مواضيع اليوم

حوار مع الدكنور محمد أنقار

محمد أنقار

2010-02-03 19:56:34

0

الروائي والناقد المغربي د. محمد أنقار:

"معيار الصورة مرادف لطلب الحقيقة وحبذا لو نظر النقاد إلى تعاملي مع الصورة من هذا المنظور"

حوار: محمد سعيد الريحاني - المغرب

 

أصدرتم عدة مجاميع قصصية ك"زمن عبد الحليم" 1994 ، و"مؤنس العليل" 2003 ، و "الأخرس" 2005. كيف تقيمون الإبداع القصصي القصير مغربيا وعربيا من خلال تجربتكم القصصية؟

تنتمي تجربتي القصصية إلى ما كان يعرف بجيل الستينات من القرن الماضي. يمكن القول إنها تجربة نسخت تلك التي قبلها؛ أي كتابة رواد القصص القصيرة المغربية الذين أصلوا هذا الفن السردي عن طريق التحاور مع أشكال قصصية عتيقة من بينها المقامة، والمناظرة، والمسامرات. هؤلاء الرواد الذين برزوا في عقد الخمسينات واكتسحوا الساحة الثقافية بواسطة المنابر الصحافية الكثيرة، مدفوعين في ذلك بنوازع وطنية و اجتماعية و قومية. عن طريق هؤلاء تعلمنا كتابة القصة القصيرة، ثم طعمنا ما تعلمناه بالأدب المشرقي خاصة المصري، ثم بالأدب الغربي خاصة الإسباني.

لذلك عندما أطالب اليوم بتقييم واقع القصة القصيرة العربية والمغربية لا بد أن تتضمن إجابتي تلك العناصر القصصية السالفة الذكر. وعلى الرغم من أني لم أكف عن تجريب مختلف أشكال القص القصير منذ النصف الثاني من الستينات إلى يومنا هذا؛ أظل مقيدا بتلك العناصر والقيم الجمالية التي تربينا عليها. وأعترف بأني أحتفي كثيرا بالإنتاج القصصي للشبان المعاصرين وأتمعن طويلا في أساليب كتابتهم وصنعاتهم ومحاولاتهم التجريبية في المغرب وفي المشرق فأكتشف في نهاية المطاف أن مفهوم التجريب لدي يختلف عن مفهومه لديهم. وهذه مسألة طبيعية بحكم فارق السن وكذا بحكم الظروف المتباينة. أضف إلى ذلك أن جيلي استمد عناصره الجمالية من مصادر أخرى بينما يستمدها الجيل الحالي من معين جمالي وفكري مخالف. صحيح أن الأجيال السابقة واللاحقة تجتمع راهنا وتتفق على ضرورة استثمار التحولات الجديدة التي يعرفها واقعنا العربي والمغربي؛ لكن على الرغم من ذلك لا بد من الإقرار باختلاف مفاهيم الرؤيا والبلاغة والصياغة عند كل جيل.

يتضح من كل ما سبق وجود نهجين في الكتابة القصصية العربية المعاصرة بينهما من عناصر الاختلاف أكثر مما بينهما من عناصر التوافق. ولقد علمتني السنون أن أقر بأن أنجع الطرق المفيدة لثقافتنا الأدبية تلك التي يعترف فيها كل نهج بالآخر ويحترمه ويعي ضرورة التعايش معه.

ثمة نقطة أخيرة أود أن أضيفها في هذا المضمار تتمثل في ضرورة أن ينتبه الجيل الجديد من الكتاب إلى أن من سبقهم إلى ميدان الكتابة مازال يجرب هو الآخر، وما زال يبحث عن الشكل المناسب والأليق. بمعنى آخر، التجريب ليس حكرا أبدا على جيل دون آخر.

بدأتم مشواركم الإبداعي بكتابة القصة القصيرة ثم تحولتم إلى الرواية كما فعل كتاب آخرون (محمد زفزاف، مثلا). هل يمكن اعتبار القصة القصيرة مجرد عتبة لدخول عالم الرواية أم أن الأمر لا يعدو كونه اختيار قالب أدبي أنسب لموضوع أدبي مختلف؟

كتابة القصة القصيرة عندي ليست تتمة لكتابة الرواية بل هي تجربة إبداعية مخالفة. هي اختيار قالب أدبي أنسب لموضوع أدبي مختلف كما قلت، وهي أيضا صيغة إنسانية أخرى من أجل التواصل مع الواقع ومع الحياة ذاتها. ويحلو لي في هذا المضمار أن اكتشف الفرق الحقيقي بين ماهية القصة القصيرة وماهية الرواية عن طريق التأمل البلاغي للصورة السردية في كل من هذين الجنسين الأدبيين. إذ من شأن ذلك التأمل الدقيق أن يبرز للعيان وجود سببين متباينين في النظر إلى الأشياء والحياة. أضف إلى كل ذلك أن اختيار جنس أدبي دون سواه من لدن المبدع يخضع لنوازع غريزية متأصلة في الإنسان أكثر مما هي مسألة عشوائية. لذا يظل للقصة مقامها ويظل للرواية مقامها.

عرفت الكتابة الإبداعية تأرجحا واضحا بين تحرير المضمون (المدارس الواقعية بأشكالها )وتحرير الشكل (المدارس الأخرى). مع أي اتجاه تموقعون تجربتكم الإبداعية؟

أفترض أن النقد الأدبي لم يكشف بعد عن كل التحولات البلاغية التي قامت بها المدرسة الواقعية بمختلف توجهاتها. ولعل المتأمل في هذه النقطة يدرك مدى الظلم الذي لحق الكتابة الواقعية عبر تاريخ الأدب. إن التنويع الواقعي الذي أود أن أتحدث عنه ليس ذاك الذي تكفل بتحرير المضمون فحسب بل حاول في نفس الآن تحرير حتى الشكل السردي ذاته. ولقد بسطت هذه الفكرة البلاغية طويلا في كتابي " ظمأ الروح " الذي أتمنى أن يرى النور قريبا. في إطار هذا المفهوم الواقعي الرحب ( غير الكلاسيكي، وغير الطبيعي...)، يطيب لي أن أموقع تجربتي القصصية.

في روايتكم "المصري" ، روعة في استخدام الكاميرا وتقديم الشخوص والأمكنة ...هل ثمة علاقة تربطكم بالسينما؟

علاقتي بالسينما علاقة وطيدة وقديمة،. وحينما يمر يوم لا أشاهد فيه فيلما أشعر أن شيئا ينقصني. وأتمنى أن تتاح لك الفرصة لتقرأ روايتي « باريو مالقه » التي تخضع حاليا للمسات الأخيرة لكي تكتشف مدى التأثير الكبير الذي مارسته السينما فيّ وفي جيلي.

مابين ثقافة الأذن والسمع والطاعة وثقافة العين والصورة والحقيقة، يبدو أنكم حسمتم اختياركم في تكريس جهودكم العلمية خدمة لمبدأ الحقيقة وأداتها "الصورة"؟

الصورة جاءت ثمرة لمشاهدات سينمائية طويلة جدا وقراءات سردية امتدت هي الأخرى لمدة تقرب من خمسة عقود. لذا، كانت القيم الجمالية التي تشربتها منذ الصغر قد أسهمت بطريقة واضحة في تنبهي إلى أهمية الصورة في تشكيل الأعمال الإبداعية وكذا في الحكم عليها نقديا. إن تبني معيار الصورة هو كما قلتَ بحق مرادف لطلب الحقيقة ذاتها. وحبذا لو نظر النقاد إلى تعاملي مع الصورة من هذا المنظور، وليس باعتباره إشكالا مفروضا علي قهرا، بل هو نتاج طبيعي للظروف الثقافية والاجتماعية التي عشتها شخصيا.

كيف يرى الدكتور محمد أنقار المشهد النقدي الأدبي العربي عموما والمغربي خصوصا؟ هل يمكن الحديث عن نقد مؤسسي ،عن مدارس نقدية عربية ؟

من الواضح أن النقد الأدبي العربي والمغربي يمر راهنا بمرحلة غير عادية. فبعد انحسار أنماط النقد الإيديولوجي والبنيوي والتداولي وطغيان النقد السيميولوجي انتهى الأمر بالنقد عندنا إلى ما يشبه الباب المسدود. فالناقد يقف عند " عتبات " النصوص ولا يكاد يتغلغل إلى أعماقها. يبدو كأنه فاقد القدرة على ذلك. يقف عند عتبة " العنوان " وعتبة " الغلاف" وعتبة " المشهد" و عتبة " المعنى" ثم لا يتجاوزها بعد ذلك إلى تشريح النص وتقييمه والتأمل في بنيته الإنسانية العميقة. هكذا يخرج قارئ النقد مثلما دخل أو أسوأ، من دون أن يهديه النقد أو يساعده على التذوق. إنه النقد الذي يصف التراكيب ولا يتساءل عن ماهيتها، فضلا عن أنه نقد المجاملة والمداهنة. لذلك لم نعد نقرأ راهنا نقدا قادرا على الكشف عن خلل البناء، أو عن الأخطاء، أو حتى الاختلاف مع رؤية المؤلف. فكيف بعد هذا أن نفترض حديثا عن مدارس نقدية عربية؟.

لكن على الرغم من المأزق الذي انتهى إليه النقد العربي المعاصر أحتفظ في أعماقي ببارقة أمل مبررها القول بأن الوضع الحالي قد وصلنا إليه جراء كثافة التجريب في فترة زمنية غير طويلة. فبعد أن تشيعنا بحماس لمختلف أنماط النقد المستوردة من الغرب ومارسناها على علاتها يظهر أننا قد بدأنا نمل من التجريب. وتلك نتيجة طبيعية بعد الحماس والجهد غير المدروسين. وأحدس أن فترة التيه التي يعيشها نقدنا قد تفضي به لاحقا إلى تأمل ذاته واستخلاص العبر، وعدم الانجراف التام مع نقد ما بعد الحداثة. إن العودة إلى الأصول لا محالة آتية. وحينذاك يمكن الحديث عن بدايات تشكل نظريات أو تصورات نقدية عربية.

تفتقر المكتبة السردية العربية إلى الأعمال المشتركة بين الأدباء المتميزين. كما يصعب، من خلال التنقيب في مشواركم الأدبي عن عمل مشترك مع مبدعين عرب.هل يتعلق الأمر بصعوبة في التنسيق أم بصعوبة التغلب على روح العمل الفردي في الإبداع الأدبي؟

ليس من المستبعد أن تكون ثمة أعمال سردية مشتركة بين أديبين أو أكثر. بل إن واقعنا الأدبي يوقفنا على بعض المحاولات الناجحة التي تمت في هذا المضمار. لكني شخصيا لا أجد حماسا كبيرا لمثل هذا النمط من التأليف. والأمر كما تقول يعود إلى صعوبة التغلب على روح العمل الفردي في الإبداع الأدبي. أما أنا فأرد المسألة إلى المزاج الشخصي لكل مبدع وطبيعته الخاصة. ثمة أدباء «غيريون » يستطيعون الانسجام مع أفكار وتصورات ورؤى وصيغ الآخرين ثم لا يجدون أية غضاضة في تكملتها والتنسيق معها. أما مزاجي فلا يسوغ لغيري الاحتراق مع الكلمة المناسبة التي أبحث عنها. والحق إني لا أقول ذلك بدافع من النرجسية وإنما يتعلق الأمر بخلاصة تجربة طويلة جدا مع تصحيحات أبحاث الطلبة ومحاولاتهم الأدبية. أنت تعلم جيدا أنني أمارس التعليم منذ أربعة عقود، وأن تجربة تصحيح أساليب وجمل الطلبة تجعلني أتعذب وأقاسي وجوديا. وفي أثناء التصحيح أجدني أفرض على الطالب التعبير الفلاني باسم الصياغة السليمة، وباسم نفس الصياغة أطلب منه أن يغير الجملة الفلانية الأخرى. وأحيانا أقول له إنه استعمل اللفظة الفلانية في غير محلها. لكني بدأت أقتنع في المدة الأخيرة بفكرة أنه ليس من اللازم أن نجعل الآخرين يكتبون مثلما نكتب. فالناس أحرار في مجال الكتابة. ومن الصعب جدا أن نجعلهم يتفقون على فكرة واحدة أو جملة واحدة أو حتى لفظة واحدة. بل أكثر من ذلك أننا أصبحنا نعيش في أيامنا ظاهرة ثقافية غريبة أسميها "ظاهرة الدفاع عن الخطأ". فقد غدا من الصعب أن تقنع اليوم طالبا بأن تعبيره غير سليم، أو أن الصياغة الفلانية غير صحيحة. ولي في هذا المضمار تجارب شخصية عديدة كلفتني كثيرا من المعاناة. فلماذا أضطر بعد هذا إلى البحث عن عذاب آخر؟ يكفيني عذاب واحد أقاسيه أثناء نحت كلماتي.

كلمة أخيرة؟

لقد أشرت سابقا إلى أملي في تجدّد نقدنا و احتمال عودته إلى ذاته و هذا الأمل لا يكاد يفارقني. وفي هذا السياق أعترف بأننا نحن الشيوخ مطالبون بالبحث الدؤوب عن المواهب الشابة في شتى ميادين الإبداع. إن هؤلاء هم القادرون في المستقبل على تحقيق ذلك الأمل وترجمته إلى واقع ملموس.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !