حـوار مع شـاب .. اسئـلة ام اجابـات؟؟
محمد الامين عبد النبي
مدخل:
( سادت بلادنا مفاهيم خاطئة للإسلام فالحكام حولوا الشعار الإسلامي لدعم سلطانهم بلا محتوى إيماني وإصلاح اجتماعي وظفوه في خدمة أمنهم وإعلامهم إسلام البطانة السلطانية. وانطلقت تيارات وافدة من بؤر التأزم في العالم الإسلامي يقول أصحابها باجتهاد تكفيري يمهد حتماً لصدامات آتية )
الامام الصادق المهدي
( أن الإنسان الضار بمجتمعه ليس عالما تماما وليس جاهلا تماما وإنما هو شخص لم يتعلم بما يكفى ليكون نافعا ولم يكن جاهلا بما يكفى ليكف أذاه عن الآخرين! ) . الفيلسوف مانويل كانت
يسعي هـذا المقال لتسليط الأضواء ولفت الانظار لفكر ونهج الخوارج الجدد في السودان وتعاطيهم مع قضايا المجتمع والوطن وعلاقتهم الجدلية والتبادلية بالدولة . وذلك عبر قراءة في كتاب (حوار مع شاب ) للدكتور عبد الحي يوسف الصادر عن هيئة علماء السودان في يناير 2009 يقع في 72 صفحة من القطع المتوسط والـذي فجر سيلاً منهمراً من التساؤلات التي باتت حائرة في نفس الوقت قدم خلال صفحاته اجابات للعديد من الاسئلة المحورية التي تعكس الاضطراب الفكري الذي يغلب عليه المحاكاة الساذجة للنموذج الوهابي السعودي والقطيعة النافية لأي نموذج غربي .
أهمية الكتاب : لا تنبع من موضوعاته التي طرحها او الافكار التي ناقشها فهي ليس جديدة وانما تنبع من الملفات الحيوية التي تعد اوجه الاسباب لمطالبة الجنوبيين بالانفصال وتقرير مصيرهم بعيداً من الشمال المازوم وفتحها في هذا التوقيت الحرج في عمر السودان والنفق المظلم الذي يمر به لرسم معالم دولة الشمال الطالبانية فقد الهم الكتاب بطريقة او باخري موضوع (مراجعات الجهاديين والتكفيرين والعلاقة بين العلماء والسلطان و الجماعات السلفية التكفيرية واثرها علي الدين والوطن وكيفية التعامل مع الغرب وكيفية التعامل مع التراث والعصر وكيفية التعامل مع الاخر الملي وغير الملي والشباب والتطرف الديني ومرجعية الفتوي واصدار الاحكام الشرعية وغياب المشروع النهضوي الوسطي الذي يحقق المقاصد الشرعية ويحافظ علي الـذات الحضارية ويستجيب لمتطلبات العصر ) .
ولكن ما يزيد الاهتمام بالكتاب يرجع بالأساس الي شخصية المؤلف د. عبد الحي يوسف (أبو عمر) من مواليد (القاهرة )، تخرج في الجامعة الإسلامية بـ(المدينة المنورة ) في كلية الشريعة ،أكمل الدراسات العليا في جامعة الخرطوم ، يعمل الآن رئيساً لقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم ، كما إنه إمام وخطيب مسجد ومقدم برامج في قنوات واذاعات الحكومة . له مكانة مرموقة وسط الجماعات السلفية والشباب التكفيرين كما اوردت قناة العربية وعلاقة مع حكومة الانقاذ فقد قال عنه رئيس الجمهورية عمر البشير : ان الشيخ عبدالحي يوسف اصبح اليوم مؤسسة دعوية شاملة وقال الرئيس خلال افتتاحه مسجد خاتم المرسلين بحي الدوحة في الخرطوم عقب اداء صلاة الجمعة ، انه استدعى الشيخ عبدالحي يوسف الي القيادة العامة عقب طرده من دولة الامارات، واقترح عليه استيعابه كضابط في التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة مبيناً انه اعتذر عن قبول العرض، مطالباً بالسماح له بالتفرغ لإكمال دراساته العليا يعمل نائب لرئيس هيئة علماء السودان ومن مؤسسي الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة وصاحب قناة طيبة الفضائية .أي انه يعبر عن راي مؤسسة بأكملها تكاد تكون الواجهة الدينية الوحيدة للحكومة الان .
قدم للكتاب (....) حيدر التوم خليفة مساعد الامين ورئيس تحرير سلسلة اصدارات هيئة علماء السودان بمقدمة نوه فيها الي الهدف من الكتاب بحديثه عن الوسطية والاعتدال والدعوة بالحسني معتبراً الفهم المغلوط للإسلام من الامور الغريبة عليه مما ابتلت الامة الاسلامية بالتشرذم والفرق والطوائف مما جعل المسلمون في جمود فكري وعقم اجتهادي في عالم متغير وكشف الستار عن هوية الكتاب بانه مجموعة ردود وحصيلة لقاءات وحوارات مع مجموعة من شبابنا المسلم ساقهم الفهم الخاطئ الي تنكب طريق التشدد والتكفير وارجع ذلك لقلة العلم والتحصيل ولما يتعرض له المسلمون في مشارق الارض ومغاربها من ظلم وجور وطغيان مما جعلهم يسلكون طريقاً يأساً من الامة حكام ومحكومين ووجه نداء الي علماء الامة لإنقاذ هؤلاء الشباب فعلي الرغم ان تقديم الكتاب قد لامس جوهر القضية وتطرق الي اس البلية الا ان الكتاب قد غرد في الاتجاه المعاكس مما جعل العلاقة مفقودة بين التقديم والمضمون ، كما افتقد الكتاب لمقدمة من المؤلف واحسب انها كانت ضرورة ومهمة لتستجلي وتوضح الغرض والدافع من اصداره ، كما افتقد الكتاب الخاتمة التي تقود القارئ الي النتائج والتوصيات التي يريد التوصل اليها . يثير عنوان الكتاب بحد ذاته تساؤلات حول من هو الشاب المتحاور معه ؟ ولماذا التعميم ؟ فهو بذلك يقدم اسئلة اكثر من الاجابات التي اوردها مما اكسبها اهمية سياسية ضاغطة في الآونة الاخيرة بعد النهاية المتوقعة لسلام نيفاشا مما اثارت اسئلة حقيقية اضعها امام القراء عسى ان يوّفق العقل السوداني في ايجاد اجوبة لها بعيدا عـــن التشنج والانفعال .
منهج الكتاب: يعاب علي منهج الكتاب انه حاول معالجة ظاهرة التكفير والتطرف وفق اطر المنهج السلفي التكفيري القائم علي الغاية تبرر الوسيلة ، وتفسير الماء بعد الجهد بالماء والكيل بمكيالين فالذي يرفض العنف هو الذي بذر بذرته :
الغاه في اليم مكتوف اليدين وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء
فلم يأتي بأسس واضحة للمراجعة و(ان كـــان ظاهرياً يوحي بمراجعة للأفكـــار والمواقف ) ولم يغير منهجه ونسق تدينه وانما كان كل تركيزه في كف اذي تلاميذه عن الحكومة مع اصدار احكام التكفير واهدار دماء المسلمين غير الموالين لها .
