مواضيع اليوم

حوار مع السيد هاشم الهاشمي حول حديثه عن السيد الحيدري

سلمان عبدالأعلى

2012-10-30 16:54:47

0

حوار مع السيد هاشم الهاشمي حول حديثه عن السيد الحيدري

 

سلمان عبد الأعلى

 https://mail.google.com/mail/?ui=2&shva=1#drafts/13ab24d30a91bbd0

تمهيد

شاهدت حديث السيد هاشم الهاشمي (بدولة الكويت)، والمنشور عبر وسائل الاتصال الحديثة بعنوان "الحوزة العلمية تضحيات وشبهات"، حيث تكلم السيد الهاشمي عن هذا الموضوع في خطبتين منفصلتين، وقد تطرق فيهما للحديث عن السيد كمال الحيدري والآراء التي عرضها في الحلقة الأخيرة رقم 25 في شهر رمضان المبارك لهذا العام 1433هـ، والتي كانت ضمن برنامجه الشهير "مطارحات في العقيدة"، والتي حملت عنوان "المرجعية الدينية وآفاق المستقبل".

وسبب كتابتي لهذا الموضوع هو أن السيد الهاشمي –هداه الله- تعرض للحديث عن السيد الحيدري بصورة غير صحيحة، وبأسلوب غير لائق، فلقد كان كلامه مليء بسوء الظن، والتشكيك في نواياه، واستغلال هفواته ومحاولة تسقيطه وتشويه صورته، وذلك بالقول بأن كلامه يرتبط بضرب الحوزة والمرجعية، وبأنه بتر وحرف الكلام الذي نقله عن السيد الخوئي -رحمه الله- وغيرها من الأمور، ونظراً لكوني أرى في كلام السيد الهاشمي العديد من الأخطاء والمغالطات من ناحية الأسلوب والمضمون، فلقد ارتأيت أن أعرض كلامه وأعلق عليه بما جاء من كلمات السيد الحيدري نفسه في الحلقة المذكورة وفي غيرها من المحاضرات والدروس، وذلك لنرى بعدها إن كان كلامه صحيحاً أم لا.

 

حديث السيد الهاشمي حول السيد الحيدري.. عرض ونقد

تحدث السيد هاشم الهاشمي عن السيد كمال الحيدري قائلاً: ((في آخر برنامج مطارحات في العقيدة على قناة الكوثر طرح موضوع مشروع المرجعية وآفاق المستقبل، أنا أنقل لكم ضمن دقيقتين، وكنت قد تحدثت سابقاً ولعل البعض في ذلك الوقت لم يفهم الاتجاه الذي تسير به الأمور، وظن أنني استعجلت، واليوم هؤلاء يكتشفون أن ما ذكرته سابقاً صحيح، أن هناك اتجاهاً في هذا المسير فيما يرتبط بضرب الحوزة والمرجعية أكون صريحاً))[1].

 

المناقشة

نلاحظ أن السيد هاشم الهاشمي ومنذ البداية حاول توجيه كلام السيد الحيدري على أنه يرتبط بضرب الحوزة العلمية والمرجعية، وهذا غير صحيح، ويدل على أن السيد الهاشمي يشكك في نوايا السيد الحيدري ويسيء الظن به، وهذا أمر مرفوض، فالسيد الحيدري ومنذ بداية حديثه في الحلقة نفسها التي تحدث عنها السيد الهاشمي قال ما يلي: ((لا يزاود علي أحدٌ أنك تريد أن تضعف الحوزات والمرجعيات الدينية والمؤسسات الدينية، لا أبداً لأني أعتقد بنفسي أني ثمة صغيرة من ثمرات هذه المؤسسات الدينية، فاليكن في علم الأعزة، أنني أعتقد بأن المؤسسات الدينية والحوزات العلمية تشكل هوية التشيع، لأني أعتقد بأن أئمة أهل البيت (ع) هم الذين هندسوا للارتباط بهم عن طريق المؤسسة الدينية... أعزائي لا يتبادر إلى ذهن أحد أني بصدد تضعيف المؤسسة الدينية أو المرجعية الدينية. أتكلم في المفهوم، ولا أتكلم في الأشخاص (لماذا؟) لأني أعتقد بأن أهم رابط يربط الشيعة في عصر الغيبة بالإمام الثاني عشر إنما هي المؤسسة الدينية)).

وبعدها تساءل السيد الحيدري قائلاً: ((إذاً هذا الحديث لماذا؟! –أي حديثه حول المرجعية الدينية- وأجاب بقوله: الجواب هذا من قبيل النقد الذاتي، النقد الداخلي التي هي للإثراء وللنظر إذا كانت هناك نواقص، وإذا كانت هناك إشكاليات، لا بد نحن أن نصلح هذه الإشكاليات، لا أن يأتي شخص من الخارج ليصلحها... إذاً اجعلوا هذا الكلام يصب في ماذا؟ يصب في النقد لإثراء المؤسسة الدينية والمرجعية الدينية ودور المراجع الدينية في عصر الغيبة))[2].

فكلام السيد الحيدري واضح في أنه لا يهدف إلى ضرب الحوزة والمرجعية كما يقول السيد الهاشمي، وهل هناك أوضح من قوله: "لا يزاود علي أحدٌ أنك تريد أن تضعف الحوزات والمرجعيات الدينية والمؤسسات الدينية"، وقوله: "أعزائي لا يتبادر إلى ذهن أحد أني بصدد تضعيف المؤسسة الدينية أو المرجعية الدينية"، وقوله بأن كلامه "من قبيل النقد الذاتي، النقد الداخلي التي هي للإثراء"، فلماذا إذاً يوجه السيد الهاشمي كلام السيد الحيدري هذا التوجيه الخطير رغم نفي الأخير له؟! هل يدعي السيد الهاشمي أنه يعلم حقيقة ما في قلب السيد الحيدري وهو بخلاف ما يقوله ويظهره حتى يقول مثل هذا الكلام؟! وإذا كان لا يعلم، فلماذا لم يحمل كلام السيد الحيدري على أحسنه كما في الروايات الشريفة؟!

ويتحدث السيد الهاشمي بأنه يريد أن يلخص كلام السيد الحيدري بقوله: ((ألخص لكم كلامه لا أريد أن أتقول على أحد، هذا اللقاء في حدود ساعة ونشر، والكل يمكن أن يشاهده (في اليوتيوب موجود)، خلاصة الكلام الذي عرضه قال –أي السيد الحيدري- ان هناك اتجاهين في الحوزة العلمية: الاتجاه الأول يرى أن دوره فقط هو الإفتاء، يجتهد –في الحلال والحرام في ضمن دائرة ضيقة- ثم بعد ذلك إذا صدر رسالة عملية يذهب إلى بيته ويحط رأسه وينام، هذا تعبيره ليس تعبيري "يحط راسه وينام" ما عنده دور آخر، في مقابل الاتجاه الثاني الذي يرى بأن له مسؤولية أكبر، ما هي المسؤولية؟ يقول مسؤولية الأنبياء وهي تبليغ الدين، وهذا يعني أن الاتجاه الأول لا يؤمن بذلك، إقامة الدين يعني الاتجاه الأول (لا يؤمن بها).. لأنه فصل بينهم، الاتجاه الأول لا يؤمن بذلك، حفظ الثغور إلى آخره، مجموعة من الأمور ضمها إلى بعض وقال أن أصحاب الاتجاه الثاني يرونه، والاتجاه الأول لا يرونه))[3].

المناقشة

§        الاتجاه الأول وإقامة الدين في حياة الناس

الأمر الأول: نقل السيد الهاشمي عن السيد الحيدري أنه يرى أن الاتجاه الثاني يقومون بتبليغ الدين وإقامة الدين، أما الاتجاه الأول فلا، ولا أريد هنا أن أناقش إذا كان ما نقله عن السيد الحيدري صحيح أم لا ولنفترض أنه صحيح، وأن السيد الحيدري كان مخطئاً في ذلك، ولنقل أن كلا الاتجاهين يقومون بتبليغ الدين وبإقامة الدين، ولكن السؤال هنا: هل كلا الاتجاهين متساوون في هذا الأمر أم أن بينهما تفاوت وتمايز؟! وكيف يقوم الاتجاه الأول والثاني بتبليغ الدين وبإقامة الدين؟! هل بنفس الكيفية أم أن بينهما اختلاف في ذلك؟!

والأمر الثاني: هناك فرق بين إقامة الدين في حياة الناس وبين النصح وبيان الأحكام الشرعية، فالشيخ الكوراني يقول وهو يشرح الفرق بين العلماء الذين يرون بالولاية العامة وبين غيرهم ما يلي: ((فالخلاف بين الاتجاهين: في العمل السياسي والثورة لإقامة حكم إسلامي، وفي تسلم المرجع والعلماء للسلطة مباشرة، أو بقائهم موجهين ناصحين فقط))[4]. لاحظوا الفرق بين إقامة الحكم الإسلامي وبين التوجيه والنصح فقط، فهل هذا الكلام في مضمونه يختلف عن كلام السيد الحيدري في أدوار ومسؤوليات الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى؟!

 

§        السيد الهاشمي وفهمه لكلام السيد الحيدري

تحدث السيد الحيدري عن النظريات الموجودة لدور علماء الدين والمراجع الدينية في عصر الغيبة الكبرى، وبين أن هناك اتجاهان، وتحدث عن الاتجاه الأول بقوله: ((وهو الاتجاه الذي –دققوا فيما أقول- يعتقد أنه لا يوجد دور للمراجع الدينية في عصر الغيبة الكبرى إلا أن يصدروا رسالة عملية، ليس لهم أي دور آخر، كل دورهم يتلخص في الرسالة العلمية، فإذا أصدروا الرسالة العملية فقد انتهى دورهم...))[5].

فما كان مقصوده من ذلك؟ هل كان يقصد بأن المرجع في الاتجاه الأول لا يقوم بأي دور آخر نهائياً مهما كان شكله أو حجمة أو مستواه؟! أستطيع أن أقول لا، وذلك بالاعتماد على كلام السيد الحيدري نفسه، فهو في نفس البرنامج عندما علق مقدم البرنامج على كلامه بالقول (أي المقدم): ((يستتبعه الدرس –أي يستلزم اصدار الفتوى- علق السيد الحيدري قائلاً: نعم، ذلك البحث العلمي أنا دا أتكلم عن أدواره في الأمة، ذاك بحث علمي، البحث العلمي لا علاقة لنا به، قد يجلس في بيته يدرس أو لا يدرس، أنا دا أقول ما هي مسؤولياته؟ مسؤولياته أن يكتب رسالة عملية، أن يفتي الناس، إذا سألوه الماء طاهر أو نجس، يقول لا الماء طاهر مو نجس، إذا سألوه الصوم واجب أم غير واجب، يقول الصوم واجب، سألوه في باب النكاح، سألوه في باب الطلاق، سألوه في باب المعاملات، يقول هذا حكمه واجب حرام مستحب مكروه وغير ذلك...))[6]. وهذا شاهد يدل على أنه يرى أن لأصحاب الاتجاه الأول أدواراً أخرى يقومون بها غير إصدار الفتوى. إذاً السيد الحيدري كان يقصد بكلامه معنى آخر، لا أنهم لا يفعلون أي دور إلا إصدار الفتوى بدلالة كلامه السابق.

كذلك نجد أن السيد الحيدري عندما تحدث مقدم البرنامج عن السيد الخوئي بقوله: أنه يؤمن بالولاية في الأمور الحسبية، قال السيد: ((أنه في الأمور الحسبية، هسه ما أريد أدخل في التفاصيل))[7]. وهذه التفاصيل هي ما أورده السيد الهاشمي في كلامه، مما يدلل أنه لم يكن بصدد الإنكار لأي دور آخر للفقيه، لأن الولاية الحسبية تضع عدة مسؤوليات وأدوار على الفقيه القيام بها.

إذاً نطرح هذا السؤال ونجيب عليه فيما سيأتي: ماذا كان يقصد السيد الحيدري في كلامه؟!

 

السيد الحيدري والمسؤوليات الثابتة للفقيه من الأئمة (ع)

أستطيع القول أن السيد الحيدري لم يكن ينفي أي دور آخر للفقهاء، وإنما كان يتكلم عن مسؤوليات الفقهاء الثابتة بدليل من الأئمة (ع)، وشاهدي على ذلك هو ما ذكره في بحث خارج الفقه، حيث قال: في الدرس رقم 201 من مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي حول السؤال: ما الصلاحيات والمسؤوليات التي أعطيت للعلماء في عصر الغيبة الكبرى؟ حيث شرح السيد الحيدري أن هناك اتجاهات متعددة في ذلك، وقال: ((الاتجاه الأول: الذي يقول ليس له صلاحية إلا أن يكتب الرسالة العملية وهو في القضايا الفردية انتهى, وهي الفتوى فقط, حتى القضاء لم تعطَ له الصلاحية, من قبل الإمام لم يبين له الإمام قال له أنت مسؤول عن القضاء. تقول يعني أن الشيعة يبقون بلا من يحل منازعاتهم؟ يقول –أي من يتبنى هذا الاتجاه-: لا هذا من باب الأمور الحسبية لا أن الإمام أوكل إليه هذه الوظيفة. نعم, الإمام أوكل إليه وظيفة أن يفتي الناس أن لا يبقى الناس بلا فتوى, وهذا هو المستفاد من جملة من كلمات السيد الخوئي...))[8].

ويقول في مورد آخر من نفس الدرس ملخصاً ما قاله: ((فإذن السيد الخوئي من حيث الدليل اللفظي لا من حيث دليل الحسبة, لأنه بعض الأعزة يخلطون بين الدليل اللفظي الذي هو من الإمام وبين دليل الأمور الحسبية, نحن حديثنا الآن الإمام أعطاك هذه الصلاحية أو لم يعطك؟ السيد الخوئي يقول لم يعطي إلا صلاحية أن أفتي بين الناس أما ما زاد عن ذلك فيثبت بدليل آخر وهي الأمور الحسبية))[9].

إذاً فمقصود السيد الحيدري هي المسؤوليات والصلاحيات التي ثبتت للفقيه بدليل من الإمام (ع)، وهذا ما يختلف اختلافاً كلياً عن ما فهمه أو ما صوره السيد الهاشمي بدليل قوله –أي السيد الحيدري- متسائلاً عن السيد الخوئي: "نحن حديثنا الآن الإمام أعطاك هذه الصلاحية أو لم يعطك؟ السيد الخوئي يقول لم يعطي إلا صلاحية أن أفتي بين الناس أما ما زاد عن ذلك فيثبت بدليل آخر وهي الأمور الحسبية"[10].

كذلك نجد أن السيد الحيدري بين في إحدى المقاطع التي انتشرت لأحد دروسه أنه لا يعنى عدم وجود الأمور الحسبية، وإنما كان يقصد من كلامه أن مسؤولياته –يقصد الفقيه في الاتجاه الأول-من حيث الدليل اللفظي لم تثبت، وبين أن البعض يخلطون بين الدليل اللفظي الذي هو من الإمام وبين دليل الأمور الحسبية، وبين أن الإمام أعطى الفقيه صلاحيات أن يفتي، أما ما زاد على ذلك فلم يثبت بدليل عن الإمام، وثبت بدليل آخر وهي الأمور الحسبية، بالأمور العقلائية ... إلى أن قال: ((هذا يكشف أنه منصب نصبه أو هو منتصب تعييني؟ وهذا هو محل النزاع، وهناك خلط بين التعيين وبين التعين))[11]. وهذا ما يختلف عن ما فهمه السيد الهاشمي من كلام السيد الحيدري.

فالسيد الحيدري كان بصدد الشرح للأمور الثابتة من الإمام، وهذا أيضاً ما نعرفه لشرحه لعلماء الاتجاه الثاني، وذلك عندما قال عن هذا الاتجاه: ((هذا الاتجاه يعتقد –خلوا ذهنكم يمي- يقول كل الصلاحيات، وكل الأدوار، وكل المسؤوليات التي كانت في عاتق النبي والأئمة فهي ثابتة لمن؟ للمرجعيات الدينية في عصر الغيبة إلا ما استثني، الأصل ثابت، إلا إذا دل دليل أن هذا المورد ليس ثابت... ))[12].

وهذا ما يختلف عن الرؤية الفقهية للعلماء الذين يتبنون الاتجاه الأول، الذين لا يرون ثبوت ذلك للفقيه، مع أنهم يرون ثبوت بعض المسؤوليات عليه من باب الأمور الحسبية.

ما هي الأمور الحسبية؟

وحتى نفهم أدوار الفقيه في الأمور الحسبية فإننا بحاجة إلى معرفة ما هي هذه الأمور؟ ويمكننا أخذ ذلك من كتاب صراط النجاة للسيد الخوئي، حيث أجاب -رحمه الله- على هذا السؤال: ما هو المقصود من الأمور الحسبية؟ بقوله: ((الأمور الحسبية هي الأمور التي لابد من حصولها في الخارج، ولم يعين من يتوجه إليه التكليف بالخصوص، كما لو مات شخص ولم ينصب قيماً على الطفل أو المجنون، وكذا الحال في مال الغائب، والأوقاف والوصايا التي لا وصي لها وأمثال ذلك. فالقدر المتيقن للتصدي لها هو الفقيه الجامع للشرائط أو المأذون من قبله. هذا فيما كانت القاعدة في ذلك عدم جواز التصرف، كالأموال والأنفس والأعراض. وأما فيما كانت القاعدة جواز التصرف كالصلاة على الميت الذي لا ولي له فإنه لا يحتاج إلى إذن الفقيه ولذا نلتزم بكونه واجباً كفائياً))[13]. أي إذا كان غير جائز التصرف فيحتاج أذن الفقيه، أما إذا كان جائز التصرف، فهو واجب كفائي.

وفي صراط النجاة أيضاً في ((سؤال 1: هل هناك إجماع من علمائنا المراجع المتقدمين والمتأخرين على ولاية الفقيه؟ وضحوا لنا ليتبين لنا من سماحتكم حقيقة المسألة عند علمائنا الأعلام الذين أفتوا بولاية الفقيه في عصر غيبة قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه)).

جواب السيد الخوئي: ((أما الولاية على الأمور الحسبية كحفظ أموال الغائب واليتيم، إذا لم يكن من يتصدى لحفظها كالولي أو نحوه، فهي ثابتة للفقيه الجامع للشرائط، وكذا الموقوفات التي ليس لها متولٍّ من قبل الواقف، والمرافعات فإن فصل الخصومة فيها بيد الفقيه، وأمثال ذلك، وأما الزائد على ذلك فالمشهور بين الفقهاء عدم الثبوت، والله العالم))[14].

لاحظوا معي أن السيد الخوئي قال وهو يشرح الأمور الحسبية كحفظ أموال الغائب واليتيم، ووضع شرط للقيام بها إذا لم يكن من يتصدى لحفظها، وكذلك نفهم أنه حتى المرافعات والقضاء ثابتة من باب الأمور الحسبية، وهذا لا يختلف عن كلام السيد الحيدري بشيء.

 

§        حول تقسيم السيد الحيدري "الاتجاه الأول والاتجاه الثاني"

قسم السيد الحيدري اتجاهات المرجعية في زمن الغيبة إلى اتجاهين، وباعتقادي أن تقسيمه هذا هو للتنظيم ولترتيب الأفكار فقط، وإلا فهناك اتجاهات فيما بينهما، فهناك من يصنف على الاتجاه الأول ويشترك في بعض الرؤى مع الاتجاه الثاني، كما أن هناك العكس، فالسيد الخوئي مثالاً يصنفه السيد الحيدري على الاتجاه الأول، ولكنه في أحد دروسه يخرجه منه، حيث يقول: ((ولكنّ السيد الخوئي يعتقد أن كثيراً ممّا يحتاجه الفقيه أو تحتاجه الأمة لإدارتها وللتصدي للمجتمع ولقيادة المجتمع لابد للفقيه أن يقوم بها, التفتوا, لا يقول كالاتجاه الأول أن الفقيه عنده مسئولية أو ما عنده مسئولية؟ الاتجاه الأول كان يقول الفقيه لا مسئولية عنده, السيد الخوئي لم يقل بذلك يقول لا, عنده مسئولية ولابد أن يتصدى يعني بعد أن حَكم أن فلان سارق أو فلان زاني أو فلان أكل أموال الناس أو كذا, لابد أن يتصدى لتنفيذ الحكم, وأنتم تعلمون أن تنفيذ الحكم ليس من شؤون الإفتاء من شؤون الولاية, طيب بأي دليل سيدنا تقول؟ يقول: من باب الأمور الحسبية, لا من باب الولاية))[15]. لاحظوا قول السيد الحيدري أن السيد الخوئي لا يقول كالاتجاه الأول مما يدلل على صحة كلامنا.

وكذلك نجد أن السيد الحيدري يصنف الشيخ الأنصاري على الاتجاه الثاني رغم كون الشيخ الأنصاري لا يرى ولاية الفقيه العامة بما فيها الأمور السياسية كالسيد الخميني، حيث يقول السيد الحيدري في أحد دروسه شارحاً كلام الشيخ الأنصاري ما يلي: ((في قبال هذا الاتجاه –الاتجاه الأول- اتجاه من؟ اتجاه الشيخ الأنصاري الشيخ الأعظم, الشيخ الأنصاري يقول لا, ليس الأمر كذلك, بل هذا التوقيع الشريف يعطي الولاية للفقيه في عصر الغيبة في ماذا يعطي؟ أولاً: في الفتوى وهذا متفق مع السيد الخوئي, ثانياً: في القضاء, ثالثاً: في كل ما تحتاجه أمةٌ في إدارة شؤونها من الأحكام الولائية وغيرها. الآن تقول لي يعني قائل بولاية الفقيه للسيد الإمام الخميني؟ أقول لا, ذاك بحث آخر, ذاك البحث السياسي, الآن نتكلم في ماذا؟ هذا الفقيه الجالس في الحوزة هذه صلاحياته ما هي؟ يعني الآن نحن في الحوزة لا يوجد عندنا ولاية فقيه وحكومة إسلامية, صحيح طيب الفقهاء الذين جالسين في النجف صلاحياتهم ما هي؟ قولٌ يقول: صلاحيته فقط ماذا؟ أفتي الناس, ورأيٌ آخر على رأي المبنى الشيخ الأنصاري يقول ماذا؟ يقول: لا ليس الأمر كذلك. التفتوا))[16]. فالشيخ الأنصاري رغم كونه يرى ثبوت الولاية للفقيه في الفتوى والقضاء وفي كل ما تحتاجه الأمة في إدارة شؤونها إلا أنه لا يرى الولاية في الأمور السياسية كالسيد الخميني، فهو من جهة مع الاتجاه الأول ومن جهة أخرى مع الاتجاه الثاني.

كذلك نجد أن الشيخ الكوراني يصنف فقهاء الإمامية إلى اتجاهين بقوله: ((يتفق فقهاء المذهب الشيعي على أن منصب المرجع منصب خبير في الشريعة، له حق الإفتاء والقضاء والأمور الحسبية، ويضيف بعضهم حق القيادة السياسية أو ولاية الفقيه. وبهذا يوجد داخل المذهب الشيعي اتجاهان فقهيان يعطي أحدهما للمرجع الولاية على الأمة، ويحصر الآخر ولايته في الإفتاء والقضاء وبعض الأمور الإجتماعية))[17]. فالشيخ الكوراني يصنف هذا التصنيف رغم وجود علماء يرون الولاية ولكن بغير الأمور السياسية كالشيخ الأنصاري بحسب بيان السيد الحيدري.

إذاً النتيجة التي نخلص لها هي أن هذا التقسيم جاء باعتقادي للتنظيم فقط، ولا يعني أنه محصور بدقة مئة بالمئة.

 

§        السيد الهاشمي واستغلال الهفوات

ذكر السيد الحيدري عبارة "يروح ينام" وإن كنت لا أتفق معه في استخدامه لها وأخطئه فيها، إلا أنه تم توظيفها من قبل مناوئوه على خلاف ما يريد، كمحاولة توجيه كلام السيد الحيدري بأنه يرى أن علماء الاتجاه الأول لا يمارسون أي دور آخر غير الفتوى، وأنهم متخلين عن مسؤولياتهم وواجباتهم الثابتة عليهم شرعاً، وهذا غير صحيح بشهادة ما أوردناه من كلمات السيد الحيدري نفسه.

ويواصل السيد الهاشمي حديثه قائلاً: ((طبعاً الوقت لا يسعني أن أتكلم في خطبة واحدة وللحديث تتمة إنشاء الله في الخطبة القادمة، الموضوع مهم وموضع ابتلاء في الساحة، ولهذا أنا أحتاج إلى أن أفرد له أكثر من خطبة، حينما سُئل عن تحديد الأعلمية (كيف نحدد الأعلم؟) ترك الموضوع إلى من؟ إلى الناس العاديين، بتعبيرنا عامة الناس العاديين غير المتخصصين، قال لهم: أنتم ماذا تريدون؟... يعني بعدما عرض الموضوع وكأنه قضية محسومة وواضحة أن الاتجاه الأول غير صحيح... قال: أنتم ماذا تريدون؟ إذا تريد الاتجاه الأول ابحث عن الأعلم في الاتجاه الاول، وإذا تريد الاتجاه الثاني (أبحث عن الأعلم في الاتجاه الثاني)... يعني ترك الموضوع إلى نفس الناس هم الذين يحددون))[18].

 

المناقشة

§        السيد الهاشمي وفهمه لكلام السيد الحيدري حول تشخص الأعلم (وماذا قال السيد الحيدري؟)

يقول السيد الحيدري في مسألة تشخيص الأعلم ما يلي: ((أعزائي –التفتوا لي- الآن في الكتب الفقهية، وفي الرسائل العملية يقولون الرجوع إلى أهل الخبرة حتى يشخصوا من هو من المراجع الدينية التي يمكن الرجوع إليه، الجواب نعم، وأنا أوافق على أنه لا بد من الرجوع إلى أهل الخبرة، وإلى المتخصصين ليشخصوا المراجع الدينية، ولكن أعزائي كل بحسبه، إذا كان أولئك أهل الخبرة في الحوزة هم لا يعتقدون إلا بالاتجاه الأول، فهم لهم خبرة في الاتجاه الثاني أو ليست لهم خبرة؟ لا خبرة لهم، هم لا يعرفون ماذا يقول أصحاب الاتجاه الثاني حتى يقولوا هذا أعلم أو ذاك أعلم، (أو لا يتبنونه)، فبطبيعة الحال لا يرجعون إليهم)).

وبعدها ضرب مثالاً على كلامه بقوله: ((الآن أضرب لك مثال، شخص درس عند السيد الإمام الخميني، وهو يعتقد بولاية الفقيه، وشخص آخر درس عند السيد الخوئي وهو لا يعتقد بولاية الفقيه المطلقة، أنت لو تأتي إلى تلميذ السيد الخوئي يقول الأعلم السيد الخوئي، لو تأتي لتلميذ السيد الخميني والذي درس عنده يقول الأعلم السيد الخميني، وهنا تحير الأمة، هؤلاء أهل الخبرة يقولون هذا الأعلم، وهؤلاء أهل الخبرة يقولون ذاك الأعلم. الجواب أنا في نظري، ما يقوله تلامذة السيد الخوئي هم حجة في الاتجاه الذي يتبناه السيد الخوئي، وما يقوله هؤلاء هم حجة في هذا الاتجاه...)).

ويواصل حديثه بقوله: ((مضافاً إلى أن أهل الخبرة في الخمسين سنة الأخيرة دخلت عليها مخاطر شديدة، ما هي؟ وهي دخلنا في قضية الإعلام والفضائيات، والقنوات، و... وهنا لا أطيل على الأعزة، سأشير إلى كلمات أحد أعلام الاتجاه الثاني، وهو الإمام العلامة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الشيخ سُئل هذا السؤال: في كتاب من أهم كتبه وهو الفردوس الأعلى في ص78 السؤال الخامس: على القول بوجوب تقليد الأعلم، هل يتعين بالشياع في زماننا هذا مع شيوع بعض الأغراض الفاسدة... الجواب: "ذكرنا... أن الميزان الصحيح الذي لا ميل فيه ولا حيف، وخلاصة ذلك أن طريقة الإمامية في تعيين من له أحقية المرجعية من زمن الشيخ المفيد الى زمن الشيخ الأنصاري (رضوان الله عليهما) هي النظر في مقدار إنتاجه وكثرة مؤلفاته، وعظيم خدماته للشرع والاسلام، ومساعيه في صيانة الحوزة والذب عنها"... وفي مكان آخر يقول –أي كاشف الغطاء-: "أن المرجعية العامة طريقة الإمامية من زمن الأئمة (سلام الله عليهم) إلى عصرنا القريب هو أن المرجعية العامة والزعامة الدينة تكون لمن انتشرت وكثرت مؤلفاته كالشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي الذي تكاد مؤلفاته تزيد على الأربعمائة، والشيخ الصدوق له ثلاثمائة مؤلف، وهكذا كان هذا هو المعيار الصحيح والميزان العادل إلى زمن السيد بحر العلوم صاحب المصابيح، والشيخ الأكبر صاحب كشف الغطاء" ...)).

وبعد هذا الشرح الوافي قال السيد الحيدري: ((ألخص أعزائي وأقول في كلمتين وبخلاصة: أيها الناس الآن تسألوني من هو الأعلم؟ لمن نقلد؟ بيني وبين الله أنت وأمرك، واقعاً إذا تريد مرجعاً من الاتجاه الأول فبحث عن ماذا ليس له مسؤولية إلا ماذا إصدار الرسالة العملية، وإن كنت تريد مرجعاً من الاتجاه الثاني فسأل عنه، وابحث عن تراثه وانتاجه ودفاعه و...و...  إلى آخره))[19].

وهذا يختلف عن ما حاول أن يصوره السيد الهاشمي من أن السيد الحيدري ترك أمر تحديد الأعلمية بكامله للناس العاديين في قوله: ((حينما سئل عن تحديد الأعلمية –يقصد السيد الحيدري- قال: ترك الموضوع إلى من؟ إلى الناس العاديين، بتعبيرنا عامة الناس العاديين غير المتخصصين)).

فالسيد الحيدري بنفسه قد قال حول ذلك: ((في الرسائل العملية يقولون الرجوع إلى أهل الخبرة حتى يشخصوا من هو من المراجع الدينية التي يمكن الرجوع إليه، الجواب نعم، وأنا أوافق على أنه لا بد من الرجوع إلى أهل الخبرة، وإلى المتخصصين ليشخصوا المراجع الدينية، ولكن أعزائي كل بحسبه....)). وهناك فرق بين كلام السيد الحيدري هذا وبين كلام السيد الهاشمي، فالسيد الحيدري يثبت ضرورة الرجوع لأهل الخبرة وللمتخصصين بصريح العبارة، ولكنه قال بأن ذلك يواجهه بعض الإشكاليات فكل بحسبه، وضرب مثالاً على كلامه بأن تلامذة السيد الخوئي يقولون الأعلم السيد الخوئي، وتلامذة السيد الخميني يقولون أنه الأعلم، وهذا ما يوقعنا في الإشكاليات، فهل معنى هذا الكلام أنه ترك الأمر كاملاً إلى الناس العاديين ولغير المتخصصين بالصورة التي يعرضها السيد الهاشمي؟! بالتأكيد لا.

 

§        علماء يرجعون الأمر للناس في تحديد الأعلم

وإذا كان السيد الهاشمي عنده اعتراض على أن الناس العاديين هم من يعتمدون على بعض الوسائل لمعرفة من هو الأعلم بين العلماء، فنقول له إن العلماء أنفسهم يرجعون الأمر للناس العاديين في ذلك، وننقل كشاهد على كلامنا ما ذكره الدكتور عبدالهادي الفضلي في كتابه التقليد، حول كيفية معرفة توافر شروط المرجعية؟ حيث قال في ذلك: ((نقصد بطرق معرفة الشروط تلكم الوسائل التي على العامي أن يعتمدها في الوصول إلى معرفة توافر شروط المرجعية في الشخص المتصدي للمرجعية أو المرشح لها، من اجتهاد أو أعلمية، وعدالة أو وثاقة (الخ). وذلك لثبوت حجية هذه الطرق إما من ناحية عقلية، وإما من ناحية شرعية))[20]. فما هي هذه الوسائل التي على العامي أن يعتمدها في الوصول لمعرفة المجتهد أو الأعلم؟! لا حظوا أن الوسائل يتبعها أو يعتمدها العامي.. يعني الناس العاديين بتعبير السيد الهاشمي !!

وينقل الدكتور الفضلي رأي السيد المرتضى لطرق معرفة هذه الشروط، حيث ذكر السيد المرتضى شرطين وهما: (المخالطة والأخبار المتواترة)، وتحدث الدكتور الفضلي عن المخالطة عند المرتضى وقال: ((ويريد بها المعاشرة التي تساعد على كشف حال المرجع من حيث المستوى العلمي ومستوى الالتزام الديني. ولم يشترط، في المخالط أو المعاشر، أن يكون من أهل الخبرة العلمية التي يستطيع معها التمييز بين المجتهد وغيره أو الأعلم وغيره. ولكن اشترط إفادة المخالطة العلم، أي أن يستفيد العامي منها العلم بتوفر الشرط المطلوب في المرجع، فلا يكتفي بإفادتها الظن))[21]. لاحظوا هنا قول الدكتور الفضلي: "ولم يشترط، في المخالط أو المعاشر، أن يكون من أهل الخبرة العلمية"، أي هنا يرجع الأمر للناس العاديين كما يعبر السيد الهاشمي.

ويتحدث الدكتور الفضلي عن الشرط الثاني عند السيد المرتضى، وهو الأخبار المتواترة ويقول: ((ويريد بها الشهرة في الوسط العلمي التي تبلغ مستوى الشياع المفيد للعلم بتوافر المرجع على الشرط المطلوب. قال في (الذريعة): "وللعامي طريق إلى معرفة صفة من يجب أن يستفتيه لأنه يعلم بالمخالطة، والأخبار المتواترة حال العلماء في البلد الذي يسكنه ورتبتهم في العلم والصيانة-أيضاً- والديانة))[22]. لاحظوا عبارة "وللعامي طريق إلى معرفة صفة من يجب أن يستفتيه" فهل يصح أن يُقال عن السيد المرتضى مثلما قيل عن السيد الحيدري وذلك لأنه أرجع هذه المهمة للناس العاديين كما يعبر السيد الهاشمي؟! صحيح أنه ليس كل العلماء يتفقون معه في هذا الرأي ولكنه رأي موجود، فبعض العلماء كالعاملي يضع شرط المخالطة المطلعة، ويريد بقيد (المطلعة) أن يكون المعاشر المخالط من أهل الخبرة[23]، أما السيد المرتضى فلا يرى ذلك، فماذا يقول السيد الهاشمي يا ترى؟!

ويتحدث الدكتور الفضلي عن آراء العلماء المتأخرين ويقول: ((وعندما نصل إلى متأخري المتأخرين من فقهائنا، وكذلك المعاصرين، نجدهم –أيضاً- يجمعون بين الحجة العقلية والحجة الشرعية، ويطرحونهما بشكل أكثر تنظيماً، وإن اختلفوا في العدد بين الثلاثة: العلم الوجداني، والشياع والبينة، والأربعة بإضافة خبر الثقة)).

ويردف بقوله: ((والمقصود بالعلم الوجداني: هو أن يقوم العامي بنفسه بتحصيل العلم بأن المرجع متوفر على الشرط المطلوب، أي بشكل مباشر –وذلك بالاختيار إن كان من أهل الخبرة، أو بالمعاشرة للعلماء من أهل الخبرة على التوضيح المتقدم الذي ذكره الشريف المرتضى، أو عن طريق تجمع القرائن الكثيرة المتعاضدة تعاضداً يفيده العلم بذلك))[24]. فهل هذه الطريقة مذمومة لأن فيها إرجاع الأمر للقيام بهذه الأمور إلى الناس العاديين كما يقول الهاشمي؟!

ويواصل الدكتور الفضلي قائلاً: ((أما الشياع المفيد للعلم فهو أن يشتهر اتصاف المرجع بالوصف المطلوب، في الوسطين العلمي أو الديني، شهرة تبلغ مستوى إفادة العامي العلم بوجود الشرط المطلوب. وهذان الطريقان (العلم الوجداني والشياع المفيد للعلم) من الحجج العقلية، ويفيدان العلم في ما يوصلان إليه ويدلان عليه. ومرادهم من البينة: الشاهدان العادلان العارفان، أي أنهما خبيران بما يشهدان به.. وبشرط أن لا تعارض ببينة أخرى))[25].

ويواصل الدكتور الفضلي بقوله: ((وعند المعارضة لا بد من محاولة الترجيح، وذلك بالأخذ بالبينة التي هي أكثر خبرة بحيث يكون احتمال إصابة الواقع في شهادتها أقوى من احتماله في شهادة الأخرى))[26]. فمن يمارس عملية الترجيح عند المعارضة ويأخذ بالبينة هنا أليس الناس العاديين أو أشخاص "من أهل الخبرة" يستعين بهم هؤلاء الناس العاديين؟. المهم أن الأمر في النهاية راجع لهم، فهم من يعينون ويختارون من أهل الخبرة لو احتاجوا.

ويتحدث الدكتور الفضلي عن الشرط الرابع عند بعض العلماء المتأخرين بقوله: ((وأخيراً يشترطون في خبر الثقة أن يكون المخبر من أهل الخبرة في ما يخبر به. وهذان الطريقان (البينة وخبر الثقة) من الحجج الشرعية، ويفيدان الظن في ما يوصلان إليه ويدلان عليه))[27].

وكل هذا الكلام كما يلاحظ راجع إلى الناس العاديين كما يعبر السيد الهاشمي، وإن كان هناك استعانة بأهل الخبرة، ولكن تبقى عملية الترجيح والأخذ بالبينة من مسؤولية الناس العاديين !!

ويقول السيد الهاشمي: ((خطورة مثل هذا الطرح أيها الأحبة في ماذا؟ أولاً: في أنه قبل ما نحن نبحث أين هو الحق؟ نحن نفترض أن أشياء مسلمة أنها الحق، وبعد ذلك ندعو الناس إليها، وأنا في الحقيقة أريد أن أستشهد واستشهدت سابقاً فيما يرتبط بسيرة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام.. أتساءل لأنه في الحقيقة حدد قال  –أي السيد الحيدري- بأنه يتبنى المرجعية الناطقة وضد المرجعية الصامتة، يعني يخالفها يخالف ذلك التوجه الآخر، طبعاً طبق على المرجعية ذات الاتجاه الاول السيد الخوئي، طبق عليهم بالنسبة للاتجاه الأول أنهم لا يتدخلون في العراق، قال أنه في العراق الآن فقط سنة سنتين تدخلوا ... ركز على النجف ما تلاحظون، قال: أنها لا تتدخل لأنها تؤمن بالاتجاه الأول، والاتجاه الأول يقول أن المرجع ما له دور، إذن يجلس في بيته وخلاص. يرى أن ما عليه مسؤولية. أوعز الأمر إلى ذلك)).

وأردف قائلاً: ((خطورة مثل هذا الطرح أيها الأحبة أنه حينما يفرض أمراً مسبقاً –لاحظوا سيرة المعصومين عليه السلام- إذا أردنا أن نحدد ونقبل مرجع ولا نقبله بناءً على تصور مسبق، يعني أننا حتى بالنسبة للمعصومين نقبل بعض المعصومين ولا نقبل بعضهم، نقول بالنسبة للإمام الصامت نحن لا نقبلك، والإمام الناطق نحن نقبلك. هذا مؤداه، مؤدى هذا الطرح أنه من الأئمة عليهم السلام من سكت واختار السكوت فترة ما وهم أغلب الأئمة (ع).. أن هؤلاء يتركون لأنهم في الحقيقة اختاروا منهج معين، يعني إملاء شيء، إملاء تصور معين ونريد أن نطبقه على المراجع، وهذا أمر باطل لا يمكن قبوله أبداً. المقياس ما هو في البداية، لنعرف المقياس بعد ذلك نحدد الاتجاه))[28].

 

المناقشة

§     في قوله: ((خطورة مثل هذا الطرح... أنه قبل ما نحن نبحث أين هو الحق لنفترض أن أشياء مسلمة هي الحق وبعد ذلك ندعو الناس إليها)). كيف فهم السيد الهاشمي أن السيد الحيدري  أفترض أن هناك أشياء مسلمة أنها الحق قبل أن يبحث عنها؟! فهذا اتهام خطير، فكيف يقطع به السيد الهاشمي؟ لأن هناك فرقاً بين أن يكون السيد الحيدري انطلق من الأدلة وتوصل إلى هذه الرؤية التي يتبناها، وبين أن يكون قد وضع له رؤية بهواه وبعدها افترض بصحتها وبحث عن ما يسندها من أدلة وشواهد.. فهناك فرقاً بين الحالتين.

§     هناك مغالطة كبرى في قوله: ((يعني أنه حتى بالنسبة للمعصومين نقبل بعض المعصومين ولا نقبل بعضهم، نقول بالنسبة للإمام الصامت نحن لا نقبلك، والإمام الناطق نحن نقبلك)).

الأمر الأول: هل نستطيع أن نقول أن هناك إمام صامت وإمام ناطق؟! بمعنى أن هناك إمام كان يعيش نفس حالة بعض المراجع الدينية الموجودة والتي توصف بأنها صامتة، والأمر الثاني: هناك فرق بين الأئمة (ع) والعلماء فالربط بينهم بهذه الطريقة خاطئ باعتقادي، وذلك لأن الأئمة (ع) كانوا يعيشون في ظروف ومراحل مختلفة وهذا هو منشأ الاختلاف بينهم في تصرفاتهم ومواقفهم، فالإمام الحسن (ع) ظرفه التاريخي يختلف عن ظرف الإمام الحسين (ع)، ولهذا وجدنا اختلافاً بين صلح الإمام الحسن (ع) ونهضة الإمام الحسين (ع)، ولو كان الإمام الحسن (ع) قد عاش في مرحلة الإمام الحسين (ع) لفعل نفس الشيء فهذا هو اعتقادنا، (تنوع أدوار ووحدة هدف) كما يقول السيد الشهيد الصدر، وإن الدور الذي يمارسه الإمام راجع إلى ظروفه ومرحلته، وليس إلى الاختلاف في الرؤية الفقهية كما لدى بعض الفقهاء، ولهذا وجدنا أن الإمام الحسين (ع) قد التزم بالصلح مع معاوية في حياة الإمام الحسن (ع) وبعد وفاته، فصلح الإمام الحسن(ع) في حقيقته هو (صلح الإمام الحسن (ع)مع الإمام الحسين (ع))، لأنه لم يعترض عليه، أما العلماء فإننا نجدهم يعيشون في نفس الظرف ويختلفون مع بعضهم البعض (في رؤاهم الفقهية وفي تقييمهم للأوضاع)، ولهذا نجد بعضهم ناطق وبعضهم صامت، فمن هذه النظرة نجد أن هناك اختلافاً فيما بينهم، ومن الطبيعي أن يوجد أيضاً اختلاف بين الناس في النظر إليهم، فنجد من يقبل هذا ويرفض ذاك، لذا لا يمكننا أن نقارن بين الأئمة (ع) والعلماء من هذه الجهة، لأنها مقارنة باطلة.

ويواصل السيد الهاشمي كلامه ويقول: ((النقطة الثانية: أنه ترك الأمر إلى عامة الناس، يعني يقول أنت بيدك أن تحدد أي الاتجاه صحيح، وعلى سبيل المثال: مسألة ولاية الفقيه حينما يتناولها الفقهاء يتناولونها ببحث علمي عميق، إذا عرضتها على إنسان عامي ما يستطيع أن يفهم، وهو يريد أن يقول أنت أيها العامي بيدك أن تحدد من هو صاحب الحق في هذه المسألة، وبالتالي تحدد أنت اتجاهك مع الاتجاه الأول أو مع الاتجاه الثاني)).

ويقول: ((لو أن هذا الإنسان العامي قلت له مثلاً -أضرب مثال- أن المرجع يقول أن هذه  الرواية ليس فيها إطلاق لفظي، هذا مصطلح إطلاق لفظي كم يحتاج من الوقت حتى يفهمها هذا في السنة الخامسة في الحوزة يفهم مقدار من هذا اللفظ ما هو الإطلاق اللفظي؟ ما هو التقييد؟ ماهي مقدمات الحكمة؟ يحتاج سنوات حتى يفهم شيء من الإطلاق والتقييد، أنا أعرضها على إنسان عامي وأقول أنت بيدك التحديد.. أنت تحدد..أنت تعرف من هو المحق ومن هو غير المحق في هذه القضية))[29].

 

المناقشة

§  لقد بينا سابقاً حول قول الهاشمي أن السيد الحيدري ترك الأمر للناس العاديين كما يعبر، فلا حاجة للإعادة هنا.

§     في قوله: ((مسألة ولاية الفقيه حينما يتناولها الفقهاء يتناولونها ببحث علمي عميق، إذا عرضتها على إنسان عامي ما يستطيع أن يفهم، وهو يريد أن يقول أنت أيها العامي بيدك أن تحدد من هو صاحب الحق في هذه المسألة، وبالتالي تحدد أنت اتجاهك مع الاتجاه الأول أو مع الاتجاه الثاني)). إذا كانت هذه مسألة عميقة ولا يصلح عرضها على العامة كما يقول السيد الهاشمي، فلماذا نجد العديد من رجال الدين والمشائخ الذين يتبنون خلافها يعرضون ضدها على الناس العاديين ويحاولون إقناعهم بها؟.. هذا أولاً. والأمر الآخر لماذا نجد أيضاً العديد من رجال الدين والمشائخ الذين لا يتبنون ولاية الفقيه يعرضونها على الناس بشكل مشوه يسيء لها، فكثيراً ما يضربون هذا المثل لكي يبعدوا الناس عنها ويشوهوا حقيقتها، فيقولون: ولاية الفقيه تعني أن يتحكم فيك الفقيه بطريقة غير منطقية، فلو قال لك مثلاً طلق زوجتك وجب عليك أن تطيعه وتطلقها حتى لو كنت غير مقتنع بذلك، فهذا هو معنى ولاية الفقيه كما يقدمه هؤلاء.. وهذا في الحقيقة عرض مشوه لها، وكثيراً ما يعرض على عامة الناس أو الناس العاديين كما يعبر السيد الهاشمي بهذه الطريقة، فما رأي جناب السيد الهاشمي بذلك يا ترى؟!

 

§        المبالغة غير المحمودة في قوله: أن مصطلح إطلاق لفظي يحتاج إلى وقت طويل لفهمه وبتعبيره: ((هذا في السنة الخامسة في الحوزة يفهم مقدار من هذا اللفظ...)). أعتقد بأن في كل العلوم يوجد مصطلحات تحتاج لدراسة معمقة ومعرفة دقيقة حتى تفهم على حقيقتها، ولكن مع ذلك نستطيع أن نعطي مفهوماً عاماً لها دون تعمق، فقط مفاهيم ورؤى عامة وليست تخصصية، وهذا لا يحتاج إلى تخصص حتى يفهم مقدار منه أو شيء منه كما يقول السيد الهاشمي، وهذا الأمر هو ما يحتاجه الناس لا أكثر.

ويقول السيد الهاشمي: ((أختم بنقطة مهمة جداً، حتى على مستوى التطبيق أيها الاحبة، أنا أضرب لكم مثال (السيد الخميني قدس سره) هو من المعروف أنه أول –من المراجع الذي يرى ولاية الفقيه يوجد من سبق- ولكن فيما يخص الحكومة الإسلامية هو أول من أبرزها وتبناها إذا أحد يحضره أن هناك أحد دعا إلى هذا قبل السيد الخميني فليقول، أنا لا أعرف أحداً، حينما تحرك في إيران ثم ذهب إلى النجف، في النجف الأشرف ماذا فعل؟ قال بأنه: يالله يا جماعة أخرجوا نريد نشكل حكومة إسلامية ونسقط البعث، بالمناسبة الكل يذكر من تلامذته أن صدام حسين زاره... وهذا كان بعد الإعدامات التي جرت على كثير من الشيعة، دخل عنده وخرج أبد ما أعطاه أي كلمة –أي السيد الخميني- في النهاية حتى ما قال له في الحقيقة أنت أيها المجرم أيها الطاغي، ما قال هذا الكلام مع أنه يتبنى هذا الاتجاه، ولكن مع ذلك من ناحية عملية يراعي بأن هناك وضعاً معيناً أحياناً يقتضي أمراً، وأحياناً يقتضي أمراً آخر، فمحاولة إضفاء صفة معينة يجب أن تسري على الكل وهي المقياس.. هذا هو الأمر الخطير))[30].

