الشاعرة المغربية فاطمة عبدالحق:
نعاني من سيطرة اليسار في ساحتنا الثقافية
ا لتاريخ: 29 أغسطس 2002
الساحة الثقافية المغربية تعج بكثير من التيارات الأدبية الوافدة التى تهدف إلى استلاب الشخصية العربية وتكريس التغريب وهيمنة الغرب فى مختلف المجالات، وربما يرجع هذا الوضع إلى قرب المغرب الجغرافي من الدول الاوروبية واتقان المغاربة لبعض اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والأسبانية والإنجليزية التى تتيح لهم الإطلاع على الثقافة الغربية فى مصادرها بالإضافة إلى سيطرة الإتجاه اليسارى على مقاليد السلطة وهيمنته على مختلف المجالات وهذا الإتجاه لا يحمل تقديرا للتراث ولا يعترف بقيمته ولا يقيم وزنا للأصالة. ورغم ظهور كوكبة من الأدباء فى السنوات الأخيرة تحاول مواجهة ظاهرة التغريب والإستلاب الثقافى وربط الشعب المغربى بجذوره وأصالته إلا ان هذا التيار لايزال ضعيفا بالمقارنة بالتيارات الأخرى التى فرضت هيمنتها على الساحة. حول هذه القضية يدور الحوار التالى مع الدكتورة فاطمة عبدالحق الشاعرة المغربية وهى استاذة جامعية فى الأدب العربى وعضو رابطة الأدب الإسلامى العالمية صدر لها عام 1995 أول ديوان شعر بعنوان «زمن الإنتظار» وسيصدر ديوانها الثانى خلال الأيام المقبلة بالإضافة إلى بعض الكتب الأخرى ولها أشعار ومقالات منشورة فى العديد من الصحف والمجلات وشاركت فى العديد من الملتقيات داخل وخارج المغرب. ـ لماذا تهيمن تيارات الحداثة والتغريب على الساحة الثقافية والأدبية فى المغرب ؟ - هذا يرجع إلى قرب المغرب من الدول الأوروبية خاصة اسبانيا ـ ولاتزال إلى الآن مدينتى سبتة ومليلة تحت الإحتلال الإسبانى- بجانب ان معظم المغاربة يهاجرون إلى الدول الغربية سواء للعمل أو الدراسة وغير ذلك فتعامل المغاربة مع الغرب أكثر بكثير من أبناء المشرق العربى أيضا المغاربة كان لديهم اهتمام كبير بالأدب المشرقى لكن بعد الحقبة الإستعمارية بدأ هذا الإهتمام يتوجه إلى الكتابات الأدبية والنقدية الغربية خاصة وان المغاربة يتحدثون بلغات عديدة مثل الفرنسية والإنجليزية والأسبانية وهذه الميزة غير موجودة لدى المشارقة وهذا يجعلهم أقرب للكتب الأجنبية من المشارقة وهذا بعض الأسباب التى تجعل تيارات التغريب تهيمن على الساحة الثقافية والأدبية عندنا ولكنها ليست تيارات تغريبية لدرجة الإستلاب فهناك فئات لديها توجه نحو التيارات والمذاهب الأدبية الوافدة وهناك فئات آخرى تحافظ على أصالتها. ـ ما مدى قبول التيارات الأدبية التى تتمسك بأصالتها وتراثها وترفض التغريب فى المغرب ؟ وهل تستطيع هذه التيارات الصمود فى مواجهة التيارات الأخرى ؟ - التيار الذى يحافظ على التراث ويتمسك بالأصالة هو تيار الأدب الإسلامى وهذا التيار يواجه مشكلات ليس فقط فى المغرب ولكن فى أغلب الدول العربية وربما مشكلاته فى الدول العربية اكثر تضخما مما هو موجود لدينا فى المغرب لأن فى المغرب هناك حرية تجعلنا نقول ما نشاء فنحن على سبيل المثال نلقي قصائد قد تمس السلطة فى بعض الأحيان ونحن نكتب ونعبر بحرية أكبر لكن هذا لا يمنع ان هناك اشكالية مطروحة تتمثل فى سيطرة اليسار على مقاليد الثقافة العربية، فاتحاد الكتاب فى المغرب فى أيدى اليساريين لذلك يواجه التيار الإسلامى بعض الإشكالات والصراعات لكن هذا لا يعنى انه تيار معزول أو مهمش بل على العكس لدينا فى المغرب صحوة اسلامية كبيرة ولدينا توجه نحو الأدب الإسلامى. تابوهات ـ ولماذا لا يحاول هذا التيار فرض نفسه على الساحة كما فعل اليسار ؟ - الإتجاه الإسلامي فى المغرب إلى الآن لا يحاول فرض نفسه رغم ان هناك وسائل كثيرة متاحة يمكن أن تثبت أقدامه على الساحة فنحن لدينا مجموعة من البرلمانيين الإسلاميين وهم قلة بالمقارنة باليساريين لكنهم يستطيعون أن يفعلوا الكثير والمشكلة بالنسبة للإسلاميين أنهم يصرون على تحريم مجموعة اشياء فى امكانهم ان يستفيدوا منها فى الحصول على الدعم والمناصرة فهم يحرمون السينما ويشككون فى وقوف المرأة على خشبة المسرح وغير ذلك من التابوهات التى تقف حجر عثرة فى طريق نصرة هذا التوجه وتحول دون انتشاره خاصة واننا فى هذا العصر بحاجة إلى مختلف الوسائل لكى ندافع عن تراثنا وثقافتنا ولكى ننشرها فكأننا نقاوم بسيف خشبى فى مواجهة من يمتلكون المدافع لذلك لابد أن نطور وسائلنا وان نصر على استخدام الإعلام لأن الدور الأساسى يقع على الإعلام فى نشر هذا التوجه واذا انتشر التوجه الإسلامى وأصبح له أنصار كثيرون فسوف يفرض نفسه على الساحة وعلى اليسار. ـ هل تعتقدين أن رفض وقوف المرأة على خشبة المسرح يعد نوعا من رد الفعل غير المطلوب لأن التيار الإسلامى يطالب بضوابط محددة ويبدو أنه يأس من تحقيقها ؟ - اليأس يرجع إلى ان الذين يمسكون بمقاليد الأمور فى الفن أشخاص لا علاقة لهم بالتيار الإسلامى لكن لماذا لا يكون من ضمن هذا التيار أشخاص لهم اهتمام بمجال الفن ؟ أنا مثلا لدى اهتمام بالمسرح وكنت أعمل فى المسرح ومثلت بعض المسرحيات ولو كنت وجدت الفرصة الملائمة لكى أقدم عملا فنيا راقيا اسلاميا لما ترددت فى المشاركة فى هذا العمل، لكن للأسف مجموعة كبيرة فى هذا التيار لا اهتمام لها بمجال الفن لذلك يبقى الحل لديها هو ان الفن حرام ويجب تركه هذا غير صحيح يجب ان نبحث عما هو ايجابى وان ننظف الأشياء التى نرى فيها بعض القذارة وان يدرك هؤلاء انه حتى بالنسبة للصلاة اذا كان بالثوب قذارة فان الإنسان ينظفه ويصلي وهو ليس مطالبا بنزع اللباس كله، اما الإسلاميون فيريدون نزع اللباس كله والتخلص منه وهذا يجعلنا دائما فى المؤخرة فى حين أنه كان بإمكاننا ان يكون لنا دور ايجابى وفاعل واعطيك مثالا على العمل الفنى الراقى شاهدت منذ فترة فى قناة المنار عملا ايرانيا مدبلجا عن أهل الكهف صدقنى عندما كنت أشاهد هذا العمل أخرج وكأنى كنت أصلى فهو عمل نظيف جدا فحتى اللاتى يؤدين دور الكافرات يرتدين الحجاب ولكن بطريقة مميزة تجعلنا نعرف انهن كافرات وان هذا مجرد لباس للزينة أما الرجل فلم يكن يلمس حتى زوجته وبالتالى بامكاننا ان نقدم عملا راقيا انا عملت فى المسرح وانا متأكدة من ذلك أما ما يقال ان فى البروفات يمارس كذا وكذا فهذا غير صحيح ربما فى نهاية المسرح قد تحدث بعض الأشياء لكن فى البروفات سواء لمسرحية أو مسلسل فلا يكون هناك مبرر لأداء المشاهد التى نعترض عليها واذا كان الأشخاص اسلاميين فلن يضطروا لأن يفعلوا هذه الأشياء. قاعدة رد الفعل ـ يبدو اننا مجتمع فقد صوابه فنحن نواجه تطرفا من التيارات المعادية للدين وفى المقابل نواجه تطرفا من التيارات العاملة باسم الإسلام كيف نصل إلى نقطة التوازن بين هذا وذاك ؟ - حتى الآن القاعدة التى تحكمنا هى قاعدة رد الفعل فالإتجاه اليسارى يذهب مباشرة نحو التطرف، فعلى سبيل المثال قضية المرأة فى الوطن العربى اليساريون يرون ان المرأة مهمشة وأن هناك ضغوطا من الرجل عليها وان هناك فكرا شرقيا متعصبا جدا للرجل هو ما يطلق عليه الفكر الذكورى ما الحل الذى لجأنا اليه فى المغرب لمواجهة ذلك ؟ الحل كان انشاء مدونة للأحوال الشخصية تطالب بأن ترث المرأة مثلما يرث الرجل لأن المرأة أصبحت تنفق هى أيضا على الأسرة وان تشارك المرأة الرجل اذا طلقها بحيث يكون لها نصف ممتلكاته - وقد رفضت هذه الأمور من طرف الكثيرين - هذا لأننا وجدنا فى عدد كبير من الأسر المغربية ان المرأة هى التى تنفق على الأسرة والرجل له اهتمامات أخرى وان المرأة تتزوج لمجرد الزواج ويصبح الرجل حرا يتصرف كما يشاء وتغرق المرأة فى محيط الأسرة وتتحمل المسئولية ورد الفعل على هذه الأوضاع المذرية كان هو المناداة بأن تكون المرأة مساوية للرجل فى الميراث وأقول ان المرأة ليست مطالبة بالإنفاق على بيتها حتى ولو كانت عاملة إلا اذا رغبت فى ذلك لكنها فى الوقت نفسه لا يجب ان تطلب أكثر مما أعطاها الشرع بالنسبة للإسلاميين عندما رأوا هذه الأشياء اتجهوا إلى النقيض ولم يحاولوا ان يسلكوا مسلكا وسطا بالأخذ من هذا ومن ذاك رغم علمهم بأن الدين الإسلامى دين سماحة وانما بدأوا ينجذبون إلى الإتجاه الآخر كرد فعل على اتجاه اليسار ولا يجب ان نتصرف من منطلق رد الفعل وانما يجب ان يكون رد فعلنا موزونا وقراراتنا مدروسة فحتى على مستوى الثقافة نستطيع ان نرفض الغرب لكن ندرس مشروعه ونحاول ان نصهره فى اطار ثقافتنا ونستخرج ما يفيدنا منه ونترك ما لا يفيدنا فهذا هو المنطقى أما ان نرفض كل ما يأتينا من الخارج فان ذلك ما يجعلنا نتطرف إما إلى اليمين أو إلى اليسار. ضعف واستلاب ـ هناك مقولة لعباس محمود العقاد ان الأمة عندما تكون قوية تأخذ عن غيرها الكثير مما قد ترفضه فى أوقات ضعفها فهل تنطبق هذه المقولة على أوضاعنا الراهنة ؟ - الضعف مسألة واردة وهذا لا ننكره على مستويات كثيرة فالمجتمع العربى فى كثير من جوانبه لايزال مستلبا اما للثقافة الغربية المحضة واما كرد فعل للثقافة القديمة وهناك ضعف حتى على المستوى السياسى واعتقد ان الأمة العربية لو كانت قوية وموحدة لما كان لقضية فلسطين وجود الآن ولتحررت فلسطين منذ زمن بعيد وحالة الضعف وسيطرة فئة معينة على مقاليد الأمور وخوف مجموعة من الناس على مناصبهم هذا يجعلنا بعيدين عن مسايرة الركب ويجعلنا دائما مستلبين أو تابعين ولا نستطيع ان نقرر ما يلائمنا بالفعل. ـ ما مدى قدرة الأديبة المغربية على المنافسة فى مجال الأدب ومعالجة القضايا العربية بصفة عامة ؟ - الأديبة المغربية حاضرة فى الساحة وأغلبية الأديبات المغربيات ينتمين إلى التوجه اليساري والمرأة مشاركة فى كل القضايا لأننا فى المغرب ليس لدينا اشكالية ان المرأة معزولة لكن هناك نساء تنشغل بأمور الحياة كالبيت والزوج وغير ذلك فينصرفن عن العمل الأدبى لكن هناك من تصر على المشاركة فى الساحة الأدبية هؤلاء النسوة اللاتى تشاركن فى الساحة الأدبية يعالجن القضايا العربية والقومية والإنسانية والإسلامية بنفس المعالجة التى تصدر عن الرجال دون فرق فحينما تتحدث المرأة مثلا عن قضية فلسطين أو أفغانستان أو العراق تتحدث عنها من منطلق وعيها بهذه القضية وأظن ان وعي المرأة ووعي الرجل بهذه القضايا لا يختلف لكن الخلاف قد يبرز فى مسائل بسيطة خاصة فى القضايا التى تمس المرأة بشكل مباشر مثل القضايا الداخلية العميقة فأى انسان هو مطلع على دواخله أكثر من أى شخص آخر ونفس الأمر اذا عبر الرجل عن قضية تخصه هو بشكل شخصى ذاتى سيكون أكثر صدقا من المرأة أما فى القضايا العامة فالأمر مشترك وقد أقرأ قصيدة ولا استطيع التمييز اذا لم يخبرنى أحد ان كاتبها رجل أو امرأة. ـ الدعوة إلى استحداث تيار للأدب النسائى هل توافقين على هذه الدعوة ؟ - أرفض هذه التسميات لأنها تصنف وتصر على خلق هوة بين أدب الرجل وأدب المرأة وأظن ان ذلك يكرس التخلف فى مجتمعاتنا يجب ان نتجاوز كل هذه التسميات هناك أدب انسانى وليس ذكوريا أو نسائيا فاذا كانت تشغل الأديب القضايا العربية فإن الأديبة أيضا تشغلها هذه القضايا بنفس الحجم وربما أكثر يهمنى تطور الأدب الإسلامى كما يهم الأدباء الرجال تماما وعندما استمع إلى الأخبار وأعرف ان عملية استشهادية وقعت أفرح لها كما يفرح لها أى رجل وأحزن حينما أسمع عن مقتل فلسطينى كما يحزن أى رجل وقد أعبر بنفس الطريقة التى يعبر بها الرجل لأن هذه الأمور ليست خاصة بالرجل وحده وليست خاصة بالمرأة وحدها وبالتالى فإن هذه التسميات تهدف إلى تكريس أوضاع معينة واعادة المرأة إلى عصر الحريم وأظن اننا يجب ان نتجاوز هذه الأشياء وكفانا تخلفا وتأخرا وعلينا ان نعمل من أجل مسايرة الركب لنتقدم خطوة نحو الأمام.
من "البيان" مجلة لإلكترونية من دبي
التعليقات (0)