حوار مع الكاتب المغربي عزيز العرباوي :
أجرى الحوار : خالدة مختار بوريجي :
لفائدة الأيام الجزائرية :
ـ كيف يقدم الكاتب المغربي عزيز العرباوي نفسه الى القارئ الجزائري؟
يصعب على الكاتب أن يقدم نفسه اليوم إلى قاريء أصبح يتميز برؤية نقدية وبقراءة متميزة لكل ما يكتب وينتج عربيا. لقد أصبح القاريء العربي، والجزائري أيضا، قارئا قادرا على تمييز الجيد من الرديء، والغث من السمين، والراقي من المتخلف. ورغم كل هذا أقول بأنني حامل قلم يحاول أن يوصل به أفكاره ورؤيته وموقفه من العديد من القضايا العربية والدولية والوطنية والإقليمية. أنا كاتب يحلم أن يصبح المجتمع العربي مجتمعا متطورا وقد أنقذ نفسه من براثن الجهل والخرافة والشعوذة والحقد والصراعات الأخوية دينيا وطائفيا وعرقيا وسياسيا. أنا كاتب، مجرد كاتب لا غير، يهدف من وراء حمله لقلمه أن يكون الأدب هو ذلك النبراس الذي يضيء أيام الناس. فالأدب عندما يكون ذا رسالة قوية وعظيمة يصبح بمقدوره أن يخلق مجتمعا قارئا ومجتمعا يعرف ما له وما عليه .
أنا من مواليد مدينة تازة التي تقع في الوسط الشرقي المغربي، تابعت دراستي الابتدائية والإعدادية والثانوية بنفس المدينة، كما تلقيت تكويني الأساسي في مجال التربية والتعليم بنفس المدينة أيضا. هذه المدينة التي صقلت معارفي وكانت تعتبر البدايات الأولى في مجال الأدب سواء من حيث قراءته أو كتابته، هذه المدينة الجميلة التي أعطت وأنجبت العديد من المبدعين والمفكرين المغاربة الذين هاجروها لقلة موارد العيش فيها تعتبر مدينة الأحلام والجمال والحياة البسيطة .
تجربة الكتابة عند شباب المغرب.. هل تشبه نظيراتها في الجزائر وباقي دول المغرب العربي؟ هل لها خصوصياتها؟ ماهي؟
لا ينكر إلا جاحد مساهمة الشباب في الكتابة وتطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولا يمكن أن نبخس هذه الفئة حقها في الاعتراف لها بقدرتها على المساهمة صحبة الرواد في تجديد الأدب العربي جميعه، ولذلك فقيمة كتابات وإسهامات الشباب العربي والمغاربي على الخصوص في تطوير الأساليب الأدبية في كل الأجناس، وتغيير الرؤية النقدية لهذا الأدب. وللبحث عن الأسباب والدوافع التي دفعت شبابنا إلى التعاطي للكتابة والتدوين في عصر الإنترنيت التي ساهمت في إخراج العديد من الشباب والمبدعين الكبار إبداعيا من وكر الالخوف والتردد، نجد أن هذه الفئة من المجتمع استطاعت أن تنتفض ضد واقعها المفروض عليها، وضد مسلمات وطابوهات رسمتها جهات كانت تريد أن تتحكم في مصيرها وتجعلها طيعة لها تربيها كيفما أرادت وعلى الطريقة التي أرادت. ولذلك فإننا اليوم نعيش ثورة شبابية بامتياز سواء على الصعيد الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي. وإذا ما دققنا أكثر وتبعا لما جاء في سؤالك حول الشباب المغربي بالضبط، فإنني أقول بأن كل ما قلته في أول جوابي ينطبق على الشباب المغربي الذي يريد أن ينطلق من جديد راسما لنفسه مساره الحياتي دون تدخل، خاصة وأننا نعرف أن كل الوسائل أصبحت اليوم متاحة له ليخرج على المرسوم له والمفروض عليه، وهذا يكاد ينطبق على كل الشباب في الجزائر والمجتمعات المغاربية كتونس وليبيا، خلافا لموريتانيا التي تعرف فئة الشباب فيها تأطيرا أكثر وتحكما أكثر في رسم المسارات الفكرية والدينية التي تحكمها والتي تربيها على طاعة ولي الأمر، ولذلك فإن الشباب المغربي يكاد يشبه الشباب الجزائري في رؤيته للحياة وطريقة عيشها .
