مواضيع اليوم

حوار مع الروائي سمير قسيمي الجزائري الذي يمثل الجزائر و المغرب العربي في جائزة البوكر لعام 2010

محمد كنفودي

2009-12-15 19:19:57

0

حوار مع الروائي سمير قسيمي الجزائري الذي يمثل الجزائر و المغرب العربي في جائزة البوكر لعام 2010
 

حاورته جميلة طلباوي
 

 


أعلنت لجنة التحكيم الخاصة بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكير العربية"لعام 2010م يوم الثلاثاء 17نوفمبر 2009م ترشيحها ل16رواية عربية من أصل 115 عملا لنيل الجائزة في دورتها الثالثة.
و تتكوّن لجنة التحكيم التي اختارت الأعمال المرشحة من أعضاء أوروبيين و عرب و قد برز في القائمة الطويلة اسم الروائي الجزائري سمير قسيمي عن روايته "يوم رائع للموت" و الذي رشحته جمعية الاختلاف و بذلك يكون الممثل الوحيد للجزائر
و المغرب العربي في سباق التنافس على هذه الجائزة.



س: بداية نهنئك على هذا الانجاز ونود سؤالك ماذا يعني لك أن تختار لجنة التحكيم روايتك فتكون الوحيدة التي تمثل الرواية الجزائرية والمغاربية؟
سمير قسيمي: هي منة من الله سبحانه وتعالى، وشرف لكاتب مبتدئ في عالم الرواية أن يمثل الجزائر والمغرب العربي بما يزخر به من روائيين كبار كهؤلاء الذين رشحت معهم على غرار الدكتور أمين الزاوي والروائي المبدع الخير شوار والأديب الشاعر عز الدين ميهوبي، الذين شرفت أن يجتمع اسمي بأسمائهم وهم من هم بما نعرف وأكثر، ولقد ساءني ألا تجمعني بهم القائمة الطويلة للبوكر العربية ولكنها من مقادير الله سبحانه وتعالى، وهي في ذات الوقت مسؤولية تمنيت لو لم تلق على عاتقي بمفردي، أو على الأقل أن تلقى على عاتق واحد من الأسماء الكبيرة من ذوي التجربة الأدبية الطويلة على غرار الشاعر الوزير عز الدين ميهوبي والروائي أمين الزاوي الذين أحترمهما أيما احترام. وبالمناسبة فما يروج في الوسط الثقافي من كوني قد حملت على شاعرنا الكبير عز الدين ميهوبي وانتقصت من قيمة روايته "اعترافات أسكرام"، لم يكن إلا سوء فهم لتصريح أدليت به لأحد الصحفيين، وهو على ما أعرفه عنه من سعة خاطر وصفاء سريرة ما كان ليصدق هكذا تأويلات، فهو وإن لم يذكر حين كان رئيس تحرير الشعب اليومي أول من نشر لي نصا أدبيا في الشعر، بل أذكر أنه شجعني رغم أن القصيدة التي نشرها لي لم تكن ذات بال، غالبا فكر في تشجيعي وأنا المغمور وقتها، المغمور في الوقت الراهن، فتحية لهذا العلم الأدبي ولمثلي الأعلى الروائي المقتدر أمين الزاوي وأيضا صديقي الغارق في التواضع رغم مكنته الأدبية الروائي الخير شوار.

س: نريد أن نتعرف أكثر على سمير قسيمي فماذا تقول؟
سمير قسيمي: أنا من مواليد أربعة وسبعين، وكما ترين ما زلت طفلا يحبو في ساحة الرواية الشائكة، بالكاد خطوت خطوتين الأولى "تصريح بالضياع" والثانية "يوم رائع للموت"، وكنت قبل ولادتي في الرواية جنينا في بطن الشعر ولكنه لفظني مقتا أو حبا لست أدري، حتى أراني اليوم مذنبا في قرار نفسي بأن خرجت عن ملة المتنبي لدين لا أعرف إن كان يقبلني فيه أهله، ومع هذا أحاول ما قدرت حتى تتكشف لي حقيقة نفسي.
عملت محررا ثقافيا، ثم مدققا لغويا وقبلهما في التجارة، ولكني قضيت معظم عمري لا أعمل في شيء بعينه، ولا أستحي فهذا أنا..

