حوار العرب: حوار الصم و البكم

   العرب قوم الحمية و التهور.. و من تهور قلب الموازين إلى حيث يجد مصلحته الخاصة. فتاريخهم حافل بما يعرف لديهم في أدبيات حضارتهم بالشجاعة و الإقدام, و لكن ماهو في حقيقة الأمر إلا اندفاع و طيش و انسياق وراء النزوات و العداوات, فأهلكوا أنفسهم بأنفسهم حيث خربوا البلاد و قتلوا و استعبدوا العباد.

   البطل فيهم من سفك الدماء و اغتصب النساء و بطش بالإماء و فرض الفداء. فلماذا كل هذا العداء؟

   شجاعة و بطولة العرب هاته تقتضي العيش في جو مشحون بالخوف و الإغارة و الغزو لتلميع صورة الزعيم و قبيلته داخل المجتكه العربي القبلي في عصر الجاهلية الثانية في امتداد مديد للجاهلية الأولى التي قامت على أساس التحالفات العصبية و القبلية لتدبير التدمير, ثم تضفى عليها الصبغة القانونية و الحقوقية بالشعر و النثر فخرا و مدحا تتناقله العرب بطنا عن بطن و جيلا عن جيل تقديسا لما يعتقدونه بطولة و تقليدا لما فعله أسلافهم.

   هكذا هم العرب يقلدون دون تمحيص أو حتى محاولة إعمال العقل و تنصيب موازين المنطق و الأخلاق في ذلك. و لا داعي للإستغراب مادات العرب تدعي لأنها من اخترعت الرقم صفر فقدسته من باب التقليد, و من فرط التقديس جعلته رمزا تضعه فوق رؤوس أبناءها و هم يرزحون تحته و بذلك نرى العرب الآن تحت الصفر.

   يا لها من حقيقة حقة صارخة ساطعة تلك التي تتجلى بالنظر إلى حالهم و نعتهم و صفاتهم إذ هم عديمي النفع و الفائدة و حق لهم أن يعلوهم الصفر, فهم مثل الخرفان الذين تراهم داخل الحظيرة يتصارعون و يتناطحون لكنهم في النهاية يصبحون صرعى بين يدي الجزار.

   إن عجلة تاريخ العرب (و حاضرهم طبعا) لا يحركها إلا النزاع و الصراع و التدمير كالناعورة التي تدور وسط نفس المياه التي تضخها باستمرار و تدور بتحريك و توجيه من الزعماء و الحكام و الوجهاء الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الخاصة داخل نطاق أضيق يضيق أكثر فأكثر حول رقاب الرعايا الضعفاء غير آبهين بما حال و يحول و سيحول بهم كأكباش الفداء في سبيل الوجاهة, و تبا لها من وجاهة إذا كان حبوب رحاها هم عظام المستضعفين و طحين جعجعتها هم دماء و أرواح الأبرياء و بئس وجاهة تعلوها الوقاحة و الفداحة.

   إن هذا الوضع الراهن هو حتما ناتج عن كون العرب فقدت الإتصال بعضم مع بعض كالصم و البكم, فالصم يتكلم و لا يسمع و البكم يسمع و لا يتكلم فأنى لهم التحاور؟

   التحاور و الحوار مستحيل بين الصم و البكم (فصيلي العرب) حتى ولو استخدموا لغة الإشارة بدل لغة الضاد التي لا تفيد, لأن لغة الإشارة تستلزم وجود الإنارو حتى يرى البكم أخاه الصم لكن العرب تعيش في ظلمات ظالمة حالكة فما تفيد لغة الإشارة في غياب الأنارة؟

الثلاثاء 21 يونيو 2011