كتبت أطروحة على صفحتي بالفيس بوك معبراً فيها عن رأيي بخصوص شعار.."الإسلام هو الحل"..وإمكانية القول بأن جماعة الإخوان المسلمين تخلت عن الشعار نهائياً..هكذا أعتقد فالتخلي عن الشعار -عملياً- يعني أن هناك فصلاً بين الدين والدولة يمارسه الإخوان عن جهل..فالفصل بين الدين والدولة هو واقع افتراضي يمارسه الإخوان شاءوا أم أبوا، ربما يعود ذلك لمناهج التعليم داخل الجماعة التي تعطي للثقافة دوراً ثانوياً في التنشئة الفكرية وهذا موضوع طويل ربما نبحث فيه مستقبلاً.
تقول الأطروحة..."شعار "الإسلام هو الحل" تم التخلي عنه "جبراً" على كِلا المستويين الخطابيين الدعائي والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين..وقد كان لك الشعار هو عماد دعوة الإخوان لهدف الحشد...بينما لا تزال الكوادر في غفلة عن ما حدث.. وهذا خطأ تكتيكي وقع فيه الإخوان، نفس الخطأ الذي وقع فيه السلفيين حين قرروا الدخول في العملية السياسية دون إجراء مراجعات."انتهى
بعدها جائني أخ إخواني محترم على الصفحة ليعترض ثم يناقش..وسأكتفي بعرض الحوار كاملاً ثم أعقبه بالتعليق:
الإخواني: لم يتم التخلي عن الشعار هذا ابدا..ولكن اضيف اليه شعارات اخرى جعلت بعض الناس يعتدون ذلك...برغم الاخطاء التي تتحدث عنها للاخوان..فهم في احسن احوالهم ويتجهون لحكم كل البلاد العربيه ..
سامح عسكر: أعطني دليلاً ينفي هذا الادعاء وسأسلّم لك...النفي لمجرد النفي لا يصح...
الإخواني: انا لست مضطرا لاعطاء الدليل...فالهدف من الشعار ليس الشعار بحد ذاته..وانما النتائج..والنتائج على الارض اكبر دليل...ودليلي الاكبر هو اداء الدكتور محمد مرسي...فهو يطبق الشعار على الارض...لو كنت تتابع..
سامح عسكر: مرسي لم يزيد عن ما فعله أقرانه من قبل..بل كل ما جاء به فعل مثله حسني والسادات وعبدالناصر ....أخي أنا أريد دلالة واحدة تقول أن مرسي يطبق شعار "الإسلام هو الحل" الآن..بدليل عملي واحد يميزه عن أقرانه....هذا يكفي.
الإخواني: طلبك صعب...لاني لا اعرف بالضبط ماذا تفهم انت من شعار الاسلام هو الحل..فقبل ان اجيبك اسالك في اي جانب تريد الدليل؟؟؟ اتريده دينيا خالصا؟؟؟ام اسلاما شاملا بكل المجالات؟؟؟؟؟
سامح عسكر: معنى الإسلام هو الحل هو وجود برنامج متميز غير موجود سلفاً يرفع دعوى البناء بمرجعية الدين....وهذا مفهوم تمت الدعوة له على مر عشرات السنين دون إدراك لمعناه الحقيقي سوى من جانب خصوم الإخوان..الذين رأوا خطورته على العملية السياسية برمتها...أما قولك"دينياً خالصاً أو إسلاما شاملاً "فهما بمعنى واحد وليسوا مفترقين وهذا يعطي مؤشر على عدم تفهم قضية الدولة والسياسة معاً......
الإخواني: كلامك يثبت لي ما تخوفت منه..انت تقول ان الاخوان لم يدركوا معنى شعارهم لكن خصومهم فهموه...لماذا لا نعكسها ونقول ان خصومهم فهموه ليس على ما قصده الاخوان...او ان الخصوم تقصدوا فهمه على الجانب الخطير الذي تشير اليه...ما يقوم به مرسي الان...من صلاة في المسجد...امامته للناس في الصلاه...ودعوة الحرس الشخصي له للجلوس والاكل معه على المائده....الى السفر لاوروبا والصين..وايجاد بدائل لقمح امريكا مثلا...واقامة علاقات طيبه مع دول حوض النيل.....وبناء جيش قوي...الى عدم تعطيل موكبه للسير في القاهره..الى..الى..الى....كلها اخلاق رئيس دوله مدنيه....باخلاق اسلاميه...دولة الاخوان التي تخوف منها خصومهم..لا تفرض الحجاب كأيران مثلا والسعوديه....(الكثير من السعوديات والايرانيات بمجرد صعودهم الى الطائره يخلعن ما فرض عليهن من الدوله) وهذا ليس منهج الاخوان...لا تنتظر ان تصبح مصر بعد شهرين كاوروبا..ولكن المصريين وبعد اقل من ثلاثة شهور يشعرون بالفرق...ويشعرون ان رئيسهم منهم..ويعيش الامهم واحلامهم...انت تحكم على الاخوان بحكم مسبق...لو كنت عادلا لاعطيتهم فرصة وبعدها تحكم وحدد موقفك....ولكني اخشى ان تكون خصومتك معهم من باب الحسد السياسي...
سامح عسكر: الصلاة في المسجد والحلف على المصحف وتواضع الحاكم أمام حراسه.. دي كلها شكليات تحدث حتى في دول لا يحكمها الإخوان بل يحدث بعضها في دول يحكمها كفار ومتقدمون عنا بمراحل..هي شكليات ليست لها علاقة بالنهضة ولا غيره..لكن صدقني لو الإخوان ظنوا في المصريين ضعفاً لفرضوا الحجاب من باكر..ولكنهم يعرفون طبيعة الشعب المصري فهو شعب يكره الوصاية الدينية بشكل عظيم.
الإخواني: طبعا انا توقعت اجابتك...وطبعا كلامك لو ظنوا في المصريين ضعفا لفرضوا الحجاب...حكم مسبق اخر ينم عن حقد سياسي....الاخوان دعوة لن تموت...سيحكم الاخوان يالعدل...وهذا زمن الاخوان....والشعب المصري الذي يرفض الوصايه هو نفسه من انتخب الاخوان لانه يعرف انهم لا يفرضون شئ على احد...انما هي التربيه والتدريج...تربية المحتمع على عدم القاء الاوساخ في الطريق...وتربية النساء على العفاف والرجال على الصدق وعندها لن يضطروا ليفرضوا شيئا على احد....
سامح عسكر: جميعنا يبغي العدل والصدق ولا يوجد إنسان مسلم أوكافر.. بر أوفاجر إلا ويقدسون هذه القيم ويعملون لها..ولكن إذا كان هذا هو مفهومك عن .."حكم الإسلام".. فسويسرا تحكم بالإسلام أكثر من الإخوان...لن تكون شوارع مصر أنظف من شوارع سويسرا .ولن يكون الشعب المصري أصدق من الشعب الياباني والصيني..ولكن نحن شعوب أدمنت أن تكذب على نفسها وأن تعطي لكل شئ صبغة دينية حتى لو كانت لمباراة بين فريقين في كرة القدم.
الإخواني: اتفق معك ان سويسرا تحكم بالاسلام اكثر منا...اما سمعت قول الغزالي عندما قال...في الغرب رايت اسلاما بدون مسلمين..وعدنا مسلمين بلا اسلام....ستكون شوارع مصر وغير مصر انظف من شوارع سويسرا ان شاء الله...وستكون الشعوب العربيه اصدق...وانا اعطي كل شئ صبغه دينيه لان الله يقول..قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين....ولست اصدق من الله ...وهو من وضع قوانين هذه الحياه...لن نصل بحكم كالذي عند الغرب الا بالدين.جربنا كل شئ..يساريتك التي تدافع عنها قضت على كل شئ عندنا واتت بمصائب لا حصر لها...شيوعيه؟؟؟؟ قوميه عربيه؟؟ اشتراكيه؟؟؟ الغرب ليس عندهم اسلامنا ..لذلك وجب عليهم الاخذ بافضل الموجود عندهم...الرأسماليه..نحن لا تنفع معنا لا رأسماليه ولا غيرها...نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العزه بغيره اذلنا الله...في النهايه هي مسالة مبادئ وايمان..انا اؤمن بهذا القول اما انت ممكن انك تضحك الان....
سامح عسكر: هناك مَثَل يقول أن لو نزل مؤمن وكافر من السفينة لمياه البحر أيهم سينجو بنفسه إلى الشاطئ؟....الإجابة هي أكثرهم مهارة في العوم والسباحة ولا علاقة للدين بالقضية...
هذا هو معنى أن لا نُدخل الدين في كل صغيرة وكبيرة..بل هناك أمور لا يصح فيها إلا القدرات والمهارات والعمل وحده.
أما قول الله عز وجل"قل إن صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" فليست موضع استشهاد لأنها تتحدث عن الإنسان وملكيته لخالقه، واستعمالها في السياسة يلزمه الإيمان بمقتضى الدليل..وكما قلنا فالشاهد ليس في الدين بل في القدرات والمهارات.
الإخواني: لو كان المؤمن مؤمنا لن ينزل الى البحر وينتظر ان ينقذه الله من الغرق وهو لا يعرف السباحه...الدين امر بالاخذ بالاسباب...وهكذا انت تتهم الدين بالسلبيه....الايه تشير الى اي عمل يقوم به الانسان ينبغي ان يكون لله....الدين علمنا كل شئ حتى كيف ننظف انفسنا حينما ندخل الحمام....انا لم اقحم الدين في كل شئ..ولا الاخوان كما قال الشيخ القرضاوي...وانما هو الله الذي ادخل الدين في كل عمل نقوم به....حتى ان لكل عمل نقوم به دعاء....نظرتك تقول اننا ندعو الى التواكل وليس الاتكال..انت تعتقد اننا نذهب للبحر ونقول يارب انقذنا من غير تعلم السباحه....لو كان الامر هكذا لكان مرسي امر الجي بالحرب على اسرائيل في اول يوم....الاخذ بالاسباب من اهم اسباب النجاح واستجابة الدعاء........
سامح عسكر: أنت تتحدث في أمر آخر تماماً...وفهمك للأمثلة غريب..شكراً لك.
تعليقي الشخصي على الحوار:
هو حوار غير مكتمل وفضّلت إنهاءه بتلك الطريقة لأنني وجدت نفسي أمام فروق شاسعة في الأفهام..ولن أقول لصالح من..فلست ممن يبحثون عن الانتصار في المعارك الحوارية، بل أفضل دوماً أن تحوز فكرتي على رضاء القارئ أو تعاطفه حتى لو لم أظن أنني انتصرت...فالطريق للقناعة ليس بالرأي-كما أعتقد- أي أنني ليس بمجرد رأيي أستطيع تغيير الرأي الآخر..ولكن هناك مؤثرات وأغلبها روحانية وعاطفية تتحكم في التوجهات بشكلٍ كبير.
المحاور والصديق الفاضل يصر على تصنيفي على أنني يساري، ورغم أنني أكتب في مواقع يسارية إلا أنني لا أعد نفسي تابعاً لأي تصنيف معدود على الساحة الفكرية والسياسية، حتى في سياق المذاهب أكره المذاهب والتمذهب وأصر على أنني مسلم موحد بالله فحسب..وعقيدتي بيني وبين ربي، وفكرتي السياسية مطروحة للنقاش وهي ليست-لدي-حقاً مطلقاً، بل هي قابلة للدحض في حال بروز قوة فكرية أخرى تجابهها أو تكون أكثر قوة وصلابة..
أخيراً بالنسبة لشعار"الإسلام هو الحل" فأعتقد -كما كتبت عاليه- ولم أجد حجة مقنعة تحترم عقلي بأن التيار الإسلامي في مصر لا يزال يتمسك بالشعار..بل يزداد يقيني أن التيار الإسلامي بما فيه جماعة الإخوان المسلمين تخلوا نهائياً عن الشعار، والتخلي عن الأفكار والقواعد يبدأ من الممارسة العملية، التي تجبر النُخب مستقبلاً على المراجعة والتكيف...والسبب في سلوك ذلك هو خطورة التمسك به في هذه الأوقات خاصة بعد ثورة 25 يناير واعتلاء الإخوان سُدّة السلطة..معنى التمسك بهذا الشعار هو اختصار الدين الإسلامي في مهمة الإخوان، وهذه المهمة قابلة للنجاح والفشل، وكأن الإخوان لم يشعروا بخطأ الدعاية بهذا الشعار في السابق كونهم كانوا بعيدين عن السلطة ومراكز صناعة القرار، أما أنه وقد أصبحت السلطة في متناول اليد، فأصبح التخلي عن الشعار ضرورة تقتضيها المرحلة على الأقل.
أيضاً التخلي عن الشعار هو سلوك ضمن عشرات السلوكيات المرصودة التي تعطي دلالة فصل بين الدين والدولة في السياسة الإخوانية، أما ما شاب المسألة من غبش في السابق كان لانعدام الرؤية الثقافية التي تحيط وتدرك المسألة من كافة جوانبها، كانت القضية محصورة في سياق المناظرات واللقاءات الإعلامية، أما المكان الشرعي لمثل هذه المناقشات وهي الندوات والليالي الثقافية مع الخصوم فلم يدخله الإخوان بل دخلته جماعات ما يُعرف بالتيار الإصلاحي داخل الجماعة، والذي تقريباً انفصل بالكامل عن الجسد الإخواني ورغم انفصاله فله ذيول وتوابع داخل جسد الجماعة تنتظر دورها في الرحيل.
التعليقات (0)