أي تيه أخذك الى لجة القصيدة أو لأقل من منكما بدأ الآخر؟ واستطرادا أسأل : من منكما تكتب الأخرى على البياض، أنت تكتبين أم القصيدة تسري بك على البياض؟
هنالك نوعان من القصائد ، الأول يكتبه الشاعر وهذا لا يلامس شغاف القلب، والاخر هو الذي يكتب الشاعر ، الشاعر كتلة من الاحاسيس وسط أمواج متلاطمة من الأسئلة الكونية ، تتكون على إثرها عزلة للشاعر مع ذاته ، هدوء عاصف يجعله يعيش حالة التأمل فيسمع همسا خاصا به ، يتحاوران، يتفقان أو يختلفان، وفي حالة من وعي اللاوعي أو العكس تكون القصيدة قد اكتملت على البياض . وتبقى حالة الشاعر على ما هي عليه فإن لم تأتي القصيدة تراه يتيما وهو في كل هذه الحالات ينشد الجمال الكامن في غير المألوف ، ينشد عناصر الجمال غير المكتشفة.. مجموعتي الشعرية (لعاب الورد) صور لسيرة حياتية عشتها لكنها مدونة برؤى وهموم شعرية .
نجوى عبد الله الآن، حيث أنت، من تكونين وأي جنون يأخذك في أتونه؟
فوضى نجوى الورد مستمرة ، مستمرة مع الحلم ، مع كل حركة ، مع الجمال ، مع العشق ، مع كل ما يحدث، وهذا يجعلني أنام بعيون يقظة . ربما لا أعرف نفسي بشكل جيد كي أصفها لك ، لكن ما أعرفه أنني ضد الشر وأكرهه بكل أشكاله ومعانيه ، وأعشق الجمال حتى لو كان في بريق بعيد . يمكنني أن ألعب مع نوارس البحر وأنا في صحراء . إنها رحلة ممتدة بكل الاتجاهات والأبعاد ، وأي تحديد (وما تحتمله الكلمة من صياغات كالحد والحدود) يؤذي القلب.
الموصل ، صخب وفوضى الطلبة في الممرات ، فضائية الفيحاء ، جريدة المسار ... و... محطات حظيت بصدى صوتك ووقع خطاك، ماذا عنها في كراريس الذاكرة ؟
حياتي مرتبة في ذاكرتي بشكل يختلف عن السرد الانشائي ، ربما لذاكرتي أيضا مزاجها الخاص فهي ترفض تدوين ما لم ينل رضاي حينما مررت به ، فسنجار مكان ولادتي الجسدية وولادة أهلي وأجدادي، أما الموصل فهي مدينة نشأتي ودراستي حتى نيلي البكالوريوس، ولهجتها الخاصة ممسكة بلساني، مهنة التدريس تحقيقا لرغبة والدي وليست غايتي ولم تكن حلمي ، محطات قدرية ترفض ذاكرتي اختزان تفاصيلها . محطات أخرى قصيرة مررت بها فلم يعلق منها شيء في الذاكرة التي غربلت خزينها لتدفعني بقوة تجاه الحلم ، الحرية ، القصيدة ، شاعرة وكاتبة تنشر في المجلات والصحف والمواقع ، أتحاور مع الأشياء والجمال والحياة من خلال أصدقاء من الأدباء والفنانين و... و... لكنني لن أنسى بتاتا عيون والدي ولا الشعر الأسود لأمي الذي ورثته عنها ، صور والدي وحديثه عن الكتابة والصحافة والسفر . أمي العظيمة بالشموخ والطيبة الجبلية وقصصها التي كانت ترويها لي تدلل على إنسانيتها الفائقة .
(هنا كانت قبلة
وهنا أيضا
سرقها
في نفس الزقاق الغريب
لص الحنين ..).
ودائما تبقى الموصل بوابة الخطوة التالية، ثم عاصمة الأمويين، فبلاد العم سام. كلها وسائد توخزك بحنين الى ذاتك الأنثوية أو الانسانية ، الأمر سيان، ماذا عنها في كينونتك أو عزلتك الآن؟
الأنثى شعلة من الرومانسية تتوزع في فعاليات صاحبتها وهذا ما يميزها عن الذكر وكان لها دور في تكثيف العزلة استنادا للواقع العراقي العنيف الذي شهدناه منذ الولادة وما زال، حيث لم تتجسد فيه أية معاني الانسانية فقادني للهرب نحو حاضر سعيد ومستقبل مشرق ، وهي حالة من حالات الذات في إثبات وجودها.. المكان يشاطر الشاعر في حال التآلف فيخلقان أجواءا حية بالفكر والابداع لذلك فقد أضافت الشام لي الكثير ومنها كانت انطلاقتي ، و أخذتني الى فضاءات رحبة فحلقت فيها بين سحب العاطفة والجمال والتواصل .. بالنسبة لأمريكا فإنها المكان الذي يحولك الى آلة حيث تقذفك في بحر متلاطم من الفاتورات تشعر معها ان انسانيتك تسرق منك لكن ما يميزها هو أجواء الحرية فبإمكانك الركض والصراخ والضحك والبكاء بعيدا عن تدخلات الآخرين فمادمت لا تزعج احدا فلا أحد يزعجك أو يحشر نفسه في شؤونك، عليه يمكنك الاستمتاع بما يتوفر لديك من وقت لتكتب وقد اكتسبت عوالم جديدة . عوالم لا سطوة فيها لأحد على أحد باستثناء القانون الذي هو فوق الجميع.
في قصيدتك تتآلف الأضداد ، ويتداخل الخاص بالعام ، في توازن وانسجام مدهش ، ما مرد ذلك ؟
نحن مخلوقات تتوافر فيها الأضداد ونعيش في عوالم متناقضة، و أن المسافات لم يعد لها وجود كما أنك مرتبط شئت أم أبيت بظروف وأمور عامة ، والشاعر كما وصفوه قديما مرآة تعكس الواقع . وهنا يأتي دور الجمال والابداع لخلق أواصر بين النقائض كذلك بين المحسوس والملموس ، خلق صداقات جديدة . من المؤكد ان ذلك يتطلب خيال واسع وخصب ، كما يتطلب تجربة حياتية ثرّة ومختلفة . أذكر شاعرا قال (صبحته عند المساء ...) وكانت ضربة شعرية حينها، أما الآن نتحدث بين القارات هنا صباح والآخر عند المساء، وأقصد أن الصورة الشعرية الآن يجب أن تكون مكثفة ومختزلة تمتلك أبعادا تحتمل التأويل إضافة الى عامل الادهاش الذي بدونه تفقد الصورة قيمتها ..
نجوى، سؤال كان بودي أن أطرحه منذ البدء، وهو عن الحلم الذي عايش الشاعرة نجوى عبد الله منذ طفولتها ومازال يدغدغ الروح والذاكرة؟
منذ الصغر كان حديثي مع عرائسي يأخذ شكل الحوار ، وعندما بدأ وعيي بالتشكل كانت سيرة والدي الذي كان له حضور فاعل في نشر الثقافة في سنجار فهو أول كاتب وصحفي فيها ، كما أن الرحلات السنوية التي كان يأخذني فيها خارج العراق ونزور المتاحف والأماكن الثقافية كلها خلقت لدي عشقا دائميا للعمل الصحفي والاعلامي، أينما ذهبت أحمل كاميرتي معي وأصور وحققت نجاحا متميزا لدى عملي لكن طموحي لم يتحقق بعد فأمنياتي في العمل الاعلامي كبير ..
المشهد الثقافي العربي عموما والشعري خصوصا ، كيف تقرئيه في هذه المرحلة؟
أشعر بالخجل حينما يأتي الحديث عن المشهد الثقافي العربي ، فهنالك مثقفون أما المشهد فغائب بدليل الواقع المزري الذي يعيشه العالم العربي وسيطرة تيارات الجهل والتخلف على حركة الجماهير . أما إذا كنت تقصد المشهد الأدبي فالشعب العربي كبقية الشعوب يمتلك كما هائلا من الأدباء في شتى صنوف الأدب وهو ثري بنتاجه ومن ذلك الشعر ، لكن هذا الكم يحتاج الى ما يوازيه من النقاد والدارسين ولو قمت باحصائية لوجدت أن نسبة نتاج النقد والدراسة لا يتعدى الواحد من الألف وهذه المفارقة جعلت الحكم يعود الى ذائقة الجمهور ، وهذه هي الكارثة بعينها حيث أن كلاما سخيفا يردده شخص ما يكون الاقبال عليه أضعاف أضعاف ما يكون على قصيدة رائعة .
أمريكاتحتل العراق وتستبيحه أرضا وشعبا، وكان خروجك من وطأة الاحتلال وتداعياته لكن ملاذك كان عقر دار هذا المحتل، كيف تفسرين هذه المفارقة؟
بداية يجب ان تعرف أن مفاهيم وأساليب الاحتلال او الاستعمار تبدلت وأخذت شكلا آخر بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت الانظمة الدكتاتورية هي البديل المناسب لكن هذه الانظمة حينما تجاوزت الخطوط الحمراء وباتت تشكل تهديدا لأمن واستقرار العالم ومصالحه الاقتصادية فمن الطبيعي التدخل للتغيير وهذا ما حصل مع العراق، أعوان النظام السابق هم السبب في إطالة مدة الاحتلال عن طريق ما يسمى بالمقاومة، لذلك عندما شعرت امريكا ان التحول يميل الى الجانب الديمقراطي بمشاركة شعبية والشعور بالأمان من هذا البلد أخذت تسحب جيشها منه، أما أمريكا البلد فهي دولة يحكمها القانون وشعبها يمثل مختلف الاجناس وأقصد ان مصطلح المجتمع الامريكي هو الأصح لأنه خليط من أعراق وقوميات وأديان مختلفة، وإذا شعرت بإساءة من أي شخص أو جهة لانتمائك فيمكنك مقاضاته .
التعليقات (0)