حمية الجاهلية.
قرأت في صندوق الرسائل الخاص بمدونتي هذا الصباح رسالة تنبيهية من إدارة المدونات موجهة لجميع المدونين، و تتناول مسألة التعليقات المسيئة في مناقشة المواضيع المنشورة على صفحات المدونات. وليست هي المرة الأولى التي تعمد فيها الإدارة إلى تعميم هذا التنبيه مما يعني أن الأمر مازال في حاجة إلى وقفة حقيقية.
لقد أصبح هذا الموضوع مستهلكا بشكل كبير جدا. لكن ما يثير الإنتباه و الإستغراب أيضا هو أننا نتفق جميعا على ضرورة تنظيف التدوين و تجنب الإساءات و التعرض لشخوص الكتاب، لكن ما يتجلى على مستوى الممارسة هو أمر مختلف تماما. إذ لا تخلو كثير من التعليقات من الشتائم و الإساءات. بل إن الأمر يصل في عدد من الحالات المتكررة إلى نقاش ثنائي يتجاوز موضوع المقال إلى التنابز بالألقاب و تبادل الإتهامات بشكل يشعر معه القارئ أننا بصدد ساحة للعب العيال لا مدونات لتبادل الرأي و تلاقح الأفكار.
من المعروف أن المبرر الذي يقدمه هؤلاء الذين يحولون إيلاف إلى ساحة حرب كلامية هو تعرض بعض المدونين لمواضيع محددة يجدون في تناولها إساءة أو استفزازا لمشاعرهم. و تتضمن قائمة المقدسات التي ينصب هؤلاء أنفسهم مدافعين عنها: الدين الإسلامي و القومية العربية و الواقع العربي. و كل من كتب في هذه المواضيع بأسلوب نقدي يكشف الحقائق و يناقشها بعقلانية يسقط في المحظور، و هكذا تنهال عليه اللعنات من كل حدب وصوب. و هؤلاء الذين يبررون سلاطة ألسنتهم بالذود عن حمى الوطن والدين يؤدون دورا ليس من حقهم لأننا نكتب في موقع إلكتروني له إدارة متخصصة هي التي تمتلك حق الحكم على طبيعة المواضيع. و لا يمكن أن تسمح باستمرار أي موضوع على الواجهة إذا كان مسيئا حقا. وهي تمتلك في ذلك كل الأدوات الكفيلة بزجر المخالفين كما نعلم جميعا. لذلك فالمشكلة لا تكمن على الأرجح في المواضيع المنشورة، بل في طبيعة بعض الأشخاص الذين احترفوا المجاهرة بالسب و الشتم لأنهم ببساطة شديدة لا يمتلكون أدوات الحوار الحضاري البناء و لا يؤمنون بالاختلاف. وقبل هذا و ذاك هم لا يمتلكون الحمولة المعرفية التي يواجهون بها خصومهم الفكريين، لذلك يعوضون هذا النقص باستعراض عضلات لسانية بلغة متعصبة تحن إلى حمية الجاهلية.
نرجو أن لا نقرأ في المستقبل مزيدا من مثل هذه الرسائل التنبيهية التي ترسلها الإدارة إلى المدونين. فنحن في حاجة إلى الدفع بعجلة الحوار الفكري المتخلق و الإختلافي إلى الأمام. أما معاول الهدم فلن تنال من عزيمة الأقلام الجادة على مواصلة الإبحار بالتدوين في إيلاف إلى شاطئ الأمان.
التعليقات (0)