مواضيع اليوم

حوار مع المؤرخة والباحثة الدكتورة الاماراتية فاطمة الصايغ

عمر شريقي

2009-05-09 06:19:27

0

بمناسبة الذكرى المئوية

زايد بن خليفة الأول

  أعظم من حكم منطقة الإمارات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر

الدكتورة فاطمة الصايغ تتحدث لــ ( هماليل ) :

ثلاثة أمور جوهرية قلبت المعدلات السياسية رأسا على عقب في تلك المرحلة

زايد الأول وزايد الثاني تركا إرثا سياسيا وثقافيا تفاخر الإمارات اليوم بها وهي لب الحضارة الإنسانية،،

--------------------------------------------------------------------------

 

حاورها : عمر شريقي

---------------------------

 

لقد قدر لهذا الحاكم أن يدير شئون إمارة أبوظبي مدة طويلة ما بين “1855 – 1909 م “ كما قدر له أن يقوم بدور كبير في حياة إمارة ابوظبي , وفى تاريخ ساحل عمان, حتى لقبه الجميع إجلالا وتقديرا “بزايد الكبير” بعد أن أصبح بلا منازع أقوى شيوخ الإمارات المتصالحة, وتقدمت البلاد في عهده إلى مصاف القوى الكبرى, بفضل إدراكه للمتغيرات السياسية في المنطقة.
وبمناسبة الذكرى المئوية لهذا الرجل العظيم ، التقينا بالدكتورة المؤرخة فاطمة الصايغ مدرسة مادة التاريخ في جامعة الإمارات والتي تعتبر واحدة من أبرز
علماء التاريخ في الإمارات. وقد تميزت كتابات ودراسات وبحوث الدكتورة فاطمة بالغزارة والأصالة وعمق الالتزام بقضايا تاريخ الامارات.، وركزت الدكتورة فاطمة على القضايا التاريخية السياسية والاجتماعية والتراثية والنسائية الملحة والمعاصرة وتناولتها بإحساس نقدي وموضوعي وباهتمام خاص, واهتمت بتاريخ الإمارات المعاصرة, ومجتمع الإمارات. وتشكل مجمل كتاباتها ودراساتها إضافة مهمة للمكتبة العربية ورصيد علمي يضاف للتراث العلمي في الإمارات وتعتبر مرجعا أساسيا لكافة الدراسات الأكاديمية حول مجتمع الإمارات. حصلت الدكتورة فاطمة على شهادة الماجستير من جامعة ميلواكي في امريكا حول موضوع "الحركات الاجتماعية في صدرالاسلام" وكانت أول من تناول هذه القضية تناولا اكاديميا عميقا. ثم حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة اسكس في بريطانيا حول موضوع "الموصلات الجوية البريطانية وتاثيرها علي السياسة البريطانية اتجاه منطاقة الساحل من 1925-1952م" . وعملت الدكتورة فاطمة أستاذة التاريخ المساعد في جامعة الامارات حتى عام 1995 و تولت رئاسة القسم خلال الفترة 1998-2000م. وتميزت الدكتورة فاطمة بنشاطها وحضورها الاجتماعي الدائم. فهي عضو في مجلس دبي الثقافي . كما أن الدكتورة عضو مؤسس وفاعل ونشط في عدد كبير من المؤسسات والهيئات العلمية والمجتمعية المحلية والخليجية والعربية ولها حضورها الدائم في الإعلام المحلي و الخليجي. حصلت الدكتورة فاطمة الصـايغ على جائزة أفضل كتاب عن دولة الإمارات"الإمارات العربية المتحـدة من القبـيلة إلى الدولة" كـما حصـلت علي العـديد من المنح الدراسية مثل(مليم فوالبرايت الامريكية-مجلس العلاقات العربية- الامريكية). لذلك كله استحقت الدكتورة فاطمة حسن الصايغ الحصول على جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية في دورتها الأولى 2006 بجدارة وتميز.

.

 يسعدنا ويشرفنا في صحيفة هماليل الأدبية الإماراتية إجراء لقاء صحفي معك سيدتي الفاضلة .. حول مئوية الشيخ زايد الأول (زايد بن خليفة) رحمه الله الذي تصادف ذكرى رحيله  في 19 من هذا الشهر.. ماذا تقول في هذه المناسبة ؟

يعد الشيخ زايد بن خليفة من أعظم من حكم في منطقة الإمارات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بينما يعد الشيخ سلطان بن صقر من أعظم من حكم في النصف الأول من القرن التاسع عشر.  وقد جاء حكم الشيخ زايد بن خليفة الي إمارة أبوظبي بعد فترة صاخبة ومترجرجة من عدم الاستقرار السياسي , فلا غرو أن تتميز فترة حكم الشيخ زايد والذي حكم من 1855-1909.  وتعد شخصية الشيخ زايد الأول شخصية قيادية وأنموذج رائع للقيادة البدوية فلا غرو أن يحوز على أعجابي وعلى أعجاب الكثير من الباحثين . فهو يعد علامة بارزة في تاريخ الإمارات كما يمثل أنموذجا قياديا رائعا في زمن كانت القيادة السياسية تحتاج الي قدرات قيادية ومهارات معينة للتغلب على الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة وتحويلها الي ولاء للإمارة وشيخ الإمارة. في الوقت ذلته أحتاج الشيخ الي سياسة متوازنة قائمة على الموازنة في ظل ظروف دولية  مترجرجة وتنافسات أقليمية حادة للسيطرة على المنطقة بصورة خاصة والخليج بشكل عام. لذا كان على الشيخ أن يتبع سياسة دبلوماسية في وجه القلاقل والاضطرابات المحلية والاقليمية وأن يرسي الوضع الداخلي ويحمي أمارته من الاطماع الخارجية وينعش الاقتصاد ويرتقي بالاوضاع المعيشية للسكان . لذا كانت أمام الشيخ زايد بن خليفة تحديات داخلية وأقليمية ودولية كان عليه التغلب والمضي بأمارته الي الامام في وقت كانت المسئولية السياسية ضربا من ضروب المخاطرة بالنفس.    

 علمنا أنك أجريت بحثا مطولا عن الشيخ زايد الأول ( 1855 – 1909 ) ،، ما الذي دفعك لهذا البحث ؟ ومن أين استقيت المصادر ؟ وهل الهدف توثيق لمرحلة معينة أم هناك أهداف أخرى؟

  وعلى الرغم من ضعف المصادر المحلية وأنعدامها أحيانا فيما يتعلق بتاريخ الإمارات ألا أن فترة الشيخ زايد تعد غنية مقارنة بالفترات التي سبقتها.  فالمصادر البريطانية توفر مادة دسمة للباحثين حيث أنها دقيقة ومفصلة ومفعمة بالكثير من التحليلات السياسية.  كذلك توفر المصادر المحلية بعضا من المعلومات التي تغطي الثغرات الموجودة في المصادر البريطانية. فمثلا, مجموعة الظواهر والموجودة في مركز الوثائق في أبوظبي , جانبا مهما من معرفتنا بتاريخ هذه الفترة. كذلك تلقي  الوثائق الامريكية الضوء على جانبا مهما من تاريخ المنطقة خاصة من الجانب الاجتماعي حيث حل الامريكيون المبشرون على هذه المنطقة وتجولوا فيها وكتبوا عنها منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين. في ظل هذه المعلومات يمكن للمؤرخ أن يركب صورة دقيقة نوعا ما عن عصر الشيخ زايد وما دار فيه من تطورات سياسية , اجتماعية , اقتصادية وثقافية وأدارية . 

   عانت إمارة أبوظبي قبل الشيخ زايد من عدة أمور رمت بظلالها على أستقرار الإمارة الداخلي وتطورها الاقتصادي . فقد كانت الأحداث السياسية في الدول المجاورة كعمان والسعودية ترمي بظلالها وتؤثر في الأحداث الداخلية في الإمارات كافة وفي أبوظبي على وجه الخصوص بحكم أن حدود أبوظبي مع هذه الدول كانت الآكثر طولا واتساعا. ولعل هذه الاحداث جميعها أثرت على أبوظبي في عهد الشيخ سعيد بن طحنون وهذا ما دفع وجهاء أبوظبي الي الذهاب الي الشارقة في عام 1855  والآتيان بالشيخ زايد بن خليفة الذي كان هناك مع والدته منذ مصرع والده في عام 1845. وهكذا تم تنصيب زايد حاكما على أمارة أبوظبي وأميرا على البنى ياس لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من تاريخ أمارة أبوظبي.

