كتب طارق الحميد : بحسب ما بثته إذاعة الجيش الإسرائيلي قبل أيام، فإن وفدا من الخبراء والمهندسين التابعين لحكومة حماس المقالة في غزة قد زاروا إسرائيل سرا قبل نحو شهرين ونصف شهر، «بهدف الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال معالجة مياه الصرف الصحي وتحويلها إلى مياه صالحة للاستعمال». حماس بدورها سارعت بالنفي، وهذا أمر متوقع، وتعودناه من الزوار السريين لإسرائيل، وهم كثر، إلا أن مدير مصلحة مياه بلديات الساحل بغزة يؤكد حدوث الزيارة، بل وينفي عنها طبيعة السرية، مؤكدا أنها، أي الزيارة، كانت بتنسيق مباشر بين الخبراء والمهندسين والبنك الدولي باعتباره جهة ممولة طلبت الحصول على خبرة مناسبة في مسألة معالجة المياه.
بعيدا عن جدلية السرية من عدمها، تمنينا لو استفادت حماس من الزيارة بتعلم أمر آخر غير خبرات الصرف الصحي. فليت الحركة الإخوانية تعلمت كيف أن العدو يوحد ولا يفرق، وكيف أن إسرائيل، ورغم صراعها مع العرب طوال عقود طويلة، ومنذ احتلالها الأراضي العربية، لم تقل يوما أن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ولم تعطل انتخابات، ولم نسمع عن انقلاب فيها، على غرار ما فعلته حماس في غزة، ولم يخُن الساسة بعضهم بعضا هناك رغم كل الخلافات السياسية، والفضائح المالية، وآخرها فضيحة أولمرت.
لو تعلمت حماس ذلك في رحلتها إلى إسرائيل لكان أجدى، أما الحديث عن الصرف الصحي، وتعلم خبراته فهو من باب الترف، لأن أهل غزة لا يجدون ما يأكلونه في ظل الأوضاع القاسية التي يعيشونها.
المعروف أن العدو يوحد، ويجعل الإنسان أكثر يقظة، إلا في حالة الفلسطينيين، فإن العدو قد شرذمهم، ولم يقصروا هم أيضا في شرذمة أنفسهم. فلم نسمع عن انقلاب في دولة تجاهد وتكافح لتخلق على الأرض، وصراع على السلطة بين من لا سلطة لهم، وحملة تخوين متبادلة بين الفلسطينيين في الوقت الذي بات العرب فيه شبه يائسين من صلاح حال الفلسطينيين أنفسهم. فالقيادات الفلسطينية لم تتنبه بعد إلى أنّ أولويات الدول العربية، جلها، باتت مركزة على الداخل، أي المواطنين، فالقضية الفلسطينية لا تؤكل خبزا آخر اليوم.
ولذا فمن الأجدى لحماس اليوم أن تستغل الظروف وتبادر هي بمصالحة مع أشقائها الفلسطينيين بدلا من هذا التشرذم والتذاكي في عملية المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية. فاليوم نحن أمام ظرف تاريخي جديد، إذ بات الأميركيون مقتنعين أكثر من أي وقت مضى بأن مصلحة أمنهم الوطني باتت مرتبطة بحل الصراع العربي - الإسرائيلي، كما أن هناك أزمة حقيقية بين واشنطن وتل أبيب، ناهيك عن موقف دولي مدين لإسرائيل.
وعليه، فعلى حماس أن تغلب مصلحة المواطن الفلسطيني، وتبادر هي إلى الحل، وحسم ملف الانشقاق، والخلاف، مثلما بادرت الحركة الإخوانية لحمل السلاح ضد السلطة الفلسطينية وجعلت نفسها لعبة بيد إيران وسورية وغيرهما. لأن حماس نفسها اليوم في ورطة في غزة، وإن سعت هي للمصالحة، وبادرت إلى إنهاء الوضع القائم هناك فقد تسدي للقضية ولنفسها معروفا كبيرا، قد يساعد في تنظيف سمعتها السيئة.
التعليقات (0)