض الحوثيون خمس حروب متتالية، كلما خمدت واحدة منها، اندلعت أخرى. وظل هدفهم الميداني، الاستيلاء على الأقاليم ذات الأكثرية الزيدية، لكي يتخذوا منها قاعدة اجتماعية يقوم عليها وضع جديد او كيان جديد، يفرض معادلات، أو يجر حروباً في منطقة حساسة من الوطن العربي (أو في منطقة مهمة بقدر ما للنفط من أهمية) ولعل هذا التوجه يمثل صورة مصغرة، من الحال الذي أريد ترسيخه في غزة، لولا أن المساحة وهوامش المناورة وشراسة العدو، لم تتح تحقيق قفزات على هذا الصعيد!
التعليقات (0)