لأننا نجيد الكلام والدردشة حول قصص الفساد التي طالت أعلى المستويات في الدولة الأردنية دون أن نقدم ردودا ترقى إلى مستوى الاهانات والنهب الذي نتداول أخباره كالعجائز لتمضية الوقت أثناء شرب الشاي في الغرف المغلقة ....
بت أحن إلى سنوات الثمانينيات والتسعينيات عندما كنا، ولغياب البدائل، نتابع نشرة أخبار الثامنة على شاشة التلفزيون الأردني حتى نهايتها ونستمع كالبلهاء إلى قصائد المديح والتمجيد التي تتكرر أثناء النشرة وقبلها وبعدها.
أحن إلى تقليب صفحات صحف الرأي والدستور وصوت الشعب التي تلوث الأصابع بحبرها الرخيص وتنهك العينين بأوراقها الصفراء الخشنة بعد أن أصدرت لجنة الأمن الاقتصادي التي شكلتها حكومة زيد الرفاعي أواخر الثمانينيات توصية بتأميمها بعد انهيار الاقتصاد الأردني وحل مجالس إدارتها وتعيين لجان مؤقتة برئاسة خليل السالم للرأي وكامل الشريف للدستور ومنير الدرة لصوت الشعب لتهي بذلك ملكيتها الخاصة عبر عدم السماح بأن تتجاوز الملكية الخاصة 5% ، وهي تحاول إقناعنا بأننا نعيش في أفضل دولة في العالم حيث أن وطننا (المحظوظ) هو البلد الوحيد في العالم الذي تحكمه القيادة الهاشمية الحكيمة ولا تقدم لنا دليلا سوى التأكيد الإنشائي المتكرر على حكمة تلك القيادة وقصائد شعرية مدفوعة الأجر.
أن تعرف بأن بلادك تتعرض للنهب يوميا من قبل مجموعة من الفاسدين ثم ترى من يتداولون أخبار حالات الفساد يكتفون بمجرد تداول تلك الأخبار كما لو أنها تتعلق بدولة بعيدة لا يربطهم بها إلا الفضول أمر مؤسف ومثير للغضب. ربما كان من الأفضل لو نتوقف عن تداول تلك الأخبار ونحاول الالتفاف حول القيادة (ضد كل من يحاول نشر غسيلنا القذر الذي تشير كافة المؤشرات إلى أننا قد تقبلناه ) وخصوصا أن ما تبقى من ثروات البلاد أقل مما تبخر ضمن عمليات الخصخصة التي تم التعامل معها محليا على أنها عملية تحويل مقدرات البلاد إلى أرصدة خاصة .
وأقترح هنا بأن نعود إلى متابعة شاشة التلفزيون الأردني وما تقدمه من نشرات إخبارية وبرامج وقراءة صحيفة الرأي ومقاطعة وسائل الإعلام الأخرى لأنه يبدو أننا على قناعة بأننا غير قادرين على القيام بأي شيء لتغيير الوضع القائم مما يجعل معرفة تفاصيل حالات الفساد أمرا مثيرا للأسى فقط . ولأن صمتنا بعد معرفة تلك الحالات يشكل اهانة لنا وإثباتا لعجزنا وخوفنا فقد يكون من الأفضل لو نحارب تلك الأخبار ولا نتداولها كونها تقدم أدلة على عدم جدارتنا بالكرامة والحقوق التي تتمتع بها الشعوب الحرة .وسيتوافق تغييب عقولنا مع غيابنا عن التاريخ الذي قد يصبح حتميا في المرحلة القادمة ..
التعليقات (0)