مواضيع اليوم

حوار على عجل .. طريق الأحزاب الكردية السورية الى جحيم النظام

حسين جلبي

2011-07-04 22:19:28

0

  بصرف النظر عن الأسئلة التقليدية التي تثيرها دعوة النظام السوري للأحزاب الكردية السورية إلى الحوار، فإن كل الوقائع على الأرض تصب في جهة اللاحوار معه، لسببٍ بسيط هو أن كل ما يقوم به يشير إلى أنه لا يوجد على إجندته  شئ إسمه حوار بمعناه المتعارف عليه.

لكن أسلوب الدعوة، التي تبدو إستدعاءً على عجل، يجعلنا نذهب إلى توضيح أهداف النظام من دعوته هذه، و التي يقف وراءها ثلاثة أسبابٍ على الأقل:
السبب الأول شكلي دعائي لكنه يعتبر جوهري حسب عقلية النظام، و ذلك بقيامه بأخذ الصور التذكارية مع وفودٍ مختلفة  لٌلتدليل على إنفتاحه على مواطنيه، في الوقت الذي يقتلهم فيه بكل سخاء، فيقوم بإرسال صور لقاءاته إلى كل الإتجاهات كجزء من البروباغندا،  و لقاءه مع الأحزاب الكردية لن يختلف في شئ عما ينشره إعلامه يومياً في هذا الشأن عندما يجبر المواطنين و خاصة ممن له موقف معارض، أو أدلى برأي لا ينسجم مع سياسته، أو ممن يتأمل الناس فيه خيراً، على الخروج في الإعلام لإظهار وقوفه إلى جانب النظام. و أشير هنا كدليل على صورية المسألة و عدم جديتها إلى أن دعوة الحوار لم تتضمن إرسال مبادرة ما، كما لم يطلب النظام من الأحزاب الكردية إحضار مبادرتها الموجودة منذ فترة في الإعلام للتباحث فيها.
السبب الثاني لدعوة النظام للحوار هو محاولته  الإلتفاف على نتائج مؤتمر أنطاليا وخنق الروح السورية الجديدة التي خلقتها الثورة السورية العظيمة  و إنعكست على المؤتمرين، فالدعوة هي محاولة يائسة لتحريض السوريين على بعضهم البعض، و خلق الإنشقاقات بينهم، بمحاولة إظهار عدم مبالاة السوريين و عدم إهتمامهم بأوجاع بعضهم البعض. 
أما السبب الثالث فهو التمهيد لتنفيذ شئ ما، سئ، في المناطق الكردية، تم تدبيره على نار هادئة، و تأجيله كثيراً، و ذلك لحماية ظهره أثناء توجهه لقمع المظاهرات في باقي سوريا حتى لا يقع بين نارين، فبعد أن فشل النظام عبر إستعمال سياسة (القفازات الحريرية)، و كذلك (حكمة شيوخ السياسة) في الحد من التظاهرات الكردية و تحجيمها، و إلحاق الهزيمة بشبابها، فإنه قد يبدأ قريباً بالتصعيد بدلاً من (القمع الإعتيادي) و الإعتقالات، و يبدو النظام هنا كأنه قد فقد صبره، خاصة بعد أن إستدعى أدواته، و هيأ المسرح للتنفيذ، و تمهيداً للمجزرة فإنه يحاول تعميق الإنشقاق في الشارع الكردي و تحييد البعض، ليسهل عليه تنفيذ جرائمه، و إيجاد من يسكت عنها إن لم يبررها.
لذلك أعتقد أن شيئاً واحداً سيسمعه الضيوف من مضيفهم: تهديداً مباشراً بقتلنا إن لم يتوقف التظاهر، و لا شئ غير ذلك. 
من ناحيتهم يبدو الكرد و لإسبابٍ شتى، مثلهم مثل باقي مكونات الشعب السوري غير موحدين، فقد ذهب إلى مؤتمر أنطاليا مثلاً بعض الأحزاب الكردية الى جانب المستقلين في الوقت الذي قاطعه البعض، و حتى في سوريا ليس كل الكرد منضوين تحت راية الأحزاب، و حتى الأحزاب لن تلبي كلها الدعوة للحوار.
