التقى الرئيس الدكتور محمد مرسي بأحد المواطنين الغاضبين على حُكم الإخوان المسلمين، وأعطاه الأمان أن لا يتم القبض عليه فور خروجه من القصر، ودار بينهما الحوار التالي:
الرئيس: الآن أنت في الجنة بعدما قضيت ثلاثين عاماً في نار المخلوع، وعاماً ونصف العام في جحيم المشير، لماذا لا تشكر ربك على نعمة حُكم الإخوان المسلمين؟
المواطن: لكنك، سيدي الرئيس، لم تصل إلى القصر بثقة الناس، فنصف المصريين لم ينتخبوك، ونصف النصف أعطوك أصواتهم نكاية في الفلولي المنافس، ومع بساطة وطيبة شعبنا، وظن الكثيرون أنكم ستقيمون دولة العدل كأننا في عهد الخلفاء الراشدين، وخافوا من الإثم إذا منعوك أصواتهم فنصل إلى أن نسبة مؤيديك ثلاثة بالمئة من الناخبين المصريين!
الرئيس: هذه هي طريقة العلمانيين في التفكير، ومنهج الليبراليين في بسط أكاذيب على أنها حقائق، فأنتم لا تريدون دولة إسلامية قوية تأتي لكم بالكرة الأرضية صاغرة وهي تجثو على ركبتيها!
وفي كل الأحوال فأنا رئيسك رغم أنفك!
المواطن: أليس كل زعمائي رغم أنفي؟ حتى لو أتت بالزعيم صناديق الانتخاب فالصناديق أبلس من الشيطان، تضع فيها حمامة فيخرج لك ثعلب، تغرز فيها عصا فتتحول إلى ثعبان سام؟
منذ متى كان الحُكم باسم السماء عدلا على الأرض؟
الرئيس: لقد خلقنا الله عبيداً لشهوة السلطة، وكل منا يمسك المصحف بيد والسيف باليد الأخرى.
نحن نرفع راية الدين وأنتم تبررون كل أخطائنا. هل تظن بغبائك أننا وصلنا إلى القصر بغير رضا أمريكا وإسرائيل والغرب ورأس المال ؟
أليس في جمجمتك مخ تستخدمه لبعض الوقت؟
ألم تسأل نفسك عن سبب صمتي وسكوت "الجماعة" عن عشرات المليارات من أموال الشعب المنهوبة، ومع ذلك فقد قررنا أن نضع رقابكم تحت شروط صندوق النقد الدولي، وعندما ننفذ مطالبه ستقفون طوابير أمام مراكب متهالكة تنقلكم من شواطيء مصر إلى بطون أسماك القرش.
المواطن: وماذا عن آلاف المعتقلين من الثوار الذين تنتظرهم أمهاتهم كما انتظرتك عائلتك وأنت في زنزانة ملحقة بقبو تحت الأرض؟
الرئيس: لم يكن قرار الافراج عنهم يحتاج مني لأكثر من ساعتين بعد قراءة أسمائهم، ثم يعودون قبل صلاة العشاء إلى أحبابهم، لكنني فضلت عليهم المجاهدين والإسلاميين والمتهمين بقضايا الإرهاب، فأفرجت عنهم لأنهم إسلاميون وليسوا علمانيين.
لو أنني ارتكبت ذنوب الأرض كلها فلن تستطيعوا أن تقنعوا إسلاميا واحداً بخطأ صغير أرتكبته سهواً، لأننا نشد أزر بعضنا، ويكفي أن تقول بأنك تحكم باسم الله فيكـَـبــِّـرونك، ويطيعونك ولو كانت الدماء تسيل من خنجرك.
المواطن: لكن البلطجية لكم وعليكم، تستخدمونهم ويستعملهم المخلوع! يعقدون صفقات مباركية وشفيقية ومشيرية ومرسية فهم ليسوا أصدقاء أحد، فلماذا لا تنظف الشوارع منهم؟
الرئيس: أمر واحد مني لأجهزة الأمن والجيش والمخابرات يختفي كل القبضايات وأصحاب السوابق من شوارع مصر وأزقتها ومن تحت كباريها ومن بطون غــُـرَزها، لكنني لأن أفعل، فالأمن ليس اهتمام الجماعة، ولعلك تعرف أنني مرتبط بالإخوان في يقظتي ومنامي، في حلمي وكابوسي. تستطيع الجماعة أن تطيح بي إذا أراد المرشد، وأجهزة جوبلزها قادرة على أن تمسح وتمسخ وتمحو تاريخي في غمضة عين، فصناعة الزعيم لدى الجماعات الدينية عملية معقدة يستطيعون جعله قديسا أو متسولا، نبيا بغير رسالة أو مجرما بغير فيش وتشبيه.
المواطن: لكنني أستطيع أن أدعو لمليونية ضد الفلول والعسكر والإخوان والسلفيين!
الرئيس ضاحكاً: هذه أضغاث أحلام فأنتم أيها المصريون أصحاب ذاكرة لا تعرف متى غرقت( العبّارة) في البحر الأحمر، وما هو عدد اخوانكم المعتقلين، وما حجم الديون التي تثقل كاهلكم، بل إنني أتحداكم أن يعرف أكثركم عِلماً عُشر بنود الاتفاقات السرية بيننا وبين دول العالم.
مليونيتك الوهمية ماتت لأن الإخوان المسلمين صعدوا إلى سدة الحكم، وأتباعنا ليسوا فقط منا، لكنهم من طبقة سميكة صامتة لو حكمها أبو الهول لرممت له أنفه وركعت بن يديه.
هل تغير الوضع عما كان عليه أيام المخلوع؟
هل تحسن المشهد عن زمن المشير؟
إنه نسخة مكررة لكنها هذه المرة ليست باسم بطل الضربة الجوية أو باسم جيش العبور، إنما تحمل المقدس في أحشائها، من يرجمني بحجر صغير، يلقي عليه أتباعي كل أحجار جبل المقطم. ألم تسمع وزير العدل الإخوانجي وهو يقول بأن تهمة إهانة رئيس الجمهورية تساوي تهمة القتل العمد؟
الحُكم باسم الدين شهـْـدٌ لا يتذوقه إلا من صبر مثلنا، وهو لا يحتاج إلى عقل وتخطيط وإدارة، وإنما خطبة جمعة، وأحاديث شريفة، ووعد بنصر الله للمؤمنين، وانتقاد العلمانيين الكفار، واحتقار الليبراليين، والحديث عن الأخلاق الصالحة، واستدعاء معارك من التاريخ تؤكد أننا لو آمنا فسنفتح أبواب العالم من موسكو إلى واشنطون، ومن مانيلا إلى هراري، ومن هلسنكي إلى مدغشقر.
المواطن: وماذا عن القمامة وإعادة محاكمة عائلة مبارك ومليارات المصريين في حسابات المؤسسة العسكرية وغيرها؟
الرئيس: هذا عبث الصحافة وخزعبلات المتربصين بنا، فجبال القمامة ليست في عجلة من مغادرة شوارع وأزقة مصر، وإعادة محاكمة المخلوع كانت على رأس أولوياتي قبل أن أصبح سيدك وسيد تسعين مليونا من المصريين، أما بعدما استراح حذائي فوق البساط الأحمر فمبارك وعائلته وتبرئة جمال وملياراتكم المنهوبة تراجعت أهميتها في ذهني.
المواطن: عزك لن يدوم، وشهدك على اللسان لن يظل عسلا خالصا، والأخونة قد تصبح تخويناً، والسلفية قد تضحىَ تسليفاً، وقصرُك سِجنــُـك، وصندوق الانتخاب الذي ابتسم في وجوه المنتشين بالنصر قد يــُـعـَـرّي لهم مؤخرَتــَـه.
الأم الموجوعة التي دعت لك ستدعو عليك لو تأخر ابنها في السجن حتى يفقد أباه، ومن يناصرك لإسلامك سيخرج في أول مليونية ضدك عندما يستوقفه بلطجي، أو يعجز عن شراء دواء لابنته في الوقت الذي تنفق الدولة من جيبه الخاوي على علاج الطاغية السابق الملعون.
