الاخت الفاضله ام عبد الرحمن هي الشخصية الاولى علي صعيد علمي وفكري من النساء المواليات في المغرب العربي
وقد أجرت شبكة والفجر هذا اللقاء معها ، وإليكم مجريات الحوار :
من هي أم عبد الرحمن؟
أم عبد الرحمن الجزائرية من مواليد 1960ميلادي بالجزائر العاصمة, نشأت في أسرة لم تكن متشدّدة في تطبيق تعاليم الدين الإسلامي كما هو الحال بالنسبة للكثير من العوائل الجزائرية, و السبب الرئيسي في ذلك هو أنّ الإستعمار الفرنسي الذي دام احتلاله للجزائر أكثر من مائة وثلاثين سنة حاول بكلّ الوسائل طمس الهويّة الجزائرية فحارب الدّين الإسلامي و اللّغة العربية و ضعّف الحوزات الدينية التي كانت معقل التصوّف والعرفان وحاول إرساء ثقافته, وبطبيعة الحال بعد هذه الفترة الطويلة والجهود المتواصلة لابدّ أن يتأثّر المجتمع بهاته الأفعال, وخاصة المدن الكبيرة , فنشأ جيل تتلمذ على أيدي الفرنسيين و تخرّج من مدارسهم حاملا ثقافتهم ممتزجة بالروح الإسلامية و التقاليد العربية المستمدّة من الدّين الإسلامي, فمنحتني تلك التربية الأخلاق الحميدة و الفطرة النقيّة السليمة مما ساعدني على الإستبصار و قبول مذهب أهل البيت عليهم السلام بسهولة و دون تعصّب.
و قد زاولت الدّراسات العليا في المدرسة العليا للأساتذة حيث تحصلت على ليسانس التعليم الثانوي و اشتغلت بتدريس مادتي الكيمياء و الفيزياء لمدّة تسع سنوات إنقطعت بالهجرة إلى الجمهورية الإسلامية في سنة 1993 ميلادي . بهذا السفر بدأت صفحة جديدة من حياتي حيث اعتنقت مذهب أهل البيت عليهم السلام وكان هذا الأمر بداية لوعي جديد و أهداف جديدة , بل كان مولدا جديدا بالنسبة لي حيث أنّني لم أكن أشعر بوجودي و لم أكن أشعر بمعنى الحياة و الموت و الهدف من الخلقة إلاّ في هذه الحقبة من الزمن , ففي قم المقدّسة توجّهت إلى العلوم الدينية حيث درست عند أستاذتنا الفاضلة الحاجّة أم عبّاس حفظها الله تعالى دروساً في الفقه والأصول و عند الأستاذ الشيخ أبو عبد الرحمن درست المنطق و الفلسفة و الكلام و العقائد، و كلّما تبحّر الإنسان في علوم أهل البيت كلّما أدرك عظمتهم وسؤددهم و أدرك جهله و قصوره.
ما هي المثل التي يختصّ بها اهل البيت عليهم السلام ؟
للإجابة على هذا السؤال أنطلق من حديث الثقلين حيث يقول (ص) ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).
في هذا الحديث الصحيح و المستفيض عند الفريقين يشير الرسول الأعظم من خلاله إلى ثلاث نقاط مهمّة و هي:
الأولى: إنّ أهل البيت (عليهم السلام) و القرآن قرينان لن يفترقا و لا يمكن لغيرهم أن ينالوا هذه المرتبة الرّفيعة , و هذا دليل صريح جاء على لسان الرسول الأكرم على أنّه كما أن ّ القرآن حجّة على النّاس فإنّ أهل البيت حجج كذلك على النّاس.
الثانية: الدّعوة إلى التمسّك بهم عليهم السلام والحثّ على اتباعهم في كلّ أمورنا.
الثالث: من اتبعهم فإنّه لن يضل أبدا, حيث نفى صلى الله عليه و آله الضلال و الظلام على كلّ من اتبعهم إلى الأبد .
والذي أريد أن أبيّنه هو أنّ ما انطوى عليه هذا الحديث الشريف من نكات قد شعرنا به في أوّل إستبصارنا و نحن نجهل الحديث من أصله و هذا خير دليل على أنّ كلام الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله إنّما جاء لإثارة دفائن العقول و إحيائها, وأنّ الولاء لأهل البيت عليهم السلام مرتكز في النفوس و القلوب و ابتعادنا عنهم إنّما كان نتيجه جهلنا بهم لاغير.
هل وجدت أسوتك في مذهب أهل البيت عليهم السلام ؟
إنّ الإنسان، مهما كانت طبيعته, يميل بطبعه إلى المحسوسات ولهذا السبب نجده يبحث دائماً عن نموذج حيّ يتأثّر ويقتدي به, و ديننا الحنيف وجّهنا إلى النموذج الأسمى و الأعلى حيث يقول تعالى في كتابه الكريم ﴿ و لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ و يقول رسول الله (ص) (أهل بيتي كالنجوم بمن اقتديتم إهتديتم), و من بين أهل البيت عليهم السلام بل الحجّة العظمى هي فاطمة الزهراء عليها السلام حيث يقول الإمام الصّادق (ع) في حقّها ( نحن حجج الله على خلقه و جدّتي فاطمة حجّة علينا) و هذا يعني أنّها عليها السلام قدوة الرّجال و النّساء .
و الإقتداء هو ممارسة عملية تقتضي الوعي والمعرفة التّامّة بالمقتدى به , فأوّل سؤال يتبادر إلى الذهن هو: لمذا بنت رسول الله (ص) هي النموذج الحيّ الذي يجب اتباعه؟ للإجابة على هذا السؤال نحاول عرض بعض جوانب حياتها الشريفة ولنجعلها دستورا لممارساتنا اليومية.
الذي يتأمل في حياتها الشريفة يلاحظ ان حياتها عليها السلام تنقسم الى مرحلتن: الأولي في مكة المكرمة و الثانية في المدينة المنورة.
أمّا المرحلة الاولى : فتبدأ بولادتها الشريفة, حيث انعقدت تطفتها من ثمار الجنة و هذا الشرف العظيم لم ينله غيرها. و كانت في صباها تكابد مع رسول الله المتاعب و الآلام التى كانت تلحقه من طرف الكفار في بداية الدعوة الاسلامية وعمرها لم يتجاوز الخامسة فكانت تمرّض اباها وتمسح عن وجهه الكريم الدم وتزيح عنه التراب حتى ناداها بأم أبيها. وهذا يدل على وعيها وصلابة جأشها رغم صغر سنها عليها السلام.
أمّا المرحلة الثانية : فبدورها تنقسم الى مرحلتين: ما قبل رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم و ما بعد رحلته.
أما الفترة الأولى من هذه المرحلة, فأوّل منقبة لها عليها السلام هي أنّها جعلت مهرها شفاعة للمؤمنين و هذا أيضاً دليل على مدى اهتمامها بأمر الأمّة و الرسالة المحمّدية. وكان المسلمون في المدينة يعيشون استقراراً تحت حكومة الرسول الأعظم , فانشغلت الزهراء عليها السلام حينها بالتعلّم و تعليم النّساء أحكام الشريعة و في هذه المرحلة من حياتها كان رسول الله صلى الله عليه و آله لا يترك مناسبة إلاّ و يشيد بمكانتها ومناقبها و أفضليتها فأثبت يوم المباهلة أنّه لا يعادلها أحد من النساء مطلقاً حيث قارن الحسن بالحسين في قوله تعالى وأولادنا , وقارن ذاته المقدّسة بأمير المؤمنين في قوله تعالى و أنفسنا , و أما قوله تعالى و نساءنا فكانت عليها السلام مصداقه الفريد فكانت سيّدة نساء العالمين , وقال صلى الله عليه وآله: إنّ فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني و أغضبني فقد أغضب الله تعالى، و أنّها حوراء إنسية و أنّها الصراط المستقيم و أنّها الشجرة الطيّبة و أنّ بيتها معقل الملائكة إلى غيره من الروايات الواردة في حقّها .
وأما الآيات الشريفة التي نزلت في أهل البيت و منهم الزهراء عليها السلام فآية التطهير و آية الكوثر و آية الإطعام و آية النور و غيرها من الآيات , وكلّ هذا الإهتمام بشخصها الشريف يوحي بأنّ لها دوراً عظيماً بل كان دورها مصيرياً في حياة البشريّة لا يقل عن دور النبيّ و الأمير نفسه.
و قد أبرزت هذا الدور فعلا في الفترة الثانية من هذه المرحلة , فبعد رحلة الرّسول الأعظم صلى الله عليه و آله خرجت إلى الصحابة مدافعة عن الولاية و تحجّهم بغدير خم , فماكان جزاءها من الأمة إلا الأذيّة و النكران. و في هذه الفترة تجلّت فيها منقبة لم تتجلى إلاّ في الأنبياء العظام و هي نزول أمين الوحي جبرائيل عليه السلام لمدّة أربعة و سبعين يوم يواسيها و يخفّف عنها آلامها إلى أن فارقت الدنيا الدنيّة.
هذه أسوتنا و أسوة كل من أراد الوصول إلى الحقّ تعالى . و هي و إن رحلت عنّا منذ قرون و أخفت قبرها فلا يزورها في هذه الأيام - و هي أيّام ولادتها - إلاّ إبنها بقيّة الله الأعظم أرواحنا له الفداء, فأنّها نموذج رباني حي لا يموت. و قد عشت تجربة مع هذا النور الإلهي في بداية استبصاري زادتني حبا واعتقادا ويقينا بأهل البيت عليهم السلام , حيث تعسّرت عليّ مسألة دنيويّة وضاق صدري منها ولم أهتد إلى حلّها فصلّيت صلاة الاستغاثة بالزهراء ثمّ خلدت إلى النوم فرأيت خيالها عليها السلام واقفاً أمامي دون أن تتفوّه بكلمة واحدة, و في الصباح لم أعلم كيف انحلّت تلك المسألة. و في مرّة أخرى تعرّضت إلى أذية من طرف إحدى الأخوات وأصابني من ذلك غمّ فاستلقيت على الفراش ومن دون شعور توسّلت بها عليها السلام و ناديتها مرتين : يا زهراء فبدت لي كشبح يرتدي لباساً أبيض يرفرف, فارتفع المشكل مطلقاً و كان ذلك في أيّام شدّة ، فانجلى عني الهمّ والغم.
و قد قامت عليها السّلام بتربية نماذج نسوية فذّة أمثال أم كلثوم و السيدة زينب عليهما السّلام التي عادت من كربلاء و قد فقدت إمام زمانها و أخاها الإمام الحسين عليه السلام و أبناءها، بل فقدت كلّ أهل بيتها و بطريقة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً, و مع ذلك لم تنهار و لم تتراجع بل كانت سفيرة الحسين عليه السّلام تدافع عن الحقّ تماما كأمّها.
و من سلالتها الشريفة أيضا السيّدة رقيّة بنت الحسين و فاطمة الصغرى و غيرهما ممن حضرن واقعة كربلاء. و منها السيّدة فاطمة بنت موسى الكاظم عليهما السلام الملقّبة بالسيّدة المعصومة حيث عرفت بالتقوى والعلم و الكرم و العزّة و قد ورثت هذه الخصال الحميدة من جدّتها فاطمة الكبرى عليها السلام.
و لازالت الشجرة الطيبه المباركة تؤتي أكلها كلّ حين فها هي الشهيدة بنت الهدى أخت الشهيد السعيد محمد باقر الصّدر رضوان الله تعالى عليهما، تظهر في أرض السّواد كالنور السّاطع وكقبس من جدّتها الزهراء فانتهجت نهجها ومنحاها فغدت نبراساً يستضاء به و نموذجاً حياً للمرأة المعاصرة، و بقيت على الطريق حتى نالت الشهادة حشرها الله مع أجدادها الطاهرين.
و من النماذج النّسوية الواعية التي تأسّت بالزهراء عليها السلام و التي كرّست حياتها و وقتها لخدمة الحقّ الأخت الفاضلة و العالمة أم عباّس النمر التي لم نر مثلها في ميدان التدريس و تبليغ تعاليم أهل البيت عليهم السّلام في هذا الزمان, فقد ساهمت بشكل واسع في تربية جيل صاعد طاهر وتفعيله و ذلك بما بذلته و لازالت تبذله من جهود مضنية كتأسيسها لمعاهد للدراسات الإسلامية و إفاضتها للعلوم و المحاضرات في شتّى المناسبات، وفّقها الله تعالى لمزيد من العطاء وأدام الله ظلّها الشريف.
و نحن في وقتنا الحاضر, و الإسلام ينعت بعنوان الرجعيّة والتخلّف, في حاجة ماسّة إلى هذا النوع من النماذج, بخاصة و أنّ المذهب يزداد إنتشاراً يوماً بعد يوم و الإستبصار يتوسع و بشكل سريع جداً في كل أنحاء العالم من خلال الجهود التي يبلغها المبلّغون و الفضائيات و شبكات الإنترنت, فكم هي المرأة بحاجة إلى التعليم و التربية والتوعية في دينها, وقد لمست هذا الأمر من خلال تجربتي المتواضعة في التبليغ في بلدي , حيث قمت بإحياء أيام محرّم الحرام ( مع العلم أنه لأوّل مرّة تحيي النساء هذه المناسبة بمفردهن حيث لم تكن لهن فعاليات خاصة بهن بل كانت تتسمّعن للرّجال ) . فوجدت تعطّشاً كبيراً وإقبالاً شديداً نحو المعرفة و البحث عن الحقيقة حيث تتبادل الأخوات الكتب و الأقراص و الأشرطة و ما شابه ذلك. و النتيجة التي توصلت إليها من خلال هذه التجربة هي أنه يجب علينا أن نركّز أكثر على معرفة أهل البيت عليهم السلام و على سيرتهم العطرة لأنّها دستور الهداية و نبض الحياة, و أن نربط الناس بصاحب العصر و الزمان أراوحنا له الفداء , و نوعّيهم بضرورة التحضير لظهوره المبارك و الإستعداد على المستوى العلمي و العملي لذلك الأمر العظيم, و يجب أن نشعر الجميع أنّ عصر الغيبة عصر عظيم لا يقلّ أهية عن العصور الغابرة و زمان بعثة الأنبياء, حيث كان الناس ينتظرون ظهور النبيّ الموعود, فكانوا يهاجرون ويقطعون البراري باحثين عنه و عن علاماته راجين ملاقاته، كما فعل ذلك سلمان الفارسي و غيره, نعم: فإنّ أهل البيت ما ضحوا تلك التضحيات الجسيمة و ما أعطوا ذلك العطاء الوافر إلاّ لأجل بزوغ فجر ذلك اليوم العظيم الذي تتحقّق فيه الحكومة الإلاهية العالمية فتعلو كلمة التوحيد و يتحقّق حلم المستضعفين و هدف جميع الأنبياء عليهم السلام.
و الخلاصة:
يكفينا فخراً وعزّة أن تكون الزهراء عليها السلام المثل الأعلى و النموذج الأسمى الذي يجب علينا اتباعه, جعلنا الله تعالى في مستوى هذه الوظيفة المقدسة و يسّرلنا لنا طريقنا و أمورنا. اللهمّ إنّا نسألك أن تمنّ علينا بالرضا و أن تجعل خواتم أمورنا وعواقبها خيراً و أن تعجّل فرج وليّك الحجّة بن الحسن بجاه الصلوات على محمد و آل محمد.
التعليقات (0)