الذاهبين للحوار يعتقدون بأنهم سيتمكنون من إقناع رئيس النظام بمبادرتهم التي تتضمن من ضمن ما تتضمنه إيقافاً فورياً للقتل و السماح للناس بالتظاهر، و عمل كل ما من شأنه تحقيق مطالبهم، أي أنهم يذهبون بنوايا طيبة لكن يغلفها أيضاً بعض الخوف من نتائج رفض الدعوة، ربما يتصورون أنهم سيقومون بإيصال رسالة المحتجين  بصورة صحيحة لإعتقادهم بأن النظام لم يستوعبها بعد, و بكلمة أخرى لعب دور شبيه بذلك الذي لعبه أكراد العراق في التوفيق بين الأطراف العراقية المختلفة بعد الإنتخابات الأخيرة، لكنهم  ـ أي الأكراد المتحزبون ـ لا يعلمون هنا أن الأمنيات شئ و الواقع شئ آخر، و إن الطريق الى جهنم مفروشة بالنوايا الطيبة.
إنهم لا يريدون إضاعة ما يعتقدونه فرصة، لكنهم لا يعلمون أن النظام أهدر كل الفرص و أضاعها.   
الحقيقة أن كل الطرق المؤدية إلى دمشق، و إلى قصر المهاجرين تحديداً مليئة بالجثث المتناثرة، حوّل المقيمون هناك قصرهم إلى جزيرة معزولة يحيط بها بحر من الدماء سيغرق جزيرتهم ذاتها يوماً ما، يتوجب على من يرغب في الوصول إلى تلك الجزيرة المرور فوق كل تلك الجثث و الخوض في ذلك البحر الأحمر. من يمتلك الجرأة لذلك؟ يبدو أن المبادرين في صدد ذلك.
لستُ هنا في صدد تقييم المبادرة الكردية التي تنوي الأحزاب الكردية جعلها ورقة عمل للتفاوض في لقاءها القادم، لكن الملاحظ أنها ناقصة على الأقل من جهة عدم وجود سقف زمني لها، و عدم تضمنها مسألة التداول السلمي للسلطة و هو أس المشكلة، و هنا أدعو أصحاب المبادرة إلى القراءة المتمعنة لبيان مؤتمر أنطاليا 02.06.2011 التي تعتبر وثيقة تاريخية شاملة و أساساً جيداً لما يجب أن تكون عليه سوريا المستقبل، حيث يؤكد في أحد فقراته على أن الشعب السوري يتكون من عدة قوميات، و بعد أن يذكر سبعة منها دون أن ينفي وجود أخرى، و دون تفضيلٍ بينها، سواءٌ من حيث الحجم أو غيره، يؤكد على تثبيت الحقوق المشروعة و المتساوية لهذه المكونات في دستور سوريا الجديدة، التي ستكون دولة مدنية قائمة على ركائز النظام الديمقراطي البرلماني التعددي. هذه الفقرة و غيرها ستطفأ حتماً هواجس قادة الحركة الكردية.
  نقطة أخرى و هي أن الحوار ليس بين أناس مختلفين فحسب، بل هو في المحصلة بين أناس أدى إختلافهم في مرحلة معينة إلى إشعال شرارة سببت حريقاً ضخماً، يؤدي بدوره إلى إنطلاقة حوار لإطفائه بعد إقتناع مختلف الأطراف بالحاجة إلى ذلك، و تقدم كل طرف بمشروعه للحل. و مع عدم إنكار وجود إختلاق جوهري بين السادة الذين تم إستدعائهم إلى دمشق و النظام، فإن خلافهم لم يؤدي إلى الصدام الحالي، و لذلك تبدو مبادرتهم الكريمة خارج سياق الأحداث الحالية، فهي تصلح ـ بصرف النظر عن رأينا فيها ـ لكل زمان و مكان عدا هذا، يمكن مناقشة مبادرتهم و كذلك دعوة النظام للحوار عندما تكون الأوضاع غير هذه.
أخيراً فأن الذهاب إلى النظام في هذه الظروف شجاعة تتجاوز المغامرة، و تلامس حدود إشعال النيران في الأبدان، قليلون فقط هم من يجرؤ على خوضها، و تحمل لسعات اللهب. لا أعلم إن كانت هذه الخطوة ستحسب لهؤلاء الرجال أم عليهم، لكن ما أنا متأكد منه، أن دافعهم للذهاب اليوم لا يختلف في النهاية عن دافعهم قبل أعوام، عندما تداعوا بشجاعة منقطعة النظير للتظاهر أمام مجلس الشعب السوري، فقط أذكِر هنا أن أعواماً قد مرت، و تغيرت بمرورها العناوين.
الذهاب قبل أعوام من أجل التظاهر في شوارع دمشق، هو غير الذهاب اليوم الى قصر المهاجرين الراحلين، للتفاوض على التظاهر، فلكل زمان دولة و رجال، و دولة اليوم يتواجد رجالها في الشارع و ليس إلى القصور.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !