لحوار من ابرز سمات الديمقراطية , لأنه يؤكد الاعتراف بالا خر , وبمعتقداته . وقد بات معروفا أن الأنظمة العربية المتسلطة كانت ترفض على الدوام الحوار مع الأحزاب والشخصيات المعارضة لهذه الأنظمة, بل تعتبرها في كثير من الأحيان معادية وعميلة لقوى خارجية , وتنفذ أجندات خارجية , ومصيرها الاعتقال والتشريد والإقصاء والتهجير خارج البلاد .
إزاء هذا الوضع عاشت المعارضات العربية حالة اغتراب وتعلم شخوصها كل فنون الدعاية المضادة والحرب النفسية. وتفننت في تفريد خصمها , أي مهاجمة النظام الذي يحكم بلدها . وقد برز دور هذه المعارضات إبان انتفاضة الشباب العرب التي بدأت أواخر العام الماضي واشتد أوارها أوائل العام الجاري.حيث أفاض كل واحد من المعارضين بسيل من الحجج والأسانيد ضد نظامه.في حين ظهر الإعلام الرسمي في أدنى مستوياته الفنية, وبات عاجزا عن الرد عليها.
لقد برز دور المعارضين التونسيين والمصريين واليمنيين والسوريين والبحرينيين والأردنيين , بصور راقية من الحجج ضد أنظمتهم , واستخدموا تقنيات الاتصال خير استخدام , واشغلوا شاشات التلفزة العربية بالتصريحات والأفلام الوثائقية التي أحرجت الأنظمة الرسمية , الأمر الذي حذا بها إلى إغلاق مكاتب بعض الفضائيات , ومهاجمتها واتهامها بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجية .
بعد سلسلة من المجازر التي ارتكبتها قوات أمن الأنظمة ضد أبناء الشعب
وقتل ألوف الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ, وإدانة هذه الأعمال الإجرامية من قبل منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الأممية, استدركت الأنظمة القمعية الأمر وعرضت فكرة الحوار مع المعارضة.
في حالة تونس لم يعترف بن علي بالمعارضة بادئ الأمر حتى أيامه الأخيرة , وكذلك الحال في مصر إذ سحقت قوات الأمن المصرية الشباب والشيوخ والنساء في ميدان التحرير , بما عرف " معركة الجمل " . أما في اليمن فقد اظهر علي عبدا لله صالح دهاء متميزا في المراوغة ونقض الوعود , حتى جاءت المبادرة الخليجية التي أجهضها أنصار صالح , الأمر الذي حذا بجهات من المعارضة إلى قصف المسجد الرئاسي , وإصابته إصابات بالغة , اضطرته إلى العلاج في إحدى مستشفيات السعودية .
وفي البحرين طرح النظام الحوار بعد أيام من تعرض المنتفضين إلى قمع قوات الأمن , ولكن المعارضة رفضت فكرة الحوار, وأصرت على مواصلة الانتفاضة , ورفعت من سقف مطالبها إلى حد إسقاط النظام كله , وإقامة جمهورية إسلامية تتبع " ولاية الفقيه " كالتي في إيران . وبعد سلسلة العنف الذي شهدتها الساحة البحرينية , وبعد انتهاء حالة " السلامة الوطنية " ـ أي حالة الطوارئ المخففة , أعيدت مبادرة الحوار من قبل الملك , وقبلت بها المعارضة , وبالذات " جبهة الوفاق " ,ووعد , وبدأت جلسات الحوار منذ يوم السبت الماضي , وقد تستمر مدة طويلة , لبحث كل الملفات السياسية والأمنية والقانونية والاقتصادية والإنسانية , ولاسيما بعد إعلان ملك البحرين قبوله تشكيل لجنة تقصي حقائق يشترك فيها شخصيات دولية للوقوف على حيثيات الأحداث التي أدت إلى وقوع قتلى وجرحى من أبناء البحرين . ومنذ اليوم الأول شكك علي سلماني ومنيرة فخرو مسئولة حركة " وعد " بجدية الحوار , لان قراراته ستتخذ بالأغلبية , والمعارضة لا تشكل إلا 10 بالمائة .
وفي سوريا شكلت لجنة للحوار مع المعارضة السورية برئاسة فاروق الشرع نائب الرئيس بشار الأسد, ومن المقرر أن تبدأ جلساتها في العاشر من تموز الجاري, كما تعثر لقاء أخر بدعوة من عضو مجلس الشعب محمد حبش . كما عقدت المعارضة في الخارج مؤتمرين, وهذا مؤشر على تشتت المعارضة, وهي فرصة للنظام للتهرب من الحوار الجاد, بدعوى مع من يتحاور ؟ وبالمقابل شككت المعارضة في الخارج بجدوى مبادرة النظام التي جاءت متأخرة وبعد سيل من دماء أبناء سوريا, ولسانهم يقول لا حوار مع قاتل.
وفي ليبيا ظل ألقذافي يرفض الحوار مع المعارضة التي شكلت " المجلس الوطني الانتقالي " في بنغازي, كما رفض المجلس الحوار مع ألقذافي
وطالبه بالرحيل عن البلاد , وقبل أيام أعلن رئيس جنوب إفريقيا دعوته طرفي النزاع إلى الحوار تحت إشراف إفريقي, تنفيذا لقرار القمة الإفريقية التي انعقدت في عاصمة غينيا الاستوائية , الداعي إلى وقف إطلاق النار , , في وقت تشدد قوات ألقذافي قصفها الصاروخي على مناطق اجدابيا لتحسين وضع ألقذافي قبل بدء الحوار أن حصل فعلا .وهذا القرار اعتبره ألقذافي انتصارا له , في حين شق القرار صفوف المجلس الانتقالي , بين مؤيد ومعارض .فالمجلس على لسان عبدا لجليل أبدى قبوله بشرط أن يتقاعد ألقذافي ويعيش كمواطن عادي تحت إشراف دولي, في حين عبر معارضون في فرنسا عن ايجابية القرار الإفريقي . وكل ذلك يصب في مصلحة ألقذافي .
وفي الأردن بادر الملك عبدا لله إلى تشكيل لجنة الحوار الوطني , التي أنجزت عملها بإصدار قانوني الأحزاب والانتخابات , وكذلك لجنة لإعادة النظر بالدستور وإزالة ما طرأ عليه من قوانين أملتها ظروف الفترة التي صدرت فيها . ومع ذلك فان المعارضة الأردنية ما زالت تشك في مصداقية الحكومة, وقدرتها على تنفيذ قرارات لجنة الحوار, رغم عدم رضاها على مضمون القانونين: الأحزاب والانتخابات.
إن المشكلة تكمن في عدم ثقة المعارضات العربية بالأنظمة الحاكمة,واعتقادها أن قبولها بالحوار ليس إلا لامتصاص غضب الشارع العربي , وتطمين المنظمات الدولية بان الأنظمة تستجيب لمطالب الشعب , وكذلك فالأنظمة لا تثق بالمعارضات , وتعتبرها أدوات بيد القوى الأجنبية .رغم كل الآراء ومعتقدات كل من المعارضة والأنظمة, يبقى الحوار هو الأسلم لكلا الطرفين, لتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق إلى سيناريوهات خطيرة كالتي حصلت في ليبيا , والتي قد تحصل في سوريا أو اليمن .
إن المعارضات التي تأمل بإسقاط الأنظمة واستلام الحكم ترى في الحوار لعبة لإدامة عمر الأنظمة, وتطالب بإسقاط الأنظمة فقط. وبالمقابل الأنظمة تملك القوة العسكرية ومستعدة للقتال حتى أخر رجل في البلاد كما قال ألقذافي ونفذ كلامه.وفي هذه الأجواء تتدخل القوى الخارجية لإفشال الحوار وإبقاء التوتر في المنطقة , ويبقى العدو الصهيوني في أمان .
التعليقات (0)