الدوافع والاسباب: الكتاب لا يخرج عن فهم وفكر الجماعات المتطرفة التكفيرية (وان ادعي البعض غير ذلك ) واغلب افكاره وآرائه قد سبق طرحها في محاضراته ودروسه وكتبه ( الجواب علي الشبهات ، فتاوي العقيدة والمذاهب ... وغيرها ) ولكن هذه المرة قدم المؤلف مرافعة وتبرئة ذمـة للنظام من المخالفات الشرعية التي اتهم بها مما اثار تساؤلات عديدة حول الدوافع والاسباب :
- هل ترجع دوافع المؤلف الي مراجعة أفكاره علي ضوء المراجعات في مسيرة تار يخ الحركات الاسلامية المعاصرة نتيجة للرجوع للحق والتمسك بالفضيلة بعد تبيان الحقيقة والدليل وصحة القول المخالف وفق تغيرات الزمان والحال؟ هل ينطبق عليه فقه المراجعات علي حد وصف العلواني القائم علي النقاشات
مع الجماعات الاسلامية والنقد الذاتي وتغيير المواقف ونبذ التعصب والعنف ومراجعة التراث في كل جوانبه والمنهج وذلك لتصحيح المسار واعادة النظر في المنطلقات والقواعد والمناهج ؟ .
- أم أن الكتاب يأتي نتيجة لعمليات البحث والتمحيص عن مواطن الاخفاق واسباب الفشل في مسيرة الاسلام السياسي في السودان عموماً واستقراء مسيرة الجماعات السلفية التكفيرية وتطويع المفاهــيم كقيدومه للتوافق والتنسيق مع الحزب الحاكم للتصدي المشترك للتحديات التي تجابه الاسلام السياسي في المرحلة المقبلة .وذلك بعد المراجعات الفكرية للحركة الاسلامية والخروج منها علي المستوي الفردي ( د. عبد الوهاب الافندي ود. الطيب زين العابدين ود. التجاني عبد القادر ...الخ ) وعلي المستوي التنظيمي يعبر عنه الانشقاق في صفوف الحركة الاسلامية وخروج زعيمها من عباءة الحكومة والخروج عليها ومواجهتها وانتقادها والدعوة المتكررة للمغفرة والتوبة والاعتذار؟؟ ولعل المؤلف يدرك طبيعة التحالف مع أهل الانقاذ فقد تحالفوا عدة مرات مع كل التناقضات مع الصوفية ومع انصار السنة ومع الحركة الشعبية لتحرير السودان فقد تم استخدم أسلوب التحالف التكتيكي البراغماتي لتحقيق أهدافهم المصلحية, ثم العمل بعد ذلك علي فضه , وذلك يوضح لنا المبررات الظاهرة والخفية لاستراتيجية تعايش وتحالف النظام مع أي جماعة من اجل البقاء في السلطة .وما يبرر براغماتية التعايش والتحالف هو توتر العلاقة مع الحلفاء والبحث الدائم عن حليف جديد(ضحية جديدة )؟.
- هل الكتاب تراجع ونكسة وردة عن مبادئ وثوابت التكفيريين او كما وصفهم الامام الصادق المهدي بالجهاديين (لأنه قتال بموجب فتوى ذاتية لا تنطبق عليها شروط الجهاد لذلك فهم جهاديون لا مجاهدون ) كما يقولون عنه نتيجة لسياسة الترهيب (علي الرغم ان المؤلف لم يسبق سجنه ليلة واحدة في معتقلات او بيوت اشباح ) ويرجح البعض ان يكون الكتاب جاء بموجب صفقة بين الحكومة ومؤلف الكتاب بعد ضبط مجموعة من الشباب والاسلحة والمتفجرات في السلمة 2006م من بينهم نجله (عمر) واستخدم معه اسلوب لوى اليد والمساومة وقد اجاب المؤلف علي كل الاسئلة وفق الاجابات المعدة مسبقاً ومهرها بتوقيعه مقابل ذلك تم اطلاق سراح المعتقلين ودعم جمعيات الجماعة والسماح لها بمزاولة كافة انشطتها من بينها قناته الفضائية وتعيين قادتها في هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الاسلامي وتقديم التسهيلات اللازمة للأفراد والجماعة بل وتشريف راس الدولة نفسه لافتتاح مجمعات ومساجد الجماعة في الوقت الذي يشكو فيه مجمع بيت الامام المهدي ومسجد الخليفة وبقية ممتلكات الانصار المصادرة الي الله جــور السلطان وطول الهجران والتضيق علي اكبر الجماعات الدينية التي تنتهج الاعتدال والوسطية (مالكم كيف تحكمون). مما يؤكد ان الحركة الاسلامية النسخة الحاكمة الان في السودان تعاني من توترات وضغوط نفسية حادة تمنعها من التانئ والحكمة وبعد النظر في معالجة قضايا البلاد مما جعلها مضطربة في قراراتها وانتهازية في تحالفاتها فصارت تتحالف مع الجماعات المتشددة والتكفيرية لتصفية الحسابات السياسية وضمان البقاء في السلطة في حالة اشبه بالحالة المصرية ابان حكم السادات كما يصفها منتصر الزيات في كتابه (الجماعة الاسلامية رؤية من الداخل ) يقول : هي تفاهم غير مباشر أي ليس صفقة بالمعني السياسي التأمري ولكن بمثابة التقاء مصالح بين الحكومة والجماعة لتصفية الخصوم السياسيين ) ويضيف لها الإمام الصادق المهدي : عنصر الغزاة يقول ( ان بين الطغاة والغزاة والغلاة في عالمنا اليوم تحالف غير مكتوب يحول دون السلام والاستقرار) ويقول الامام مقدماً الترياق ( مشروع الوسطية هو البديل اذا استطاع أن يحشد معه القوى الاجتماعية الفاعلة، وأن يتعاون مع القوى الدولية التي استبانت خطأ وخطر الهيمنة والحاجة لنظام دولي اعدل وأفضل ) .مع الاخذ في الاعتبار سجل الحكومة الزاخر بموقفها التأمري مع الجماعات الارهابـية فقد سلموا كارلــوس 1994 المعروف بعداوته للغرب ودعمه للقضية الفلسطينية وقيادته لعمليات عديدة ضد الأهداف والشخصيات الصهيونية بأوروبا والمنظمات اليهودية واليمينية الداعمة لإسرائيل. وتعاونوا مع الإسرائيليين والفرنسيين والامريكيين بتوفير معلومات عن تنظيم القـــاعدة قبل ان يحّول ابن لادن استثماراته ويغادر السودان الى افغانستان في عام 1996 وغيرها .
المراجعات الفكرية للتكفيرين : بلا شك ضرورة لان العقل البشري بطبعه خطاء وغير معصوم عدا الأنبياء فقديماً قيل :( ان الحقيقة الكاملة لا يعلمها الا الله وقـــد وزعها علي عباده بصورة متفاوتة حتي يتكالبوا عليها وهم يتصارعون ) ومــن ثَمَّ فــان الرجوع عن الخطأ، سواء كان في تحديد الهدف أو الوسيلة فضيلة من الفضائل فعن أنس: أنَّ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم قال: (كلُّ ابن آدم خطاء وخــير الخَطَّائين التوابون). فالمراجعة ظهرت مع ظهور التطرف والغلو الاول منذ الخوارج الذيــن خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه والمسلمين بعد موقعة صفِّين، وكفَّروه وكفَّروا سائر المسلمين؛ إذ يروي الإمام ابن كثير رحمه الله لما كان قد قارب دخول الكوفة، اعتزل من جيشه قريب من اثني عشر ألفًا، وهم الخوارج، وأبَوْا أن يساكنوه في بلده، وأنْكَرُوا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها، فبعث إليهم عليٌّ رضي الله عنه عبد الله بن عباس، فناظرهم، فرجع أكثرُهم. بعد مناظرة ابن عباس رضي الله عنه لهم قاموا بمراجعة فكرية اجتهادية بناء على فهم آخر للصحابي الجليل وبالتالي عادوا عن ضلالهم وغيهم على ما كانوا عليه من فساد ورجعوا عن فهمهم الخاطئ للنص الديني بعد ظهور الدليل الصحيح.) .
وعن انبعاث الحركات الاسلامية المتطرفة التي تشكلت نتيجة لأفكار سيد قطب كنواة لكل الفكر الجهادي التكفيري واخطر ما في شان هذه الجماعات هي قراءة فكر سيد قطب خارج سياقه الزماني والمكاني والشخصي وقد تشطي فكره الي جماعات وتوجهات اعتمــــدت العنف وسيلة لنشر هذا الفكر وفي ذات السياق يمكن تتبع المراجعات عن هذه الافكار في تاريخها الحديث في تونس مراجعة حركة النهضة التي كتبها د. عبد المجيد النجار (الرؤية الفكرية والمنهج الاصولي لحركة الاتجاه الاسلامي ) وكانت مراجعة الحركة الاسلامية في تونس التي اجملها الشيخ راشد الغنوشي في كتاب مع د. حسن الترابي (الحركة الاسلامية والتحديث) وفي مصر مراجعات الاخوان المسلمين فقد اصدر مرشدها (دعــاة لا قضاة) ومراجعة الجماعة الاسلامية في 2002م (سلسلة تصحيح المفاهيم ) والتي تحتوي علي ( مبادرة وقف العنف رؤية واقعية ونظرة شرعية للشيخين اسامة حافظ وعاصم عبد الماجد وكتاب تسليط الاضواء علي ما وقع في الجهاد من اخطاء لعدد من المشايخ وكتاب حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين للدكتور ناجح ابراهيم والشيخ علي محمد الشريف وكتاب النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين للشيخين علي الشريف واسامة حافظ وقد كتب د. ناجح ابراهيم تجديد الخطاب الديني وكتاب الحاكمية رؤية شرعية ونظرة واقعية وكتاب احكام الديار فقه متجدد لعالم متغير وكتاب هداية الخلائق وكتاب دعوة للتصالح مع المجتمع ، حتمية المواجهة وفقه النتائج ) واخيراً مراجعة جماعة الجهاد التي سطرها اميرها السابق والمنظر الاول للقاعدة سيد امام عبد العزيز المشهور بـ(الدكتور فضل) في شكل وثيقة وقع عليها المئات من الشباب المعتقلين معه وقد اتهم بالرضوخ للنظام المصري والتي تحمل عنوان (وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم ) من 111صفحة في 2007م التعريف بالدين الاسلامي وفق جماعة الجهاد، الاهلية الشرعية وولاية الاسير، شرط الاستطاعة وفتاوي الاستحلال ، الخيارات امام المستضعفين ، القدرة علي الجهاد ، حفظ المسلمين من مقاصد الشريعة ،عدم جواز الدفع بالمسلمين الي مواجهة غير متكافئة مع اعدائهم ، جهاد المرتدين حكم الخروج علي الحاكم ، مقومات الجهاد وتكفي السلطان ، موانع قتل السائحين في بلاد المسلمين ، القدر بالأجانب ، قتل المدنيين والعمليات الجهادية والتفجيرات ، ضوابط التكفير واحكام الكفار والمرتدين ، التفريق بين الكفر والكبائر ، معاملة اهل الكتاب والتمييز في شروط الزمة ،حكم جهاد المنفرد وقدمت الوثيقة نصائح لاتباع الجماعات المتشددة : (تعلم الدين ، العلم لأجل العمل ،الحكم الشرعي ،عدم تسليم عقلك لغيرك بدعوة السمع والطاعة ،الوفاء بالعهد، الصبر ،الرجوع للحق ،حسن الخلق) كما قدمت نصائح لولاة الامر: (جواز رفع الحرج والرخص الشرعية ، محاسبة النفس والتناهي عن المنكر، السعي في فك اسري المسلمين واجب ، تحكيم الشريعة ، تقليل المفاسد الظاهرة ، تشجيع الدعاة وتسهيل عملهم ، تقوية المناهج. التخلص من البطالة ، تولية الاكفاء والامناء للمناصب. قيام دولة الخلافة). وربما يعٌد البعض كتاب (حــوار مع شاب للدكتور عبد الحي يوسف ) يناير 2009م هو النسخة السودانية للمراجعات الفكرية للجماعات الجهادية علي المستوي النظري خاصة وان للمؤلف كتب ومواقف واراء متشددة ومتطرفة جاهر بها من قبل بعضها تطرق له ايضاً في كتابه هذا : الكلام عن تكفير الدولة والحكام ، تطبيق الشريعة هل هي حدود ام ان الدولة مطبقة للحدود، ماهي شروط الاكراه المعتبر شرعاً، ماحكم من صرح ببناء الكنائس؟ ماحكم من صرح ببناء القبور والاضرحة واباح الطواف حولها، ماحكم من وضع قانونا ينظم ما حرم الله (وضع زمان لنهاية الحفلات الموسيقية مثلا)، ماحكم قيام الدولة علي نظام الديمقراطية الكفري، الحكم في قضية صحيفة الوفاق كان هزيلا ولو كانت الدولة جادة لما حدث ذلك ، ماحكم من منع نصيحة من يعبدون القبور تحت دعوة عدم اثارة الفتن، ما حكم الدخول في المجالس التشريعية والبرلمانات التي تعطي لنفسها حق التشريع من دون الله، في التجربة التركية هل يجوز للرئيس البقاء في منصبه مع عجزه علي تغيير العلمانية ، ما حكم اباحة ان يكون رئيس الدولة غير مسلم ، العزر بالجهل متي يعتبر ومتي لا يعتبر ، من الذي يجوز اخذ الفتوي والعلم عنه؟ وهل يكتفي المسلم بالدخول الي بعض المواقع علي الانترنت للتلقي عنها، ماحكم من يقول عن النصارى الكافر يا اخونا ؟ هل العلم بالواقع شرط صحة الفتوي، ماهي شروط العمل بالدليل ، ماحكم الذي يحكم بغير ما انزل الله؟ ماحكم من لم يكفر النصارى واليهود ، النصارى الموجودون الان هل هم معاهدون متي ينتقض العهد معهم ؟، وهل احداث الاثنين وجامعة النيلين ناقضة للعهد معهم ام لا؟، حسب اتفاقية نيفاشا فان الجنوب اعطي كله للحركة الشعبية فهل يجوز ذلك مع وجود مسلمين هنالك ، الديمقراطية هل يتصور فيها الاكراه بحيث يجبر الحاكم علي العمل بها. ،اذا كان الحاكم طاغوتيا فما حكم الدخول في اجهزة الشرطة والجيش ، ذا عطلت الحدود من قبل الحاكم هل يجوز للأفراد اقامتها ، ما حكم انكار المنكر من قبل احاد الناس ، ماحكم العمليات الاستشهادية ،ما حكم قتل النفس في حالة خوف الاسر من قبل الكفار ، ماحكم الصلاة خلف الائمة المضلين ، قاعدة (ملا يتم الواجب الا به فهو واجب) وماهي تطبيقاتها ، ما حكم الانتساب للحركة الشعبية ، ما حكم الدخول في الامم المتحدة ، ماهي ضوابط المعلوم من الدين بالضرورة ، ما حكم لعن العاصي المعين ، ما هو مدي الاحتجاج بالعرف في الشريعة ، هل يجوز حلق اللحية وتغيير الملابس للقيام بعمليات جهادية ، ما هو الاكل بالمعروف ؟ ما حكم تارك الصلاة ؟ ما قولكم في الداعية عمرو خالد؟ السفر الي افغانستان والعراق (التضيق علي المسلمين) ، تسليم بعض المجاهدين العرب لدولهم ، مشاركة الحركة الشعبية في السلطة ، المجازفة في الانتخابات القادمة وخطورة فوز الحركة الشعبية حرية العلمانيين المتاحة في الاعلام وما يبث من البدع والشركيات ، بند حق المواطنة في الاتفاقية ومشاركة العلمانيين في البرلمان ، التنازل الحاصل في خطاب الدولة الاسلامي ، القوات الدولية وقدومها الي السودان ، مستقبل السودان قاتم في ظل تمدد الحركات المسلحة.
الاستهلال : حمل عنوان فرعي حول (الكلام عن تكفير الدولة والحكام) موضحاً نهي الشريعة عن اطلاق اللسان بتكفير المسلم واورد شواهد علي ذلك مبيناً ان التكفير حكم شرعي تترتب عليه احكام خطيرة معطي الحق بـ(الحكم )بكفر او ردة المسلم للراسخين في العلم من اهل الاختصاص و(التنفيذ) لولي الامر الشرعي بعد حكم القضاء(الاسلامي ) وليس احاد الناس وصغار الطلبة محزراً من تكفير الدولة القائمة في السودان مصنفاً القائمين عليها من المسلمين بالظالم لنفسه والمقتصد والسابق للخيرات فلا يجوز اطلاق التكفير لادني شبهه . كان استهلالاً طيباً لو كان توسع في خطورة تكفير المسلمين والتنطع والغلو والدعوة للتوسط والاعتدال ولو كان فكرة (عدم التكفير) مبدئية تشمل الكل وليس القائمين علي الحكم فقط وتنهي عن تكفير لأي جماعة او حزب او عالم مجتهد فقد ضيق واسعاً ليخدم غرضاً ما. سرعان ما ظهر الاخر الكافر في الاجابة علي السؤال الرابع (الملي ) والخامس( المذهبي) والسابع (السياسي) ومن لم يشمله هذا النعت لحقته صفة المنافق او الموالي للكفار والمتآمر علي الاسلام والمسلمين هذا التصنيف يتناقض مع مبدأ المساواة (الاسلامي ) بين الناس فى الحقوق والواجبات كأساس التعامل فى الحياة الدنيا وان التفاضل انما يكون عند الله في الحياة الاخرة بحسب الاعمال فعندما قتل حمزة بن عبد المطلب ومثل به وقف الرسول على جثته وقال ( والله لئن ظفرت بهم لا مثلن بثلاثين ) فانزل الله عليه ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) فليس في الاسلام افضلية للمسلم على حساب المواطنين الآخرين ما دام الوطن لهم جميعا من هنا جاءت مقولة الوطن للجميع .
التجديد الديني ومازق المؤلف : لعل المؤلف قد وقع في مازق نزعته الانكفائية الصارخة والرافضة للتجديد الديني والاجتهاد الفقهي باعتبارهما احـــدي اصناف العلمانية ويعتبره كما اعتبره من قبل سيد قطب (عبثا) ًالاجتهاد يكون في مجتمع اسلامي وليس جاهلي ومع ذلك قدم في كتابه تحليلات وفتاوي واحكام فقهية لقضايا معاصرة وهو بذلك يقربـ(فقه يساير متطلبات العصر) فكان المتوقع ان يورد المؤلف كلام في هذا المعني .وهنا يبرز سؤال مهم هل الآراء والفتاوي التي وردت في صفحات الكتاب تمثل قناعة فكرية لدي المؤلف ؟ ام تمييز للمواقف والنائ علي الممارسات التي جاهر بها كثير من الشباب التكفيرين والرابطة الشرعية للعلماء والدعاة ؟ ام رؤية شرعية لقضايا واقعية ولعدم الصدام مع الحاكم المسلم وعدم تكفيره والتعاون معه ضد الكفار والتعاون لمعالجة مشكلة التطرف ضده ؟؟ هل تمثل محاولة الي مناصحة جادة للشباب التكفيرين ام تشجيع مبطن للتطرف والغلو مع تحديد الجهات المستهدفة بشيء من الدقة والتماس العذر للحكومة وخلق علاقة جديدة تقوم علي عدم التعرض للجهات الرسمية والمساندة المتبادلة أي ان العدو واحد ومشترك ؟
تطبيق الشريعة :عند اجابته عن تطبيق الدولة الان للشريعة الاسلامية عدد المؤلف مظاهر لتطبيقها رفع للأذان في المساجد وقفل للمطاعم في نهار رمضان و الخمر والزنا والربا ممنوعة بالقانون...الخ ولا أظن ان المؤلف قد نسي (وليس كل الظن اثم ) بل تناسي عشرات المعاملات التي سادت في هذا العهد من غسيل للأموال والشركات الوهمية واسواق المواسير ونهب المشاريع التنموية العريقة والاختلاسات التي دونتها تقارير المراجع العام التي تقول بوضوح ان كمية الاموال المنهوبة في تزايد مستمر والضغوطات التي تعرضت لها هيئة المظالم والحسبة العامة بهدف تغيير مسار العدالة والقروض الربوية القاسية في سد مروي واخرها قرض تمويل مشروع الصرف الصحي للخرطوم شمال الذي فاحت رائحته الربوية علي حد تعبير نائبة الحزب الحاكم بالبرلمان السيدة عائشة الغبشاوي ، وملامح الفساد لا تخطيها الا عين بها رمد في شوارع الخرطوم فالإنقاذ تعيد تجربة مايو في مغبة التطبيق العقابي للشريعة في مجتمع مهدد بالمجاعة فقد تعودنا ان نسمع شعارات ولم نراها علي أرض الواقع بل طبقت بشكل يناقض مقاصد الشريعة ومورست باسمها شتى أنواع الظلم والفساد فالقانون الجنائي الحالي المستمد حسب قولهم من الشريعة يعاقب علي جرائم تتعسر علي الشريعة ويأخذ الناس بالشبهات ، إن الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق للمسلم، كما انها في جوهرها عدل كلها ورحمة كلها وهي اشد علي الحكام من المحكومين وتقوم علي الحرية ومخاطب بها في المقام الاول ضمير المسلم لحماية المجتمع وتعمل علي تهذيب النفس وترتبط ارتباط وثيق بالإيمان فهنالك شواهد كثيرة الرجل الذي قطعت يده في السرقة فاخذ يده المقطوعة بيده السليمة وقال الحمد لله الذي خلصني منك اردت ان تدخليني النار والمرأة الغامدية الزانية التي جاءت للرسول ليطهرها فقال صلي الله عليه وسلم (انها جاءت بنفسها الي الله) فالبد في التطبيق يكون بالعدل قبل العقاب وبالأمن قبل القصاص وبالشبع قبل القطع وبالجوهر (عبادات ثابتة ومعاملات متحركة ) قبل المظهر والشعار ، فالثابت من أحكام الشريعة لا تؤثر فيه عوامل الزمان والمكان أما المتحرك من الشريعة فإن الثبات يفسده ويؤدي إلى عكس مقاصده والامة مخاطبة بتطوير فقه المعاملات على أساس مقولة ابو حنيفة ( هم رجال ونحن رجال ) والقاعدة الذهبية للإمام المهدي (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.) قال الشاعر :
أنا وإن احسابنا كرمت لسنا علي الاباء نتكل
نبني كما كانت اوائلنا تبني ونعمل مثلما عملوا
جاء في نداء المهتدين للأمام الصادق المهدي ما يلي ( في ظروف معينة، وأمام زحف التتار على ديار المسلمين اجتهد بعض الفقهاء ورأوا أن حماية بيضة الإسلام توجب تقديس المسئولية السياسية، وعلى نفس النمط اجتهد الشيخ أبو الأعلى المودودي وصاغ مفهوم الحاكمية لله على نحو مشابه لمقولة الإمرة لله. إن الذين رأوا باجتهاد معاصر أن يعطوا الإمرة أو القيادة السياسية قدسية تناهز قدسية العقائد والعبادات مهدوا للتطرف الإسلامي المعاصر الذي جعل اجتهاد أصحابه السياسي هو موقف الأمة كل الأمة ونفى رأي الآخرين باعتباره كفرا وخروجا عن ملة الإسلام هذا الاعتقاد هو الذي مهد للتيارات الاحتجاجية المتطرفة المعاصرة عبر تكريسه للاستبداد وفتح باب المظالم السياسية والاجتماعية. نعم إن المسلمين في محنة ويواجهون اضطهادا عظيما وإذلالا على يد الهيمنة الدولية وإسرائيل. إن أصحاب هذا الاتجاه اعتبروا أنفسهم مبعوثي العناية الإلهية واستحلوا لأنفسهم العمل لاستلام السلطة بالقوة والانفراد بها واستحلوا لأنفسهم استخدام أساليب العنف العشوائي الذي يزهق الأرواح البريئة ويدمر الأملاك في سبيل تحقيق أهدافهم ). فتحكيم الشريعة يعني أن تسود في المجتمع ثقافة التسامح والتعايش مع الآخر وعدم السعي إلي زعزعة استقرار المجتمع وأمنه .فهي بذلك مبنية علي التوسط كما اوردها الامام الشاطبي في المرافقات (أذا نظرت في كلية الشريعة فتأملها تجدها حاملة علي التوسط فان رأيت ميلاً الي جهة طرف من الاطراف فذلك في مقابلة واقع او متوقع في الطرف الاخر فطرف التشديد يؤتي به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدين وطرف التخفيف يؤتي به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد فـاذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التوسط لائحاً ومسلك الاعتدال واضحاً وهو الاصل الذي يرجع اليه والمعقل الذي يلجأ اليه ) فباب الاجتهاد مفتوح علي مصرعيه للعلماء مع مراعاة القطعي ورودا والقطعي دلالة من نصوص الإسلام وتجنب التعصب للاجتهاد الخاص والتعامل بقاعدة (اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ، واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب).هذه النظرية اساس التعامل المذهبي مع التراث المنقول ومع العطاء الإنساني المعاصر بغض النظر عن مصدره للخروج من نفق الانكفاء والتطرف الذي يقود للتكفير واهدار الدماء . والحكمة تقتضي الخروج بالطريق الضيق بين جبلين للتوفيق بين حق المسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية، وحقوق المواطنة للآخرين. وان تعاملنا مع أهل الاديان الأخرى يقوم على عدم الاكراه ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ..الآية) والدعوة بالحسني (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ....الآية). وحرية الاختيار حق مكفول للجميع (ولو شاء ربك لأمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقوله تعالى (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات.)
الديمقراطية لدي المؤلف : غني عن القول ان هنالك التباس لدي المؤلف حول الديمقراطية ناشئ عن سوء فهم للنظام السياسي الإسلامي وركائزه لإقامه العدل وعمارة الارض فالكاتب رفضها من منطوقها الفلسفي الغربي كـ(لفظ مستورد ) واعتبر مبادئها ( الحق في اختيار حكامه ومحاسبتهم وان يحال بين الناس وبين الاستبداد المستلزم اهدار كرامتهم وتضيع حقوقهم ) ركن ركين من مبادي الشرع وكذلك الخلط بين الشوري والديمقراطية مما يؤكد ان اس مشكلتهم مع الديمقراطية انها غربية المصدر والنظر اليها كشر مطلق مفروضاً عليهم (الحكمة ضالة المسلم انا وجدها فهو حق بها ) فعلاقتهم بها لم تبلغ الرشد بعد ولايزالون يقفون في اول الطريق في التعاطي معها والبحث عن تناقض بينها وبين الشورى . لقد عقد الامام الصادق المهدي مقاربة ومقارنة بين الشورى والديمقراطية في ورقة بعنوان (الدولة في الإسلام ومنظور الديمقراطية وحقوق الإنسان ): كلاهما يوجب اعترافاً بكرامة الإنسان ويكفل حقوق الإنسان، لأن الشورى تدخل ضمن نظام اجتماعي وسياسي تحكمه مبادئ العدل والمساواة يكفل حقوق الإنسان على النحو الذي سنبين لاحقا. كلاهما يمنع الانفراد بالسلطة كلاهما يوجب احترام استقلال القضاء وسيادة حكم القانون. مع هذه العوامل المقاربة هناك قطعاً اختلاف بحيث يمكن القول: أن الشورى مماثلة للديمقراطية ولكنها ملتزمة بسقوف كما أن الديمقراطية مماثلة للشورى ولكنها مرتبطة بآليات تطبيقية. بل أقول إن التأقلم الثقافي يوجب على الديمقراطية أن تراعي سقوف الشورى. وأقول إن الجدوى التطبيقية توجب على الشورى استصحاب آليات الديمقراطية. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فقه التبرير: قد ركز المؤلف علي سمة يمكن ادراكها في أي جزء من الكتاب هي ما يمكن تسميته بـ(فقه التبرير) في مواقع كثيرة للدفاع عن مواقف النظام القائم منها قوله الحدود قد لا تقام علانية بل في نطاق محدود - اعني في السجن -لان ظروف البلاد ومرحــلة الاستضعاف الذي نحن فيه لا يسمح بأكثر من ذلك) و (الـــدولة تقاوم ما استطاعت الى المقاومة سبيلاً) ويقول: (لا شك ان الناظر في حال هذه البلاد - على ايامنا - وما نتعرض له من ضغوط خارجية وداخلية لكون الكفار يشاركوننا فيها مع كثرة المنافقين ومرضى القلوب يجد مندوحة لأولى الأمر في الاخذ ببعض الاقوال الميسرة التي تدرأ الفتن وتحفظ المصلحة) . ويقول في تنظيم الحفلات الغنائية (القانون انما وضع لتنظيم امر يرونه جائزاً باجتهاد سبقتهم اليه جماعات من اهل العلم ومثل هذا لا يكفر فاعله وليس الأمر اختياراً اصيلاً في منهج الاصلاح المتدرج الذي يضرب له العلماء المثل بتحريم الخمر ). وعن اتفاقية نيفاشا للسلام يقول ( اتفاقية نيفاشا قد لا تكون هي الصورة المثلي لحل النزاع ولاهي الحالة المرضية لنا - معشر المسلمين- لكنها حصلت في ظرف كان الجيش فيها بحاجة الي التقاط انفاسه ) وان اتفاقية نيفاشا وقعت في ظل ضغوط صليبية وغياب اسلامي حيث حصل الاستفراد بالمفاوضين الذين يمثلون السودان ويعتقد الكاتب ان من ايجابياتها الاقرار بحق المسلمين في الشمال بالحكم بالشريعة . واعتذر الكاتب للحكومة عن (الديمقراطية الشركية) بقوله: وحسبنا انه ليس في الدستور مادة تنص على ديمقراطية البلاد لهذا المعنى الشركي وقال ايضاً عن عدم النص على شرط الاسلام في الدستور لمرشح رئاسة الجمهورية وقد اعتذر واضعوه بانهم اغفلوه كتحصيل حاصل خلوصاً من ضغوط دولية .
