حدث هذا في المدينة المنورة .. وأمام مسجد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.. وبالتحديد عام 1991 م .. حيث مكثت شهر رمضان في رحاب النبي ..وكنت شبه مقيم بالمسجد النبوي ..
وفي نهار رمضاني وفي طريقي إلى مسجد النبي ..وعلى بعد حوالي ثلاثمائة متر منه.. لاحظت طابوراً من أناس جاثين على الأرض وكأنهم يصلون في وضع التشهد .. كان وفداً مغاربياً على ما أذكر . .. وأمام هذا الجمع رأيت رجلاً مسناً يتقدمهم جاثياً هو الآخر على ركبتيه متوجهاً ناحية باب المسجد ناظراً إليه وهو في حالة رهبة شديدة .. اقتربت منهم ..سمعت الشيخ المسن وهو يخاطب رسول الله .. يسلم عليه ..و على أصحابه ..وعلى آله .. ويستأذنه في الدخول عليه بمسجده ..ويقول وهو يبكي .. أأدخل يا رسول الله ؟ أأدخل يا رسول الله ؟ .. والجمع من خلفه يبكون .. كانوا كمن يقف على الباب منتظراً الإذن له بالدخول .. وممن ؟ من رسول الله .. صاحب البيت .. وصاحب المسجد ..
يا الله .. ارتعش جسدي .. سرت فيه قشعريرة يشعر بها كل من أيقن أن محمداً نبي الله ورسوله .. الناس تستأذن رسول الله قبل الدخول عليه بمسجده بثلاثمائة متر تقريباً .. ويمكثون على هيئة المنتظر السماح له بالدخول ..
أرأيتم الأدب مع النبي ؟ أرأيتم كيفية مخاطبة النبي ؟ وممن ؟ من أقاصي الغرب ..
هذا حال المسلمين في مغارب الأرض الذين يفصل بينهم وبين رسول الله بحار ومحيطات وصحاري ومفازات .. يتيهون فيه حباً ورهبة وخشية .. وقد تكون لهم لهجاتهم ولكناتهم ولغاتهم البعيدة عن لغة النبي ..لغة القرآن ..
هذا في الوقت الذي جاءت "الحركة الوهابية" إلى أرض النبي .. مهد الإسلام .. تحت شعار التوحيد و محاربة الشرك لتلون ديار النبي وبلاده بلون الجفاء والخشونة .. فالخوف عندهم من " الوقوع" في دائرة "الشرك" جفف منابع الحب في القلوب ..و سحب دفء المشاعر من طقوس الشعائر ..
ظهرت الحركة الوهابية بالسعودية في زواج كاثوليكي مع الملكية السعودية التي لونت هوية شعب كامل باسم عائلة حية تعيش وتملكه .. باتفاق سرمدي بينهما .. مفاده أن تطلق العائلة يدها في الملك وتبقى على العرش مقابل أن تطلق الوهابية يدها في حياة الناس .. تمنح وتمنع .. دون أن يمس أحدهما الآخر .. أو يقف في طريقه .. أو يعارضه .. ومن هنا سادت الوهابية المجتمع السعودي وامتدت إلى خارجه بالنظرة الظاهرية للنصوص مع جمود الرأي وضعف الاجتهاد وتكلس العقول المواكبة لتغير مفاهيم المجتمعات وعقلياتها وحاجاتها ..
في المسجد النبوي .. تقف "الجنود " حائلاً بين الناس وبين النبي .. ممنوع رفع اليد في مواجهة النبي .. فرفع اليد يعني التوسل ..والتوسل لا يكون إلا لله .. تم هدم وطمس كافة آثار ومباني العهد النبوي .. حتى لا تكون مزاراً ويكون الشرك .. ممنوع الاحتفال بالمولد النبوي لأنه بدعه .. وجوب هدم شواهد القبور إذا كانت داخل المساجد استناداً إلى حديث النبي " (لعن الله أقواما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ولم يجيبوا حتى الآن عن وضع مسجد النبي وداخله قبره
وكنا قد كتبنا عن ذلك من قبل ونحن هنا نعيد عليهم جواب الإمام الشيخ الشعراوي على من سأله عن جوازية المسجد الذي يحوي قبراً ..
قال الشيخ متولي الشعراوي بالنص .. لا شيء فيه .. فالنبي قبره في المسجد .. والأزهر موجود وقبور الأولياء في المساجد .. دعونا من هذا التنطع .. جاءوا بدليل لا يعرفون كيف يستدلون به ..
قالوا ( لعن الله من اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) أوليس هذا دليلهم ؟!
قل لهم أنتم أغبياء في الاستشهاد .. فما هو القبر ؟! ما هو تعريفكم للقبر ؟! القبر هو المكان الذي يحوي جثة الميت .. فهل هذا المكان (القبر) اتخذ مسجداً ؟!! أم عليه سور ومحاط بمقصورة ؟!! أي مقصورة على الدفن لا تتعداه إلى أي حدث آخر.. فمن أين جاء اتخاذ هذا القبر مصلى ؟!!
إنهم أغبياء .. نقول لهم إذاً اذهبوا واهدموا قبر النبي !! فإن قيل أن هذه (خصوصية) للنبي .. نقول( لا ) فإن أبا بكر مدفون فيها وعمر بن الخطاب ..
نحن في المسجد النبوي نصلي في الصفوة والقبر أمامنا ..ونصلي في الروضة الشريفة والقبر على يسارنا ... ونصلي في منزل الوحي والقبر على يميننا .. ونصلي في المواجهة والقبر خلفنا .. إذاً القضية لا دخل لها بهذا .. وما قولهم وقد قال الله تعالى (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) ولم ينكرها عليهم الله !!!!
وهكذا .. سادت الجفوة الوهابية قلوب بعض الناس في بلد الحبيب الأكرم .. صاروا إلى الجفاء والخشونة والغلظة أقرب منهم إلى الليونة والصفاء والمرونة
لم يواكبوا حركة الحياة .. وبقوا على جمود النظرة ..وعلى ظاهر النصوص ..وضعف التأويل .. ولم يمعنوا في الإجتهاد ..ولم يبذلوا جهداً سوى في قضايا ركوب المرأة السيارة .. وعدم جواز احتفال المسلمين بمولد نبيهم .. ولباس المرأة .. وصوتها .. والغناء .. والرأي في كرة القدم.. وغيرها من القضايا التي تؤخر الأمة ولا تتقدم بها ..
فكان ما كان .. من جرأة أمثال (حمزة الكشغري) ليخاطب النبي .. في بلد النبي .. وعلى أرض النبي .. التي تسمى اليوم بالسعودية .. وعلى مرمى البصر من المسجد النبوي والكعبة المشرفة بحديث لم يجرؤ على التفوه به مسلم صومالي أو مغاربي أو ماليزي أو هندي أو باكستاني أو سوداني أو أي مسلم من بلاد آمنت بالنبي وبينها وبين بلاده بحار ومحيطات وصحاري ومفازات ..
بقي أن ننوه عن سابقة حدثت منذ ثلاث سنوات والتي زلف فيها لسان الفنان "السعودي " محمد عبده يوماً - ثم اعتذر عنها - بقوله خلال مشاركته في برنامج "العراب"، الذي يقدمه الإعلامي نيشان على قناة mbc ، عن الإبداع في السعودية حيث أشار إلى أنها قلب الجزيرة العربية، وتعج بالمبدعين، وتابع قائلاً: أن "الرسول سعودي.."!!!!. فلماذا نستغرب هذه المخاطبة من ( (حمزة الكشغري) لرسول الله ....؟!!!!!!!!!!!!
التعليقات (0)