أنت تبيع الوهم في علب مغلفة بآيات قرآنية، والمواطن البسيط سيصدقك في المرة الأولى، ويتشكك في مصداقيتك في الثانية، ويعاتبك في الثالثة، ويقوم بتكذيبك في الرابعة، أما الخامسة فستصبح بعدها المخلوع الثالث في أقل من عامين!
الرئيس : لقد سمعت هذا الكلام من قبل، وأنت كغيرك تتلهى بالبحث عن لقمة العيش، وتفرح لأنك رأيتني أصلي العصر بالجلابية، وأنت لا تفهم أن الدين لك إذا كان سلوكا، وعليك إذا تحول إلى سلطة.
أنت تقرأ التاريخ من حواشيه الممزقة فتتصور خليفة ذا كرش دائري، وحاجباً أسمر اللون مفتول الشوارب، ورزماُ من الذهب الخالص يلقيها أمير المؤمنين في حجر من يلقي على مسامعه نكتة أو حكمة أو بيت شعر يــُـعـجـِـز وزراءَه.
لقد وصلنا بفضل الله بعد ثمانين عاما من الحلم الإخوانجي ولن نفرط في القصر حتى لو أصبحت مساكنكم كلها أكواخاً أو مقابر أو زوراق قديمة تنتظر على أحرّ من الجمر لنقل مصريين إلى قاع البحر.
أنتم تجعلون مني بطلاً ولا تفهمون أن عضوية الجماعة مثل الخفاش يلتصق بالوجه ولا يغادره إلا بشق الأنفس، وحتى لو خرجتُ جسديا فروحي تحلق فوق الجماعة، والطاعة قبل العقل، وسلطة الحُكم إلى زوال، أما عضوية الجماعة فهي الطريق إلى الجنة.
لو رفع خيرت الشاطر سماعة التليفون وطلب لقائي فلن أتردد دقيقة واحدة، ولو طلبني المرشد فسألتقي به قبل أن أقوم من مقامي.
حصانتي في أتباعي، وأكثرهم لا يملكون مفاتيح لأقفال عقولهم، وهم يفترسونك إذا هاجمتني، ويمزقونك لو اتهمتني، وتتطاير من ألسنتهم نيران حارقة لو أنك اقتربت من المرشد، فالطاعة لدينا أشد من طاعة الماشية لراعيها.
قوتنا في قدرتنا على تأويل آيات الكتاب الحكيم, ونحن لا نتحدث في التفاصيل وتكفينا الهلاميات لوضع حلول لمشاكل مصر، وفي هذه الحالة يظن كل من يدعو لتطبيق الشريعة أنه امتداد لنا، سواء كان سلفيا أو جهادياً أو استشهاديا أو مقاتلا عائداً من أفغانستان.
أما صناعة المطيعين فتلك مهمتي، والتاريخ يقول بأن الساعات الأولى لتثبيت حُكم الزعيم هي التي تتحكم في عقول وقلوب وصدور وإيمان الرعية، وحينئذ تصبح توجيهاتي أوامر، ويقرأون أحلامي قبل أن أطــَّـلع أنا عليها، ويبنون سياجا من حولي لا يقترب منه إلا من نرى في عينيه طاعة مسبقة.
المواطن: لكنكم كنتم ضد ثورة 25 يناير، ودعوتم إلى انتخابات يتساوى فيها جمال مبارك مع غيره، وغضضتم البصر عن نهب دولة بكاملها، وخرستم خوفا ورعبا عندما كانت سجون ومعتقلات مصر تستقبل زملاءكم من أعضاء الجماعة.
موكبك الأمني في الخروج من القصر أضعاف الحماية التي كانت تحيط بالمخلوع والمشير، وصحيح أنني رأيت فيك بعض الجوانب الايجابية في عيد الفلاح، لكنني لا أثق في الاستبداد الديني، ولا أرى الحكمة من تسليم مصر لجماعة أحلامها أوهام، والمظهر لديها قبل الجوهر، والصلاة أمام الناس أكثر تأثيرا من عمل الخير في الخفاء.
على كل حال فرغم عدم ثقتي بك، سيدي الرئيس، إلا أنني مضطر للانتظار كما يطلب أتباعك ومريدوك.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 12 سبتمبر 2012
التعليقات (0)