 الشيخ زايد حكم مدة طويلة ، حيث كان  خلال حكمه يقوم بدور كبير في إصلاح البلاد رغم أنه كان مازال يافعا شابا ،، برأيك من أين جاءته هذه الشجاعة والرأي وحسن التصرف  ؟

 بدأ الشيخ زايد حكمه بتبنى معادلة سياسية حتى يتحقق الاستقرار والنماء لأبوظبي وحتى يواجه مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية التى تواجه أبوظبي بقدرة وحكمة. وقد تبلورت في الفترة من 1860-1870 ثلاثة أمور جوهرية قلبت المعدلات السياسية راسا على عقب وطرحت معادلات جديدة أولها التقلبات السياسية والانقلابات التي واكبت معظم تاريخ أبوظبي حيث تميزت فترة الشيخ زايد بالهدوء والاستقرار , وثانيها أن الاستقرار السياسي في إمارة القواسم المجاورة والذي ميز عهد الشيخ سلطان بن صقر قد أنتهي بوفاته في عام 1866 وهو الأمر الذي أدي الي تقسيم أمارة القواسم وضعفها في الوقت الذي بدأ يرتفع فيه أسهم أمارة البنى ياس في أبوظبي وتأخذ الريادة السياسية في ساحل الإمارات, وثالثها هو وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عمان في عام 1856 وهو الأمر الذي غير المعادلة السياسية في منطقة الخليج العربي الذي خلت فيه من القيادات الريادية التقليدية وبدأت تلقي الضوء على القيادات الشابة مثل زايد بن خليفة .

بدأ الشيخ زايد في أتباع سياسة داخلية قائمة على زرع الولاء في نفس القبائل وأتباعها .  فقد أتبع أسلوب المصاهرة مع القبائل كأسلوب لكسب ود القيائل خاصة قبيلة الكبيسات الضخمة والتي كانت قد هاجرت من أبوظبي الي قطر في فترة سابقة. لقد كان في مصلحة الشيخ زايد وأمارته أيجاد حلفاء دائمون وأقوياء خاصة من أمثال بطي بن نهيمان زعيم القبيسات والذي ارتحل مع قبيلته وأقام في خور العديد وأستقر فيها وطلب الحماية من الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني حاكم قطر الذي منحه الحماية . 

 باعتبار أننا نتحدث عن الحقبة التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة ، ونحاور باحثة تاريخية لها اسمها وألقها الفكري على الساحة الإماراتية والخليجية ،، أود أن أسألك سيدتي إلى أي مدى تطورت الدولة منذ ولاية الشيخ زايد الأول حتى هذا التاريخ  ؟

    كان على الشيخ زايد أن يواجه حدثا دوليا جديدا وأن يحمى أمارته وأستقلالها وهو وصول القوات التركية العثمانية الي الاحساء واحتلالها في عام 1871. وقد وصلت الانباء الي زايد غير أنه أتبع سياسة هادئة في التعامل مع هذا الوضع وهو ضبط النفس  فلم يباشر بأي نشاط أو تحرك حتى عام 1873 عندما كتب الي المقيم السياسي البريطاني في بوشهر يخبره عن تحركات الاتراك في العديد وهي منطقة تابعة له.   في عام 1874 وصل الي العديد ضابط تركي كبير هو فريق باشا ومن العديد أرسل رسالة الي الشيخ زايد والشيخ حشر بن مكتوم حاكم دبي تتضمن رغبة الحكومة العثمانية في فتح حوار معهما . ولكن الرسالة احتوت على فقرة تفيد بأن منطقة العديد تعتبر محمية تركية لذلك لم يعرها الشيخان اهتماما.  غير أن الأمر تفاقم عندما قامت مجموعات من قبيلة آل مرة والهواجر بالنزول في العديد وارحوا من هناك يهددون سفن أبوظبي.  في عام 1877  قرر الشيخ زايد أن ينهي هذا الاشكال فهاجم العديد. وتمكن الشيخ بطي من الهرب الي قطر غير أن أقامته لم تطل حيث قرر في عام 1880 أن يعود.  وكان في أستقباله الشيخ زايد بن خليفة الذي تصالح معه وهكذا تم أسدال الستار على قضية هجرة القبيسات .     

6- معيار الأمم والحضارات يتضح من خلال الجانب الثقافي والفن المعماري كيف ترين هذين العنصرين في مرحلة زايد الأول..