 

المناقشة

§        ماذا يريد السيد الهاشمي من هذا الكلام؟ هل يريد أن يقول بأن السيد الخوئي مثلاً لو كان في إيران لعمل نفس ما عمله السيد الخميني مثلاً والعكس بالعكس، لأن الاختلاف بينهما هو فقط في الظروف وليس في الرؤى الفقهية؟! لا أعتقد أن السيد الهاشمي يعني ذلك، وإذا كان كذلك، فلماذا يتحدث عن السيد الخميني بهذه الطريقة؟! لأنني لا أعتقد بأن أحداً يخالفه في أن الأوضاع لها تقديرها، وأنه حتى القائلين بولاية الفقيه يراعون الأوضاع التي يعيشونها ويأخذونها بعين الاعتبار، فلا أحد يقول بأن من يقول بولاية الفقيه العامة لا بد له أن يواجه ويقوم بغض النظر عن الظروف التي يعيشها والإمكانيات التي يملكها.

ويتحدث السيد الهاشمي قائلاً: ((ثم نقطة أخيرة أختم بها أيها الأحبة... نسب إلى جملة من علمائنا أشياء "كلمات" لم تصدر منهم ولم يقولوها، نسب إلى السيد الخوئي قدس سره أنه يقول دور المجتهد والمرجع هو الإفتاء فقط، ولا يوجد دور آخر للمرجع، واستشهد بكلمة مبتورة للسيد الخوئي قدس سره ... قال في التنقيح في شرح العروة، قال بأن السيد الخوئي قال: "بأن الولاية لم تثبت للفقيه بعصر الغيبة بدليل أنها مختصة بالنبي والائمة عليهم السلام، (نقل) بل الثابت حسب ما يستفاد من الروايات أمران، نفوذ قضائه وحجية فتواه..." .. ثم استشهد بعبارة من كتاب الصوم بأنه القضاء لا ينفذ وبالتالي فقط يبقى حجية الفتوى ، ما كمل العبارة التي يقول فيها السيد الخوئي، أنه إذا على أيتام، الوقف الذي ليس له متولي، القصر أنه يجب أن يكون هذا بيد الفقيه، ما ذكر هذا. تكملة العبارة ما ذكرها))[31].

 

المناقشة

§        لقد بينا سابقاً أن السيد الحيدري كان يقصد المسؤوليات الثابتة للفقيه شرعاً من الإمام (ع) لا بحكم الضرورة كالأمور الحسبية ولا بعنوان الوجوب الكفائي، ولقد قال بأنه لا يريد أن يتكلم عن الأمور الحسبية في نفس حلقة البرنامج مما يدلل على صحة كلامنا، ولقد كررنا ذلك أكثر من مرة، وهذا ما تجاهله السيد الهاشمي –هداه الله- تجاهلاً كلياً، وكأنه لم يسمع ذلك من السيد الحيدري، ولقد بينا ذلك سابقاً فلا حاجة للإعادة. ولا أدري لماذا يتجاهل السيد الهاشمي أن السيد الحيدري لا يريد الدخول في موضوع الأمور الحسبية مع تأكيد السيد الحيدري لذلك في نفس الحلقة ومحاولة تصويره وكأنه ينكر حتى ثبوت الأمور الحسبية؟!

§        لقد كان من المفترض على السيد الهاشمي أن يحسن الظن بالسيد الحيدري ويتأكد من رأيه أولاً -حتى وإن كان ذلك غير واضح من بعض كلماته- وأن لا يحاول تصيد أخطاءه بهذه الطريقة المكشوفة.

ويقول السيد الهاشمي: ((ثم أكثر من ذلك نسب إلى الشيخ الأنصاري بأنه يقول بولاية الفقيه المطلقة، وكل طالب في الحوزة العلمية يعرف، كل من درس المكاسب يعرف رأي الشيخ الأنصاري، الشيخ الأنصاري هذه عبارته المعروفة... الشيخ الأنصاري يقول: "وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام –إلا ما خرج بالدليل- دونه خرط القتاد")).

ويشرح السيد الهاشمي هذه العبارة بقوله: ((يعني إذا تريد أن تأخذ شجرة كلها شوك وتسحبها أسهل من أن تقيم الدليل على ولاية الفقيه، (يعني الولاية العامة للفقيه)... هذا رأي الشيخ الأنصاري الكل يعرف في الحوزة. هو يعرض يقول الشيخ الأنصاري يقول بأن يؤمن بالولاية العامة))[32].

 

المناقشة

§        هل يعرف ذلك كل طالب علم في الحوزة درس المكاسب بحسب تعبير السيد الهاشمي ولا يعرفه أستاذ بحجم السيد كمال الحيدري؟! هل يريد السيد الهاشمي بهذا الكلام أن يقول بأن السيد الحيدري لا يعلم بذلك ويطعن بعلمه من هذه الناحية؟ أم يريد أن يقول بأنه يعلم ولكنه يقول العكس لحاجة في نفس يعقوب؟! أم ماذا؟!

 

§        رأي الشيخ الأنصاري (ماذا قال السيد الحيدري حول الشيخ الأنصاري؟)

نقل السيد الحيدري في الحلقة ما يلي عن الشيخ الأنصاري: (("بل المتبادر عرفاً من نصب السلطان حاكماً" يعني -والكلام للحيدري- إذا نصب السلطان شخصاً وقال هذا حاكم فقد جعلته حاكماً كما في مقبولة عمر بن حنظلة "وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه".. يعلق الحيدري ويقول: الشؤون العامة التي ترجع إلى الحاكم ترجع لمن نصبه الإمام حاكماً ..  ويقول –أي الشيخ الأنصاري- "لا بد من الرجوع فيها عرفاً أو عقلاً أو شرعاً إلى الرئيس". أي يرجع -والكلام للحيدري- إلى المراجع الدينية في عصر الغيبة. شيخنا من أعطى هذه الصلاحية يقول هذه الصلاحيات أعطاها الإمام الثاني عشر للمراجع الدينية في عصر الغيبة الكبرى، قال ما دمت غائب لا يمكن أن أترك شيعتي بلا والي عليهم بلا مسؤول عنهم))[33]. هذا هو كلام السيد الحيدري في الحلقة، فهل يعني ذلك أن الشيخ الأنصاري برأي السيد كمال الحيدري يؤمن بولاية الفقيه العامة بما فيها الأمور السياسية؟!

 

شرح كلام السيد كمال الحيدري حول الشيخ الأنصاري

يقول السيد الحيدري في أحد دروسه شارحاً كلام الشيخ الأنصاري ما يلي: ((في قبال هذا الاتجاه –الاتجاه الأول- اتجاه من؟ اتجاه الشيخ الأنصاري الشيخ الأعظم, الشيخ الأنصاري يقول لا, ليس الأمر كذلك, بل هذا التوقيع الشريف يعطي الولاية للفقيه في عصر الغيبة في ماذا يعطي؟ أولاً: في الفتوى وهذا متفق مع السيد الخوئي, ثانياً: في القضاء, ثالثاً: في كل ما تحتاجه أمةٌ في إدارة شؤونها من الأحكام الولائية وغيرها. الآن تقول لي يعني قائل بولاية الفقيه للسيد الإمام الخميني؟ أقول لا, ذاك بحث آخر, ذاك البحث السياسي, الآن نتكلم في ماذا؟ هذا الفقيه الجالس في الحوزة هذه صلاحياته ما هي؟ يعني الآن نحن في الحوزة لا يوجد عندنا ولاية فقيه وحكومة إسلامية, صحيح طيب الفقهاء الذين جالسين في النجف صلاحياتهم ما هي؟ قولٌ يقول: صلاحيته فقط ماذا؟ أفتي الناس, ورأيٌ آخر على رأي المبنى الشيخ الأنصاري يقول ماذا؟ يقول: لا ليس الأمر كذلك. التفتوا))[34].

ومن ثم يقول: ((هذا الكلام ذكره بشكل واضح وصريح في (المكاسب) قال: [والحاصل: أنّ الظاهر أنّ لفظ الحوادث] "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا" [ليس مختصاً بما اشتبه حكمه] هذه الفتوى [ولا بالمنازعات] هذا القضاء, بل هو أعم من الفتوى والقضاء, الآن بعد ذلك نبحث معكم أنه حدودها ما هو؟ حدودها في جملة واحدة, قال: [فإن المراد بالحوادث ظاهراً مطلق الأمور التي لابد من الرجوع فيها عرفاً عقلاً شرعاً إلى الرئيس] الآن الرئيس يقوم بدور أنه ينظم مرور السيارات أو لا ينظم, طريقة عيش الناس, كيفية الخروج, الآن نحتاج أو لا نحتاج؟ هذه كلها موكولة لمن؟ إذا صار مبسوط اليد, هذه عنده صلاحية أن يقول افعلوا ولا تفعلوا مع أنه القضية في أفعلوا مباح في لا تفعلوا مباح ولكن هو ماذا؟ لإدارة الناس لتنظيم حياة الناس يقول افعلوا ولا تفعلوا, عنده هكذا صلاحية أو لا؟ لا إشكال أن الإمام عنده هكذا صلاحية, عندما غاب الإمام ضيق الصلاحيات وأعطاها لرواة الحديث أو وسع الصلاحية؟ هذا كلام من؟ كلام الشيخ الأنصاري))[35].

كما يبين السيد الحيدري رأي الشيخ الأنصاري في درس آخر بقوله: ((نحن عندما نقول أن الشيخ الأعظم ينفي ولاية الأولوية بالنسبة إلى الفقيه في عصر الغيبة ينفي ذلك في الأمور الفردية والشخصية لا في الأمور العامة المرتبطة بمصالح المجتمع بنظم المجتمع بأمن المجتمع بصحة المجتمع برفاهية المجتمع ونحو ذلك من العناوين, هذه كلها أمور, ولذا تجدون لم يختلف أحد بأن شخص إذا أراد أن يعمل ولايته في أمواله وأراد أن يحتكر يسمح له بذلك إذا أضر المجتمع أو لا يسمح؟ أبداً لا يوجد فقيه, حتى لو لم يقل بالولاية حتى لو هكذا, يقول بالولاية الحسبية ماذا يفعل؟ يأمره أن لا يضر المجتمع, حتى لو لم يقل بالولاية فما بالك بالشيخ الأعظم الذي يقول بالولاية))[36].

إذاً اتضح أن السيد الحيدري لم يكن يقصد أن الشيخ الأنصاري يرى ولاية الفقيه العامة كالتي عند السيد الخميني بما فيها الأمور السياسية، وإنما كان يقصد الأدوار والمسؤوليات الثابتة للفقيه بدليل من الإمام (ع)، وهي عنده ليست الفتوى فقط كما عند أصحاب الاتجاه الأول كما يعبر، وهذا ما يختلف عن ما فهمه أو صوره السيد الهاشمي، لأن السيد الحيدري لم يتكلم عن الأمور السياسية، بل كان حديثه منصباً حول الأدوار والمسؤوليات الثابتة للفقيه بدليل من الإمام (ع)، لا بالأمور الحسبية.

يقول السيد هاشم الهاشمي: ((أخيراً بالنسبة إلى رأي السيد الخوئي، السيد الخوئي بالنسبة إلى ما يراه من الولاية الحسبية في كتاب منهاج الصالحين، العبادات في الجزء الأول، يتطرق إلى كتاب الجهاد ...لا حظوا المبحث الذي يتعرض إليه يقول بأنه: "الكلام يقع في مقامين هل يعتبر إذن الإمام أو نائبة الخاص -السفراء الأربعة- في مشروعية أصل الجهاد في الشريعة المقدسة؟ يقول فيه وجهان، والمشهور بين الاصحاب هو الوجه الأول". ثم يختار هو رأي، ثم بعد ذلك ينقل المطلب الآخر، يقول بعدما يعرض الاستدلال: "وقد تحصل من ذلك أن الظاهر عدم صدور سقوط وحوب الجهاد في عصر الغيبة". هذا خلاف العلماء، وحتى رأي السيد الخميني يقول أن البدء بالجهاد مختص بالإمام، هو يقول ويرى –أي السيد الخوئي- أنه لا يسقط، ثم يقول: "وثبوته في كافة الأعصار إذا توفرت شرائطه، وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوو الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة الإسلام على أساس أن لديهم القوة الكافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادةً أن يخسروا في المعركة، فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم" ثم يقول أي السيد الخوئي بعد ذلك: " لو قلنا بمشروعية الجهاد هل يعتبر أذن الفقيه؟ يقول يظهر من صاحب الجواهر   باعتباره وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي" ثم يقول نعم، نحن مع هذا المبدأ. هو يقول –أي السيد الحيدري- أن السيد الخوئي ما له علاقة، ولا يعتني بهذه الأمور، حتى بالنسبة إلى بيان الأحكام "بيان الدين" يقول السيد الخوئي لا يرى ذلك، حتى بالنسبة إلى إقامة الدين، يعني حتى بالنسبة لإقامة صلاة الجمعة التي هي من إقامة الدين أيضاً لا يرى ذلك، أين هذا من الإنصاف والأمانة العلمية؟!))[37].

 

المناقشة

§        السيد الحيدري وسعة الجهاد عند السيد الخوئي

إن السيد الحيدري لم يعترض على سعة باب الجهاد عند السيد الخوئي، بل هو يقول بسعته، ولكنه يقول بأن ذلك من باب الأمور الحسبية، وليس من باب الدليل اللفظي من الإمام (ع)، حيث يقول في أحد دروسه: ما يلي: ((في (منهاج الصالحين) يعني: تتمة منهاج الصالحين الذي أضيفت إليها كتاب الجهاد هناك في (ج1, ص365) [وقد تحصل من ذلك أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة] الجهاد يعني الجهاد الابتدائي [في عصر الغيبة وثبوته في كافة الأعصار لدى توفر شرائطه وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص كذا] إلى أن يأتي يقول: [المقام الثاني: أنا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ يظهر من صاحب الجواهر اعتباره] اعتبار إذن الفقيه [بدعوى: عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة] التفتوا جيداً يقول: [وهذا الكلام غير بعيدٍ] يعني أنه الفقيه له هذه الصلاحية, ولكن لا بالبيان الذي يقوله صاحب الجواهر وهو الدليل اللفظي وإنما ببيان ماذا؟ ببيان الأمور الحسبية, فإذن في النتيجة يتفق مع كثير من مباني نظرية أو نتائج نظرية ولاية الفقيه, ولكن لا بدليلٍ لفظي, إلى أن يقول: [فلا محالة يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط فإنّه يتصدى لتنفيذ هذا الأمر المهم من باب الحسبة على أساس أن تصدي غيره لذلك يوجب الحرج والمرج إلى غير ذلك]. جيد.))[38].

 

§        السيد الخوئي وإقامة الدين

بعد كل الذي نقلناه من كلمات للسيد الحيدري، هل نستطيع أن نقول بأنه يقول أن السيد الخوئي لا يرى إقامة الدين بالشكل الذي يصوره السيد الهاشمي؟! مع ملاحظة قول السيد الهاشمي أن السيد الحيدري يرى أن السيد الخوئي ليس له علاقة بالجهاد، ولا يعتني به، وأنه بحسب ما نقله السيد الهاشمي "حتى بالنسبة إلى بيان الأحكام -بيان الدين- يقول السيد الخوئي لا يرى ذلك، حتى بالنسبة إلى إقامة الدين، يعني حتى بالنسبة لإقامة صلاة الجمعة التي هي من إقامة الدين أيضاً لا يرى ذلك". أرجوا مراجعة ما كتبناه سابقاً لنرى صحة كلام السيد الهاشمي من عدمه !

 

حديث السيد الهاشمي "الحوزة العلمية تضحيات وشبهات2" .. عرض ونقد

في الخطبة الثانية حول هذا الموضوع بدأ السيد الهاشمي خطبته بذكر روايتين في فضل العلماء، فقد قال: ((روى الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه في الأمالي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء")). وذكر رواية ثانية وهي ما رواه الكراجكي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم"))[39].

وبعد تعليقه على بعض الأحداث التي تمر بها الساحة السياسية عاد إلى موضوعه قائلاً: ((مواصلة لحديث الأسبوع الفائت حول ما تعرضت له الحوزة والمرجعية وبشكل مباشر أمام الألوف وعلى فضائية.. أود أن أقدم مقدمة مختصرة لمواصلة الحديث.. أساس معرفة الحق ومسيرة الحق أن يكون الحق بنفسه واضحاً، وهذا الوضوح يحتاج إلى من ينقله من السماء مباشرة، وهم الهداة المهديون محمد وآل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، إذا لم تتضح معالم الحق حتى من يطلب الحق سيضيع، في عهد الغيبة الكبرى الذي تصدى لبيان معالم الحق وتوضيحها هم علماء آل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يبين الحق إلا بهم، ومن خلالهم)).

ومما قاله أيضاً: ((هذا الحق بالإضافة إلى وضوحه يحتاج إلى تضحيات، ومن يضحي من وقته ومن جهده، بل حتى من دمه، ولهذا ضحى المؤمنون في سبيل الحفاظ على هذا الحق (منهج أهل البيت (ع))، والعلماء فيهم هذه الميزة أنهم بالإضافة إلى توضح بيان الحق الذي هو الأساس، لأن الدم وأي تضحية لا تنفع إذا لم تخدم الاتجاه الصحيح، كثيرون ضحوا بدمائهم ولكن في سبيل الانحراف، حاربوا النبي، حاربوا أمير المؤمنين، كانوا من الخوارج، كانوا من اتجاهات مختلفة ومنحرفة، إذاً التضحية إنما تكون لها قيمتها حينما تكون في الاتجاه الصحيح. امتاز علماء أهل البيت (ع) بأنهم قدموا هذه التضحيات...))[40].

وواصل حديثه في هذه النقطة إلى أن قال: ((هناك كلمة للسيد الخميني "قدس سره" تصب في هذا التجاه، في بيان أصدره في إحدى السنوات قبل وفاته قريباً معروف في شهر رجب، يقول. وأنقل أنا هذا المقطع من خطابه، يقول: "لولا الفقهاء الأعزاء لما علم أي العلوم كانوا سيحملونها الناس اليوم باسم علوم القرآن والإسلام وأهل البيت (ع) لقد سعى علماء الإسلام العظماء طوال حياتهم لترويج الأحكام الإلهية من حلال وحرام دون تحريف وتصرف، إن جمع وحفظ علوم القرآن وآثار وأحاديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسنته المعصومين (ع) وتدوينها وتصنيفها وتنقيحها في ظروف شحيحة الإمكانيات وسلاطين الجور والظلمة وما يبذلونه من طاقات في سبيل محو آثار الرسالة لم يكن بالعمل الهين، ونحن اليوم وبحمد الله نرى نتيجة تلك الجهود في الآثار والكتب المباركة مثل الكتب الأربعة وكتب أخرى، إذا لم نطلق على هذه الجهود والمعاناة جهاداً في سبيل الله فماذا عسانا أن نسميها".. ثم يقول –أي السيد الخميني- في مقطع آخر: "منذ مئات السنين كان علماء الدين ملاذاً للمحرومين وطالما ارتوى المستضعفون من زلال كوثر معرفة الفقهاء العظام، ولو غضضنا عن مجاهداتهم العلمية والثقافية التي تعتبر بحق أفضل من دماء الشهداء من بعض الجهات، فإلى جانب تحملهم الأسر والتهجير والسجون والأذى والألم والتجريح، فقد تحملوه في كل عصر من العصور في سبيل الدفاع عن مقدسات دينهم وأوطانهم الأمرين، وقدموا إلى ساحة الحق شهداء غوالي".. هذه كلمة تنبأ عن ما قدموا، أي لم يكتفوا قولاً وفعلاً أثبتوا مصداقيتهم)).

وبعدها يتحدث السيد الهاشمي محاولاً ربط كلمات السيد الخميني بما قال السيد الحيدري، ويقول: ((المؤسف أن هذا الدور العظيم الذي قاموا به يختزل في الفقه أو يختزل في رأي فقهي أو يختزل في قول معين، وهذا ما حصل في الحقيقة من قبل المتحدث في برنامج مطارحات في العقيدة، حينما قال إن العلماء اتجاهين: اتجاه يرى الإفتاء فقط، واتجاه يرى أنه يجب التصدي لكل  ما هو مرتبط بالدين من إقامة الدين، تبليغ الدين، حفظ الثغور إلى آخره، صنفهم اتجاهين: اتجاه فقط يفتي وينام حسب تعبيره، واتجاه آخر لا، والاتجاه الآخر هو الذي يقول بولاية الفقيه العامة، يعني أنه إذا لم تقل بولاية الفقيه العامة فأنت إذاً لا تقدم للدين شيئاً، هل هذا عرض في الحقيقة للدين الحقيقي؟! هناك اجتهادات كما ذكرت في هذا الموضوع وهي مقدرة في محلها، وتبحث في محلها، ولكن لا يمكن أن نختزل الدين بهذا الرأي أو ذاك الرأي))[41].

 

المناقشة

§        أثبتنا في تعليقنا على الخطبة الأولى من كلمات السيد الحيدري نفسه أنه كان يقصد المسؤوليات والصلاحيات الملقاة على عاتق الفقيه من قبل الإمام (بالدليل اللفظي)، أما الأمور الحسبية فإن السيد لم ينكرها، والسيد الحيدري وفي البرنامج نفسه قال أنه لا يريد أن يتكلم عنها، مما يدلل على كلامنا فلا حاجة للإعادة هنا، كما أنه كان يتكلم عن المسؤوليات والأدوار الواجبة عليه في الأمة، وليس عن أدواره العلمية -البحث والتدريس وما يتبعها- حتى يوظف السيد الهاشمي خطاب السيد الخميني ضده بهذه الطريقة. 

 

§        السيد الخميني والفقهاء

وصف السيد الخميني رحمه الله عليه بعض العلماء (بعلماء الحيض والنفاس)، وقال عنهم المتربشين، المبرقين بالقدسية، الأفاعي القطاء، الليني الملمس، الأغبياء، المتخلفين، الذين قصموا ظهر النبي صلى الله عليه وآله والذين فيهم مرتزقة وعملاء وفيهم من هو أسوأ من يزيد معاوية وغيرهم من المعممين اللاهثين وراء بطونهم[42].

 

كما وصف السيد الخميني -رحمه الله- بعض رجال الدين أيضاً بقوله: ((وبطبيعة الحال لا يعنى هذا إننا ندافع عن جميع علماء الدين، ذلك أن رجال الدين المرتبطين والمتظاهرين بالقداسة والتحجرين لم ولن يكونوا قلة. ففي الحوزات العلمية ثمة أفراد ينشطون ضد الثورة والإسلام المحمدي الأصيل. فاليوم نرى عدة من هؤلاء، ومن خلال التظاهر بالقداسة، توجه سهامها إلى قواعد الدين والثورة والنظام وكأنه ليس لديها هماً غير ذلك. إن خطر المتحجرين والمتظاهرين بالقداسة الحمقى غير قليل في الحوزات العلمية. وعلى الطلبة الأعزاء أن لا يغفلوا لحظة واحدة عن هذه الأفاعي الرقطاء، إذ أنها تروج للإسلام الأميركي وأعداء رسول الله، ولابد للطلبة الأعزاء المحافظة على وحدتهم أمام مثل هذه الأفاعي))[43].

ويتحدث السيد الخميني عن منهجية الاجتهاد لدى الفقهاء قائلاً: ((أما بالنسبة للدروس والبحوث داخل الحوزات فإني أؤمن بالفقه التقليدي والاجتهاد الجواهري، وأرى عدم جواز التخلف عنه. الاجتهاد بهذا النهج صحيح، ولكن لا يعني هذا أن الفقه الإسلامي يفتقر إلى المرونة، بل أن الزمان والمكان عنصران رئيسيان في الاجتهاد، فمن الممكن أن تجد مسألة كان لها في السابق حكماً وأن نفس المسألة تجد لها حكماً جديداً في ظل العلاقات المتغيرة والحاكمة على السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظام ما. أي أنه ومن خلال المعرفة الدقيقة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالموضوع الأول الذي يبدو أنه لا يختلف عن السابق، ولكنه في الحقيقة أصبح موضوعاً آخر يتطلب حكماً جديداً بالضرورة. ولهذا ينبغي للمجتهد أن يكون محيطاً بقضايا عصره. فالناس والشباب وحتى العامة، لن يقبلوا من المرجع والمجتهد الاعتذار عن إعطاء رأي في المسألة السياسية.. إن الإحاطة بسبل مواجهة التزوير والتضليل للثقافة السائدة في العالم، وامتلاك البصيرة والرؤية الاقتصادية، والاطلاع على كيفية التعامل مع الاقتصاد العالمي، ومعرفة السياسات والموازنات وما يروج له الساسة، وإدراك موقع القطبين الرأسمالي والماركسي ونقاط قوتهما وضعفهما، إذ أنبهما يحددان في الحقيقة استراتيجية النظام العالمي؛ إن كل هذا يعتبر من خصائص وسمات المجتهد الجامع.. فلا بد للمجتهد من التحلي بالحنكة والذكاء وفراسة هداية المجتمع الإسلامي الكبير وحتى غير الإسلامي. ويجب أن يكون مديراً ومدبراً حقاً فضلاً عن اتسامه بالخلوص والتقوى والزهد الذي هو من شأن المجتهد))[44].

أليس في كلام السيد الخميني رحمه الله نقداً ورداً لاذعاً للعلماء التقليديين؟! فلماذا يحاول السيد الهاشمي أن يصور رأي السيد الخميني على أنه فقط ما ذكره هو؟! على الأقل كان من المفترض منه أن يذكر ما نقله عن السيد الخميني مع ما يقابله من نقد للاتجاه التقليدي من كلمات السيد الخميني نفسه؟! فهل يعد هذا من الأمانة العلمية التي يدعي بها السيد الهاشمي؟! أم يعد بتراً لما قاله السيد الخميني ومحاولة لتشويه رأيه وتوظيفه وجعله موجهاً لما أراده (أي السيد الهاشمي)؟! لأنه وفي نفس الخطاب الذي نقل عنه يوجد نقد لرجال الدين التقليديين، ومع ذلك أخذ السيد الهاشمي ما يريد ليستشهد به ضد السيد الحيدري، وترك ماعداه مما لا مجال للاستشهاد به ضده. 

 

§        قوله: ((يعني أنه إذا لم تقل بولاية الفقيه العامة فأنت لا تقدم للدين شيئاً)). فهذا الكلام تأويل لكلام السيد الحيدري، فالسيد لم يقل ذلك، ولقد أوضحنا فيما سبق ما هو مراده بشرح وافي.

ويقول السيد الهاشمي: ((مشكلة هذا العرض السيئ للدين ما هي أيها الأحبة؟... حصل تحريف وذكرت أن السيد الخوئي لا يقول بالإفتاء فقط، وذكرت أنه حتى ما يرتبط بالجهاد في عصر الغيبة الذي..حتى مثل السيد الخميني الذي يقول هذا من مختصات المعصوم (ع)، هذا ليس من شأن الفقيه. السيد الخوئي كان يقول بذلك، وهذا يعني أنه حتى السيد الخميني قدس سره، وهو المجاهد الذي قدم روحه في سبيل الدفاع عن الدين نفسه يقول بأن هناك مختصات (بالإمام) ليتعطل الجهاد الإبتدائي مو مشكلة هذه مسألة مرتبطة بغيبة إمامنا عجل الله فرجه، يقول يتعطل الجهاد مع الكفار الجهاد الابتدائي ليس الدفاعي، الجهاد الدفاعي الكل يقول...))[45].

المناقشة

§        السيد الحيدري لم يعترض على سعة باب الجهاد عند السيد الخوئي، بل هو يقول بسعته، ولكنه يقول بأن ذلك من باب الأمور الحسبية وليس من باب الدليل اللفظي من الإمام (ع)،  وقد أوضحنا ذلك سابقاً، فما هو الرابط بين كلام السيد الهاشمي هذا، وبين كلام السيد كمال الحيدري إذا عرفنا ما تقدم؟!

ويقول الهاشمي: ((ولكن أيها الأحبة العمدة هو هنا أنه حينما نقول أن هناك اتجاهاً، طبعاً كما ذكرت أن هذا عرض مشوه لرأي السيد الخوئي وآخرين، وأن نعرض رأيهم بأنهم يقولون إنه إذا لم نقل بولاية الفقيه العامة إذا نحن نقول الدين معطل في الحياة، هذا تشويه لرأيهم. السيد الخوئي يقول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، هل أسقط السيد الخوئي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ السيد الخوئي في كتابه التنقيح الجزء الرابع في كتاب الطهارة يقول بأن التقية محرمة إذا كان الدين في خطر، هذا هو رأي علمائنا، لا أنه إذا لم نقل بذلك فيعني هذا إلغاء الدين، وفي الحقيقة تم ذلك على حساب الأمانة العلمية، وذكرت في الأسبوع الفائت مقطع تم اقتطاعه وبتره من كلام السيد الخوئي))[46].

 

المناقشة

أن السيد كمال الحيدري لم يقل بأنه إذا لم نقل بولاية الفقيه العامة يعني نقول الدين معطل في الحياة، فهذا تشويه لرأي السيد الحيدري، وحرف له عن مساره وتحميله أكثر مما يحتمل، فمن يراجع كلماته في الشيخ الأنصاري مثلاً يرى كيف أنه يقول بأن الشيخ الأنصاري يرى أدواراً للفقيه ثابتة من الإمام (ع) غير مسألة الإفتاء، فهو رغم أنه لا يقول بولاية الفقيه في الناحية السياسية كالسيد السيد الخميني، إلا أنه يرى أن هناك أدواراً ثابتة للفقيه بدليل لفظي من الإمام (ع)، كما أنه لا ينكر أن الاتجاه الأول يرون الأمور الحسبية، وهذه ما يجعل الكثير من الأدوار على عاتق الفقيه حتى ولو كان من أصحاب الاتجاه الأول. ولا بأس بأن نعيد كلام السيد الحيدري حول رأي السيد الخوئي، حيث يقول: ((فإذن السيد الخوئي من حيث الدليل اللفظي لا من حيث دليل الحسبة, لأنه بعض الأعزة يخلطون بين الدليل اللفظي الذي هو من الإمام وبين دليل الأمور الحسبية, نحن حديثنا الآن الإمام أعطاك هذه الصلاحية أو لم يعطك؟ السيد الخوئي يقول لم يعطي إلا صلاحية أن أفتي بين الناس أما ما زاد عن ذلك فيثبت بدليل آخر وهي الأمور الحسبية))[47].

كذلك نجد أن السيد بين في إحدى المقاطع التي انتشرت أنه لا يعنى عدم وجود الأمور الحسبية، وإنما كان يقصد من كلامه أن أدواره من حيث الدليل اللفظي لم تثبت، وبين أن البعض يخلطون بين الدليل اللفظي الذي هو من الإمام وبين دليل الأمور الحسبية، وبين أن الإمام أعطى الفقيه صلاحيات أن يفتي، أما ما زاد على ذلك فلم يثبت بدليل عن الإمام، وثبت بدليل آخر وهي الأمور الحسبية، بالأمور العقلائية... إلى أن قال: ((هذا يكشف أنه منصب نصبه أو هو منتصب تعييني؟ وهذا هو محل النزاع، وهناك خلط بين التعيين وبين التعين))[48].

وهذا ما يختلف عن ما صوره السيد الهاشمي في كلماته، إذاً فمقصود السيد الحيدري هو الأدوار التي ثبتت للفقيه بدليل من الإمام عليه السلام، وهذا ما يختلف اختلافاً كلياً عن ما فهمه أو صوره السيد الهاشمي، فمن أين أتى السيد الهاشمي بالقول بأن السيد الحيدري يرى بأن من لم يقل بولاية الفقيه العامة كالسيد الخميني مثلاً، فهو يرى بأن ذلك تعطيل للدين بالمفهوم الذي ذكره السيد الهاشمي !

 

§        الدين معطل في الحياة العامة أو الفردية

لم يبين السيد هاشم الهاشمي عن ما إذا كان "تعطيل الدين" في الحياة العامة أو الفردية، فهناك الكثير من الفقهاء يحسرون الفقه في المجال الفردي، وفي نقد هذه الرؤية يقول السيد الشهيد الصدر الأول: ((هذا الاتجاه الذهني لدى الفقيه وبسبب ترسخ الجانب الفردي من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة في ذهنه واعتياده أن ينظر الى الفرد ومشاكله، عكس موقفه هذا على نظرته الى الشريعة فاتخذت طابعاً فردياً، وكأن الشريعة ذاتها كانت تعمل في حدود الهدف المنكمش الذي يعمل له الفقيه فحسب وهو الجانب الفردي من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة))[49] . وإذا كانت الحالة هي هذه، فهل هناك إشكال فيما لو قلنا بأن الفقهاء الذين ينظرون إلى الشريعة في الجانب الفردي فقط لديهم تعطيل للدين في الجانب العام؟!

ويقول الهاشمي مواصلاً لكلامه السابق ما يلي: ((وفي معرض كلام المتحدث أيها الأحبة ماذا قال؟ وسأأتي إلى موقف السيد الخوئي للتأكيد على أن السيد الخوئي، كيف تدخل، واسمحوا لي أريد أن أنهي الحديث في هذا الأسبوع، وتحملوني قليلاً حتى أبين رأي السيد الخوئي بشكل واضح، وآخرين من علمائنا.. نقل عن السيد الخوئي –يقصد السيد الحيدري- قال بأنه في الصفحة 88 من كتاب الصوم، قال أولاً ماذا قال؟ أن السيد الخوئي في موضع من التنقيح في العروة –أرجو من الأخوة كل من يريد أن يعرف إلى أي مدى كلامي وملاحظاتي صحيحة ودقيقة أن يراجع البرنامج نفسه وإلا ليس من حق أحد أن يعترض وهو لم يراجع، أولاً يراجعوا... – آخر حلقة للمتحدث في شهر رمضان المبارك، هناك قال: بأن السيد الخوئي في كتابه التنقيح (الاجتهاد والتقليد) ماذا قال؟ قال للفقيه منصبين: الإفتاء ونفوذ القضاء ثم استشهد بعبارة في كتاب الصوم قال بأن السيد الخوئي لم يثبت لديه حتى نفوذ القضاء، إذن لم يبقى لديه إلا الإفتاء، هذا كلامه كان.. المقطع الذي بتره للسيد الخوئي في كتاب مستند العروة الوثقى، السيد الخوئي هل قال بأنه لم يثبت القضاء أن ولاية الفقيه على القضاء، بحيث من حقه القضاء أبداً ما قال ذلك))[50].

 

المناقشة

§        أن السيد الحيدري لم ينفي أن السيد الخوئي تصدى كما يوحي بذلك كلام السيد الهاشمي، بل أنه تساءل هل أن السيد الخوئي قد غير موقفه أم لا، لأنه تصدى، وذلك في قوله: ((طبعاً يكون في علمكم أن السيد الخوئي في أخريات حياته ما أدري مبانيه ماذا؟ هو تصدى أيضاً عندما صارت القضية في التسعينات، هو تصدى للقضية، مع أن مبناه الفقهي فيه ما فيه))[51].

§        لقد أوضحنا فيما سبق بأن السيد الحيدري كان بصدد الكلام حول ما ثبت بدليل من الإمام لا من باب الأمور الحسبية، وأنه في نفس البرنامج قال بأنه لا يريد الحديث عن الأمور الحسبية مما يدلل على صحة كلامنا، وقد كررنا ذلك سابقاً أكثر من مرة.

§        فإذا علمنا ما سبق، فهل يصح أن نقول بأن السيد الحيدري قد بتر كلام السيد الخوئي؟! أم نقول بأنه أخذ الشاهد الذي يراه منه فقط؟!

§        قد تكون بعض عبارات السيد الحيدري غير مشبعة بهذا المعنى، ولكن هذا يتضح من مجموع كلماته لو دققنا، ولهذا لا ينبغي أن ننسب له أمراً حتى وإن كان ظاهراً من بعض كلامه، إذا كان مجموع كلماته الأخرى تخالفها، فمن غير التدقيق بل من غير الصحيح فعل ذلك.

 

ويتحدث السيد الهاشمي موضحاً رأي السيد الخوئي قائلاً: ((السيد الخوئي قال بأنه: لم يتفق تذهب عنده المسألة خلافية لشخصين ويحضروا عند المحامي أنا أقول أدلتي على أن الحق معي واحد وأثنين وثلاثة هذه الأدلة، المحامي (القاضي عفواً)، يقول أن دليلك الأول ما أقبله، دليلك الثاني ما أقبله، دليلك الثالث أقبله، حينما يقبل (القاضي) الدليل الثالث أقول أن القاضي ما ثبت لديه أو ثبت. أقول ثبت لديه ولكن لم يثبت لديه بالدليل الأول والثاني ثبت لديه بالدليل الثالث)).

ويردف قائلاً: ((الذي حصل أنه ماذا قال –أي السيد الحيدري- نقل هذه الفقرة من السيد الخوئي قال: "وملخص الكلام في المقام أن إعطاء الإمام عليه السلام للعلماء أو لغيرهم لم يثبت" وقف عند هذه الكلمة "لم يثبت" وطلع بتلك النتيجة، أما السيد الخوئي فماذا قال؟ قال: "لم يثبت بأي دليل لفظي" يعني مو من خلال الروايات، مو من خلال النصوص "معتبر ليتمسك بإطلاقه"، نعم لا حظوا كلام السيد الخوئي "بما أنى نقطع بوجوبه الكفائي لتوقف حفظ النظام المادي والمعنوي عليه، ولولاه لاختلت نظم الاجتماع لكثرة التنازع والترافع في الأموال وشبهها من الزواج والطلاق والمواريث ونحوها، والقدر المتيقن ممن ثبت له الوجوب هو المجتهد الجامع للشرائط". إذاً السيد الخوئي يقول بالثبوت، ولكن... ما كمل العبارة))[52].

 

المناقشة

§        إن المثال الذي ذكره السيد الهاشمي غير صحيح وغير متطابق مع الحالة التي ذكرها لأجله، فالسيد الخوئي لم يثبت له القضاء بأي دليل لفظي، ويقول في ج2 ص87: ((وملخّص الكلام في المقام: أنّ إعطاء الإمام (ع) منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأيّ دليل لفظي معتبر ليتمسّك بإطلاقه. نعم، بما أنّا نقطع بوجوبه الكفائي، لتوقّف حفظ النظام المادّي والمعنوي عليه، ولولاه لاختلَّت نظم الاجتماع، لكثرة التنازع والترافع في الأموال وشبهها من الزواج والطلاق والمواريث ونحوه، والقدر المتيقّن ممّن ثبت له الوجوب المزبور هو المجتهد الجامع للشرائط. فلا جرم يُقطع بكونه منصوباً من قبل الشارع المقدّس، أمّا غيره فلا دليل عليه))[53]. وهذا الكلام نقله السيد الهاشمي ولم يكمل هذه العبارة "فلا جرم يُقطع بكونه منصوباً من قبل الشارع المقدّس" ألا يعد هذا بتراً لعبارة السيد الخوئي؟!.. إلى أن يقول السيد الخوئي (رحمه الله) في ص89:  (والمتحصّل: من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن: أنّه لم ينهض لدينا دليل لفظي معتبر يدلّ على نصب القاضي ابتداءً، وإنّما نلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على المقدار المتيقّن)[54]. فلا مجال للقول بأن السيد الخوئي لم يثبت له بالدليل الأول، وبالدليل الثاني، وثبت بالدليل الثالث كما هو مثال السيد الهاشمي، وذلك لأنه يقول بأنه لم ينهض له دليل لفظي معتبر يدل عليه، وإنما هو يلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على المقدار المتيقن (من باب الأمور الحسبية).. فتأمل كلام السيد الخوئي وما قاله السيد الهاشمي لترى المفارقات العجيبة !

§        أن السيد الخوئي لم يثبت له القضاء بدليل لفظي عن الإمام (ع)، وإنما ثبت من باب الأمور الحسبية من أجل حفظ النظام، فالأدلة التي أثبت من خلالها القضاء هي من خلال الأمور الحسبية، والسيد الحيدري في نفس البرنامج قال: بأنه لا يريد أن يتكلم عن الأمور الحسبية، وقد كررنا ذلك كثيراً، وفيما يلي تبيين لرأي السيد الخوئي في موضوع القضاء بالتفصيل.

 

القضاء عند السيد الخوئي
تحدث السيد كمال الحيدري في أحد دروسه فيما يتعلق بنظرية السيد الخوئي، حيث قال: النظرية الأولى التي ذكرناها عن السيد الخوئي هذه النظرية كما هو واضحٌ لا يعتقد السيد الخوئي بأنه هناك أي ولايةٍ أعطيت للفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة, أي نحوٍ من أنحاء الولاية, نعم كل ما أعطي هو بيان الفتوى والحكم الشرعي أولاً, وكذلك أجيز للفقيه أن يُترافع إليه, يعني أنه يحق للمتخاصمين أن يرجعوا إلى الفقيه فيحكم بينهم بحسب الموازين الفقهية, الآن إما اجتهادٍ أو مقلده يطبق أحكامه ذاك بحث آخر. ولكنه لم يعطَ الولاية لإقامة ما حكم به, يعني ثبت عنده فلانٌ سارقٌ, جيد, ولكنه فقط يبين وهذا الحكم نافذ, ما معنى نافذ؟ يعني يجب تنفيذه ولكن أعطيّ الولاية على التنفيذ أو لم يعطَ الولاية؟ صريح في هذا المجال يقول: (بحسب أدلتنا لا توجد مثل هذه الولاية).

ولذا بالأمس –والكلام للسيد الحيدري- هذا المعنى الذي قرأناه وبعض الأعزة استشكل وتصور بأنها ولاية, لا ليس الأمر كذلك, قال: "والقدر المتيقن ممن ثبت له الوجوب -يعني الوجوب الكفائي للحكم- هو المجتهد الجامع للشرائط فلا جَرَم يقطع بكونه منصوباً من قبل الشارع" منصوباً للقضاء وليس منصوباً للولاية, بحثنا ليس الآن في أنه الآن هذا منصوب, لأن السيد الخوئي يقول: "لا يوجد عندنا دليلٌ لفظي حتى على تصديه للقضاء, نعم الوجوب الكفائي يقول لنا أنه لابد أن يوجد من يتصدى للقضاء لأن الأمة لا يمكن أن تبقى بلا من يحلّ منازعاتها ودليل ذلك هو أنه يكشف لنا أنه القدر المتيقن منه هو من؟ الفقيه الجامع للشرائط" ومن هنا "ونتيجة ذلك نفوذ حكم الحاكم في إطارٍ خاص وهو باب المنازعات والمرافعات فإنه المتيقن من مورد الوجوب الكفائي المقطوع به. إذن نرجع إلى عبارته في (التنقيح الجزء الأول, ص525) العبارة لا تحتمل أي تأويل, "أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليلٍ" يعني بأي دليل كان, لا بدليل لفظي ولا بدليل لبي أي دليل عقلي ونحو ذلك, "وإنما هي مختصةٌ بالنبي والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام)" واضح هذا المعنى إذن لا ولاية, "بل الثابت بحسب ما يُستفاد أمران: حجية فتواه" الذي توجد عليه أدلة الآن إما لفظية وإما سيرة وإما شيء آخر, "ونفوذ قضائه" أيضاً ليس بدليلٍ لفظي بل بذلك الوجوب الكفائي الذي أشرنا إليه. ولكن هذه نظرية السيد الخوئي في المقام[55].

وبعدها يستعرض السيد الحيدري ماذا يستفاد من مجموع كلمات السيد الخوئي في هذا المقام، ويقول: ولكنّ السيد الخوئي يعتقد أن كثيراً ممّا يحتاجه الفقيه أو تحتاجه الأمة لإدارتها وللتصدي للمجتمع ولقيادة المجتمع لابد للفقيه أن يقوم بها, التفتوا, لا يقول كالاتجاه الأول أن الفقيه عنده مسئولية أو ما عنده مسئولية؟ الاتجاه الأول كان يقول الفقيه لا مسئولية عنده, السيد الخوئي لم يقل بذلك يقول لا, عنده مسئولية ولابد أن يتصدى يعني بعد أن حَكم أن فلان سارق أو فلان زاني أو فلان أكل أموال الناس أو كذا, لابد أن يتصدى لتنفيذ الحكم, وأنتم تعلمون أن تنفيذ الحكم ليس من شؤون الإفتاء من شؤون الولاية, طيب بأي دليل سيدنا تقول؟ يقول: من باب الأمور الحسبية, لا من باب الولاية, يعني بحسب المحصّلة النهائية يتفق مع نظرية الولاية, وأنها موضوعة للفقيه ومجعولة للفقيه في زمن الغيبة ولكن لا بطريق أنه جعلت له الولاية بل بطريق الأمور الحسبية.

هذا المعنى –والكلام للسيد الحيدري- إذا أردتم تراجعونه -كما قلت بالأمس- (مباني تكملة المنهاج) وكذلك هنا ولكن الأوضح في مباني تكملة المنهاج, عنده عبارة هناك أنا بودي أن الأعزة يلتفتوا إليها, يقول: "يجوز للحاكم الجامع للشرائط" المراد من الجواز هنا بالمعنى الأعم لا أنه يجوز يعني أنه مخير أن يقيم أو لا, لا لا, يجب أن يقيم, طبعاً إذا توفرت الشروط, "يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود على الأظهر" وإقامة الحد غير بيان الحد, إقامة الحد من شؤون الولاية لا من شؤون الإفتاء, والعجيب التفتوا إلى العبارة في الشرح هو يقول: "هذا هو المعروف والمشهور بين الأصحاب بل لم ينقل فيه خلاف" إذن كل فقهاء الإمامية أو المشهور من فقهاء الإمامية التزموا بأصل الولاية في زمن الغيبة, نعم ما هو الطريق إليها؟ إما الطريق إليها أن الإمام أعطاه الولاية وإما الطريق إليها أن الفقيه الجامع للشرائط هو القدر المتيقن لتطبيق ذلك, ولذا يدخل في بحث مفصل يقول: "ولكنه ويدل على ذلك أمران: الأول: أن إقامة الحدود إنما شرّعت للمصلحة العامة, والثاني: أن أدلة الحدود مطلقة وغير مقيدة بزمان دون زمان" … إلى أن يقول: "وهذه الأدلة تدل على أنه لابد من إقامة الحدود, حتى في زمن الغيبة" طيب من يقيمه؟ أعطيت لكل إنسان هو يطبق كما يشاء؟ يقول لا أبداً وينقل مجموعة من الروايات أنه لم يترك لكل أحد أن يقيم الحد لنفسه, لا لابد من متصدي لذلك, من هو المتصدي لذلك؟ الفقيه الجامع للشرائط, إلى أن يقول: "والمتيقن, إذن فلابد من الأخذ بالمقدار المتيقن والمتيقن هو من إليه الأمر وهو الحاكم الشرعي" إذن الحاكم الشرعي هو الذي لابد أن يقيم, وأنتم تعلمون عندما نقول بأنه يقيم الحدود يعني لابد أن يكون له جهاز كامل وإلا كيف يستطيع أن يقيم, إذا يريد أن يسجن افترض أن حكمه سجن لابد عنده سجن وعنده شرطة وجهاز وإلا كيف, تقول لم تتوفر الشرائط يقول يسقط التكليف, يقول المهم إذا توفرت يجب أو لا يجب؟ نعم, يجب عليه أن يقوم بهذا العمل, يقول: "من يقيم الحدود" ينقل رواية: "سألت الصادق من يقيم الحدود السلطان أو القاضي, فقال: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم" يقول السيد الخوئي: "فإنها بضميمة ما دل على أن من إليه الحكم في زمان الغيبة هم الفقهاء تدل على أن إقامة الحدود إليهم ووظيفتهم" وظيفة لا أنه مخير يطبق أو لا يطبق[56].

