عجيب هذا الوصف الذي يمعن في التحقير ، فهل نحن حقاً بلد متخلف ؟ أم هو نوع من جلد الذات ، نوع من مازوشية تبتغي رصد الألم وتشكيله بلذة ينتشي بها القائل والسامع !
أم ربما هو فكر المستعمِر الذي رصد عقدنا ومآزمنا فألبسنا حلة لا يمكن لنا فيها الحراك ، شرنقة لا يمكن للفراشة أن تتحرر منها ، هي إلى الحبس أقرب ، حبس فكري وقيود متجذرة في تراثنا ، تشغل بال مفكرينا فلا نقدر على التخلص من حبل السرة الذي بات يخنقنا !
عند الولادة ، طبيعية كانت أم قيصرية ، يتم قطع هذا الحبل ، لينطلق المولود الحديث في بيئته حراً دون قيود تشغله ، يستكشف عالمه الجديد ويغامر بقطع معرفي مع عادات الأسلاف ... هكذا يبدأ !
لكن الإستعمار الجديد أذكى مما نتصور ، فيحتاط عبر التشريط الإجتماعي/الثقافي لإنتاج خلايا نائمة من الأفكار والموروثات (والعقد) التي تعمل كهلب السفينة ، إن لم تُغرق أوقفت الحراك ، فبات الجمود سيد الحياة ، وبات التخلف بمعناه الثقافي أساساً وقضية !
وهو ما يظهر واضحاً في زمن الإنتخابات ، زمن الديمقراطية المشوهة ، والإصلاح المهدور ، والعدالة المغيبة !
هل يمكن لنا أن نتنفس تحت الماء ؟! هل يمكن لشعب لبنان العظيم أن يعرف معنى العدالة بعيداً عن أزقة الطوائف والطائفية ؟!
إن الإنتخابات فرصة للتغيير ، هذا ما يتشدق به كل مرشح في هذا البلد ، وهو يعلم كذب إدعائه ، في بلد يحاسَب فيه العميل على أساس طائفته ، ويُمتَنع عن سوق الإدعاءات على أي زعيم فاسد ومرتشٍ خوفاً من إنقلاب طائفي ، أو خوفاً من المس بالتوازن اللبناني الشهير !
لبنان بلد الطوائف ، هو إذن بلد التخلف ، إن عدم الإنصهار في بوتقة المواطنة ، والبقاء ضمن فكرة العشيرة هو دليل على مقدار تهاويه ، ومؤشر على مدى محدودية المعرفة !
لا بد من الإنطلاق إلى الوطن الجامع لكل أبنائه ، لكن كيف الوصول إليه مع هذا الزخم الطائفي المعوق للعدالة ؟!
لبنان بلد الحريات ولا نراها إلا في الإباحية والتسليع والإستهلاكية الشرهة ! ويوم الإنتخابات هو فرصة لتعلم إلى أي مدى وصل بنا التخلف .
التخلف لغةً هو معبّر عن الجهل والأمية الثقافية ، وتعبيره الأبرز هو في مدى توجهاتنا نحو الإستهلاك ومضامينه ومدى إبتعادنا عن المعرفة وأسسها .
نحن هنا نمارس تخلفاً ونجترّه ، فنعبد أسلافنا وما وجدنا عليه آباءنا ! لا ضرورة للتجديد .. لا ضرورة لإعمال العقل والتدبر .. لا ضرورة إلا لصورةٍ نمارس أمامها يومياً فعل الصلاة ، وكلما ازداد حجمها ، كلما ازداد تخلفنا ، وكلما أغرقنا في أسطرة الزعيم وفرعنته !
نشكو من قلة المعرفة ، وتجاهل أعمى يصيب بصيرتنا كي لا أقول جهل وخواء وظلمات . نور المعرفة يبدأ من الذات ، نور الحياة يبدأ من معرفة الذات ، حياة المعرفة تبتدئ يوم نعلن وفاة الطوائف والزعامات .. والصور !
يوم نقتلع جذور التخلف ، فنـزهو بألوان الحياة التي تسمو بنا إلى آفاق أرحب من هذا الوطن الصغير .
أجيال تتلو أجيالاً ، ونحن في بؤرة التخلف أرواح تزهق أرواحاً ، وآمال تجهض آمالاً ، ولا أمل لنا سوى في صور .. وإنتخابات أضحى الرابح فيها خاسراً !
في بلد التخلف هذا ، لا أمل لنا سوى بأن يكون تخلفنا كذبة أطلقها المستعمِر وصدقناها ، كم يكون هذا الأمر عظيماً ومريحاً إن كان صحيحاً ، كم هو رائع أن يكون تخلفنا مجرد كذبة إستعمارية رخيصة !
أليس هذا أكثر راحة من أن نعقّد حياتنا بالبحث في أنفسنا عن سبب التخلف وعلله ! أليس أكثر راحة من أن نفكر !!
ويوم الإنتخابات (معاذ الله) ليس يوماً للتفكير ، بل هو يوم للإيماء والمصادقة على أقوال الزعيم "زي ما هيي" !
يوم الإنتخابات – في لبنان العظيم – مصداق التخلف الأبرز ، هذا إن فكرنا (لا سمح الله) !
التعليقات (0)