حوار عزمى عبدالوهاب مع مع الكاتب المصري احمد الشريف
يشبه الروائى "أحمد الشريف" فى مساره الحياتى بدوياً، يحمل خيمته على ظهره، ويحط بها فى أى مكان يروق له، فالشاب الذى يرتدى «الكاسكيت» الآن، ويطيل شعره، ويرتدى عوينات ضيقة، تكشف عن سيماء المثقف فيه، هو ذاته "أحمد الشريف" الذى ترك قريته فى "الفيوم" ليحط الرحال فى القاهرة، بعد رحلة قصيرة فى شوارع وحارات الإسكندرية، ومنها يقفز إلى ما وراء البحار، حيث يقطن فى إحدى الدول الإسكندنافية، منذ سنوات، أصدر "الشريف" أخيراً روايته "ليل لأطراف الدنيا" بعد عمليه "كأنه نهار" و"مسك الليل" ولم تغره إلى الآن العلاقة بين الشرق والغرب، حيث يعيش فى مدينة باردة، منها طلبت زوجته أن يأتى لها بحجر من ميدان التحرير، أثناء إطلالته الأخيرة على مصر الثورة، وهو معنا فى هذا الحوار فإلى التفاصيل.
- فى بداية روايتك الجديدة "ليل لأطراف الدنيا" كما فى روايتك القصيرة "كأنه نهار" كما فى مجموعة "مسك الليل" تضع القارئ فى منطقة ما يسمى بإستراتيجيات الإغواء، بمعنى إنك تقدم مشهداً وكأنه بداية رحلة، هل تعمدت هذا من أجل تشويق القارئ وتحقيق المتعة له؟
الفن متعة ويا حبذا لو كانت هذه المتعة ممتزجة بفكر ورؤية وفلسفة للحياة، أحب أن أوضح لك أن البداية تكون دائماً بالنسبة لى أصعب مراحل العمل وعندما أبدأ ينساب القلم بعد ذلك سريعاً على الورق ويمكننى بعد أن أقطع شوطاً كبيراً أن أقوم بتغيير البداية، لكن المهم أن أبدأ، ولذا دائماً أختار البداية البسيطة التى توفر المتعة والسرور لى ولمن يقرأ، وتحضرنى أسطر أحد كتب د. عبدالوهاب المسيرى حينما قال: "أعلم طلبتى أن الأعمال الأدبية الناجحة لابد أن تشوق القارئ دائماً وأن الأديب الناجح يعرف كيف يصل بعمله إلى قمم فرعية قبل أن يصل إلى الذروة النهائية"، تلك الكلمات أضيف عليها قناعتى الشخصية أن العمل الأدبى يجب أن يشمل ليس المتعة فحسب بل أشياء أخرى مثل اللغة الجيدة والرؤية والانسجام والتكنيك المحكم والجمال، المهم أننى أبذل أقصى جهد من أجل أن يخرج نصى فى صورة ترضينى.
- هناك احتفاء فى الكتابة الروائية الجديدة بالمكان التاريخى، القلاع، الجوامع، الكنائس، الشوارع القديمة والمشربيات، ماذا يعنى هذا بالنسبة لك؟ وهل هو حنين لنمط معمارى قديم؟
لا أعتقد أن الاحتفاء بالأماكن التاريخية يخص الروائيين الجدد فقط، على أية حال ربما يكون كما قلت فى سؤالك حنين لنمط معمارى قديم ضد أنماط معمارية مشوهة لا تليق بأصحاب تراث معمارى عظيم، وربما يكون أيضاً وهذا ما يخصنى، تأكيداً للأصالة والخصوصية والتمسك بالهوية فى ظل تيارات وتقليعات بلا حصر، لقد ضبطت نفسى أخيراً وأنا أبحث بشغف عن شرائط كاسيت لمحمد عبدالمطلب ومحمد قنديل، وعبدالغنى السيد، والثلاثى المرح، والشيخ زكريا أحمد، وضبطت نفسى كذلك وأنا أقف طويلاً أمام باعة السلال والأوانى الفخارية وكثرت رحلاتى إلى خان الخليلى والحسين والقلعة ودوماً أقف أمام صناع المشغولات اليدوية، وحتى الآن لا أعرف هل هذا مجرد حنين أم دفاع عن النفس والذات الجماعية التى أخشى عليها أن تذوب فى قلب الطوفان؟
- فى رواية "ليل لأطراف الدنيا" كما فى العملين السابقين علاقات حب وجنس متنوعة، ماذا يمثل الحب بالنسبة لك ولأعمالك؟
قالت لى حبيبتى ذات مرة عندما سألتها عن رأيها فى الحب: إن الحب يعنى لها الوجود وإن كان الحب "مش موجود يبقى مفيش وجود" الحب عندى أعمق وأشمل من الجنس، ذلك لأن الجنس فعل يمكن أن ينتهى فى دقائق أما الحب فلا، كما أن الجنس شكل من أشكال الحب.
- من خلال القراءة لأعمالك الثلاثة يظهر بوضوح تعدد الشخصيات وكثرتها وكذلك الاعتماد على أسلوب الانقطاع الظاهرى والإيجاز والتكثيف؟
يمكننى الرجوع بك إلى مقولة الجاحظ "المعانى ملقاة فى الطريق" ومقولة أحد الفنانين الروس عن أن أسمى الأفكار لا تستطيع أن تحرك أحداً أو تقنعه إذا وجدت عنها تعبيراً سيئاً فتملك ناصية التكنيك شرطاً أساسياً نحو ذرا الفن وهناك أقوال وآراء ونظريات كثيرة عن التكنيك وطرق التعبير، ولكنى اخترت أن تمتلئ قصصى بالناس ونبض الحياة، وأعرف مدى ثراء وغنى التراث الروائى المصرى، لذلك كان لابد أن يكون لى تكتنيك خاص بى، لقد اخترت أن أكتب باقتضاب كتابة مقطعية ترفض الراوى العليم وتسلسل الأحداث ونهاية الحكاية، كتابة تحبذ الانبجاس والاختزال معاً أحب أن أوجز وأعبر تعبيراً محدداً فعالاً مقنعاً، هذا الإيجاز يأتى من ملاحظة وعمل شاق وتحليل وفهم عميقين لما أكتب وأحب هنا ذكر حادثة للزعيم سعد زغلول فقد كتب للإمام محمد عبده قائلاً: اغفر لى الإطالة فليس لدى وقت للاختصار، وصدقنى لقد قضيت فى مراجعة الرواية وعملية الحذف والإضمار والإيجاز أكثر مما قضيته فى كتابتها، وعملية المراجعة رغم قسوتها علمتنى فضيلة التواضع وتقديرى لأعمال الآخرين، كما أنها جعلتنى أردد المثل القديم: "ذاك الذى لم يشعر بمصاعب فنه لا يعمل شيئاً ذا قيمة".
- فى أعمالك عشق واضح للطبيعة، كذلك توجد مقاطع سردية شاعرية فى وصف الطبيعة، علماً بافتقاد الكتابة الآن لهذا البعد؟
لقد ولدت وسط الخضرة والماء، بقرية من قرى محافظة الفيوم، الفيوم نفسها عبارة عن واحة خضراء جميلة، وكتاب المدينة يفتقرون المشهد الطبيعى، أما الكاتب الذى نشأ فى قرية أو فى مكان برى فسيجد نفسه دون أن يدرى يصف مشاهد للأشجار والزهور والترع والحقول والطيور والسماء والقمر الذى لا يمنع نوره شىء زد على ذلك حبى للطبيعة وللفنانين المغرمين بالطبيعة.
- ماذا عن تجربتك فى أوروبا وانعكاساتها على الكتابة؟
الابتعاد عن الوطن لا يعنى الانقطاع أو الانفصال، وبالنسبة لى يعنى التواصل والحنين، ولقد بدأت فى كتابة رواية "ليل لأطراف الدنيا" هناك فى اسكندنافية وكانت ذاكرتى تستحضر كل التفاصيل لأصغر مكان فى الإسكندرية - مكان الرواية - وهناك العديد من الأشخاص الذين اعتقدت أننى نسيتهم، ولكننى أثناء الكتابة تذكرتهم وتذكرت حكاياتهم، أما عما أضافته لى تجربة السفر، فقد أضافت الكثير على سبيل المثال: الوقوف أمام أماكن وأشخاص وأفكار كنت لا أعطيها اهتماماً كافياً، أو بمعنى أدق كانت ضغوط الحياة بمصر تعوقنى عنها وجدتنى أفكر فى كل ذلك من منظور مختلف وشعرت بحالة من التسامح حتى مع الأشخاص الذين اختلفت واختلفوا معى.
هناك أيضاً الحرية فعندما تعيش فى أوروبا وتجد كل الأشخاص حولك يعيشون ويعبرون بحرية عما فى داخلهم فلابد أن تتأثر بهذا.
- كيف رأيت الثورة المصرية وأنت خارج مصر؟
كنت فى حالة متابعة تامة جلوساً أمام الشبكة العنكبوتية (النت) أو قنوات التليفاز الإخبارية ومتابعة دؤوب للصحافة الأوروبية والعربية لمعرفة ما يحدث ناهيك عن متابعة الحدث من خلال الاتصال مع الأهل والأصدقاء فى مصر والذين شارك بعضهم فى ميدان التحرير وسائر ميادين تحرير مصر.
كنت كمعظم المصريين فى الخارج فى حالة ترقب وخوف وفرح ورغبة فى ذات الوقت للعودة إلى مصر ومشاركة الثائرين، وأذكر يوم تنحى الرئيس أننى فتحت نافذة بيتى فى الطابق الثانى وصرخت بأعلى صوتى "أنا مصرى" فقد ردت لنا الثورة الروح والهوية التى حاول النظام السابق سرقتها وتدميرها، لقد كان الناس هناك يسألوننى فى العمل وفى الشارع عن الثورة المصرية، فقد كانوا فى البداية يتوجسون من سيطرة التيارات الظلامية وقد وصلهم بالفعل فى بداية الأيام الأولى للثورة أن هذه التيارات هى التى تقوم بالثورة، لكن سرعان ما عرفوا وأدركوا أن الشعب المصرى كله هو الذى يقوم بهذا الفعل الثورى العظيم والحقيقة والحق يقال إن خوفهم من هذه التيارات الظلامية راجع لكون هذه التيارات تعمل على توظيف الدين لتحقيق أغراض سياسية تهمها هى بالأساس دون اعتبار لما سيعود على الشعب المصرى جراء ذلك زيادة على ذلك فإن هذه التيارات تخفى وجهاً ماضوياً محملاً بأفكار ضد الحريات والثقافة والمرأة وأصحاب الديانات الأخرى مع العلم بأنهم يظهرون فى خطابهم المداهن للغرب عكس ذلك، وقد تحققت بعض المخاوف من قفز هؤلاء على الثورة ومحاولة ركوب موجتها فتحاول التيارات الدينية متحالفة مع كل أطيافها من شق صفوف المصريين وإيجاد حالة استقطاب سياسى حاد، ولكن يتم ذلك عبر الدينى والمشهد فى التعديلات الدستورية خير دليل، وما نشهده اليوم من تراجعهم عن الذهاب إلى ميدان التحرير لتحقيق مطالب الثورة ما هو إلا نوع من الإحساس بالقوة ونبرة التعالى مع وجود مفردات التخوين أيضاً عبر "الدينى" فالثوار أصبح أغلبهم علمانيين، وإلحاديين وضد الدين والشريعة هكذا هو المشهد الآن.
التيار الدينى يدوس بأقدامه على جثامين ودماء الشهداء فى سبيل اللحاق وخطف الكرسى، ومع ذلك تظل الثورة المصرية عظيمة ويظل صداها رائعاً ويكفى أن أذكر لك أننى عندما سألت زوجتى عن الهدية التى تريدها من مصر كانت إجابتها: "حجر صغير كتذكار من ميدان التحرير".
وزملائى هناك من السويد والنرويج والدانمارك ومن جنسيات أخرى قالوا لى لقد فعلتموها بشكل رائع ومتحضر يليق بكم وبحضارتكم.
عزمى عبدالوهاب
التعليقات (0)