العيسى: المترجمة الأميركية «بوث» محقة في شكواها من رجاء الصانع
هلا الجهني - الحياة - 05 - 2011
أكد الكاتب والمترجم حمد العيسى أنه لكي تقدم الأعمال الأدبية صورة إيجابية عند الآخر «الغربي» أو «الشرقي»، يجب توافر أمور عدة جوهرية ولعل أهمها في رأيي أن يكون كاتب النص «موضوعياً» في طرحه الفكري متخلصاً من من داء الأدلجة الذي يفسد الأدب ويدمره، مشيراً إلى أن هذا فخ يقع فيه الكثير من الكتاب العرب الذين يؤدلجون نصوصهم الإبداعية بصورة هزلية لا تمت للأدب بصلة. وقال العيسى في حوار ل «الحياة» إن الترجمة تخصص علمي وليس مهنة من لا مهنة له. وتطرق إلى القضية التي حدثت بين الروائية رجاء الصانع والمترجمة الأميركية التي قامت بترجمة روايتها «بنات الرياض»... فإلى تفاصيل الحوار:
تعرض نص «بنات الرياض» المترجم على يد المترجمة الأميركية ماريلين بوث لتدخلات مؤلفة الرواية، بوضع الهوامش والحذف مما أساء للمترجمة والنص المترجم، كيف ترى هذه القضية والى أي حد يجب أن يتدخل كاتب النص الأصلي في النص المترجم؟
- في البداية يجب أن نقول إن الترجمة تخصص علمي مبني على أحد أمرين وليس مهنة من لا مهنة له ممن يتقنون اللغات الأخرى. أولاً: الدراسة الأكاديمية. وثانياً: التجربة العملية العميقة المتراكمة عبر الممارسة الجادة والمستمرة أو كلاهما معاً. فهناك نظريات في علم الترجمة واستراتيجيات يخضع لها النص من المترجم المحترف مثل التوطين أو التغريب حتى يستوعبها القارئ في اللغة المستهدفة بسهولة ويسر. وهي أمور – بحسب معلوماتي- لا تدرس في كليات طب الأسنان.
وبالتالي، نستطيع أن نقول إن المترجمة القديرة البرفيسورة مارلين بوث كانت محقة عندما اشتكت من تدخل مؤلفة كتاب «بنات الرياض» في تنقيح ترجمتها التي قامت بها بوث، كما كشفت الأخيرة في رسالة توضيحية مهمة على شكل شكوى وإبراء ذمة أرسلتها إلى ملحق تايمز الأدبي TLS الشهير لتدافع عن سمعتها المعروفة كمترجمة ومستعربة قديرة ومؤهلة، وذلك بعدما نقد الكتاب بعنف الناقد الكندي ستيفن هنيغهان في الملحق نفسه قائلاً بالحرف: «إن فضيحة الكتاب تكمن في الترجمة».
وبالنسبة لرأي الشخصي، أرى أن المؤلف - المؤلفة له الحق في مراجعة الترجمة و «اقتراح» (أكرر اقتراح فقط) أية تغييرات على المترجم - المترجمة بشرط عدم عمل هذه التغييرات من دون موافقة المترجم - المترجمة لأن النص بعد ترجمته يصبح ملكاً معنوياً للمترجم لا المؤلف بحسب العرف الشائع ثقافياً. وتفاصيل مشكلة ترجمة كتاب «بنات الرياض» موجودة في كتابي المترجم الأخير «قضايا أدبية: نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية».
وتحديداً في الفصل الخامس والذي بعنوان «البست سيلر في الرواية العربية».
وبالمناسبة، بدأت في ترجمة دراسة علمية طويلة ومفصلة كتبتها البروفيسورة مارلين بوث عن الكتاب نفسه بعنوان «مترجمة ضد مؤلفة» وتم نشرها في دورية علمية غربية ولعلي انشر الترجمة قريباً فور الانتهاء منها.
أشار الناقد «وليام سيكدلسكي» أن ترجمة رواية «شيكاغو» كشفت عن فهم خاطئ وسطحي للمجتمع الأميركي من مؤلف الرواية علاء الأسواني. متى تعطي ترجمة الأعمال الأدبية صورة إيجابية عند الآخر الغربي ومتى يحدث العكس؟
- لكي تقدم الأعمال الأدبية صورة إيجابية عند الآخر «الغربي» أو «الشرقي» يجب توافر أمور عدة جوهرية ولعل أهمها في رأيي أن يكون كاتب النص «موضوعياً» في طرحه الفكري أي أن يكتب بدون تحيز ولا هوى، وهذه مهمة صعبة للغاية ولا يقدر عليها إلا القلة من الكتاب المتجردين من داء الأدلجة الذي يفسد الأدب ويدمره.
ويجب كذلك أن يكون الكاتب صاحب معرفة عميقة بثقافة الآخر لكي ينجو من فخين مهلكين يقع فيهما الكثير من العرب، الذين يؤدلجون نصوصهم الإبداعية بصورة هزلية لا تمت للأدب بصلة بحيث تتحول نصوصهم إلى شبه منشورات سياسية أحياناً وهما فخي: التنميط (القولبة) كما فعل الأسواني بفجاجة للأسف في كتاب «شيكاغو» كما أثبت ذلك الناقد البريطاني وليام سيكدلسكي.
أثار الناقد دانيال مندليسون، في دراسته النقدية حول بداية الرواية ونهاية السيرة الذاتية، قضية أدبية مهمة هي تداخل الرواية مع السيرة والخيالي مع الواقعي؛ حدثنا عن هذه القضية؟
- في الواقع البروفيسور مندليسون كتب مقالة عنوانها «نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية» وهي مراجعة نقدية لكتاب مهم صدر حديثاً بعنوان «تاريخ كتب السيرة الذاتية» للبرفيسور بن ياغودا الذي أشار في كتابه إلى ما سماه ظاهرة ازدهار «تجارة» كتب السيرة الذاتية في أميركا وأوروبا وذلك في إشارة تهكمية إلى كثرة إنتاج كتب تحت مسمى سيرة ذاتية في الغرب ومشتقاتها من مذكرات أو ذكريات.. إلخ، حتى صارت تهدد عرش الرواية في قمة الأجناس الأدبية من حيث إقبال القراء عليها.
ومقالة مندليسون تغني عن قراءة الكتاب تقريباً وقدم فيها شروحات لفهم هذه الظاهرة.
وعلى رغم كون مندليسون يهودياً، إلا أنه أشار بموضوعية وأمانة مذهلة إلى ظاهرة خطرة داخل ظاهرة ازدهار «تجارة» كتب السيرة الذاتية وهي كشف زيف وكذب العديد من تلك الكتب، خصوصاً التي تتعلق بالهولوكوست. ويرجع مندليسون بمكر ظاهرة تحول كبار الكتاب والمفكرين المرموقين إلى كتابة السيرة الذاتية إلى حب «الاستعراض الأدبي» لجلب الانتباه، خصوصاً عندما لم يعد ممكناً لمعظمهم صنع بروز أو إنجازات جديدة في تخصصاتهم الأصلية على الإطلاق.
يقول البياتي «الشعر الحقيقي شعر عالمي حتى إن لم يترجم» وذهب بعض النقاد بأن بعض النصوص تحمل روح العالمية، بحيث لا تفقدها عملية الترجمة محتواها، ما تعليقك؟
- بالنسبة لي أعتبر توجهي للترجمة مهمة تنويرية بالضرورة، وهذا هو سبب هجري الاضطراري والقسري للكتابة والإبداع الشخصي (مقالة، قصة.. إلخ) وتفرغي تماماً للترجمة على رغم كونها تطفئ شعلة الإبداع الذاتي تدريجياً، ولكن لا بد من الترجمة لأنني أدمنتها ولأنها كما أحب أن أسميها «الفضيلة الغائبة» في الثقافة السعودية خصوصاً والعربية عموماً. ولذلك أحرص كثيراً واتعب في عملية التنقيب واختيار النصوص لأنها يجب أن تحمل رسالة مفيدة للقراء، خصوصاً المثقفين الجادين، لكي تضيف إليهم ولا تكرر ما هو شائع أو متداول وهذا هو ما حاولت فعله في جميع فصول كتابي المترجم الأخير «قضايا أدبية.. نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية»، والذي اعتز به كثيراً لندرة مواده في جميع فصوله الأربعة عشر، وكون معظمها جديداً على الساحة الثقافية المحلية بل وحتى العربية.
نعوم تشومسكي من أبرز الشخصيات الجدلية التي لفتت انتباهك كمترجم، واتضح لنا من خلال تعليقك قدرة المترجم وسعة افقه بالاطلاع على قنوات المعرفة وعدم اكتفاءه بالنصوص المكتوبة في أداء مهمة الترجمة... حدثنا عن ذلك؟
- نعم، المفكر الفذ تشومسكي شخصية عظيمة ونبيلة فضلاً عن كونه كما هو معروف «أهم مفكر على قيد الحياة» بحسب نيويورك تايمز. وقد وقعت في عشق شخصيته ونضاله لدرجة أنني قرأت كل ما وجدته عنه في متناول يدي قبل ترجمة مناظرته الرهيبة مع المذيع البريطاني الكبير تيم سباستيان في برنامج «هارد توك» (الحوار العنيف) الشهير الذي أذيع بعد أسابيع قليلة من أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وهي المناظرة التي نشرتها في كتابي «النصوص المحرمة».
وبالتالي قمت بكتابة تمهيد طويل لتعريف القارئ بتشومسكي قبل نص المناظرة كما وضعت هوامش وتعليقات عدة بين معكوفتين لشرح بعض الأمور. ومنذ ترجمة تلك المناظرة العظيمة وأنا أتابع بشغف كل ما يصدر لتشومسكي من منتجات فكرية (مقالات أو محاضرات أو كتب أو فيديو) حتى اليوم. كما أضع صورة جميلة له بالأبيض والأسود وهو يبتسم على مكتبي وقرب اللاب توب لتكون ملهمة لي في عملي ولأركز دائماً على العقل والمنطق في جميع كتاباتي وترجماتي.
فهو المفكر الشجاع والمقتدر الذي رفض دخول حظيرة السلطة ليكون حراً في تفكيره. وهو مفكر لم ولن يسهل تكراره.
وبصراحة أشعر بأنني حصلت على شرف لا مثيل له بعدما ترجمت تلك المناظرة المذهلة، خصوصاً أنني المترجم الوحيد الذي نقلها للعربية، إذ ترجمتها نقلاً عن تسجيل فيديو وليس نصاً مكتوباً. وهي ليست مجرد مناظرة بل محاضرة عميقة في فلسفة الأخلاق والمنطق والقانون.
ومن المؤسف بل المحزن أن العرب – كعادتهم - لم يستفيدوا مطلقاً من هذا المفكر العملاق الذي يناصر قضايانا أكثر منا. وبحسب معلوماتي، فلم يلق تشومسكي طوال حياته الثرية سوى ثلاث محاضرات في العالم العربي: بيروت والقاهرة وأخيراً في الضفة الغربية، على رغم اعتراض وممانعة إسرائيل الشديدة.
التعليقات (0)