  أستطاع زايد أن يضع ويبنى الاسس الادارية لأبوظبي الحديثة  فهو أول من قسم إمارة أبوظبي الي خمس أقسام أدارية هي أبوظبي , والعين وليوا وخور العديد ودلما وجعل لكل قسم من هذه الاقسام والي أو نائب للحاكم يحكمها ويصرف أمورها .  وكانت أبوظبي هي العاصمة ومركز الحكم وكانت العاصمة الثانية بلدة العين التي كانت لها أهمية استراتيجية واقتصادية فهي تجاور بموقعها عمان وتكمن أهميتها الاقتصادية بمخزونها من الماء والزراعة .  كذلك أهتم بالامور الاقتصادية وخاصة مهنة الغوص على اللؤلؤ ونظمها . فكانت جزيرة دلما مركزا يذهب اليه تجار اللؤلؤ للشراء اللؤلؤ والتزود بالمؤن بالنسبة للغواصين , كذلك نظم الضرائب على سفن الغوص. فكان "المزكي"  أي الشخص الذي يجمع الزكاة ( وهي 5% مما يجنيه التاجر)  يذهب هناك ليجمع الضرائب ليقدمها لخزينة الإمارة. وتابعت تقول :

 

   كذلك أهتم زايد الأول بأصلاح وبناء الافلاج  وحفر بيده فلج "المسعودي" الشهير.      ثقافيا انتعشت الآوضاع الثفافية نتيجة للأستقرار السياسي والمجتمعي فظهرت مجموعة من الشعراء الذين تناول الناس شعرهم سواء في أبوظبي أو منطقة الإمارات عامة كمبارك العقيلي وغيره . 

   شكلت النزعة القيادية عند زايد ديناميكية في نهجه أتبعها بعد أن أنهي حروبه نحو سياسية التفاهم والتعاون, والتي أدت الي في كثير من الاحوال الي التهدئة في المنطقة وبرزت في طريقة معالجته لقضية القبيسات . فقد درس أسباب انفصالها ومبرارته وأعادها الي أبوظبي معززة مكرمة وصاهرها وهو الأمر الذي جنب أبوظبي الكثير من الخلافات السياسية ومنحها حليف قوي.

    

  أقليميا ودوليا كان لزايد الأول منزلة كبرى وصل اليها عن جدارة.  فقد تدخل في حل الكثير من القضايا والخلافات الاقليمية وأوجد لها حلول ومخارج ومنها قضية أنفصال الشارقة عن الإمارة القاسمية الكبري وموضوع أنفصال البلوش عن أم القيوين . كذلك كانت له علاقات ودية مع حاكم عمان فيصل بن تركي ومع البحرين . كذلك أتبع سياسة معتدلة تجاه القوي الدولية مثل المانيا وبريطانيا والدولة العثمانية وفارس وأستطاع بحنكته وحكمته تجنيب أمارته الكثير من المشاكل .

   قبيل وفاته بسنوات قلائل وبالتحديد في عام 1906 أستطاع زايد وفي اجتماع الخوانيج أن يجمع مشايخ الإمارات في أول قمة أماراتية حيث نوقش في ذلك الاجتماع مشاكل وقضايا تخص أمن المنطقة وسلامتها وعلاقتها بالدولة العظمي بريطانيا .

   كانت لسياسات زايد الأول انعكاسات كبيرة على تطور إمارة أبوظبي لأحقا . فبعد وفاته ترك زايد الأول أرثا سياسيا واقتصاديا وثقافيا كبيرا تمثل فيما شهدته أبوظبي بعد ذلك من تطور كبير من جميع النواحي  فقد وضع زايد الأول اللبنة الأولي أو الأساس الذي شيدت عليه نهضة ابوظبي الحالية. فقد كان من حظ أبوظبي أن يحكمها زايد الثاني وهو أحد أحفاد زايد الأول وأن يواصل زايد بن سلطان مسيرة جده الكبير بكل أقتدار وأن يبنى أتحادا سياسيا كان لاشك زايد الأول سيفخر به .   

     أن الحضارة ليست البناء المادي والصروح المشيدة , فلا  زايد الأول ولا زايد الثاني تركا لنا فيما يصح أن نطلق عليه مصطلح صروح مادية وأبنية شاهقة ولكن الأثنين تركا لنا أرثا سياسيا وثقافيا وقيم أجتماعية تفاخر الإمارات اليوم بها وهي لب الحضارة الانسانية.

-----------------------------------------------------------------------------

   

 

 

 

                                     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !