الحوار المتمدن - العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24
حاورها طارق العربي
ربما فصلت من الشك أنوثة ارتدتها، ومن اللغة علب ماكياج وأدوات زينة لتخلق الجمال من واقع قبيبح ، ومن المسرح أرست عالما دون أقنعة ، مؤسسة به دولة الياسمين ، هاربة من زمانها ، رافضة للموت والحصار ، رافضة خداع المرأة الفلسطينية ، بمصطلحات العصر الجديدة ، العولمة ،حرية المرأة ، معاناتها وظلمها ، قضيتها .
معللة ذلك أن المرأة الفلسطينية مضطهدة مثل الرجل.وأنها شريكة أساسية له ، في مقاومته ونضاله.
باختصار هي ، عربية فلسطينية ، أكثر مني ومنها ومنك ، طفلة صغيرة تلهو على خشبة المسرح ، تريد تغيير العالم لأنه لا يعجبها هكذا ،مجرد طفلة تلعب وتحلم ، لانها في المسرح وحده تكون حياتها بلا أقنعة ، لأنها في المسرح وحده يمكنها أن تصنع حلما وثورة ، وتعطي الحياة لونا تركوازي ، هي فنانة مسرحية الفلسطينية ، انطلقت طائر نورس تبحث عن مدى لازوردي لها ، افقه السماء ، حدوده سواحل أحلامها التي لا تنتهي ، ضاربة في الأرض جذورها ،عالية كجبال الجرمق الشامخة ..نقية كزهر الرمان ، التقيتها بلا اقنعة، كاشفا خبايا شخصية متمردة لوطنها ووجعه ،ممتلئة بالغربة حد التخمة ، حزينة حد الجنون وعاشقة حد الثمالة ...وهنا إجاباتها ...
س_من هي سناء لهب وسط اختلاط الهوية ..والصراع الوجودي مع إسرائيل..؟ ..صراع الهوية والحق والوجود.؟
ج_ أنا لا أعيش اختلاط الهوية..هويتي واحدة، لها وجه واحد، وملامح واحدة ودم فلسطيني واحد، أعيش صراعا وجوديا نعم ، وربما لو لم يكن هذا الصراع لما صقلت شخصيتي على النحو المتمرد الذي أعيشه ، جسدي يلعن حبل السرة الذي تخلى عني،حبل الخيمة ، وحبل المشنقة وامضي
2_متى كانت بداياتك المسرحية ؟
ج_ منذ أن وعيت بأنني أتنفس ،منذ طفولتي كنت أشكو من جوع طفلة تعاني صراخ المبدأ، فهربت إلى خشبة اللامنطق لأحافظ عليه ،كنت اهرب من نفسي لأتقمص ادوار الآخرين،وما زلت اذكر أول مرة صعدت بها على خشبة المسرح، كانت بفضل والدتي رحمها الله
وهناك أحسست أن الروح تهرب من الجسد وان هذه الخشبة تستطيع أن تسكنك اماكن لا يستطيع البشر ان يقربوه
في تلك الفترة لم أتجاوز العاشرة من عمري ومنذ ذالك اليوم ما زالت هذه الحالة تعيشني.
3_أي جوع تقصدين الغربة ، الحرمان ..غربة الوطن ..غربة المثقف داخل أرضه ..الحرمان ..أي جوع ؟
الغربة ؟؟؟
الغربة تملئني حتى التخمة ، لو علم الليل بالغربة التي تسكنني ضجيجا ، لانتحر إلى الأبد في صباح مرهق عند باب احتمالي
غربة المثقف؟؟
لو نام الليل ليلة في جلدي لأتعبه النقيق وأرهقه وارتحل من غربتي، انا فلسطينية سيدي إذن انا الغربة بكل أنواعها وألوانها
4_إلى أي حد ساهمت الهوية الفلسطينية بتشكيل سناء لهب ؟
ج_فلسطين ..! هي أمي وألمي، من آخر النفس آتيها، ازحف الى كاحلها لأمزق عبوديتي فيختنق الليل لأني أتنفس هوائها، يموت وتملأني الشمس ،ضجرا ،سفرا،انتقاما،عيون التحدي،انكساري . قلت سابقا لو لم اكن فلسطينية لما كنت
5_الاتشعرين انك من عالم اخر.؟ اقصد انت مسرحية ومثقفة والمسرح وحتى المثقف بعيد عن الناس هناك حاجز يفصلك دوما عن البشر ..؟
ج_ لا ، بالعكس ربما هذا كله يساعدني أن افهم، ينتحرون زفة ،اسهر على إيقاع موتهم، يضيئون ليلي ، دبكهم شمالي ،ليلهم نهار، مناديلهم غبار، وأفقي مداهم
لولا المسرح والكتابة لما كنت ولولاهم لما كان المسرح والكتابة، هم يفرغون ليلي في قنابل الضوء ويملؤنه بنار دمائهم ،ودمائهم تسري بعروقي
ماذا يعني المسرح بالنسبة لسناء لهب؟
لا ادري ولكن كل ما أدريه انه الهواء الذي أتنفسه ،هو انا هو وطني هو امي، يمر بخاطري محمولا على كتف غربة، يحط في حضني ويبكي عليه معي
، أبني جسدي معه من جديد جبل نار، بحر دموع، ويسير النعش عاريا الا من الحقيقة
6_ما الإضافة التي أضافتها خشبة المسرح لسناء الإنسانة؟
لسناء الام ...لسناء الزوجة ..الثائرة.؟
ج_صقلتها بل خلقتها وعلمتها، أن طلقة تجعلكم أحياء في سبيل الكرامة ترزقون ، جعلت حيرتي نهر يبكيهم ويبكيني ..قزمت التاريخ وجعلتني أغادر طفولتي الى الأبد ، سناء الأم الزوجة،الثائرة، هي سناء بلا أقنعة كما على المسرح
7_ما هي أخلاقيات المهنة المسرحية التي يجب ان يلتزم بها الفنان المسرحي ؟ وهل التزمت بها؟
ج_ هي أخلاقيات الحياة الصدق والصدق والصدق أولا وأخيرا أن تكون صادقا مع نفسك ، وأظن أني أحاول الالتزام بها قدر إنسانيتي "
8_بماذا تتميز أعمالك المسرحية ؟ وما هي الخصائص الفنية التي التزمت بها في مسرحياتك؟
ج_اغلبها أعمال صارخة ، إن كانت سياسية او اجتماعية ، موجهة اما الى العدو لأحياء الذاكرة أو إلى المجتمع الذي يخاف التطرق اليها محاولا تجميل الواقع والاختباء بالرمل
و ليس هناك خصائص فنية معينة بل هناك كادر كامل يهتم بإنجاح هذه الصرخة ، ولكن من المهم لدي العمل مع طاقم يؤمن بي وفي ايماني ...
9_يلاحظ في مسارك المسرحي والعملي وإنتاجك الادبي تنوعا كبيرا وتنقلا من حقل معرفي لآخر ،ما السبب في ذلك . هل يعود ذلك إلى رغبة مقصودة في تعديد خلفياتك المعرفية وتغذيتها أم أنه محاولة دائمة للبحث عن ذات لا تجد نفسها أبدا ؟
ج_ربما اختبئ وراء ما قلت في رغبة مقصودة في تعدد خلفيات المعرفة، نعم هي رحلة للبحث عن ذات لا تجد نفسها أبدا ، ربما تبحث عن وطن في نصوص وربماتبحث عن كرامة في صفعة للعدو
ربما تبحث عن شيء في اللاشيء..!
10_في مسرحياتك نلاحظ وجود المرأة المضطهدة من المجتمع والرجل هل توافقيني هناك انحياز كامل للمرأة ؟.
ج_قد يكون لكوني امرأة.. وعمل المونودراما يحتم علي تناول شخصية امراة، وهنا علي أن ارفع الغطاء عن العفن الاجتماعي بأشكاله المتعددة ،و هو ليس بتحيزمن جانبي
فمن قال أن المجتمع يضطهد المرأة فقط ، الرجل مسكين ومضطهد ربما اكثر من المرأة ،يكفيه انه يعيش كذبة كبيرة تلغي إنسانيته لتحوله إلى مارد عملاق امام المجتمع حتى يتنازل رويدا رويدا عن ضعفه ودموعه ويبقى يعيش على خشبة مسرح الحياة دون أن يجرأ على خلع هذه الأقنعة،هذه هي الغربة بحد ذاتها.
11_لن يحد من حرية المبدع إلا حرية النقد، فكيف تعامل النقد المسرحي مع سناء لهب؟
ج_لا شيئ يحد من حريتي في الإبداع ، ان كان نقدا بناءا أحاوره وأعيشه وان كان جارحا بلا معرفة ورقي أتخطاه
انسيت سيدي اني فلسطينية؟؟؟ ما لم يقدر عليه الاحتلال
لن يقدر عليه احد.
12_هل أنصفك ؟
ج_أنصفني؟؟؟
لا اعرف، لم ادخل من هذا الباب أبدا ولم اتسائل يوما إن كان أو لم يكن ، ربما لأني أعيش في كوكب يمتلئ بغبن اكبر ، وظلم يملأ سماء الوطن العربي
،وطن لا يعرف الإنصاف حتى لنفسه
13_ما هي الأعمال المسرحية التي اشتركت بها ؟ وما حديدك ؟
ج_حسب عمري الزمني فهي كثيرة،وعمري الهذياني لا أتذكر ، أحببت بعضها وتناسيت بعضها الآخر ، منها عائد الى حيفا،لغسان كنفاني ، بيت السيدة عن قصة بيت برنا ردا ألبا للوركا، الرقصة الأخيرة ، عمل خط بنزف السجناء السياسيين ، سرحان والماسورة للشاعر توفيق زياد
واليوم اعمل على مسرحية لفدوى طوقان تحت عنوان غيوم في رحلة جبلية و ستخرج للنور بعد شهر
14_حدثينا عن عملك الأخير غيوم في رحلة جبلية ؟
ج_المسرحية تتناول شخصية فدوى طوقان وشخصية انشراح السجينة السياسية ،اثنيهما تعيشان الاحتلال والقمع وتحاربه كل بطريقتها وإيمانها،لن أكمل هناك الكثير من المفاجآت للجمهور.تلعب دور فدوى طوقان الممثلة سلوى نقارة وانا دور انشراح، و المسرحية من انتاج مسرح الميدان
15_يلاحظ قلة النشاط والتعاون بين مسرح الداخل و المسرح الفلسطيني ؟ ما السبب برأيك !
ج_وكأنك تسأل؟
في مبخرة المقابر أموت ولا أكابر؟
أتقطع وأتتمزق وأتوزع والكل ينتحر؟
لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟
، ! لا ادري ربما من كثر ما ادري
لن أقول بسبب الاحتلال لأنه نعم ، ولن أقول ان المسرح الفلسطيني يعيش أنفاسه الأخيرة في الوقت الحاضر بسبب ظروف الاحتلال وبسبب التشرذم الذي بناه الاحتلال لأنه كذالك ، لا ادري ، جواب يريح هجيع الحقيقة المؤلمة في روحي
لا ادري...
16_ما الحقيقة المؤلمة، اسبق لكم التعاون،هل هنا معوقات اخرى غير الاحتلال ؟.
ج_سبق لنا التعاون طبعا بل هناك عدة مقترحات حاليا كما في السابق، ولكن كل ما ذكرته اثر تأثيرا كبيرا على مسار التعاون
17_تعاني المرأة الفلسطينية في إسرائيل من اضطهاديين : عنصرية الاحتلال من جهة واضطهاد الرجل العربي من جهة أخرى . أتوافقين هذا الرأي؟
ج_ هل هذا سؤال أم نتيجة حتمية بالنسبة الى السائل؟
المرأة الفلسطينية كما الرجل الفلسطيني كلاهما يقبعان تحت نفس اضطهاد الاحتلال لا فرق
وان كانت المرأة تقع تحت اضطهاد الرجل العربي ليس لأنها فلسطينية بل لأنها تعيش في قمقم المجتمع العربي المتخلف
و هنا أود أن أقول، أن المرأة الفلسطينية هي اكثر النساء العربيات مساواة مع الرجل ، الرجل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية يعيشان نفس الاحتلال بكل أنواعه، ويزحفان صامدان نحو نفس الهدف وهذا ساوى بينهما وزاد احترام كل طرف للآخر
18_هناك من يقول أن المرأة العربية في إسرائيل محظوظة لأنها تعيش في جو من انفتاح اجتماعي وثقافي ، والحرية الممنوحة جوا مفتوح على الأخر !
ج_من قال؟؟؟
وما هي الحرية التي تطرح ها هنا ؟؟، ما هي الوانها ؟؟ ،
أن كانت الحرية تتمثل باللباس وعدد السنتمترات التي تنقص منه؟ فهي ليست بحرية بل استعباد ، وان كانت تتمثل بالخروج والسهر فهي ليست كذالك
انا سأجيب حسب قناعاتي ولن أجيب باسم أخريات
الحرية هي من أثقل المسؤوليات عند المرأة، بل هي قاتلة عند الفلسطينيات اللواتي يعشن في فلسطين المحتلة" 48 كما يسمونها الآخرين"
والسبب في ذلك يعود إلى أن المرأة الفلسطينية تعيش "تخبطات" في الهوية منذ الصغر وعندما تعي الحقيقة
تبدأ رحلتها في نشر الوعي والهوية لأبنائها ، كمن يحارب يوميا الهواء الذي تتنفسه وأبنائها، لذا الفلسطينية هنا هي امرأة تعيش الحرية بقيودها التي تفرضها على نفسها وترفض قناع الحرية التي يفرضها العدو كنعمة عليها
ما هي أهم القيم التي تدعين لها في مسرحياتك؟
ج_ لست نبيا ولا مصلحا اجتماعيا لأدعو لتبني القيم..
20_لكن الفن رسالة في نهاية الأمر ؟
ج_ صحيح ولكن الرسالة تصل مختلفة للمتلقي باختلاف شخصه ونفسيته وثقافته ووعيه ومجتمعه وقدرته على التلقي..
أنا امثل الصورة الحقيقية لأي حالة بلا رتوش ولا تجميل والمشاهد هو من يقرر نوع الرسالة التي وصلته وقراره في أن يتبنى او لا، و رسالتي ان اعرض صورا اتمنى ان تصل لأني اؤمن بها
21_تجربتك مع الكتابة هي؟
ج_ ما زالت تجربة.. ربما هي نوع من أنواع البحث عن نفسي، أنا لا اعتبر نفسي كاتبة وأديبة كما يسمونني ، أنا انزف نزفي الخاص بكل أنواعه حتى وان كان عاما فهو خاص بالنسبة لي
22_ لكن يوجد بداخلك كاتبة إن من يقرأ نصوصك يلمس هذا "هناك تجربة جيدة نوعا ما وجديدة في نتاجك ؟
ج- ربما نعم وربما لا، فهناك من يقرأني ويقول هذا إبداع وهناك آخرون يقولون هذا هذيان ، ولكن للحقيقة اكتب بدل أن ابكي وعندما ابكي يخونني القلم
23_ما تعني الاشياء التالية للسيدة لهب؟
ج_ الوطن. هو الفردوس المفقود ، هو أمي
أحلام مستغانمي؟
هي النساء والرجال عاريين من الأقنعة
الحب .
قطار يسافر في سكك العروق ويطويك مسافة ، ولا يحتويك ،فيقطع الصحراء ويحطك هشاشة في انكسار لذيذ
التعليقات (0)