ما هي قضاياها الراهنة وكيف تقيمون جيلكم المبدع بجيل محمد بنيس مثلا؟
قد نتفق حول بعض القضايا التي تعتبر من أولويات المجتمعات العربية، ومطالب فئات واسعة من هذه المجتمعات التي ترى على أن الديمقراطية وحرية التعبير وتطوير الحياة العصرية التي لا تنافي القيم المتعارف عليها والدفاع عن الأرض والعرض واللغة والدين ... كلها قضايا أصبحت من الأولوية بمكان لدى كل فئات المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج على صعيد كل الأجيال. يبقى الاختلاف بيها فقط في تسبيق قضية على أخرى، فكل جيل يرى أن قضيته الأولى هي ما يعمل على تحقيق غايته في الحياة.
إن قضايا أي أمة يجب أن تكون نابعة من شعبها لا من أعلى الهرم السياسي، لأن هذا الأخير يرى قضايا أمته حسب أهوائه الشخصية ومصالحه الذاتية ومدى بقائه في السلطة، وبالتالي لا يمكن أن نقبل أن تكون قضايانا الراهنة مرتبطة بسياسات الحكام وخدامهم.
لا يمكننا أن ننكر مساهمة روادنا في الأدب والفكر والثقافة أو نبخسهم حقهم الذي يتجلى في قدرتهم على تطوير الأدب وإخراج الفكر من كهوف الجهل والطابوهات والمحرمات والردة الثقافية والفكرية، ومن هنا يمكننا أن نقول بأن الشاعر الكبير المغربي محمد بنيس وكل المبدعين والمفكرين الذين عاصروه أو سبقوه أنهم ساهموا مساهمة عظيمة في منح الأدب المغربي صك الاعتراف العربي والدولي وإخراجه من تلك الشرنقة التي وضع نفسه فيها قبل ذلك، بحيث كان الأدب المغربي مغمورا ليس لأنه ضعيف ولكن أهله كانوا منغلقين على ذواتهم والدليل على ذلك أن هناك أدب مغربي عظيم مغمور عاش في القرون التي سبقت القرن العشرين ولم يعرف طريقه إلى الانتشار .
استطاع جيل محمد بنيس ومبارك ربيع وأحمد المديني وبنسالم حميش وعبدالكريم غلاب.... وآخرون كثيرون لا يتسع الممجال لذكرهم، أن يرسموا للأدب المغربي وجهته العربية والدولية، وكانوا بذلك قد منحونا القدرة على التحدي وعلى الانطلاق نحو قاريء عربي وغير عربي لنبحث عن مساحة لنا عندهم ليتعرفوا علينا وعلى آدابنا وعلى طريقة تفكيرنا .
ظاهرة القصص القصيرة جدا.. بحجم الفقرة/ قرانا لكم زمن الهموم، وقصص اخرى/ قلائل كتابها في الوطن العربي وقليل هو جمهورها، لكنها في المغرب العربي تتسع بسرعة في المساحات المباح بها.. كيف هي التجربة معكم؟ داخليا (نفسيا) وخارجيا (التلقي).
إن مصطلح القصة القصيرة جدا توصيف اختزالي لنص حكائي محدد لا يستطيع أحد فيما أظن الإقرار بحداثته المطلقة لأنه موجود في شكله ومحتواه الراقيين ومتوافر في كم كبير من التراث الأدبي القديم ناهيك عن المعاصر , ولم يختلف كتابه على تنسيبه أو تصنيفه فالمسألة فيما يلوح لي أن ثمة حاجة موضوعية وملحة دعت إلى خلق أو بعث نص قصصي يحمل كل مواصفات الاختزال ومعانيه .