س: هذا الذي يخيفنا "الموت" في اعتقادك له يوم رائع؟
سمير قسيمي: "يوم رائع للموت" عنوان ساخر لرواية غارقة في الواقعية، فليس ثمة يوم جميل للموت، اللهم أن يكون شهادة في سبيل الله والوطن، وغير ذلك الموت هو الموت، والعنوان جملة فكر فيها "حليم بن صادق" وهو يلقي بنفسه من إحدى العمارات حين شاهد السماء وأدرك جمال اليوم.
وعلى عكس ما تخبركم به الرواية فهي لا تتحدث عن ظاهرة الإنتحار، فلم يكن هذا إلا مطية سرد لغاية أكبر، إنها تدور حول فلك "قل لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، فحليم وقد أعد العدة للموت، وضع مكانه، اختار زمانه، حسب وقته ولكنه رغم هذا لا يموت إلا بطريقة لم يحسب لها. إنها القدرية في أبهى صوره، قصة للتسليم ومن التسليم لقضاء الله سبحانه. وهي في ذات الوقت قصة عن كل الذين لا نحب أن يكونوا شخوص أعمالنا، من نعتقد أنهم "الأدنى"، هؤلاء المهمشين في كل شيء حتى في الذاكرة، رغم أنهم هم الذاكرة، قصة عن الحومة وأولادها، وإذا شئت محاولة لفهم أبكم لا يجيد غير الإشارات.

س: وظّفت في روايتك "يوم رائع للموت" تقنية الفلاش باك و تداعي الأفكار في لغة بسيطة وجريئة أيضا وشخصيات الرواية كانت من المجتمع الهامشي فأيّ هذه العناصر جعل روايتك متفردة وجديرة بتمثيل الرواية الجزائرية والمغاربية في هذه الجائزة؟
سمير قسيمي: لا أعرف بالضبط، قد تكون ما ذكرت مفردة أو مجتمعة، وقد تكون رغبتي في أن أكون صادقا إلى أقصى درجة، فقد حاولت تصوير الواقع بلا جماليات، حتى الشاعرية التي امتلأت بها روايتي الأولى "تصريح بالضياع" لجمتها لجما وأنا الشاعر في داخلي، حتى أتمكن أن أحكي، ففي النهاية أنا مجرد حكواتي لا أكثر، أما ما يقولونه عني أنني "روائي" فمجرد اسم أو وصف لا أراني فيه، على الأقل، حتى أقتنع حقيقة أنني صرت روائيا، فهي بالنسبة لي صفة قدسية لا أستحقها حتى أوارى الثرى، ولقد قلت ذلك للخير شوار أن أكثر أماني إلحاحا أن يكتب على شاهد قبري "روائي"، أما الآن وإلى وقت بعيد فلست ولكن أكون أكثر من حكواتي يستمتع بالحكي، وإذا شئت محي فيكفيني وصف "كاتب رواية".

س: هنالك من عاب على "يوم رائع للموت" توظيف شخصيات من هامش المجتمع وطالب البعض بسحبها من السوق لأنّها لا تليق بمجتمع محافظ كالمجتمع الجزائري فما تعليقك؟


سمير قسيمي:لا رأي لدي في كل ذلك، فمهمتي انتهت حين انتهيت من كتابة الرواية، وإن كنت أتفهم هذا النوع من الغلو في الحكم، على اعتبار أن أصحابه لم يفهموا طريقتي في الكتابة، فأنا كما قلت أصور الواقع كما هو، ولا أومن بطريقة نجيب محفوظ الذي كان يقول علينا أن ننظر للواقع من الخلف لنحسن الكتابة فيه، فأنا حين أتحول من "الكاتب" إلى "الراوي" تعتريني رغبات كرزماتية تبعث في "الدكتاتور" فأمنع أي حرية عن شخصياتي وتجدني أكفر بدعوات "دمقرطة النص" وأحيانا أسخر منها. ما يهمني وأنا أكتب هو الإجابة على سؤال ملح: هل تصدق قصتي؟ بمعنى آخر هل كنت صادقا في الحكي حتى يصدقني الناس؟ لذلك فكيف يريد مني أن أصور حديثا يدور بين "نيسة بوتوس" المومس و"عمار الطونبا" المدمن في غرفة مغلقة، بالتأكيد لن يتحدثا عن إنجازات سارتر!!

س: المكان في الرواية هو الأحياء الشعبية ولغتك في الرواية اعتمدت فيها على اللهجة العامية، أيّة رسالة كنت تحملها من خلال هذا التوظيف أم أنّه الطريق الأقرب لتصل الرواية إلى شريحة أكبر من القراء؟
سمير قسيمي: صدق الرواية يعني بدرجة أولى إيمان الكاتب بموضوع روايته، ولا يستقر الإيمان بغير المعرفة، فأنا ولدت وترعرعت وأعيش في أحياء شعبية، بل إن أول عملي كان فيها، فقد كنت "خضارا" حتى انتهيت من دراستي الجامعية، وعملت بناء وخائط شباك صيد وأعمال لا يعرفها مثقفو "الفوق"، لذلك فأنا أقرب بطبعي لهؤلاء الذين نصفهم جزافا بـ"أشخاص الهامش"، أعرف كيف يفكرون، وكيف يلبسون، ومن أين يحصلون على رزقهم، والكثير الكثير. ربما لهذا اخترت أن يكون موضوع أول أعمالي المساجين، واخترت أن يكون هؤلاء موضوع روايتي الثانية.
أما استعمالي للدارجة فقد اقتضته واقعية النص لا غير، ولكنني أستغرب هكذا سؤال، إذ لماذا لم يطرح على روائيي المشرق وكلهم يستعملون دارجتهم كإثبات هوية، ولقد قرأت مؤخرا رواية "علوية صبح" اللبنانية "اسمه الغرام" المرشحة بقوة هذا العام في جائزة البوكر ولقد استعملت الكثير من الدارجة اللبنانية.

س: توظيفك لشخصيات من داخل المجتمع الهامشي بتلك الجرأة، ألا يعتبر صادما للقارئ خاصة في بيئتنا العربية المحافظة؟
أصوات الشمال : "المحافظ"؟! ماذا نعني بهذه الكلمة، وهي كما أعرف نسبية بشكل متطرف، فأنا محافظ ولكن بطريقتي وأقبل أن أكتب بتلك الطريقة وأقرأ أي شيء مهما بلغت جرأته إن كان صادقا. ثم من المهم ألا يهتم الكاتب وهو يكتب بما سيقوله قراؤه، فما يجب أن يهمه حقا هو جودة ما يطرحه عليهم، ثم آراؤهم تأتي لاحقا.

 

س: الرواية الجزائرية عرفت تطوّرا تبعا للتغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري والعالم ككل. كيف تجد الرواية الجزائرية؟
سمير قسيمي: فيها وعليها كرواية أي دولة أخرى، وبقدر ما تكون الظروف خاصة بقدر ما يكون الأدب متميزا بخصوصيات لا يعرفها أدب آخر، ولقد عرفت الرواية الجزائرية انتكاسة في الفترة التسعينية بسبب ظهور البدعة المسماة "الأدب الاستعجالي" والذي كاد أن بقتل كل جميل في الرواية الجزائرية بوجه خاص، ولكن ظهور ما يسمى الآن بـ"الرواية الجديدة" التي على رأسها أمين الزاوي، بشير مفتي، الخير شوار، ياسمينة صالح، زهرة الديك وغيرهم، سمح بظهور أدب راق، ولك أن تقرئي "هوس" لاحميدة عياشي، فرغم جنونها الظاهر فقد كتبت بفنية تسحرني، أو حروف الضباب للخير شوار التي أعتبرها رواية مفصلية في الرواية الجديدة.
س: في حالة فوزك بجائزة البوكر العربية و هذا مانتمناه إن شاء الله وقد كتبت لحد الآن روايتين "تصريح بالضياع" و"يوم رائع للموت" هل تكون هذه قفزة نوعية بالنسبة لك أم أنّ هذا يعني بأنّك بدأت في الخط الصحيح؟
سمير قسيمي: ما أعتبره قفزة نوعية فلم يحدث بعد، ولا أعتقد أنه سيحدث إلا بعد خمس أو ست روايات، وما "تصريح بالضياع" و"يوم رائع للموت" إلا بداية في هذا الذي تسمينه الطريق الصحيح، أما حصولي على أية جائزة فلن يعني أبدا أنني متفرد أو روائي نجم، وإن كانت هذه الجائزة هي البوكر، والتي إن شئت الصراحة لا أستهدفها هذه السنة، ولكنها ستكون من أهدافي بعد خمس أو ست سنوات، أما الآن فأنا مستمتع بما ستفعله "يوم رائع للموت" بين أعمال روائيين أمضوا في الرواية ما يزيد عن عمري، بالطمع سأسعد لو بلغت قائمة الستة أو حصلت عليها الآن، ولكن رحم الله من عرف قدره وقدر سواه، وأنا أعرف قدر هؤلاء الكبار الذين وجدت اسمي يقرن بأسمائهم، ومع ذلك فلا أنتقص من روايتي التي يفاجئني بلوغها القائمة الطويلة ولن يفاجئني أيضا بلوغها قائمة الستة.

س: لا تطوّر للحركة الأدبية دون أن تواكبها حركة نقدية، كيف تجد الحركة النقدية عندنا في الجزائر؟
سمير قسيمي: للأسف فالنقد في الجزائر لا يبارح المؤسسات الأكاديمية، وأنا أعلم أنه يعيش في الوقت الراهن حركية رهيبة تجاوزت المدرسة المغربية بشكل أكيد، ورغم ذلك فهو لا يجرؤ أن يتعاطى مع الأدب بشكل علني، ولو كنت ماركسيا لقلت أصبح فنا برجوازيا بامتياز!

س: نشرت في أصوات الشمال "لهذه الأسباب أنسحب" ممّا يوحي بمعاناة أو تصادم أو عدم تقبّل صادفته أو لامبالاة ، ماذا حدث معك بالضبط منذ ظهورك على الساحة الأدبية كروائي؟
سمير قسيمي: كان سبب هذا المقال ما أعانيه الآن، أقصد التجاهل رغم الجهد الذي أبذله، وهو أمر لا أفهمه البتة، فمثلا تلاقي روايتي "يوم رائع للموت" قبولا نقديا وإعلاميا لافتا في الصحافة المشرقية منذ أول صدورها، ولكنها يتم تجاهلها في وطنها الجزائر بشكل مفرط، اللهم من أصحاب بعض الأقلام الجادة التي كتبت عنها على غرار محمد عاطف بريكي، بوعلام ختال، عقيلة رابحي، علاوة حاجي،وقورايا ورشدي رضوان،حياة سرتاح ولا أنسى بالطبع الشاعر عبد الرزاق بوكبة، فيما عدى هؤلاء فلا أحد يعترف بجهدي، حتى أنني لا أستطيع أن أصف لك سعادتي حين قرأت حوارا لأمين الزاوي أجراه معه القاص علاوة حاجي وهو يذكرني بخير، كما لا أستطيع أن أصف لك سعادتي بالردود التي وصلتني بعد نشر هذا الموضوع، فالحمد لله هنالك دائما من يهتمون.

س: نترك لك المجال الآن للتوجه إلى قرائك بكلمة فماذا تقول لهم؟
سمير قسيمي: أشكر لأصوات الشمال اهتمامها بكل ما هو أدب واحترافية محرريها، وكذلك الأصدقاء الذين آمنوا بي منذ البداية خاصة الأستاذين عاطف بريكي وإسماعيل بوحادة، وكل الذين يدفعونني دفعا لأقدم المزيد ولا رجاء لهم إلا أن أمثل هذا الوطن الذي نحبه في جائزة هي الأكبر في الوطن العربي.
شكرا على كل شيء.

منشور في مجموعة الجزائر الثقافية على الانترنت




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات