تسعى الإدارة الأمريكية لإغلاق معتقل غوانتانامو منذ انتخاب باراك أوباما رئيساً، وذلك عقب 14 عاماً على هجمات 11 سبتمبر. وهناك إمكانية لاستخدام سجن فدرالي يتبع لمكتب التحقيقات الفيدرالية كبديل لغوانتانامو ليأوي السجناء الأكثر خطورة بنظر الولايات المتحدة.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أنه لا يزال في غوانتانامو 115 معتقلاً، القسم الأكبر منهم يمنيون، ما يشكل إحدى أهم العقبات أمام إغلاق السجن بسبب استحالة إعادتهم إلى بلادهم التي تشهد نزاعاً مسلحاً.
وقد سنحت لي الفرصة - ضمن مجموعة من الناشطين المهتمين بالقضايا الإنسانية والاجتماعية - للمشاركة في حوار مع أحد السجناء في المعتقل من إحدى الدول الخليجية، تحدث فيه عن معاناته الصعبة منذ سنوات طويلة والظروف التي أدت به للوصول إلى هذا المعتقل ذي السمعة السيئة.
تحدث "أحمد" بنبرة حزينة وغصة كبيرة في قلبه وقال: كنت في السادسة عشرة من عمري. وكنت أتردد على المسجد باستمرار وأحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها. أسرتي ميسورة ولا ينقصنا شيء. أحظى بحنان الأم ورعاية الأب الذي لم يتردد يوماً في توجيهي ونصحي لما يفيدني وما يجعلني إنساناً صالحاً، أخدم مجتمعي وأكوّن أسرة صالحة في المستقبل.
لقد تأثرتُ جداً بكلمات إمام المسجد الذي كان يخطب فينا بعد كل صلاة، ويحثنا على الجهاد في سبيل الله وترك الدنيا وما فيها، والتوجه إلى الله بقلب سليم ومحاربة الكفار أينما وُجدوا، وأن الموت واحد، ومن الأفضل أن يموت الإنسان بالشهادة في سبيل الله، ويُكتب مع الشهداء والصديقين.
لقد ظل الإمام يكرر علينا هذه العظة كل يوم ولأكثر من عامين. تشجع بعض الشباب وسجلوا أسماءهم وذهبوا إلى أفغانستان. بدأ الإمام يوبخ الذين لم يلتحقوا بإخوانهم للجهاد، ويكرر على مسامعهم ويلات يوم القيامة، وعذاب القبر، وأفاعي نار جهنم، وغيرها من الصور المؤلمة التي تقشعر لها الأبدان.
ولأنني لم أكمل الثانوية بعد، وما زلت في حاجة إلى المصروف الذي أحصل عليه من والدي، خفتُ أن يغضب مني والدي ويقطع المصروف لو أخبرته بأمر التحاقي بكوكبة الجهاد في سبيل الله.
بعد أشهر، تشاورت مع الإمام، وأبلغني بفتوى (أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وأن الجهاد لا يحتاج إلى إذن من ولي الأمر. وفوجئت بأنه رتّب لي مبلغاً من المال وتذكرة سفر كي ألتحق بالمجاهدين في أفغانستان.
بعد فترة قصيرة، هربت من المنزل من دون وداع أسرتي أو أصحابي. وصلت إلى أفغانستان ودخلت مباشرة في معسكر التدريب. تعلمت فنون القتال، ولكن لم نجد الأعداء الذين كان الإمام يتحدث عنهم. بعد أسابيع هاجمتنا فرقة عسكرية غربية بشكل مفاجئ، وتم أسرنا فوراً وترحيلنا فيما بعد ضمن مجموعة تضم أكثر من ثلاثين شاباً هم في عمري نفسه ومن بلدان خليجية متعددة.
وحتى اليوم لا يعرف أهلي أين أنا، ولا كيف أعيش، وأنا لا أعرف ما هو مصيري. كما أن الإمام ومن حوله لم يتحركوا قيد أنملة للبحث عنا أو الدفاع عنا. ونحن نعاني من أيام السجن الطويلة، فضلاً عن التحرشات والمضايقات التي نتعرض لها باستمرار.
لقد قطعت دراستي، وضاع حلم والدتي بأن أكون مهندساً. ولقد تخرج زملائي في الجامعة، وقطعوا أشواطاً في تعليمهم العالي ووظائفهم المهنية.
وأنا قابع هنا في السجن. أحياناً أتساءل: هل كان الإمام على حق، وكان أهلي على باطل، حيث لمست منهم نفوراً وعدم رغبة في فتح موضوع الجهاد معهم. بل إنني أتساءل: أين أفغانستان الآن؟ وهل فعلاً نحن حاربنا الكفار فيها؟!
أحببت أن أشاركم حوار أحمد لعل قصته تكون درساً وعظةً لغيره من الشباب المهووسين بالفكر الجهادي.
التعليقات (0)