صعدت السلم اللولبي الذي يوصل إلى غرفة صديقي أبي العطاء الذي كان يتميز بالجد والمثابرة على طلب العلم كان شاباً أسمر اللون نحيلاً خفيف الحركة بساماً لطيف المعشر، قد شرب من ماء عين الفيجة منذ نعومة أظفاره،فكان شامي اللهجة رغم أنه من الحبشة.
وصلتُ باب الغرفة وقبل أن أطرق الباب قرأت ورقة كان قد ألصقها على باب غرفته نسبها إلى أبي العتاهية يقول فيها: رغيفُ خبزٍ يابسٍ تأكله في زاويه وكأسُ ماءٍ باردٍ تشربه من صافيه وغرفةُ صغيرةُ نفسك فيها خاليه خيرٌ من السّكنى بظلات القصور العالية سقى الله أيامك يا أبا العتاهية …
لقد سجلت عنواناً للزهد على صفحات الإنسانية، لقد كانت أيامك هادئة، فالمرء يزهد باختياره إذ كل ما يحتاجه متوفر ومتاح، الخبز واللحم والماء البارد والقصور العالية… كل هذا موجود ، فحاول الزهاد والمصلحون أن يصححوا طريق العباد الذي انحرف بهم إلى زاوية الملذات حتى غرقوا بها.
إن حقيقة الزهد أن تجد شيئاً أمامك فتتركه لا عن عجز منك ولكن زهداً فيه وطلبا لما هو أحب إلى الله تعالى منه؛ تربية للنفس للوصول إلى مقام القرب، وهذا ما جلاّه ابن المبارك رحمه الله تعالى عندما قيل له: يا زاهد، فقال: الزاهد عمر بن عبد العزيز إذ جاءته الدنيا راغمة فتركها، وأما أنا فبماذا زهدت؟.
إن الإنسان اليوم يترك الضروريات مكرهاً لا زهداً… ألا فانظر يا أبا العتاهية إلى حالنا اليوم، فلقد أصبحنا زهاداً بالقوة، لقد أجبر إنسان اليوم على الزهد إجباراً وسيق إليه سوقاً، فهو إن أراد أكل اللحم صاح راتبه الشهري صوتاً تقشعر منه جلود الموظفين، وإن أراد الاستمتاع بجمال الطبيعة صدم بما يجده من ارتفاع للأسعار حتى في وسائل النقل، إلا إذا كان يملك حماراً!!. و إذا أراد استبدال قميص مكان قميصه الذي اهترأ من كثرة الغسيل والكي، كُوي بما يراه من أسعارٍ في المحلات
فماذا تقول يا شاعرنا لو كنت معنا وبحثت عن رغيف خبز فلم تجده إلا بعد خوضك معركة ربما تكون الغالب فيها إن كنت من أصحاب العضلات المفتولة، أو تجمعك علاقة مع بائع الخبز …فهل تزهد حتى في رغيف الخبز؟؟.
إشارة: لكسرة من رغيف خبــز تؤدم بالملح والكرامه أشهى إلى الحر من طعام يختم بالشــهد والملامـــه
التعليقات (0)