هل ينجح مسعى "نبيه بري" لعقد "الحوار" بين تيار المستقبل وحزب الإرهاب المنظم؟ سؤال شغَل وسائل الإعلام اللبنانية في الأيام الأخيرة وفي كل يوم كانت ترشح عن جوابه معلومة جديدة: بري واثق من نجاح مسعاه وإلا لما أعلن عنه. المستقبل يريد تقييد الحوار بجدول أعمال محدّد وخال من الشروط. وفد من سياسيي "المستقبل" يزور "الرياض" للتشاور مع "سعد الحريري" بشأن الحوار. الحوار يحتاج الى خارطة طريق سيعلنها الحريري في مقابلة متلفزة في 27/11/2014... تشويق وإثارة على مدار الساعة غير أن السفير السعودي "قتَلَ" كل ذلك الـ"suspense" الهزلي مع حسمه الموضوع مستبقًا كلمة رجُله في لبنان بيومَين فأعلن أنه أبلغ "بري" صراحة: "نحن مع هذا الحوار ونؤيده".
مقابل الهمروجة الإعلامية التي نظمها تيار المستقبل لتَلْقِيم جمهوره (أو ما تبقى منه) طبق "الحوار" المسموم بالملعقة وبالتقسيط المريح لقمة لقمة... كان واضحًا أن الحزب الإرهابي يتصرّف من موقع قوّة وغلَبة (وليس استجداءً للحوار كما يظهره الإعلام الأرزق)، اكتفى بإعلان أمينه العام عن رغبته في الحوار مع المستقبل مطلع تشرين الثاني دون الخوض في أية تفاصيل، وقد أتاه الجواب من السعودية صراحة، وبالتالي تُركت كرة النار في ملعب التيار الأزرق كي يحاول اقناع شعبه بأن "تجريب المجرَّب" دليل على كمال العقول، وأن اللدغ من الجحر الواحد عشرات المرات من صفات المؤمنين الفطِنين وله متعة ولذّة ما بعدها لذّة، وأن الحوار لن يتم وفق شروط وإملاءات الحزب الإرهابي وبما يخدم أهدافه في إحكام قبضة احتلاله لبنان، القبضة التي ما كان لها أن تبلغ هذا الحد لولا تنازلات الحريري المفاجئة والمخزية والتي وصمت سياسته الانبطاحية الذليلة منذ عام 2005 الى اليوم.
لكن مهلاً، لماذا يجد التيار الأزرق كل هذا الحرج والتردد في مصارحة جمهوره بقبوله دعوة الحزب الإرهابي للتحاور؟ الأمر لا يستدعي هذا اللف والدوران والتمهيد والتقسيط الممل والمريح في اعلان الخبر، فجلوس المستقبل مع الحزب الى طاولة حوار اليوم لا يساوي مثقال ذرّة من كارثية وخطورة موافقته المفاجئة على الجلوس معه في حكومة واحدة ما وفَّر للحزب الإرهابي برضى الحريري أو تمنّعه تغطية لإرهابه في سوريا بل ولبنان من خلال موافقة المستقبل على لعب دور الصحوات القذر تجاه بيئته ووطنه في آن معًا. بعد ذلك، هل يجد المنغمِس في بحيرة من الرمال المتحركة حرَجًا من الدوس في بقعة وحل صغيرة خشية أن تصيبه منها بعض اللوثات؟!
دون لف ودوران وبعيدًا عن سياسة "الاستغنام" و"الغنمية" التي يُعامل بها بعض ساسة 14آذار جمهورهم كما هو الحال الغالب في 8آذار على قاعدة "ما حدا أحسن من حدا"، لا بد من مصارحة الرأي العام العاقل والحر والواعي والذي لا تزال حاسة النقد لديه حيّة ومتوقدّة، أن هذا الحوار لا يُعوّل عليه في شيء نظرًا لهوية طرفَيه وتاريخهما، وقد أصاب تمامًا من وصفه بـ"طبخة بحص". فالمستقبل لا يملك قراره وهو بالكامل في السعودية، أما تاريخه فحافل بالخضوع والخنوع والانبطاح والركوع للأسد والحزب من خلال التنازلات المخزية والقاتلة في حق "ثورة الأرز". أما الحزب الإرهابي فقراره بالكامل في قبضة "الولي الفقيه" وتاريخه وثقافته يحفلان بتمجيد الخيانة للعهود ونقد المواثيق والانقلاب على التعهدات ولحس التواقيع والكذب والخداع والغدر والتقيّة، ابتداءً بمقررات جلسات حوار 2006 التي لم يُنفِّذ منها شيئًا مرورًا بنقض "اتفاق الدوحة" غير المأسوف عليه، وصولاً الى التنصل من توقيعه على "اعلان بعبدا" ووصفه بـ"الحبر على ورق"، وليس انتهاءً بأي اتفاق قد ينتج عن حوار الدجل والتقية الذي قبل به الحريري اليوم وحاول تبريره في مقابلته بتبريرات واهية كالعادة جديدها هذه المرة "تنفيس الاحتقان السني- الشعي".
للأمانة والموضوعية، إذا كان من بند واحد يمكن للطرفَين المتحاورَين أن يتوافقا عليه بحرية (بعد إذن أولياء أمورهما بالتأكيد) فهو بلا ريب ليس بند التوافق على رئيس للجمهورية لأن الأمر أكبر منهما بعد أن سلّما قرار لبنان للخارج، إنما بند التوافق على كيفية إيجاد الإخراج الملائم للإعلان عن ذلك الرئيس والذي نعني به المرشَّح الحقيقي والمضمَر والذي يرتاح إليه الطرفان "جان قهوجي" (الذي أقام له الحريري حفل تكريم عقب معركة عبرا مباشرة) الحائز على رضا إيران أولاً ثم السعودية وكذلك مباركة أميركا وفرنسا؛ بعبارة أخرى في أقصى الأحوال تفاؤلاً (وكفى بها شُؤمًا) لا نرى أمام المتحاورَين من جدول أعمال سوى مهمة إيجاد صياغة أو ديباجة لـ"الاعتذار اللائق" من مرشحَيهما الوهميَّين "الجنرال ميشال عون" والحكيم "سمير جعجع".
وسط هذه المهزلة يأبى السؤال المُحرِج إلا أن يطرح نفسه: ما هو موقع المسيحيين من الإعراب في اختيار رئيس جمهوريتهم الماروني؟
التعليقات (0)