يقع أغلب الناس بفهم مغلوط لطبيعة وأسس الحوار ، فيتوقف الكاتب و/أو ناقده عن نقد الفكرة المطروحة ، لينقدا الشخص/الإنسان وما يمثله بنظر كل منهما !
من النماذج على هذا ما حصل في مقالة "ماذا لو كان اينشتاين عربيا؟!" التي وردت في مدونة : [لا ديمقراطية .. دون علمانية] .
سأذكر مقتطفات من التعليقات الواردة :
يقول معلق يدعو نفسه "طارق" : "يبدو أن حمار الصهاينة لا يفهم مايقرأ ..... اقرأ يا حمار الصهاينة ....." .
فيرد عليه صاحب المدونة ليقول : "لا افهم لماذا تستعمل قلة الادب والوقاحة ولم ارد عليك الا بكل ادب، انا استطيع ان احذف تعليقاتك ولكني اتركها ليعرف العالم من هم المسلمون، ولكي يكتشف الناس من هو الحمار .... كتبت تعليقك واتهمت الناس بعدم الفهم وانا اقول لك انت الذي لا تفهم اي شيء .... اتمنى ان تنظف لسانك منك القاذورات باعتبارك مسلم وانتم من تدعون ان النظافة من الايمان."
ليعود "طارق" ويرد عليه بالقول : " الشيخ بن باز عالم دين فاضل .... وليس ساقطا ملحدا مثلك ولا يعرف الصعاليك اقدار الرجال ..... قبل ان تعظ الناس وتعلمهم الاخلاق تعلم انت اولا اسلوب الرد على الناس ايها الساقط على المستوى الانساني والاخلاقي والعلمي"
فيرد مجدداً صاحب المدونة بالقول : " بدل ان تتكلم عني بهذا الاسلوب الذي يترفع عنه اسقط الساقطين، كنت تفضلت واثبت لي اين كان اسلوبي غير اخلاقي في الرد؟؟؟؟"
ليرد "طارق" : "هذاهو الفرق بين تواضع العلماء وصلف صبية الملاحدة ..... ان الملاحدة اهل جبن و اهل صفاقة مع الخلق والخالق"
أكتفي بهذا القدر ، لنحلل المعطيات الواردة أمامنا : حيث يبدأ المدعو "طارق" بالشتم ، وهذا معبر عن قلة أخلاق وانعدام تبصر ، كما يحوي ضمنه عنصرية سمجة .
ليجيب عليه صاحب المدونة "نزار" بالقول : "لا افهم لماذا تستعمل قلة الادب والوقاحة .... انا استطيع ان احذف تعليقاتك ولكني اتركها ليعرف العالم من هم المسلمون" ، أشدد على هذه الفكرة تحديداً ، فهل أصبح المدعو "طارق" ممثلاً ورمزاً لكل المسلمين ؟! هذا نموذج واضح أيضاً عن التحامل والتحيز ، كما عن أحكام مسبقة وجاهزة . إذ كان بإمكانه أن يقول : ليعرف العالم من أنت ! لكنه ألغى الشخص الذي أمامه وتوجه مباشرة لكل الفئة التي يدعي "طارق" الإنتماء إليها .
ليجيبه طارق بشتم أقذع ، واضعاً إياه في إطار موحد هو وجميع "الملاحدة" ، وكأن "نزار" رمز وممثل لجميع ملاحدة العالم ؟!
فيعود "نزار" إلى التساؤل ببراءة :"اين كان اسلوبي غير اخلاقي في الرد؟؟؟؟" لتمر على "طارق" فيكمل حفلة شتمه وسبابه .
العجيب أن الإثنين وقعا في ما يخالف (ويناقض) مبادئهما التي يدعياها (والتي من الواضح أنهما لا ينتميان لها إلا بالإسم والرغبة) !
حيث أن أسس الحوار هي :
- احترام رأي الآخر .
- الإبتعاد عن السباب والإهانات .
- شرح المفهومات والمصطلحات المستخدمة .
- تقديم مختصر للموضوع (الذي قدمه المؤلف) كما فهمه الناقد .
- مناقشة الأفكار وليس الإنسان .
- نقد الأفكار بشكل منطقي علمي وعقلاني والإبتعاد عن الغوغائية والتشبيحات اللفظية .
- إحترام عقائد الآخر وعدم مسها ، وتقديم الفكرة (التي تمسها) بتجرد وموضوعية ونزاهة .
أما الإسلام فيؤسس لجدلية الحوار عبر :
- وجادلهم بالتي هي أحسن ...
- وكذلك عبر الآية : وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .
كما لاحظنا ، لم يحترم الإثنان أسس الحوار فوقعا في شتم متبادل ، والمثير أن لا أحد بينهما رابح !!
لا يمكن لنا أن نعتب على جاهل كالمدعو "طارق" إذ أغفل كل ما يمت له بصلة واختبئ خلف إسم مجهول ، فهو بالنسبة للمنطق والعقلانية (x)/(س) ، يمكن أن يكون أي شخص وهو لا أحد ، لذا لا يخاطب بكونه ممثلاً لفئة مهما كانت .
إن عتبي هو على صاحب المدونة الذي وقع في الفخ ، فانجر نحو تعميمات يجب أن يكون بعيداً عنها .. لماذا يجب ؟ لأنه يدعو للديمقراطية والعلمانية ، ولا يوجدا دون حوار بنّاء وعقلاني .
هذه أفكار نبعت من "حوار الطرشان" هذا ، وجل ما أتمناه أن نرتقي – مهما كانت عقائدنا – إلى أسلوب حوار مثمر ، ناجح ، فعال ، ومؤثر .
التعليقات (0)