تعتبر القصة القصيرة جدا من الأجناس الأدبية الجديدة، وقد ظهرت أولا في الغرب قبل أن تجد لها مساحة وكتابا في العالم العربي، بل أكثر تحديدا في بلدان المغرب العربي، وهذا لا يعني أن هذا الجنس الأدبي لم يكتبه كتاب عرب، لكنه وجد طريقه إلى الانتشار والاهتمام في المغرب العربي وعلى أيدي كتاب مغاربيين كبار استطاعوا أن يجددوا فيها ويقدموها بطريقة وبأسلوب جميل جذاب ساهمت فيها الشعرية والتقنيات الفنية من أجل إبداع نصوص راقية وتدخل إلى العالمية. ورغم قلة جمهورها ومتلقيها فإنها مازلت في بداية الطريق بل بدأت تشق طريقها نحو تطوير أساليبها والبحث عن مساحة شاسعة للانتشار .
ومن الطبيعي أن يتصدى لهذا الأمر الكثير من الأدباء أو من السابحين في فلك الأدب الذين شجعهم على المضي في هذا السبيل أن بعض الأشكال الأدبية التي تشبه القصة القصيرة جداً في التراث العربي من النكتة والطرفة والشذرة والخبر قد نفضت عن أكتافها غبار السنين وقدمت دليلاً أو ما يشبه الدليل على أن هذا الضرب من الأدب لا يفتقد إلى الجذور وأن هذا المصطلح الذي ظهر على الساحة الأدبية وشغل المشتغلين بها وفرق ما بينهم فتحمس له من تحمس وسخر منه من سخر نائياً بنفسه عنه ومنشغلاً بمشكلات أعظم خطراً لا تكاد تكفيها بحسبه مجلدات من الروايات والقصص القصيرة فما بالك بالقصيرة جداً !
وبالنسبة إلي فإن القصة القصيرة جدا كانت مفرا من ضغط البحث في التفاصيل أكثر من خلال كتابة قصة طويلة، فهذه الأخيرة تتطلب جهدا أكثر ووقتا أطول وبحثا مضنيا لكتابتها، وهذا لا يعني أن القصة القصيرة جدا هي في الجهد أقل بل أكثر من القصة الطويلة، لأنها تتطلب تركيزا قويا وطويلا من أجل إبداع قصة (وما أدراك ما إبداع قصة) في أقل عدد ممكن من الأسطر والكلمات. ولذلك فكان وقعها على نفسي وقعا جميلا ورائعا لأنها منحتني قدرة على كتابة قصة قصيرة جدا بهذا الحجم وبهذا التمكن. ورغم ما نتلقاه من نقد واستنكار على ما نكتبه في هذا النوع الأدبي الجديد فإننا بالمقابل نتلقى التشجيع والإكبار من العديد من القراء الواعين بجهد الكاتب ووقدرته على الإبداع الجميل .
لمن يقرا عزيز العرباوي؟ لمن يكتب؟ وما مدى اطلاعه على ادباء الجزائر؟ وماذا يعلق بذاكرته من كتاباتهم ؟
أقرأ كثيرا ولا أستطيع أن أترك الكتاب من يدي، حتى أن بعض الناس يتهمونني بالمدمن على القراءة. أقرأ كل شيء من أدب وسياسة وفكر ونقد... وأقرأ باللغة العربية لأن القراءة بهذه اللغة تشعرك بشيء رائع لا يقدر أي كان أن يشعر به إلا إذا جرب ذلك وأحب هذه اللغة من كل قلبه. وحب اللغة المقروء بها هو حب للكاتب ولإنتاجه الذي تقرأه.