ثم يلخص السيد كمال الحيدري ما نقله عن السيد الخوئي بقوله: ((إذن النتيجة التي أريد أن أصل إليها أن السيد الخوئي في النتيجة الآن أنا ما أتكلم في سعة دائرة الولاية ماذا يقول, لأنه لم يعرض لهذه المسألة ولكنه أصل الولاية وإن قال بأنه: "لم يقم عليها دليل" ولكنّه قبل نتائج نظرية الولاية وأنه لابد من تنفيذ الأمور الولائية ولكن من باب الأمور الحسبية لا من باب إعطاء الولاية من قبل الإمام المعصوم (عليه أفضل الصلاة والسلام))[57]. فالسيد الخوئي إذن لم يثبت عنده القضاء بدليل لفظي عن الإمام (ع) وثبت له بالأمور الحسبية.

ويقول السيد الهاشمي: ((السيد الخوئي "قدس سره" أيها الأحبة حينما يتكلم عن ولاية الفقيه، هل يلغيها بالمرة؟ أبداً لاحظوا في كتابه صراط النجاة الجزء الأول العبادات يُسئل: هل مسألة الولاية العامة للفقيه مسألة تقليد للعوام؟ وما حكم من قلد مرجعاً لا يرى الولاية العامة ولكنه أتبع الولي الفقيه وأوامره، فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: "أما مسألة الولاية العامة فهي مسألة خلافية والمشهور عدم ثبوتها، أما مسألة التقليد فالواجب على المكلف هو تقليد الأعلم ومتابعته في الأمور الدينية".. هذا كلام السيد الخوئي)).

ثم يقول: ((أيضاً في صراط النجاة الجزء الأول، السؤال رقم 5 وأيضاً في السؤال رقم 8 يؤكد على هذا المعنى، يقول أنه ثبت لدي الولاية في الأمور الحسبية.. هذا رأي السيد الخوئي، يعني يثبت الولاية ولكن في دائرة أضيق، ومن جملة تلك الدائرة التي يرى بها السيد الخوئي مسألة الجهاد، حتى التصدي للجهاد في ضمن الدائرة الحسبية)).

ويواصل كلامه ويقول: (( السيد الخوئي قدس سره أيضاً... أصدر بيانات متعددة من جملتها بيان كان عام 1382بعد فاجعة المدرسة الفيضية الذي قتل بها عدد من طلبة العلوم الدينية، ماذا يقول السيد الخوئي هناك؟ لاحظوا ... يقول: (("إنه يلاحظ في التاريخ وجود العديد من الأفراد الذين رووا بدمائهم شجرة الإسلام المقدسة وساهموا في استحكام جذورها وحالوا دون سقوط الإسلام والآن فإن أقصان هذه الشجرة قد مالت إلى الذبول وأصل هذه الشجرة محتاجة إلى دماء جديدة، وإنني لأهدي دماً أيضاً في هذا السبيل، وأكبر فخر لي أن تكون هذه الهدية وسيلة من أجل صيانة الدين الإسلامي المقدس".. هذا رأيه ما يعني أنه تعطيل الدين، وتعطيل التبليغ، وتعطيل الموقف، نعم أنا لا أنكر بأن تشخيص مراجعنا وعلمائنا مو على نسق واحد، بعضهم في فترة من الفترات يشخص أنه يتصدى، بعد ذلك يرى بأنه ليس من المصلحة، حسب تقديره قد يختلف معه مرجع آخر، أنا لا أنكر هذا المعنى، ولكن لا نأتي ونصور بأن هذا المرجع يقول أنا أضع راسي وأنام، هذا عرض مشوه في الحقيقة لموقف مراجعنا وعلمائنا))[58].

 

المناقشة

§        السيد كمال لا ينكر أن الولاية للفقيه في الأمور الحسبية هذا أولاً، وكذلك لم ينكر أن الولاية في الأمور الحسبية ومن ضمنها الجهاد عند السيد الخوئي واسعة كما بينا سابقاً.

§        ما هو الرابط بين ما نقله السيد الهاشمي عن السيد الخوئي بعد أحداث المدرسة الفيضية وبين كلام السيد الحيدري؟ وما هو الربط أيضاً بينه وبين القول بتعطيل الدين؟! فمن يستمع لكلامه يتصور إذا كان ممن لم يستمع للسيد الحيدري أن السيد الحيدري قال بأن السيد الخوئي يقول بتعطيل الدين، لأنه لا يتفاعل مع ما يتعرض له الناس من مآسي وصعاب !!

§        السيد الحيدري لم يقل بأن هناك تعطيل للدين بالشكل الذي يعرضه السيد الهاشمي، والسؤال هنا: هل علماؤنا كالسيد الخوئي يرون بأن كل ما ثبت للأئمة ثبت للفقيه بدليل من الإمام؟ وهل أن السيد الخوئي قام بالسعي لتنفيذ الأحكام وإقامة الدين؟ فبدلاً من القول أن هذا تعطيل للدين ينبغي أن نقول، هل القول بهذا الكلام يساوي إقامة للدين؟! وبتعبير السيد الحيدري إذا سُئل عن السارق وقال: حكمه تقطع يده، فهل يقوم هو بتنفيذ ذلك أو للسعي لتنفيذه أو أنه فقط يبينه ولا يقيمه إلا إذا توفرت الشروط؟ ! فهناك فرق !

 

ويقول السيد الهاشمي: ((أنقل لكم شاهد بالنسبة إلى موقف السيد الخميني قدس سره، السيد الخميني الكل يعرف تصديه، حينما توفي السيد أحمد الخونساري –قدس سره-أحد مراجع الدين العظام... وكان في تقديره، في تشخيصه لم يتدخل في الكثير من الشأن السياسي ما تدخل معروف عنه هذا الموقف، حينما توفي قدس سره أصدر السيد الخميني بياناً فيه قال: (("إن وفاة آية الله الخونساري أوجبت لي التأسف والتأثر، إن هذا العالم الجليل الكبير والمرجع العظيم كان له مقام رفيع وقضى عمره الشريف في التدريس والتربية والعلم والعمل وله حق عظيم على الحوزات" .. ثم يقول أنه "ربى كثير من التلاميذ"... ولديه كلمة أخرى في صحيفة نور ج21 رسالة للشيخ الغديري أيضاً يثني فيها على تقوى السيد أحمد الخونساري ومقامه الرفيع...))[59].

 

المناقشة

§        إن السيد الهاشمي نفسه لا شعورياً يفرق بين منهج السيد الخميني وبين غيره، وذلك في عبارته "الكل يعرف تصديه" وهذا يعني أن هناك علماء لم يتصدوا.. ولماذا لم يتصدوا هذا بحث آخر؟! المهم هناك من تصدى، وهناك من لم يتصدى.

§       السيد أحمد الخونساري هل أنه لم يتصدى لأن تقديره أن الظرف غير مناسب، أو لأن الرؤية التي يتبناها تختلف عن العلماء الآخرين الذين تصدوا؟ نحتاج إلى توضيح أكثر.

§       هل قال السيد الحيدري بأن أي شخص لم يتصدى كالسيد الخميني فإنه لم يقم بأي دور أو عمل نافع وإيجابي للدين حتى يستشهد السيد الهاشمي بكلام السيد الخميني في السيد أحمد الخونساري؟! فالسيد لا ينكر ذلك حتى يستشهد بهذا الكلام ضده !

§       لماذا يذكر السيد الهاشمي كلام السيد الخميني الذي فيه مدح للعلماء فقط؟ إذ لماذا لم يذكر غيرها من الكلمات التي فيها ذم ونقد؟ ففي البيان الذي أصدره في الخامس عشر من رجب في السنة التاسعة بعد الأربعمائة والألف للهجرة 15/7/1409هـ وهو نفس البيان الذي نقل منه السيد الهاشمي بعض كلمات المدح للعلماء، يقول فيه السيد الخميني: ((وعندما شاع شعار الفصل بين الدين والسياسة وأضحت الفقاهة في منطق غير الواعين، الانغماس في الاحكام الفردية والعبادية.... أصبحت حماقة عالم الدين في معاشرته للناس، فضيلة وعلى حد زعم بعضهم ان الروحانية تكون جديرة بالاحترام والتكريم عندما تقطر الحماقة من كل نقطة في وجودها... ))[60]. فلماذا يتجاهل السيد الهاشمي مثل هذه الكلمات؟! ويحاول الإيحاء بأن كلام السيد الخميني ورأيه هو ما نقله فقط؟! أقول ذلك، لأنه يحاول توظيف كلام السيد الخميني–رحمه الله- ضد السيد الحيدري!

 

ويقول السيد الهاشمي: ((خلاصة الكلام أيها الأحبة، ما أريد أن أخرج به باختصار أن هذا العرض بالإضافة إلى كونه عرضاً مشوهاً في الحقيقة لرأي الحوزة ولموقف الحوزة، أنا أرى فيه بالإضافة إلى ذلك، أنه كانت فيه العديد من الإساءات وأشير إليها بشكل مختصر.. لا حظوا من النتائج...  أولاً: أن الدين في الحقيقة لا يتوقف علي ولا على غيري كل من أخلص هذا الدين في الحقيقية يكون يخدم الدين بذلك، الدين قوامه أهل البيت عليهم السلام، أما أنا فقد أحسن إلى نفسي وقد أسيء، قد أقدم خدمة للدين وقد لا أفعل. النقطة الثانية: مرتبطة بـأني لاحظت أن هناك استهدافاً وأكون واضحاً معكم، وأنا صريح معكم، وعودتكم على الصراحة، وأريد أن أكون هذا هو الطريق الصحيح، هناك استهداف للحوزة في النجف الأشرف، لا أقول هذا دون اعتبار ذكرت هذا سابقاً وأكرر هذه المرة... تقولي كيف؟ أقول لك بالدليل التالي: قال –أي السيد الحيدري- بأن المراجع الذين في النجف من أصحاب الاتجاه الأول الذي يروى دوره فقط الإفتاء ما لهم شغل دور ثاني، ثم استشهد على ذلك بأنه تلاحظ أن المراجع الذين بالنجف بأنهم لم يتدخلوا بس  أول سنتين ثلاث، لماذا لم يتدخلوا؟ ... قال: لأنهم يتبنون الاتجاه الأول، المرجع ماله دور إلا الإفتاء، ذكر السبب وطبقه على علماء النجف الأشرف، ويريد أن كأنما لازم العلماء في النجف بالطريقة التي هو يتبناها، وخلاف الحقيقة الكثير من العلماء تصدوا حتى بالنسبة للوضع الفعلي فيما يرتبط بالفساد المالي في العراق وغير ذلك، ولكن هم يقدرون شكل من الأشكال، قد يقدر أنه إذا أنا تدخلت بشكل قد يستوجب أنه يأتون إرهابيين ويتحكمون في الأمور، هذا يمكن تقديرهم أنا لا أعلم، في النهاية ليس من حقي أن أتهمه، وأنا أعلم بإخلاصه للدين وما قدموا من تضحيات))[61].

 

المناقشة

§        قوله: ((أن لاحظت أن هناك استهدافاً وأكون واضحاً معكم... هناك استهداف للحوزة في النجف الأشرف)). وهنا نلاحظ أن السيد الهاشمي يتجاهل كلام السيد الحيدري ويشكك في نيته ويسيء الظن به بشكل واضح وصريح، ويتجاهل قول السيد الحيدري بأن كلامه هو للإثراء وليس لضرب المرجعية، حيث كرر السيد الحيدري في الحلقة أكثر من مرة بأنه لا يهدف لذلك، منها في قوله: ((أوكد مرة أخرى أنا لست بصدد الإساءة إلى أحد ولا بصدد التنقيص من أحد، ولا بصدد واقعاً التقليل من قدر أحد وإنما يبقى المراجع الدينية سواءً في قم أو في النجف، وخصوصاً في النجف، يبقى لها حرمتها، ومنزلتها، ولكن أن دا أتكلم في الرؤية، في البرنامج، في الحركة التي توجد في الأمة، لماذا أن هذا يتكلم، وذاك لا يتكلم... لماذا أن البعض يكون ناطق والبعض يكون صامت على تقسيم السيد الشهيد الثاني، حوزة ناطقة وحوزة صامتة، بيني وبين الله هذا ليس القصد منه انه التنقيص، أبداً وليس من منهجي الإهانة وليس التنقيص، كونوا على ثقة أقسم بالله لست بصدد التنقيص أو الإهانة، وإنما أريد أن أبين الخلفيات والمنطلق الفكري، لماذا أن السيد الإمام هنا كل وجوده يضعه لإقامة الحكم الإسلامي، ولا يتنازل، ولكنه مراجع آخرين يقولون لا مسؤولية، هناك انطلاقتان أعزائي، انطلاقة من رؤية ترى أن أدوار الفقهاء أنه كذا، وانطلاقه ترى أن أدوار الفقهاء كذا)).

وكذلك قال: ((إذاً هذا هو المشروع الذي أدعو إليه وأؤكد للمرة الثالثة: الله يعلم لست بصدد التنقيص من أحد، ولا إهانة أحد، وإن كان أعلم أن بعض مرضى القلوب سيحاولون أن يوظفوا هذا الكلام يقولوا أنه تكلم عن فلان وعلى فلان وعلى معينين، أبداً الكلام ما موجه إلى أشخاص، وإنما موجه إلى نظرية إلى قراءة إلى دور إلى مسؤولية في عصر الغيبة الكبرى))[62].

 

§        قوله رداً على كلام السيد الحيدري أن المراجع في النجف لم يتدخلوا إلا في أول سنتين ثلاث وأن السبب هو أنهم يتبنون الاتجاه الأول، حيث يقول الهاشمي أن السيد الحيدري: ((ذكر السبب وطبقه على علماء النجف الأشرف، ويريد أنه كأنه لازم عنده العلماء الذين بالنجف بالطريقة التي هو يتبناها. وخلاف الحقيقة الكثيرون من العلماء تصدوا حتى بالنسبة للوضع الفعلي فيما يرتبط بالفساد المالي بالعراق وغير ذلك))[63].

 

السؤال: هل مواقفهم لا تتأثر بالرؤية التي يتبنونها؟! هل لو كان السيد الخميني في العراق مثلاً ومرت على العراق نفس الظروف كان سيتصرف نفس تصرف علماء النجف أم أن الأمر سيختلف؟! مع ملاحظة ما ذكره الشيخ الكوراني في كتابه عصر الشيعة، حيث قال: ((...والسيد السيستاني لا يقول بها -يقصد الولاية العامة-، وقد أفتى بأن يحكم الشعب العراقي نفسه عن طريق الإنتخابات، وأعطى الشرعية لمن ينتخبه الشعب، ونصح العلماء وطلبة العلم أن لا يدخلوا في الحكم ومؤسساته، إلا بقدر الضرورة التشريعية أحياناً))[64]. ولاحظوا هنا عبارة "بقدر الضرورة التشريعية أحياناً" وهذا يعني أن التدخل في إطار ضيق جداً، كذلك نجد أن الشيخ الكوراني في نفس الكتاب يبين الفرق بين الاتجاه الذي يقول بولاية الفقيه العامة وبين غيره بقوله: ((فالخلاف بين الإتجاهين: في العمل السياسي والثورة لإقامة حكم إسلامي، وفي تسلم المرجع والعلماء للسلطة مباشرة، أو بقائهم موجهين ناصحين فقط))[65]. وهذا الكلام لا يختلف بشيء عن كلام السيد الحيدري.

ويواصل السيد الهاشمي حديث السابق بقوله: ((ثم يعبر عنهم لاحظوا التعبير الذي فيه إساءة لهم قال –أي السيد الحيدري- أن هؤلاء المراجع والعلماء في غياب بل في غيبوبة تامة، شنو هذا التعبير عن مراجعنا وعلمائنا "غيبوبة تامة" أكثر من ذلك قال كلمة، هذه الكلمة التي قالها... يقول بأن مراجعنا يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة، وبأساَ لمثل هذا الفكر المتخلف، أنه يقولون الأعلمية في الفقه والأصول، يقول الأعلمية يعني في الحيض والنفاس، بالفعل هل أحد من علمائنا يقول الأعلمية فقط في الحيض والنفاس؟ بهذا العرض المشوه يتم عرض كلمات مراجعنا وعلمائنا، ولهذا هذه إساءات تحققت لو أننا أيها الأحبة قمنا بدورنا المطلوب من البداية بالشكل المطلوب لما تكررت هذه الإساءة، أحياناً البعض يقول أنا والله أحسب حساب قد يستفيد.. ولكن الضحية من الحوزة والمرجعية التي هي صمان الأمان، الحوزة والمرجعية هي التي صارت، هي التي تضررت، هي التي قيلت عنها علناً وأمام الفضائيات، وأما الكل والكل يسمع سنة وشيعة، بأساً لهذا الفكر المتخلف، وهؤلاء في غياب غيبوبة تامة وغير ذلك من الكلمات. إذا لم تكن هذه إساءة فأين هي الإساءة))[66].

 

 

المناقشة

§        في قوله: ((لاحظوا التعبير الذي فيه إساءة قال –أي السيد الحيدري- بأن هؤلاء المراجع والعلماء في غياب بل في غيبوبة تامة، شنو هذا التعبير "غيبوبة تامة"... بأن مراجعنا يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة، وبأساَ لمثل هذا الفكر المتخلف، أنه يقولون الأعلمية في الفقه والأصول، يقول الأعلمية يعني في الحيض والنفاس)). لنعرف ما قاله السيد الحيدري بالتفصيل قبل التعليق.

 

ماذا قال السيد الحيدري؟

تحدث السيد الحيدري عن الذين ينتقدون النظريات الفلسفية وبين أنه لا يقول بأن كل ما يقوله الفلاسفة صحيح، ولكن غالبية الذين يتكلمون عنها هم في الأعم الأغلب جهلة ولا يعرفون الفلسفة، وبعدها تحدث قائلاً: ((ولذا تجدون عندما يخرجون على الفضائيات يميناً ويساراً ويقولون أن ملاك الأعلمية هو الفقه والأصول، ومع الأسف الشديد يصدر هذا الكلام ممن إنسان يعتمد عليهم، ويعتقد بأن لهم رؤية صحيحة، تبين أنهم يعيشون الحالة الكلاسيكية المتخلفة أيضاً، أنه فقط الفقه والأصول، ماذا يشكل الفقه والأصول من المعارف الدينية؟ لا يشكل إلا 5 أو 10 بالمئة، المعارف الدينية "ليتفقهوا في الدين" ومن جزء الدين أعزائي ومن أهم المقدمات أن يكون العالم في الدين واقفاً على المباني الفلسفية، أن يكون العالم في الدين واقفاً على المباني والأصول والعرفانية، أن يكون العالم في الدين واقفاً على المباني التفسيرية، وهذا هو المشروع الذي أطرحه وأؤكد عليه، أما من يخرج من هنا وهناك ويتكلم سواءً على فضائية شيعية أو فضائية سنية، واقعاً ليس لي إلا أن أقول بيني وبين الله أشفق عليكم، أشفق عليكم أنكم تعيشون في هذا العصر، عصر الانفتاح، وعصر الفهم، وعصر التفتح، ومع ذلك تقولون أن المدار في الأعلمية هو الفقه والأصول، يعني أن المدار في الأعلمية كتاب الطهارة والنجاسة والحيض والنفاس، أي امتياز لباب الطهارة والنجاسة والحيض والنفاس حتى يكون ميزان الأعلمية في الدين؟ بأساً لمثل هذا الفكر المتخلف، الفكر الصحيح ليتفقهوا في الدين، ليتفقهوا في الدين أعزائي هذا هو الفكر الذي أتبناه وأدافع عنه، وهنا واقعاً أقدم تحدياً علمياً لكل من يقول خلاف هذا، فليأتي إلى هنا، الآن ننصب له مولانا هنا، فليأتي إلى هنا ويقدم كل أدلته أن الملاك في الأعلمية والملاك في الميزان –طبعاً هذا الكلام ليس موجه إلى علماء الشيعة فقط بل إلى علماء السنة-))[67].

ورغم كوني لا أتفق مع السيد الحيدري في استخدامه لهذه العبارات إلا أن كلامه كان موجهاً للفكرة وليس للأشخاص، فلماذا يحاول السيد الهاشمي توجيهه للأشخاص (المراجع)؟ وليست مشكلة السيد الهاشمي هي هذه فحسب، وإنما هي أيضاً في أنه حاول أن يصور كلام السيد الحيدري بأنه موجه لعلماء النجف الأشرف بالتحديد، وهذه مصيبة كبرى!!

واستغرب كثيراً من السيد الهاشمي كيف يحاول أن يقول بأن السيد الحيدري كان يقصد أشخاصاً بعينهم مع أن السيد الحيدري قال في نفس الحلقة ما يلي: ((الأصل الثاني:  هو أن الكلام ليس موجهاً إلى شخص أو أشخاص معينين، بالكم وإياكم –يحاول البعض أن يقول أن السيد الحيدري يوجه كلامه إلى شخص أو أشخاص بعينهم، أبداً الأشخاص والشخوص لهم احترامهم الخاص.. الرموز الدينية لها احترامها، أساساً ليس من منهجي أن أتعرض للأشخاص، ... إنما الكلام موجه إلى القراءة، إلى الفهم، إلى النظرية التي يقدمونها للمراجع الدينية في عصر الغيبة الكبرى، إذاً القضية مربوطة بالمفهوم، مربوطة بالقراءة وليست مربوطة بالأشخاص)).

وبعدها ضرب السيد الحيدري مثالاً على كلامه قائلاً: ((لو فرضنا أن شخصاً جاء إلى وزارة التربية في الدولة، أو إلى وزارة الخارجية، أو وزارة المالية أو إلى وزارة الكهرباء، ثم بدأنا ننقد الأداء، هذا ليس معناه أننا نريد أن نقول لا نحتاج إلى وزارة الكهرباء، أو إلى وزارة التربية، لا أساساً لا تقوم الدولة إلا بوزارة التربية، ولكن دننقد ماذا؟ أداء معين، البرنامج، القراءة، وليس الشخص، الشخص قد يكون مؤمن متدين، تصلي خلفه، تتحدث عن شخصه بكل إيجابية، ولكن هذا شيء، والبرنامج والقراءة والدور الذي يعتقده لنفسه شيء آخر، فالكلام موجه إلى هذه النقطة التفتوا لي أعزائي))[68]. ومع ذلك نجد السيد الهاشمي يتحاهل كل هذا الكلام ويحاول أن يجعل كلام السيد الحيدري موجهاً إلى أشخاص معينين ويقول بأنه يرتبط بضرب الحوزة والمرجعية؟ ! فإنا لله وأنا إليه راجعون!

والأمر الآخر، لماذا لا يقبل السيد الهاشمي التحدي العلمي مع السيد الحيدري ويحاول مناقشته في هذا الموضوع بدلاً من الاكتفاء بعرض كلامه على الناس العاديين كما يعبر؟! أقول ذلك لنرى بعدها إن كان لديه ما يسند كلامه أم لا.

§        تجاهل بعض مواقف وكلمات السيد الحيدري: كذلك نستغرب من السيد الهاشمي تجاهله لموقف السيد الحيدري عندما سأله بعض المتصلين عن السيد السيستاني، حيث رفض الإجابة عن السؤال، وهذا يدلل على أن السيد الحيدري حريص على أن يكون كلامه موجهاً للفكرة وليس للأشخاص.

§        التوجيه الخاطئ لكلمات السيد الحيدري: من المعروف أن الشهيد الصدر الأول طرح مشروع المرجعية الرشيدة، وأيضاً تكلم عن أن الحوزة أفلست[69]، وكان ذلك في وقت مرجعية السيد الخوئي، فهل كان الشهيد الصدر يقصد أن مرجعية السيد الخوئي ليست رشيدة وأنه إنسان مفلس مثلاً؟! أم أنه كان يقول هذا الكلام من باب النقد والذي هو للإثراء كما يقول السيد الحيدري؟! .. كذلك نجد كلمات السيد الخميني التي نقلناها سابقاً والتي يصف فيها بعض العلماء "بالأفاعي والرقطاء والحمقى" فهل من الصحيح أن نأتي بها ونطبقها على بعض العلماء الذين كانوا يعيشون في وقته ونذكرهم بأسمائهم ونصور بأنه كان يقصدهم، ونقول بأنه كان يقول فيهم كذا وكذا؟! بالتأكيد لا أعتقد بأن هذا أسلوب صحيح.

§        التحريض على السيد الحيدري: وذلك في قوله: ((ولهذا هذه إساءات تحققت لو أننا أيها الأحبة قمنا بدورنا المطلوب من البداية بالشكل المطلوب لما تكررت هذه الإساءة،)). وهنا نتساءل: ما هو الدور أو الموقف الذي كان يقصده السيد الهاشمي والذي لو عمل لما تكررت الإساءة كما يقول؟!  إنني أرى في كلام السيد الهاشمي تحريضاً صريحاً على السيد الحيدري، فصحيح أنه قال: "بأساً لهذا الفكر المتخلف" ولكنه لم يكن يقصد بهذا الكلام الحوزة والمرجعية على وجه العموم، بل ولم يكن يقصد علماء الشيعة على وجه الخصوص، فهناك من العلماء من لا يرى الأعلمية في الفقه والأصول، وهذا ما يختلف عن ما حاول السيد الهاشمي تصويره بقوله: "الضحية هي الحوزة والمرجعية...هي التي تضررت، هي التي قيلت عنها علناً وأمام الفضائيات وأما الكل والكل يسمع سنة وشيعة، بأساً لهذا الفكر المتخلف"، فالسيد الحيدري كان يقصد بكلامه أولئك الذين يقولون بأن مدار الأعلمية هو في الفقه والأصول، فهل يكون بكلامه هذا قد شمل كل العلماء والمراجع؟! فهل نفهم من كلام السيد الهاشمي أن الذين لا يقولون بأن مدار الأعلمية في الفقه والأصول هم ليسوا مراجع أو ليسوا من الحوزة؟! أم ماذا؟! فإذا كان لا يقصد ذلك، فلماذاً يتكلم بهذه الطريقة إذاً؟!

 

كلمة أخيرة

          أتمنى أن يطلع السيد هاشم الهاشمي على هذه الوريقات ويتعاطى معها برحابة صدر، لأنني لم أكتبها لعداوة شخصية بيني وبينه، وإنما كتبتها لأنني وجدت بعض الملاحظات التي أخالفه فيها وأحببت أن أوصلها له، كما أتمنى منه أيضاً أن يعطينا رأيه فيها ويرد عليها، لأن ما قلته يبقى قابل للمناقشة، فلربما أكون قد وقعت في بعض الأخطاء وأنا غافل عنها، فلا أزكي نفسي عن ذلك.              

--------------------------------------------------------------------------------


[1]   راجع المقطع المنشور للخطبة بعنوان "الحوزة العلمية تضحيات وشبهات 1" على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=gfGoBlTtj74

  كما  يمكن الاستماع للخطبة كاملةً من خلال موقع المشكاة للسيد هاشم الهاشمي على الرابط التالي:

http://al-meshkah.com/waves_detail.php?action=Listen&id1=456


[2]   راجع الحلقة الأخيرة رقم 25 للسيد كمال الحيدري والتي كانت بعنوان "المرجعية الدينية وآفاق المستقبل". http://www.youtube.com/watch?v=1LYRgHpVrOo


[3]     راجع المقطع المنشور للمحاضرة بعنوان الحوزة العلمية تضحيات وشبهات1 على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=gfGoBlTtj74


[4]   راجع كتاب عصر الشيعة للشيخ الكوراني ص115 الطبعة الأولى 1430هـ.


[5] راجع حلقة السيد كمال الحيدري "المرجعية الدينية وآفاق المستقبل".


[6] راجع المصدر السابق.


[7] راجع حلقة السيد كمال الحيدري "المرجعية الدينية وآفاق المستقبل" الدقيقة 27:10 وما بعدها.


[8]   راجع بحث خارج الفقه مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس رقم 201 للسيد كمال الحيدري.


[9]     راجع المصدر السابق.


[10]   راجع المصدر السابق.


[11] هذا الكلام موجود على الرابط التالي:  http://www.youtube.com/watch?v=803wEL3QD1A


[12] راجع حلقة 25 والأخيرة من شهر رمضان لهذا العام 1433هـ من برنامج مطارحات في العقيدة.


[13]   راجع كتاب صراط النجاة  3/358: س1096.


[14]   راجع المصدر السابق ج1 ص10.


[15]   راجع درس خارج الفقه للسيد الحيدري مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس رقم 163.


[16]   راجع درس خارج الفقه للسيد الحيدري مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس 201.


[17]   راجع كتاب عصر الشيعة للشيخ الكوراني ص114 الطبعة الأولى 1430هـ.


[18]       راجع المقطع المنشور للخطبة بعنوان "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات1" على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=gfGoBlTtj74


[19]   راجع حلقة السيد كمال الحيدري "المرجعية الدينية وآفاق المستقبل".


[20]   راجع كتاب التقليد دراسة فقهية لظاهرة التقليد الشرعي للشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي ص141-142، الطبعة الأولى 1420هـ 1999م مركز الغدير للدراسات والنشر، سلسلة بحوث ثقافية تصدرها مجلة المنهاج.


[21]   راجع الصدر السابق 142.


[22]   راجع المصدر السابق 142.


[23]   راجع المصدر السابق ص144.


[24]   راجع الكتاب السابق ص145.


[25]  راجع الكتاب السابق ص146.


[26]   راجع الكتاب السابق ص146.


[27]   راجع الكتاب السابق 146.


[28] راجع خطبة السيد الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات1".


[29] راجع المصدر السابق.


[30] راجع المصدر السابق.


[31] راجع المصدر السابق.


[32] راجع المصدر السابق.


[33] راجع حلقة السيد الحيدري "المرجعية الدينية وآفاق المستقبل".


[34]   راجع بحث خارج الفقه للسيد كمال الحيدري مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس 201.


[35] راجع المصدر السابق.


[36] راجع بحث خارج الفقه للسيد الحيدري مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي، الدرس رقم 170.


[37] راجع خطبة السيد الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات1".


[38]   راجع دروس خارج الفقه للسيد كمال الحيدري مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس 202.


[39]   راجع خطبة الجمعة للسيد هاشم الهاشمي بتاريخ 7/9/2012م http://www.youtube.com/watch?v=xv149rZt1uM  كما يمكنكم الاستماع للخطبة على موقع المشكاة للسيد هاشم الهاشمي عبر الرابط التالي:

http://al-meshkah.com/waves_detail.php?action=Listen&id1=467


[40] راجع المصدر السابق.


[41] راجع المصدر السابق.


[42]   راجع خطاب السيد الخميني الشهير الموجه إلى العلماء في 15 رجب 1409هـ وبياناته الكثيرة حول المؤسسة الدينية وطلبة العلوم الدينية.


[43]   راجع صحيفة الإمام 253:21.


[44]   راجع المصدر السابق 262:21.


[45] راجع خطبة السيد الهاشمي "شبهات وتضحيات2".


[46] راجع المصدر السابق.


[47]     راجع بحث خارج الفقه مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس رقم 201 للسيد كمال الحيدري.


[48] راجع المقطع عبر الرابط التالي:  http://www.youtube.com/watch?v=803wEL3QD1A


[49] راجع كتاب أزمة العقل الشيعي نقلاً عن كراس المحنة للشهيد الصدر.


[50] راجع خطبة السيد هاشم الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات2".


[51] راجع الحلقة رقم 25 والأخيرة في شهر رمضان 1433هـ من برنامج مطارحات في العقيدة.


[52] راجع المصدر السابق.


[53] راجع كتاب مستند العروة الوثقى للسيد الخوئي.


[54] راجع المصدر السابق.


[55]   راجع بحث خارج الفقه للسيد الحيدري مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي الدرس (163).


[56] راجع المصدر السابق.


[57] راجع المصدر السابق,


[58] راجع خطبة السيد الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات2".


[59] راجع المصدر السابق.


[60] راجع بيان السيد الخميني .


[61] راجع خطبة السيد الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات2".


[62] راجع الحلقة رقم 25 والأخيرة في شهر رمضان المبارك من برنامج مطارحات في العقيدة.


[63] راجع خطبة السيد الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات2".


[64]   راجع كتاب عصر الشيعة للشيخ الكوراني ص 120.


[65] راجع المصدر السابق ص115.


[66] راجع خطبة السيد الهاشمي "الحوزة العلمية شبهات وتضحيات2".


[67] راجع المقطع التالي:

http://www.youtube.com/watch?v=KP80H-zDKak&feature=related


[68] راجع الحلقة رقم 25 والأخيرة من شهر رمضان المبارك من برنامج مطارحات في العقيدة.


[69] راجع كتاب سنوات المحنة وأيام الحصار للشيخ محمد رضا النعماني.

 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !