في لحظة من لحظات التجلي العسكرية الموسومة بالشجاعة، قرر الفريق أول عبد الفتاح السيسي زيارة السجين الهارب والعائد إلى زنزانة جديدة محمد مرسي. اهتزت الأرض تحت الأقدام، واعتدلت رؤوس الحراس، وأخذ المرافقون مواقعهم عندما كانت عيونهم ترصد كل حركة ولمسة وهمسة.
دخل السيسي ولكن مرسي لم يتحرك من مكانه، فهو الرئيس الشرعي حتى لو قضى بقية عمره في قبو محشورة داخلة زنزانة أضيق من قفص السيرك وأكبر من القفص الصدري.
هربت ابتسامة الوجهين، وكان الحوار التالي:
مرسي: كيف سمح الحراس لك بالدخول رغم أن لديهم تعليمات مشددة مني، كرئيس للدولة، أن لا يقوم إنقلابيٌّ مهما كانت النسور والنجوم فوق كتفيه بزيارة زنزانتي؟
السيسي وقد انفرجت شفتاه عن ابتسامة نصف ساخرة: هل مازلت تعيش في هذه الأوهام رغم عشرات الملايين الذين خرجوا يستجدون القوات المسلحة الإطاحة بك وبنظامك الطائفي البغيض؟
ألست خجلا من نفسك بعد فشل ذريع استمر عاماً كاملا كدت تهوي بمصر إلى الحضيض، وتعيدها إلى العصور الوسطى؟
كنت صورة كوميدية لرئيس الدولة، وكلما زرت بلداً، خسرناه. وبرنامجك في الزيارات لم يخرج عن التسول والتهريج ورسم صورة قبيحة للخليفة الوهمي الحائر بين استانبول وواشنطون و غزة.
راجع خطبك جيداً، وتأمل في فحواها، وتفحص معانيها، فسيدهشك كم الغباء فيها، وأنت في الواقع لم تكن رئيساً، لكن زعيم عصابة أو جماعة، وهل هناك فارق بينهما؟
لو كان هناك شيء إيجابي واحد في فترة حُكمك المشؤومة لما تجرأ عسكري مصري، ضابط أو جنرال، على الوقوف في وجهك.
أتذكر ذلك الخطاب الذي هتلـَـرك وموّسـَـلـَـك فكأني بك نسخة دينية من تمازج ديكتاتوري جمع الصفات السيئة في الطغاة ونثر عليها كلمات مقدسة لتبدو خطبة خلافة، فإذا هي خطبة وداع.
محمد مرسي: لم أكن أعلم أن الفصاحة ميرية، وأن اليونيفورم يعلمنا مباديء الديمقراطية، وأن الجيش يتعفف عن البساط الأحمر في القصر فيعود مهرولا إلى الثكنة.
نصف عام وأنت تملك الشرعية الشعبية والجيشية، ومع ذلك فالبلطجية يحتلون الشوارع والطرقات، والمسجلون خطراً يقتحمون المساكن والبيوت الآمنة وينزعونها من ساكنيها، والقضاء كما هو.. أفسد من سوس، وأكذب من سلول، وهو في عهد مبارك نسخة قديمة من عهد المشير، وهو في عهدي نسخة سابقة ومطابقة للعدالة المفقودة في عهدك.
كل قائد منا، مبارك وطنطاوي ومرسي والسيسي، نعشق المديح، ونقرّب إلينا المتزلفين وماسحي الجوخ وأكلي السحت على موائد الحُكام.
أشار صندوق الانتخاب عليَّ فائزا، وأشارت عشرات الملايين من الجماهير عليك قائدا يطيح بي، فظل الحال كما هو عليه في أكثر من ثلاثين عاما.
المشير قام بتهريب المخلوع إلى شرم الشيخ بعد ثورة يناير ليتمكن من إخفاء جرائمه المالية والهبرية، وجئت أنا فأمرت أن لا يقترب أحد من أموال الشعب المنهوبة، ثم جئت أنت ولم يسترد الشعب قرشا واحدا من أمواله.
السيسي: لسانك يقطر كذبا رغم زعمك أنك تُسـَـبِّح اسم ربك ليلا ونهاراً، وأنت تنتمي إلى جماعة أخذت الوطن من الصف الأول ووضعته في خلف الخلف، وأنتم مهووسون بين الفوقية الدينية والدونية الأمريكية رغم الصياح ضد واشنطون في الشارع والمسجد، ثم يكتشف شعبنا أنكم كنتم المتحالفين الأقرب إلى سيدكم في البيت الأبيض.
مبارك نهب الدولة، والمشير نهب الثورة، وأنت سرقت الدين، وأنا أخرجني حب الشعب الذي غطى الأرض المباركة .. أم الدنيا باستغاثات واستجداءات لأنقذه من براثنكم.
سنة كاملة وأنت تعيش على بيع الأوهام في أحاديث هلامية، وظللت تلعب دور رجل الدولة رغم أن امكانياتك لا تخرج عن رئيس على حفنة من العمال في مصنع خاسر بقرية نائية لا يعرف موقعها على الخريطة إلا عمدتها وشيخ الخفر!
كان المصريون يخجلون منك إذا جاءك ضيف، وتحمَّر وجوههم إذا استضافك زعيم دولة. كان لغز نجاحك واحدا من الطلاسم التي ستُحير المؤرخين لقرون قادمة وسيكتبون عن" شفرة مُرسيتشي!"، فثلاثة عشر مرشحا متناحراً، منهم فلوليان، منحوك فرصة العمر لتنافس في التصفية النهائية الرجل الذي تتلمذ على يدي مبارك، فأرسلت السفيرة الأمريكية إلى أوباما تبشره أن الاخوان اقتربوا من القصر، وأن مصالح العم سام آمنة، وأن العهد الذهبي للدولة العبرية قادم مع أول رئيس اخواني يكشف نجمة داود تحت زبيبة الصلاة.
لم يُصَدق شعبنا أن عَقد التجسس يمكن أن يخفيه أحد تحت المصحف الشريف، وأن ترجمة كلمة المرشد هي كوهين، وأن تحالفاتكم في التنظيم الدولي للاخوان كانت تهدف لاسقاط بلد مولد الجماعة على يد البنا ثمرة ناضجة في حجر القوى الدولية، لذا عندما استعانوا بك وسيطا بين حماس وتل أبيب، نجحت على الفور رغم أن صديق الجميع ليس صديقا لأحد.
في أقل من ثلث فترة حُكمك العتمة انتقلت بؤر الأرهاب إلى سيناء التي دفعنا ثمنا غاليا فيها، ولو كنت تركتك عاما آخر لكان المصريون يُذبَحون على الهوية في الطرقات والحواري بسكاكين تم استخدامها من قبل في غرب ليبيا وشمال سوريا ووسط العراق وعلى جبال كابول وفي أدغالٍ نيجيرية يحتلها بوكوحرام.
مرسي: العجيب في حديثك عن السلام أنك لم تشر إلى اعتصام رابعة والنهضة، وكيف قتلتم بدم بارد مؤمنين مسالمين لم يفعلوا أكثر من احتلال منطقة سكنية كمقدمة لعودتي خليفة لهم. كل المظاهرات فعلت مثلما فعلنا، وأزحنا السواتر، ونزعنا طوب الأرض، وأقمنا حمامات ومطابخ ودورات مياه وأدخلنا أسلحة ورفعنا منصة للخطابة نتحدى من خلاها، وهذا حق لنا، الجيش والمعارضة، فالحُكم باسم الله لا يعرف المهادنة، وإذا كنتم تعيبون علينا إجبار الأطفال على حمل أكفانهم فهذا كذب لأن أولياء أمورهم هم الذين جاءوا معهم آملين أن تقتلوهم فيرسلهم مَلك الموت إلى الجنة.
لقد تعجَّلتم القضاء علينا وإستعادة الحكم العسكري لمقاليد السلطة، وكان يمكنكم التفاوض معنا، واستخدام طرق أقل وحشية من القتل خاصة وأنه كان معنا نساء وأطفال.
السيسي: أراك هرمت نصف قرن في نصف عام، فأنت كغيرك من قيادات الجماعة، تكذبون على الشعب وعلى أنفسكم وعلى الله.
المنصة تشهد أن قتلة اعتلوها، وأن إرهابيين استخدموها، وأنها كانت كالسيارات المفخخة ومع ذلك فقد صبرنا عليكم صبر المرسلين، وتحملنا السخرية والاهانة والاتهام بالضعف آملا في أن تنفضـّـوا وتعودوا إلى بيوتكم.
كان سكان المنطقة يبكون أمامنا وهم لا يستطيعون الخروج من بيوتهم، ويتعرضون للاستفزاز والتحرش الجسدي، وينام إرهابيوكم في مداخل البيوت.
أمامكم على اليوتيوب أفلام مسجلة وواضحة تكفي لأن نـُـهدي رقابَكم لعشماوي، وأجسادكم لحفـَّـاري القبور ومنهم إلى ديدان الأرض، وكنتم تهددون، وتتوعدوننا بالموت والسحل حتى أن أحدكم أقسم أنه سيعلقني من رقبتي على جذع شجرة، ومع ذلك فقد بلعت كرامتي من أجل أن تظل صورة القوات المسلحة نظيفة وغير انفعالية وجنودها حماة الشعب على اختلاف طوائفه.
لو كان اعتصامكم بتلك الصورة المستفزة والمتحدية والاستعراضية في بلد آخر، ديمقراطي ومتقدم، لما بقيتم على هذا الحال أسبوعا واحداً، أما لو أن اعتصامكم هذا في الجزائر أو السودان أو سوريا أو ليبيا أو العراق أو الأردن أو إيران أو كل دول أمريكا اللاتينية والقارة السمراء لما بقي منكم معتصم واحداً حياً أو .. نصف ميت.
لو فعلتم هذا في أي عصر من العهود المصرية لكانت نهايتكم جميعا قبل اليوم السابع أو الليلة الثامنة.
أنا أقف أمام الله بضمير حي ويقظ ومستريح لأنني صبرت، وتحملت التهكم ممن اتهموني بالضعف وقلة الحيلة، وبعد شهر ونصف الشهر من إعلان الحرب الرابعية على جيشنا حتى يستعيدك عبيدكم ورقيق المرشد، اضطررت لانقاذ مصر من براثن حرب طائفية كانت ستلتهم وادي النيل، .. وتقلبه عاليه سافله.
مرسي: تتحدث عن الدين وأنت علماني، وعن الضمير وأنت عسكري، وعن الحرية وحذاؤك الميري يخرق الأرض. نحن ممثلو الله على الأرض، والجنة تحت أقدامنا، ولحم شيوخنا مسموم، وتعاليمنا منذ ثمانين عاما صنعت المسلم الذي يؤمن أن هويته هي عقيدته، وأن الدولة الإسلامية الكبرى على مرمى حجر من إعلانها،
سنعلن الحكومة في المنفى، وستعترف بها واشنطون وغزة وقطر وتركيا وأكثر من أربعين دولة أفريقية كان زعماؤها يعيشون على دينارات العقيد، فأصبحوا اليوم ينامون في أحضان الريالات القطرية.
سنعلن حكومة المنفى ولن تستطيع المحاكم المصرية أن تصدر حُكما، حاضرا أو غيايبا، بالإعدام على أي قائد اخواني ، فالكل خائف، والجبن يضم في أحضانه كبار رجال الدولة.
نحن نملك القوة في أدمغة شباب يظنون أنهم يعبدون الله فإذا المرشد هو معبودهم الوحيد.
أنتم تملكون الدبابات ونحن نملك تعاليم السماء نطوّعها كيفما نشاء. أنتم تملكون القوة الظاهرة، ونحن بين أيدينا الشباب المفخخ فكريا قبل أن نلقي به في السيارات المفخخة ليرسل جنودكم إلى باطن الأرض.
أنتم الوطن وهو إلى زوال، ونحن الدين وهو الخلود.
انظر حولك فتجد شبابنا لا يؤمنون إلا بالدار الآخرة فيمنعون الدراسة في الجامعة، ويهجرون الحياة التي تحبونها، ويكرهون أوثانكم الممثلة في العـَـلـَـم المصري والنشيد الوطني.
لقد نزعنا فلسفة الجدال من عقول شباب التيارات الدينية ، فالفلسفة سفسطة، وعلم الكلام في عهد أحفاد البنا يسيطر إلكترونيا على أدمغة الملايين، وشباب الاخوان، والحمد لله، سلـَّـموا عقولهم لفقهائهم وعلمائهم ومرشديهم حتى يتعلموا أن الحياة لعب ولهو، وأن أكفان الأطفال هي الطريق إلى جنة الكبار.
السيسي: أنت مريض نفسي كأتباعك المهووسين بالدم والجنس، وأنتم شهوات متحركة، وأنتم عنصريون طائفيون تكرهون المرأة وغير المسلم و كل من يستجيب لله ويستخدم عقله.
تتهمني بأنني علماني رغم أن علاقتي بالله أفضل من علاقتك به، عز وجل، وأنا أقيم شعائر ديني بدون مزايدة، ولا أعبد من دون الله مرشدا أو فقيها أو درويشاً أو مُخربا أو إرهابيا متسترا بالدين.
أنتم سوس العقل، ودود الأرض، وخفافيش الكهوف، وأعداء الله ولو صمتم وصليتم وزكيتم كل دقيقة من حياتكم البائسة.
أنتم مصنع للكراهية، وممزقو وطن، وجواسيس لصالح العدو، ومتعاونون لاضعاف جيش بلادكم.
إن حجم الكراهية لكم في صدور أبناء شعبنا لم يعرفها طاغية أو استعمار أو احتلال.
أنتم نسل إبليس في صورة أحفاد البنا!
نعم، أنا أعترف بأن قضاءنا فلولي يحركه رجال مبارك، وأن العدالة لدينا كالظلم لديكم ، وأن البلطجية ورثناها عن المخلوع التي أورثها المشير وتسلمتوها فأسلمتوها، فإذا الكفر فيها أكبر من تعاليم إبليس.
أتحداك أن تعلنوا حكومة المنفى، وتطالبوا الأمم المتحدة بالاعتراف بكم دولة مصرية في الخارج، فأنتم لا تعرفون غضب المصريين، وحينئذ لن يبقى منكم أحدٌ فيه رمق من حياة.
من حقكم تحدي الجيش، ولكن إذا تحديتم الشعب وأعلنت ( الجزيرة) أول بيان لحكومة الدولة الإسلامية المصرية في المنفى فلن يُطل أحد منكم من شرفة بيته أو جحره أو كهفه، فهنا سيكون المصريون لكم بالمرصاد، وليكن مقركم قاعدة العيديد الأمريكية في قطر.
أنتم أعفن وأوسخ من مراحيض العشوائيات، وأنتم ملعونون على الأرض وفي السماء، وأنتم كوهينيون تختار الموساد منكم من تشاء.
مرسي: قل ما تشاء فالأيام دُول، وكما دخلنا القصر غانمين سنعود إليه بفضل صناديق الانتخاب، والأميون والجهلة والمتخلفون سيصوتون لنا بمجرد التلويح لهم بالقرآن الكريم وبجنة الخلد وبالحور العين.
أتباعنا في طول الدنيا وعرضها من "الجوادي" الذي يعيش على بصاق الجزيرة إلى "وائل قنديل" الذي يحلم بذهب الخليفة.
السيسي: سنرى قريبا أن الله مع شعب مصر وجيشها ونيلها ومستقبلها ودماء شهدائها وتسامحها، وأن إبليس معكم يتذوق الدماء من أنيابكم، ويتعلم النفاق منكم، ويقرأ معكم آيات مقدسة وهو يسخر منكم.
أقسم لك أن مصر لن تصهل فيها خيولكم المريضة بعد الآن، وأنني والقوات المسلحة منحازون إلى الشعب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 5 ديسمبر 2014
حوارات أخرى للكاتب
حوار بين جاهل و .. مثقف!
حوار بين وافد و .. كفيل
حوار بين عزرائيل و .. الرئيس حسني مبارك
حوار بين زعيمين عربيين في غرفة مغلقة
حوار بين الشيطان و .. ضيوف الرحمن
حوار بين حُرٍّ سجين و .. سجينٍ حر
حوار بين حمار و .. زعيم عربي
حوار بين مواطن مصري و .. ضابط شرطة!
حوار بين مستشار مصري و .. ابنه!
حوار بين منقبتين في أحد الأسواق الشعبية!
حوار بين كلب الشارع و .. كلب السلطة!
حوار بين الرئيس حسني مبارك و .. الرئيس جمال مبارك!
حوار بين جواز سفر عربي و .. جواز سفر أوروبي!
حوار بين سلفي و .. قبطي!
حوار بين السيدة سوزان والشيخة موزة!
حوار بين الرئيس جمال مبارك و .. الرئيس بشار الأسد
حوار بين حمار و .. رئيس لجنة الانتخابات!
حوار بين مبعوث الحكومة و .. صدام حسين في قبره!
حوار بين رئيس يحتضر و .. رئيس يرث!
حوار بين علماني و .. سلفي!
حوار بين زنزانتين في سجن عربي!
حوار بين إبليس و .. الرئيس حسني مبارك!
حوار بين مواطن خليجي و .. إعلامي عربي!
حوار بين قملتين في شعر رأس صدام حسين!حوار بين المشير و .. المخلوع!
حوار بين المشير و ..السفيرة الأمريكية!
حوار بين الرئيس مرسي و .. مواطن مصري
حوار بين الرئيس القادم و .. مواطن مصري
حوار بين اخوانجي و .. فلولي!
حوار بين الحياة و .. الموت!
التعليقات (0)