أنا لمن أكتب؟ في الحقيقة هذا سؤال قد يكون سؤالا ذا حدين لأن الكاتب إذا ما أجاب أنه يكتب لنفسه (وهذا ما قرأته للعديد من الكتاب الكبار والرواد العرب في العديد من الحوارات) فإنه سيضع نفسه في خانة تسقطه من علياء عند القاريء فيعتبره أنانيا لا يعير اهتماما للمتلقي والقاريء. وإذا ما أجاب أنه لا يضع نفسه بين القراء عندما يكتب بل هو يبدع ويكتب من أجل عيون القراء الذين يقرؤونه ويعجبون به وبما يكتبه فإننا سنقول عنه بأنه منافق لا يقول إلا كذبا وبهتانا.
على العموم أنا أكتب لأنني وجدت نفسي أكتب، فلو كانت هناك طريقة أخرى لتمرير أفكاري وآرائي لاتخذتها وسيلة للبوح، ثم إنني أحاول أن أكتب عن واقع نعيشه وإذا ما بحثت في كتاباتي وإنتاجاتي ستجدين فيها أنها كتابات تبتعد عن الذاتية والشخصانية، وهذا لعمري كاف لأقول أنني أكتب من أجل التغيير والتجديد والتطوير .
أنا كما قلت أقرأ كثيرا ولذلك فإنني أقرأ الأدب والفكر الجزائري بحكم الجوار والأخوة العربية والدينية وبحكم الاهتمام بما ينتج من أدب وفكر جزائري، وأكثر ما قرأت لهم من الكتاب الجزائريين الطاهر وطار وواسيني الأعرج ومالك نبي وأحلام مستغانمي.... هذا على الصعيد الورقي، أما على صعيد الإنترنيت فلدي أصدقاء من الجزائر وأهتم بما يكتبونه ومنهم سعيف علي وبلطرش رابح وجميلة طلباوي وعيسى ماروك ... وغيرهم كثيرون .
وأجمل ما قرأت عند كل هؤلاء هي روايات الكاتب الكبير الطاهر وطار .
الى اي مدى المغاربة حاضرون في ادبهم المكتوب؟ وما مدى صحة التبعية الفكرية والاسلوبية المغاربية للمشرق العربي؟
مسألة الحضور داخل الأدب ترجع إلى الرؤى النقدية التي تعالج النص الأدبي من خلال قراءة متأنية من طرف الناقد الذي يريد نهج نقد الأدب من منطلق الشفافية، وإذا ما تحدثنا من خلال الحضور الذاتي فإننا قد نقول بأن هذا الحضور مشوب بالعديد من الأمور التي تدخل في باب الإيمان بالوجود الذاتي عند الكاتب والمبدع .
الكاتب المغربي يجد لنفسه مساحة في أدبه وهذا أمر واضح التجلي في كل ما نقرأه من أدب مغربي .
ليست هناك أي تبعية إلى المشرق العربي فكريا أو أدبيا، وقول هذا الأمر هو من باب الظلم لنا ولكل مبدعينا ومفكرينا المغاربيين الذين عملوا على مدى عقود على إيجاد استقلالية فكرية وأدبية لهم عن الشرق والغرب، وكل من يقول هذا الكلام يريد أن يغطي الشمس بالغربال، نحن لسنا قليلي الموهبة حتى نكون تابعين أو مقلدين أو محاكين أو مستهلكين لما هو شرقي، الأدب المغاربي أدب قائم بذاته أحب من أحب وكره من كره، ولعل رؤية نقدية حصيفة تبين أن هذا الأدب قد تطور كثيرا ورسم طريقا جديدا وحديثا .
كلمة أخيرة ؟
من هذا المنبر أطالب القادة والسياسيين في المغرب والجزائر أن يضعوا حدا لهذا النزيف جراء خلافات سياسية لا ترقى إلى مستوى قطع العلاقات الأخوية، متمنيا أن يتحلوا بالجرأة والإرادة لتفادي الاصطدام في المواقف والآراء .....
تحياتي ، عزيز العرباوي ، كاتب مغربي
التعليقات (0)