مواضيع اليوم

حوار صريح وجريء مع لاجئة سورية في لبنان

محمد كريم

2015-07-23 18:14:36

0

 

 

 

 

 

خلال زيارتي لأحد مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان مطلع هذا العام من أجل الاطلاع على أوضاعهم المعيشية المأساوية والمساعدة في تأمين بعض احتياجاتهم الضرورية من خلال منظمات المجتمع المدني، سنحت لي الفرصة للتحدث قليلاً مع إحدى اللاجئات السوريات هناك، التي ظهرت مآسي الحرب والتهجير بوضوح على وجهها الصغير. 

 

قالت السيدة سلمى: "أعيش في العراء على حدود بلدي المحترقة الممزقة. فقدت زوجي غدراً، ومات اثنان من أولادي بعد أن تهدم عليهما المنزل. تطاردني الرياح.. ويحاصرني الثلج.. وأرى ابنتي الوحيدة تنظر إليّ بعينين زائغتين وسؤال كبير: ما ذنبي يا ماما؟ لماذا نحن هنا؟ 

 

خناجر تتسابق إلى صدري. لم أجد الجواب. ربتّ على كتفها الصغير وقلت لها: الله معنا يا ابنتي. رفعت "سلمى" رأسها والتفت إلي قائلة: نحن ضحايا عالم شرس لا يعرف الرحمة، وأنظمة سلطوية لا تقيم لشعوبها أو الإنسان وزناً ولا تقدر له قيمة.

 

نحن ضحايا شخص واحد.. أو أشخاص عديدين يلعبون بأقدار شعوبهم دونما تفكير بما آلت إليه هذه الحرب العبثية المسعورة، التي لا تعرف الرحمة ولا تُفرّق بين الدبّابة وصدر الإنسان. 

 

وأردفت قائلة: مات كثيرون من جيراننا وأهلنا، وشاهدنا جثثهم تأكلها الكلاب الضالة. رحلنا هلعاً من هذه المناظر وخوفاً من أن نتبعهم، ولربما كان مصيرنا أسوأ من مصيرهم. 

 

لم يَبق لي جدار أستند عليه بعد أن قتل زوجي واثنان من أولادي في قصف البراميل المتفجرة، التي لا تعرف فرقاً بين عصابة وعائلة تنعم بالأمان والحب. 

 

أحوم حول خيمتي الواهنة، عَلنّي أسمع خبراً سعيداً بانتهاء هذه الحرب المشؤومة، وعودتنا إلى منزلنا المهدم. مهما يكن، فالإنسان من دون وطن ومن دون منزل لا تكون له كرامة ولا يشعر الآخرون بقيمته ولا يُقدرونه حق قدره. أتلقى المساعدات من مسؤولي الإغاثة الذين يؤدون عملهم بكل دقة وسرعة، ولا وقت لديهم للإجابة عن تساؤلاتي بمصيرنا في الغد. 

 

في مخيمات اللاجئين لا يرفع الإنسان رأسه إلا للدعاء والطعام، وإذا نفد الطعام فالحياة مُهددة، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال الذين نسوا أشكال لعبهم، ونسوا دروسهم وأغانيهم الصباحية. لقد فتحوا أعينهم في لحظة الزمان الغادر على الحجارة ونباتات الصحراء والسّحالي، وبقايا "خراطيش" البنادق والرصاص. 

 

وتضيف "سلمى" بتنهيدة كبيرة: ماذا أفعل أنا المرأة الضعيفة مع استمرار أسئلة ابنتي ذات السنوات السبع؟ إنها تصفعني كل صباح بسؤالي عن الغد والمستقبل. 

 

الجواب عند السياسيين من أبناء بلدي الذين لا يُعانون ما أعانيه، ولا يرون مشاهد البؤس التي تحتل وجوه أبناء هذه المخيمات الموحشة. 

 

الجواب عند ساكني القصور وأصحاب القرار السياسي في بلدي، الذين يستطيعون بقرار سياسي وضع حد لمأساة شعب بأكمله، يعيش ثلاثة أرباعه على الحدود في العراء. 

 

 وتختم قولها: هل يسمع هؤلاء سؤال ابنتي: ما ذنبي يا ماما.. لماذا نحن هنا؟ 

 

غادرت الموقع وأنا حزين جداً لما شاهدت وسمعت، مستحضراً في ذاكرتي قول الشاعر:    

 

 

مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة 

فقالت كيف لا أبكي وقومي جميعاً دون خلق الله ماتوا

 

مررت على الشجاعة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة  

فقالت كيف والشجعان مروا على المظلوم فابتسموا وفاتوا 

 

مررت على العروبة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة 

أجابتني بنظرات طوال.. فإذ بالرد أبلغه السكات




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !