قالت إن أزمة الثقافة العربية كامنة في التعليم
الشاعرة العراقية سارة طالب السهيل لـ « العالم »: لدينا مسوخ كتابات وغموض وشخبطات مطبوعة تحت مسمى الشعر
القاهرة - محسن حسن
بريئة كطفلة عابثة، رقيقة كنسمة عابرة، محلقة كطير رحّال لا يمله فضاء، ولا يمل هو الفضاء، حينما تحدثها وتحدثك، لا تدرك ملمحاً للتكلف والاستعلاء، بل أرضية مشتركة لحوار إنساني صريح وعميق، ورغبة جامحة في التعبير عن آفاق واسعة لا حدود لها؛ من الفرح والحزن، اللذة والألم، الماضي والحاضر، ناهيك عن آفاق أخرى من الصفح والغفران، اكتسبتها من محنة الطفولة وقسوتها، تلك المحنة التي حفرتها حادثة اغتيال والدها الشيخ طالب السهيل في بيروت بلبنان وهي طفلة بالمدرسة، على يد المخابرات العراقية في عهد صدام حسين في الثاني عشر من نيسان عام 1994، وهي الحادثة التي تركت آثارها حية باقية إلى اليوم في كل ما يحيط بها وبعالمها، والتي جعلتها أكثر إصراراً على تحقيق الذات وتحدي المستحيل من أجل تحقيق حلم والدها في رسم البهجة والابتسامة على وجوه البؤساء، وتحقيق العزة والكرامة للضعفاء والمهمشين، وفوق كل هذا وذاك، حلمه في "عراق" يكلله الأمن والديمقراطية، وتشمله المحبة والازدهار، وتقوده سلطة تحترم كل الأعراق والأصول، وتحتكم إلى القانون والإنسانية والطاقات الخلاقة المبدعة.. إنها الشاعرة والأديبة العراقية "سارة طالب السهيل " التي تؤمن بأن قدْر الأعمار على قدْر العطاء، لا على قدْر عدد السنين، والتي التقتها "العالم" بالقاهرة في هذا الحوار .
دعينا نبدأ من خماسية الترحال بين الأردن والعراق ولبنان ولندن والقاهرة. ما الذي خطّه هذا الترحال في عالمك ومكوناتك؟
ـ طبعاً هذا الترحال أثّر بشكل إيجابي كثيراً في حياتي، وساعدني على اكتساب خبرات إنسانية عميقة، ولكن الإحساس بالغربة عن الوطن الأم، ظل إحساساً مراوغاً وملحاً ومؤلماً في ذات الوقت، والحقيقة أن المقام بالأردن مثّل بالنسبة لي أماً بديلة وحضانة رحيمة عوّضتني جزءاً كبيراً من الإحساس بالغربة.
هذا يجعلني أسألك عن طفولتك كيف كانت وبأية ملامح هي؟
طفولتي بالأردن كانت آمنة؛ وتربيتي بمدرسة راهبات تحت رعاية ثلاثين أو أربعين راهبة، كانت كفيلة بأن أتعود الانضباط والأخلاق والسلوك قبل تحصيل العلم، والحقيقة كل واحدة منهن كانت تعد أماً وحاضنة في معاملتها ، كما كان احتضان المجتمع الأردني لي مخلّصاً لي من كل العقد والمشكلات النفسية المتوقعة بسبب الغربة والحرمان من الوطن الأم.
جذورك اللبنانية من ناحية الأم إلى أى حد تأثرت بها؟
كان ارتباطي بلبنان عن طريق زيارات للأقارب على فترات بعيدة، فلم تكن إقامتي هناك، لكن أستطيع الجزم بأن جذور أمي اللبنانية ممزوجة بدمي وبمكوناتي الشخصية والحضارية والثقافية ؛ فقد أخذت من لبنان إيجابياتها؛ جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، جمال الطبيعة، البساطة والتلقائية واللطف في التعامل، أخذت من لبنان الاهتمام بتفاصيل الأمور، وكذلك الاهتمام بجماليات الأشياء.
وماذا عن تأثرك بالشيخ طالب السهيل ؟
أنا أعتبر والدي الشيخ طالب السهيل قدوة لي، فهو الرجل الذي قال كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، وفي الوقت الذي لم يكن باستطاعة غيره أن يفعل ذلك ، فعل ذلك في زمن الخضوع والاستكانة، ودون أن يكون منتمياً لحزب أو مسنوداً من دولة أو عميلاً لبلد ما أو حاصلاً على تمويل من جهة ما، أو تشوب تصرفاته ومواقفه أغراض مشبوهة، إنه تحدِ كبير تحمله هذا الرجل وواجهه بكل قوة، وأستطيع أن أقول إن الشيخ طالب السهيل ساهم هو ورفاقه مساهمات جادة وجذرية في الفكر الثوري للشعب العربي والذي نلمس نتائجه الآن على أرض الواقع .
كيف أثّر حادث اغتيال والدك عليك وقتها؟
لقد تم تصفية والدي واغتياله عام 1994 وأنا كنت طفلة صغيرة بالمدرسة، وطبعاً هذا الحادث أثّر على حياتي، وعلى توجهي في الحياة، نظرتي صورتي عواطفي، جرحي، كله مبني على هذه القضية، بمعنى أنني أصبحت أكثراً إصراراً على تحقيق الذات والحلم، فالشيخ طالب مرسوم في ذاكرتي ولن ينمحي أبداً.
هل ساهم هذا التأثير في تحريك الوجدان الشعري لديك؟
ـ الحقيقة انا كتبت الشعر في عام 2000، وطبعت ديواني الاول وأنا في الجامعة، ولكن ثمة حالة نضج مبكرة شملتني؛ حتى أنني كنت في سن السادسة عشر أقوم بإرسال مقالات لصحف الحياة والشرق الأوسط والقدس، وأيضاً أثناء دراستي في لندن كنت أفعل ذلك مع بعض الصحف والمجلات، والغريب أنهم كانوا يقومون بالنشر، ظناً منهم أن الكاتبة متمرسة وناضجة وكبيرة في السن.
أصبح الشعر في صراع مع الرواية.. إلى أيهما تنتصرين وأنت شاعرة؟
الشعر والرواية كلاهما قائد منتصر في مكانه ولدى جمهوره، وهذا ينطبق أيضاً على كل أجناس الكتابة، والتي هي فن مفتوح لا نستطيع قولبته أو تحجيمه، والفكرة هي التي تحدد إطارها سواء كان هذا الإطار شعري أو قصصي أو مقالي، ومن ثم فكل يراوح مكانه تقدماً وتأخراً في تبادل حثيث للأماكن والمراكز.
لكن يظهر على السطح دائماً تراجع الشعر وتقدم الرواية عليه؟
لأنه لا يوجد تشجيع حقيقي للشعراء، كما لا يوجد إقبال على الدواوين الشعرية، وهذا في حد ذاته جاء كنتيجة طبيعية لتسلط البعض على عالم الكتابة الشعرية، فالمواهب الشعرية الحقيقية تأخرت، بينما تصدر المشهد أشباه المواهب بل من لا يملكون ناصية الكتابة أصلاً، فأصبحت لدينا مسوخ كتابات وشخبطات مطبوعة تحت مسمى الشعر، ناهيك عن غموض بعض الكتابات وإصرار البعض على طلاسم شعرية غير مفهومة للمتلقي، وخلو الشعر من موضوعات جديدة، وتحول الذائقة الشعرية لدى بعض الجماهير إلى ذائقة مريضة لا تصفق إلا للتافه، كل هذا أزهق روح الشعر الصافية الخلابة التي تأخذ بألباب المشاعر والأحاسيس.
من وجهة نظرك أين تكمن أزمة الثقافة العربية ؟
أزمة الثقافة العربية كامنة في التعليم، وفي الاتجاه من القراءة للهوايات التافهة، وفيما يبثه الإعلام من برامج وأفلام هدامة، وأنا لدي استياء شديد من هذا لأنه يتم تحت مسمى الفن بينما هو ليس كذلك، ولأنه في حقيقته يصب في سوء الأخلاق وسوء التربية، وقد قمت بالتحكيم في مهرجانات سينمائية عديدة وسألوني هل أنت مع السينما النظيفة، فكنت أقول نعم أنا مع السينما النظيفة، وفي سينما الأبيض والأسود كانت تقدم كل الموضوعات ولكن في إطار مقنن ومنضبط، فلم تكن الممثلات محجبات ولا منقبات، ولكنهن كن في ذات الوقت جميلات ومحترمات ولسن على هذه الدرجة المخجلة من العرى والإسفاف، فالوسطية مطلوبة، هذا من ناحية الشكل أم من ناحية المضمون فلا توجد موضوعات قوية تقدم لهذا الجيل، سوى موضوعات تافهة وسطحية تقوم في الأساس على حجم المكاسب وتذاكر الشباك.
ولكن ربما اعتبر البعض كلامك هذا ضد حرية الإبداع، وهي معركة محتدة الآن في بلاد الربيع العربي؟
ـ لابد من أن تكون صناعة الإعلام والسينما في أيدي المختصين، وكل من يروّج لفكرة الانفتاح السينمائي والإعلامي المطلق بلا رقابة ولا حدود مقننة هو شخص يروج لحدوث بلبلة فكرية وأخلاقية في المجتمع، وأما حرية الإبداع فهي ليست على إطلاقها، أنت حر في إبداعك داخل بيتك، أما إذا كان إبداعك هذا سيخرج إلى الناس عبر وسيط إعلامي ليدمر المجتمع فهذا أمر مرفوض.
ـ قمت بطباعة بعض الكتب الجديدة، وفي الطريق لإصدار ديوان شعري جديد، وهناك قصة " أميرة البحيرة " تحت الطبع، وهناك كتاب تعليمي للأطفال أيضاً تحت الطبع، وهناك أخيراً الرواية الأولى لي في عالم الطبع الروائي في القريب إن شاء الله.
التعليقات (0)