راي المؤلف في الداعية عمرو خالد : اورد المؤلف رائه في الداعية عمرو خالد بقوله انه واعظ لا عالم متخصص يزن كلامه كصنيع العلماء الراسخين فهو واعظ قاص وليس عالماً بالشرع لتؤخذ عنه الفتوي واورد مأخذ عليه ، مما يــؤكد ان الداعية عمرو خالد قد نجح في ذات الميدان والفئة المستهدفة بالأفكار المتشددة مع اختلاف المنهج وطريقة العرض فالداعية عمرو خالد يصب اهتمامه في الخلاص الفردي وتكيف الاشخاص المتدينين مع من حولهم(المجتمع) والسعي للنجاح في العلم والعمل ، مما جذب اليه شباب متعلمين ومؤهلين وكثيراً ما يوصي في دروسه بالتحلي بالأخلاق والصبر والحب والتواضع والمحافظة علي الوقت وما يميزه ايضاً المصالحة مع العولمة والحداثة من حيث الملبس والمظهر والتعامل مع التكنولوجيا الرقمية ووسائله في الدعوة الحديثة ، فيحمد له كمصلح اجتماعي وقائد شبابي وداعية اسلامي انه عصم عشرات الالاف من الشباب من الوقوع في براثن التطرف والغلو وقدم حلولاً للشباب من البطالة والجهالة والثقة بالنفس والانفتاح المبصر نحو الاخر ، فراي المؤلف في عمرو خالد متوقع لأنه ببساطة يصنع الحياة عبر بنك الطعام والملابس وشباب النهضة وبينما هم يصنعون الموت وعمرو يدعو الشباب لبرنامج (مجددون ) وهم يدعو الشباب لبرنامج (منكفئون وتكفرون ).
تناقضات الكتاب : دخل الكتاب في عدة تناقضات مثلاً بين تحريم الدخول في الامم المتحدة وتبرير دخول قواتها في دارفور لمصلحة يراها الحاكم و لا تتأتي لعامة الناس ويحمد الله انها لم تأتي لموانع تحول دون مجيئها ولعل هذه الجزئية تؤكد ان صفحات الكتاب او بعضها قد كتب قبل 2007م والان القوات الدولية تتجول في شوارع دارفور وقدتم نشره في يناير 2009م فاين كان الكتاب خلال الفترة السابقة . وبين تحريم الانتساب للحركة الشعبية وتبرير مشاركتها في السلطة مع اعترافه بانهم - مواطنون في هذه البلاد - ما ذا يضيرنا لو بذلنا لهم شئياً من الدنيا لنحمي ما بقي من ديننا ودعي الناس لقراءة الاتفاقية قبل الحكم عليها. وفي الوقت نفسه يقول ان المواطنة تعبير حادث ومستورد وانها لا تطبق حتي في بلدانها وان الوضع الامثل في الدولة التي تطبق احكام الاسلام يكون الديــن اساس الحقوق والواجبـــــات ضارباً بدستور 2005م الذي اجازه حلفائه الجدد والذي ينص علي ان المواطنة اساس والحقوق والواجبات عرض الحائط وهل المؤلف ملتزم بالدستور؟ ونجده يبحث لهم عن عذر فيقول ( ولكن الناظر لواقعنا يجد ضغوطاً كثيرة تمارس علي الدولة ومن الانصاف التعامل بمبدأ (فاتقوا الله ما استطعتم). ويعتبر المؤلف ان النصارى الموجودون في السودان معاهدون ، لأن المعاهد هو من لم يقبل الاسلام وتعهد بعدم حرب المسلمين وهوما ينطبق علي النصارى الموجودين الان وان احداث الاثنين تمثل نقضاً للعهد من الذين اعتدوا دون غيرهم والسبب هو هلاك قرنق كان بغتة وقد فوجئ به الناس مسلمهم وكافرهم وهؤلاء احدثوا في المسلمين مقتلة عظيمة واعتدوا علي الاموال والاعراض ومازال الكلام للمؤلف ولكن المسلمين اعادوا عليهم الكرة يوم الثلاثاء بتشجيع من الدولة ومشاركة او صمت منها ورضاءً علي اقل تقدير فلقنوا اولئك المعتدين درساً لن ينسوه ما عاشوا بان المسلمين قادرون علي رد الاعتداء بمثله وعلي الباغي تدور الدوائر وذلك مع اعتراف في مكان اخر من صفحات الكتاب عن وجود احكام لا نستطيع تطبيقها في عالم اليوم لا تخفي علي الفطن اللبيب بسبب ما عليه المسلمون من ضعف وهوان وتسال اين احكام اهل الذمة ؟ هل تجد لها اثر في حياة المسلمين قاطبة اليوم حتي في البلاد العريقة في اسلامها ؟ اين احكام جهاد الطلب ؟ اين فكاك الاسير ؟اين الانتصار لقضايا المستضعفين في المشارق والمغارب ؟ بل لو حاسب الواحد منا هل طبق احكام الاسلام كلها في خاصة نفسه وفي نطاق اسرته؟
الجهاد عن المؤلف : محصور في القتال والحرب بناءً لتقسيمه للعالم لدار اسلام وحرب ومسلم ومجرم مستدل بالآية (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) وان الحكومة الحالية في السودان قد رفعت راية الجهاد ( كما ان شعيرة الجهاد قد رفعت رايتها وتدافع الناس اليها بإشراف الدولة ومازالت كلمة الجهاد ملاذاً للدولة والقائمون علي الحكم في البلاد لم يعهد عنهم فسق ظاهر ولاستهتار بالدين بل يذكرون في خطبهم انهم ما جاءوا الا انتصاراً للدين) لاحظ ايها القارئ مدي المظهرية والهروب وتحاشي الجوهر والمواجهة والتمسك بالقشور مزايدة بالظاهر دون تقييم للواقع والتعامل مع الاطار الشكلي دون الاكتراث للمضمون حتي ولو ناقض الدين فالجهاد ذروة سنام الإسلام ورهبانية الأمة ماض إلى قيام الساعة ويعني الصلاح والفلاح والنجاح في كل مجالات الحياة ولا يفلح الإنسان في أية حالة إذا لم يبذل الجهد وتكون البداية دائما بإلزام النفس علي الجادة وهذا هو الجهاد الأكبر كما جاء في الاثر ومن بعد علي مستوي الاسرة ( الك والدان ففيهما فجاهد ) والمجتمع والوطن ( افضل الجهاد كلمة حق امام سلطان جائر ) اما الجهاد قتالاً في حالة فتنة الناس عن دينهم أي إكراههم على الخروج من دينهم. وفي حالة الدفاع عن النفس. أي دفاعا عن العقيدة ودفاعا عن الحياة مرتبط بالظلم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(.
الهجرة للجهاد والتضيق علي المسلمين : ساق الكتاب حزمة من التبريرات لموقف الحكومة من التضيق علي المجاهدين الاسلاميين للسفر للعراق وافغانستان خوفاً من الاتهام بمساندة المجاهدين وتأليب العالمين ضدها في تجنب لمعني ومغزي الهجرة في الاسلام كأحد الخيارات والوسائل في جوهرها ترك الوطن لبلد اخر بسبب الاضطهاد والظلم والعدوان وتكون هرباً من العدوان بعد العجز عن المقاومة والخشية من الفتنة في العقيدة والدين قال تعالي (ان الـذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ) دونكم هجرة المسلمين الاولي والثانية فالهدف حماية الدين والنفس والكرامة الانسانية و ذلك بالخروج من دائرة الاستبداد والتسلط فهي اقرب للجوء السياسي في عصرنا الحاضر ففي كل الاحوال لم يثبت الهجرة لممارسة العنف والرعب للبلد المضياف وتكون لبلد يأمن فيه المسلم علي نفسه ودينه وحريته كأخف الضررين .
علماء السوء والفتاوي السلطانية : الكتاب اعاد للأذهان الصراع بين الفقهاء والسلاطين حول السلطة والذي تحكمه المصالح المشتركة في اطار تسوية توزيع السلطات فالحكام يمارسون السياسة والعلماء يديرون المجتمع بينهما منطقة مشتركة تزيد وتتقلص حسب ضعف وقوة أي من الطرفين ، فوراء كل فرعون حاشية من العلماء فقديما قال أحدهم مخاطباً الرشيد ( إن الله بمنه وعفوه جعل ولاة الامراء خلفاء في ارضه وجعل لهم نوراً يضئ للرعية ما أظلم عليهم من الامور فيما بينهم ويبين ما اشتبه من الحقوق عليهم ) فما من حاكم خرج من الدين او تلاعب به الا بفتوي وما من سلطان طغي وتجبر الا بفتوي حاشيته من الفقهاء الذين يلعبون دور علماء السوء (بموالاتهم للحكام ) وعلماء الرسوم (لإتباعهم النصوص دون اعمال الفكر) في هذا الزمان ، لتخدير الامة والدعوة لطاعة الحكام المستبدين مدللين بنصوص مثل (من اطاع اميري فقد اطاعني ومن عصي اميري فقد عصاني ) فالنظام القائم يبحث عن غطاء ديني ليصبغ علي ممارساته شرعية تبرر تصرفاته لدي المحكومين وهذه سنة بشرية يقول الكواكبي ( ما من مستبد سياسي الا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله او تعطيه مقاماً ذا علاقة مع الله). وكذلك علماء السلطان يؤيدون السلطة القائمة ويدافعون عن نهجها ويبررون سياساتها ويرفضون أي مراجعة لأخطائها ، ويعتبرون أي نقد لها استهدافا لعقيدة الأمة وتامراً علي الدين ، إن تنامي ظاهرة الفتاوي السلطانية التي تؤيد الحاكم وتبرر تصرفاته وتكفر معارضيه قد القت بظلالها في عهد الانقاذ بصورة صارخة ومدهشة مما اطلق عليها الكثيرون (فوضى الفتوي). فالسلطة تبطش بالشعب وفق فتاوي علمائها فيدفع الشعب الثمن مرتين، ان الله اراف علي السودان من ان يبتليه بأمويين الانقاذ وخوارج العصر .
التعامل مع الغرب : المعلوم بالضرورة ان نظام الإنقاذ قد تراجع كثيراً عن ثوابت ومبادئ المشروع الحضاري القائمة علي العداوة المفرطة للغرب الي الانبطاح الكامل للغرب والتعاون والتنسيق لمحاربة الارهاب ومع ذلك مازال اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وحاول النظام مرارا خلال مسيرة التطبيع إعطاء إشارات انها عملت بكل ما في وسعها لتجفيف منابع الارهاب ولكن مازال الامريكان يطالبون الحكومة لبذل المزيد من الاجراءات اتجاه الارهابيين . فلم يوضح لنا الكتاب الحكم الشرعي لهـذا التعاون والمولاة للغرب ضد المسلمين ولماذا لم يشملهم وصف المنافقين مع العلم بان المؤلف يرفض أي التعامل مع الغرب ويتهم دعاة المتعاملين معه بالخيانة والنفاق فلماذا ازدواجية المعايير ام هي دواعي التبرير كما ان الخطاب البديل لذلك هو مجرد الدعوة للرجوع للإسلام كما كان عليه السلف ؟ ان اكبر المشاكل التي تعاني منها الامة هي تعطيل الفكر وامعان البحث في دهاليز الماضي لا يجاد حلول لمشكلاتنا الانية .هنالك منجزات كثيرة حققها الغرب لا تتعارض مع مبادئ الإسلام لا ينكرها الا مكابر والحكمة تفرض علينا أن نستصحبها دون حرج، وربطها بمقاصد الشريعة الإسلامية منها(حرية البحث العلمي والحكم الراشد القائم على رضا المحكومين ومساءلة الحكام والتداول السلمي للسلطة والنظام الاقتصادي القائم على آلية السوق الحر في مجال الاستثمار والإنتاج والتجارة والالتزام بحقوق وحريات الإنسان والشفافية وسيادة حكم القانون) التحدي الماثل في كيف نستفيد من منجزات الغرب بما يخدم مصالحنا ويحافظ علي قيمنا الاسلامية فالرفض ضعف والتشبث بالماضي هروب للوراء . النظام الدولي الحالي (الامم المتحدة ) يقوم على العهد ملزم للمسلمين لقوله تعالي ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) وقوله ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ.. الآية (
صحيح ان النظام الدولي المعاصر لم يشارك في نشأ ته المسلمين ولكن لا يستطيع احد ان ينكر ان كثير من مفاهيم مثل المعاهدة والائتمان، ومعاملة الأسرى، والعلاقات بين الكيانات السياسية الدولية مستمدة من الفكر والتجارب الاسلامية ومستنبطة من مبادئ وأحكام الإسلام .
فالواجب علينا نحن معاشر المسلمين الاعتراف ان ليس جميع من تأثر بالدعاية الممقوتة ضد الاسلام وذو نوايا سيئة او كارهين للإسلام او معاديين بالفطرة فهذه صورة مسبقة ونمطية كرسها بعض ابناء جلدتنا حيث تعاملوا مع الاسلام بصورة خاطئة وصوره بطريقة شوهته فربط بالعنف والارهاب والاستبداد وقتل المدنيين مع العلم ان الاسلام يتمدد في ظل قوة المنطق لا منطق القوة مما يحتم علينا بزل المزيد من الجهد لشرح الموقف الصحيح للإسلام وتبرئة ديباجته الوضاءة .
رد فعل التكفيرين : كانت رد فعل التكفيرين الشباب للكتاب عنيفة وحادة فهؤلاء الشباب سيطرت عليهم العاطفة والحماس والغاء العقل والميل لإسكات الراي المخالف لمعتقداتهم والطاعة المطلقة لمشايخهم وقد تربوا علي ذلك فكتابه هذا افقدهم الثقة في شيخهم فكانت الفاجعة مركبة قال الشاعر :
وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
فصوبوا نقدهم علي الشيخ عبد الحي يوسف واتهموه بمهادنة ومداهنة الحكام واعتبروه تنازل عن فكـره وتخلي عن منهجه وسطروا ذلك في كتيب وزع داخل الجماعة اسموه (فتح الوهاب في الرد علي حوار مع شاب) صبوا فيه جام غضبهم عليه قالوا عنه : (كم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة حكم الله تعالي ثم يزيح عنها ويستخدم علمه في التحريفات والفتاوي المغلوطة والملغومة لصالح سلطان الارض ناسيا سلطان السماء الذي اوصاهم بعدم كتمان العلم يحاول ان يثبت بها السلطان علي سلطان الله وحرماته في الارض جميعا ) وفي ختامه قالوا (انهم فجعوا فيما أورده الشيخ عبد الحي يوسف في كتابه حوار مع شاب الذي وقع في زلات عظيمة وأصدر فتاوي معلبة وجاهزة تحت الطلب وخرجت مفصلة بالمقاس(.
العلاقة بين التكفيرين والاسلاميين : ان الكتاب يدق ناقوس الخطر الذي تشكله ظاهرة الغلو والتطرف والتكفير التي تتمدد في اواسط ريفية ومجتمعات ينتشر فيها الجهل والامية وانصاف المتعلمين كاحتجاج علي التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لحكومة الحركة الاسلامية فظهورها وانتشارها يعد من مظاهر الازمة التي يعاني منها السودان بفعل الاضطهاد السياسي والذي بدوره شوه الوعي الجمعي وعمل علي تهيئة البيئة الجاذبة يقول د. عبدالوهاب الأفندي في مقال بـ(صحيفة الصحافة الحركات الجهادية المتجددة ومحنة الحركة الإسلامية الحديثة ) : أن هذه الحركات تنشأ على هامش ويمين الحركات الإسلامية الحديثة، وغالباً في بلاد تكون فيها السلطة لقوى إسلامية. فحركة طالبان نشأت في أفغانستان بعد تولي قيادات المجاهدين للسلطة. وفي كل من السودان ونيجيريا وغزة قامت هذه الحركات في ظل وضع تولت فيه الحركات الإسلامية السلطة أو أعلنت تطبيق الشريعة. وفي اليمن نشأت حركة الحوثي في بلد تقليدي ما يزال للشريعة الإسلامية فيه وضع متميز، وفي ظل حكومة متحالفة مع الإسلاميين. وقد كانت الحكومة هي التي أنشأت في وقت ما مجموعة الشباب المؤمن التي انبثقت منها حركة الحوثيين. هذه التيارات تمثل إذن حركة نقدية تجاه الحركات الإسلامية الحديثة وشبه الحديثة بكل تجلياتها، وتتهم هذه الحركات بالإخفاق في تطبيق مبادئ الشريعة. وفوق ذلك تمثل تنكراً لأهم مركب من مركبات الحركات الإسلامية التي نشأت على يد أمثال الشيخ حسن البنا و أبو الأعلى المودودي ومن سار على سنتها. ذلك هذه الحركات الجديدة ترفض الحداثة جملة وتفصيلاً، وتصر على العيش خارجها على مذهب أهل الكهف) انتهي كلامه .
ما العمل ؟ ان الاسلام اليوم في السودان مختطف من قبل هـذ ا التحالف الراديكالي وان الغفلة عن افعال التكفيرين وتجاهلها واستمرار اعلاء شان قادتها دعوة لتفشي العنف مما يعكس مدي التلاعب بمصير الابرياء والضعفاء واهدار دمائهم وان كل ما نخشاه ان ينفلت العقد فيتسع الخرق علي الراتق لذلك ينبغي مواجهتهم بحملة تقوم على بناء رأي عام قوي ضد نهجهم الجالب للفتنة. وضبط الفتوى فلا تجوز إلا عبر آليات مجمع عليها ومعتمدة لتحقيق شعبوية الفتوي . وكيف نحمي الناس من السب والتكفير واصدار تشريع محكم لمساءلة كل من يصدر حكما جزافاً على عقائد الناس. ونحن اذ ننتقد هؤلاء الغلاة وندين سلوكهم ونفند فهمهم الخاطئ للدين الا اننا نؤمن بانتمائها للإسلام وللوطن وندعوهم صادقين للانعتاق من الرؤي الاقصائية واعمال العقل والفكر والتعلم والدراية والمعرفة بالواقع ومقاصد الشرع . وفي الختام سمت رسائل توجه الي ( الحكومة ، عقلاء الامة ، علماء السلطة ، دعاة الغلو والتكفير):
• علي الحكومة تحمل مسؤولياتها للتصدي لخطورة النهج التكفيري لأنه علي المدي القريب والبعيد ليس من مصلحتها فلا يجدي تجاهل الاسباب السياسية والاقتصادية التي ستفتح الباب علي مصرعيه للدمار وسفك الدماء وسيحول السودان لنسخة من العراق وافغانستان والصومال ورفع المظالم وسيادة حكم القانون ومحاربة كل من تسؤل له نفسه بترويع وارهاب الابرياء .
• علي عقلاء الامة ومفكريها وعلمائها ودعاة الوسطية والاعتدال التنادي اليوم قبل فوات الاوان لمواجهة النهج التكفيري الدخيل علي الدين والوطن دراً للمخاطر التي تهدد مستقبل السودان والعمل الجاد والحوار المتواصل للتوافق علي النهج السليم لفهم النصوص ومراجعة المناهج التربوية التي تدرس وان تخضع لعلماء في علم النفس الاجتماعي ولا يتأتى ذلك الا بالأجماع علي رؤية فكرية منهجية للنهضة الاسلامية بإصلاح القوانين المنسوبة زوراً للإسلام وذلك لتجديد الرهان علي الدولة المدنية وفق النهج الوسطي القائم فهم النص والواقع وقد دعا لذلك الامام الصادق المهدي مبكراً في كتابه العقوبات الشرعية وموقعها في النظام الاسلامي الاجتماعي وجدد ذلك في نداءات العصر وكتابه نحو مرجعية اسلامية متجددة متحررة من التعامل الانكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد .
• علي علماء السلطة الاستجابة لصوت العقل واعادة البصر كرتين لخطورة التناقض بين التجاوز للمخالفات الشرعية للسلطة والتشدد بإطلاق التهم جزافاً للمخالفين فقد قال عنهم د. يوسف القرضاوي في كتابه الصحوة الاسلامية بين الجمود والتطرف ( العجيب اننا علي الشباب التطرف ولا ننكر علي انفسنا التسيب ننكر علي الشباب الافراط ولا ننكر علي انفسنا التفريط اننا نطالب الشباب بالاعتدال والحكمة والعدول عن التطرف والتشدد ولا نطالب الشيوخ الكبار ان يطهروا انفسهم من النفاق والسنتهم من الكـذب وحياتهم من الغش واعمالهم من التناقض ) .واعتماد الصواب والخطأ اساساً للتعامل مع القضايا السياسية والخلافية بدلاً عن الكفر والايمان او الحلال والحرام وذلك للحفاظ
علي مقاصد الشريعة والمحافظة علي الوطن ، فالحكمة تقتضي ان يطور هـذا الكتاب لمراجعة شاملة للأفكار المتطرفة وتحريم التكفير للخروج من دائرة الفتنة الدينية لرحاب التعايش والتسامح والاخوة في الله والوطن.
• علي دعاة التكفير والغلو أن يعودوا الي رشدهم وأن يقلعوا عن ارتياد مسالك الدمار والخراب والفساد في الارض فهي دعوة صادقة لتجنب الفتنة والدعوة بالتي هي احسن فعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي (صلي) قال (اياكم والغلو في الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين ) رواه احمد في مسنده وعن ابن مسعود قال : قال صلي الله عليه وسلم :( هلك المتنطعون قالها ثلاثا) رواه مسلم . وان يتحلوا بالصبر علي الدعوة وما ا كثر الآيات الداعية للصبر والتحمل في سبيلها وسيرته صلي الله عليه وسلم حافلة بالدروس والعبر والتزود بالعلم الشرعي والفقه المقاصدي والتعامل المبصر مع الواقع والاستجابة المستنيرة للعصر (ولا تشددوا علي انفسكم فيشدد عليكم ) و( يسروا ولا تعسروا ) بنص الحديث وان يحسنوا الظن بالناس يقول صلي الله عليه وسلم (اياكم والظن فأن الظن أكـذب الحديث ) متفق عليه . قال الامام الغزالي ( ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد اليه سبيلاً فأن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك الف كافر في الحياة أهون من سفك دم مسلم واحد).
التعليقات (0)