وصف المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين في العالم، المصري محمد مهدي عاكف، حركة حماس بقوله هي منا ونحن منها، لها ما لنا وعليها ما علينا مدللاً بذلك على عمق الصلة وحجم العلاقة التي تربط التنظيم الفلسطيني بالأم الأشمل والأوسع، أي بحركة الإخوان المسلمين الدولية العابرة للحدود، كفصيل أممي من فصائل الحركة الأصولية العالمية التي تتحالف حيناً وتتصادم أحياناً مع كل من يماثلها على الصعيد العالمي، من ولاية الفقيه الإيرانية برئاسة المرشد العام علي خامنئي، إلى تنظيم القاعدة ومرشده العام أسامة بن لادن، وبالتالي فإنه يمكن اعتبارها واحدة من بين أبرز ثلاثة فصائل أصولية أممية عابرة للحدود.
وتنفيذاً لهذا الارتباط المبدئي، حزبياً وتنظيمياً وسياسياً، انتقد المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في الأردن الدكتور همام سعيد يوم 4 أيلول الماضي ، عدم توازن السياسة الخارجية الأردنية إزاء الفرقاء الفلسطينيين وأشار إلى أن قادة حماس لا يستطيعون دخول الأردن على الرغم من المواقف المبدئية الثابتة لحركة حماس في الاصطفاف إلى جانب المصالح الأردنية ومناهضة مشروع الوطن البديل وتابع من غير المنطقي تجاهل قوة فلسطينية تمثل الشرعية التشريعية وحصلت على غالبية أصوات الفلسطينيين في آخر انتخابات نزيهة جرت هناك في فلسطين.
حركة حماس، جزء من حركة الإخوان المسلمين، ولذلك من المفهوم والمنطقي تبادل المصالح والدفاع المشترك عنها في مواجهة الآخر، سواء كان نظاماً أو حركة سياسية يسارية أو قومية أو ليبرالية أو غيرها، كما أنه من المفهوم والمنطقي دفاع المرشد العام للحركة في العالم محمد مهدي عاكف، والمراقبين العامين لفصائل حركة الإخوان المسلمين المنتشرين على امتداد 86 دولة في العالم، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، حيث يبنون دفاعهم عن مواقف حركة حماس، سواء كانت صائبة أو غارقة في الأذى لشعبها والتصفية الجسدية لخصومها كما فعلت وتفعل الآن في قطاع غزة.
فإذا كان مقبولاً ومنطقياً غض الطرف عن سلسلة الاغتيالات التي قارفتها حركة حماس بحق ضباط أمن السلطة الوطنية الفلسطينية قبل الانقلاب عام 2007، وتنفيذها انقلاباً دموياً على السلطة الشرعية في حزيران 7002، بسبب خصوماتها السياسية مع إدارة السلطة، وبسبب نهج حركة فتح وأخطائها طوال عشر سنوات من عمر السلطة الوطنية، لكن من غير المقبول وغير المنطقي ارتداد حركة حماس على حلفائها الذين وقفوا معها في الانقلاب وما قبل الانقلاب، فقامت بتصفيتهم جسدياً في حملات منظمة عسكرية علنية، خاصة وأنها غدت الحاكم المطلق لقطاع غزة، حيث كان يجب عليها أن تتعامل مع القوى السياسية الأخرى ومع حلفائها بأشكال وأساليب أفضل وأحسن مما كانت تفعله حركة فتح حينما كانت تقود ائتلافاً سياسياً وطنياً عريضاً طوال فترة قيادتها للسلطة منذ الانتخابات الأولى عام 1996.
وعلى ذكر الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس في عام 2006 كما يقول همام سعيد، ووصفها على أنها نزيهة بإجماع الفرقاء فهذه الانتخابات النزيهة التي نفذها وأشرف عليها وحافظ على نزاهتها، وقبل بنتائجها، وتصرف على أساس هذه النتائج هو الرئيس محمود عباس رئيس السلطة ورئيس حركة فتح.
حركة حماس لم تقم بالانقلاب فقط ضد السلطة الشرعية وضد حركة فتح وضد من قاد الانتخابات النزيهة وأشرف عليها وسلم بنتائجها، بل قادت سلسلة انقلابات دموية ضد من وقف معها وأيدها في انقلابها كان أحدثها تصفية تنظيم جند الإسلام وأميرهم عبد اللطيف موسى وقتل 42 شخصاً معه وهدمت المسجد على المعتصمين فيه بعد أن عجزت عن اقتحامه، تعبيراً عن مدى قسوتها في التعامل مع من لا يتفق معها أو يخالفها الرأي أو يتمرد على قراراتها ولا يقبل نهجها وحتى ولو كان من ذوي الفضل عليها، وهذا لا يعود لتراث حركة حماس المستقل بل هو نهج وتاريخ وتراث حركة الإخوان المسلمين في كل من مصر وسورية، فقد تحالفت مع عبد الناصر في ثورة الضباط الأحرار عام 1952 ثم حاولت اغتياله في حادثة المنشية في الإسكندرية عام 1954، ووقفت مع الرئيس حافظ الأسد في حركته التصحيحية في تشرين 1970 ضد رفاقه اليساريين، ثم ارتدت عليه وشنت عليه كفاحاً مسلحاً استمر لعدة سنوات ضد نظام حزب البعث الحاكم في دمشق، ووقفت مع الأميركيين وتحالفت معهم في العراق ضد حزب البعث ورئيسه الراحل صدام حسين، وهم اليوم شركاء في إدارة العراق مع الأميركيين، حيث يشغل إياد السامرائي المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين موقع رئيس البرلمان العراقي بعد استقالة محمود المشهداني، وفي الصومال هم جزء من التحالف الذي يقوده شيخ شريف شيخ أحمد المتحالف مع الأميركيين ومع أثيوبيا لمواجهة تنظيم القاعدة وشباب المجاهدين الأكثر قوة ومتانة.
وبالتدقيق في تحالفات حركة الإخوان المسلمين، مع الأميركيين في العراق، ومع الأثيوبيين في الصومال، يظهر مدى السياسة الانتهازية غير المبدئية التي تقترفها هذه الحركة، سواء في سبيل الوصول إلى السلطة كما حصل في العراق والصومال وغزة، أو من أجل الحفاظ على سلطتهم فيها، فكل شيء مبرر، وأي فعل مشروع، طالما أن فقهاءهم يفتون في ذلك ويدبجون الفتاوى لشرعنة ما يفعلونه، في مقابل رفع الغطاء عن خصومهم بل وإدانتهم وإطلاق الأوصاف الدونية المؤذية بحقهم.
انتقد همام سعيد السياسة الخارجية الأردنية بسبب تعاملها مع الفصائل الفلسطينية، التي تسمح لبعضهم ولا تسمح للآخرين بزيارة الأردن، متناسياً متعمداً ظاهرتين: أولهما أن إبراهيم غوشة عضو المكتب السياسي لحركة حماس يشارك بفعالية ونشاط في كل المظاهر السياسية العلنية في الأردن، ويكتب باسمه الصريح والعلني مقالاته كعضو المكتب السياسي لحركة حماس، وينتقد ويخوّن القيادات الفلسطينية الأخرى والسياسات العربية والمصرية خاصة، بدون أن يمسه أحد أو يحدد نشاطاته، كما أن محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس متنقل دائم بين عمان ودمشق وحامل رسائل متبادلة بين دائرة المخابرات الأردنية وقيادة حماس، إضافة إلى أن همام سعيد نفسه عضو مجلس شورى حركة حماس. وكان استقبال خالد مشعل والترحيب به في عمان موضع اهتمام كبير، حيث شاركه همام سعيد في استقبال المعزين بوفاة والد مشعل، ما لا يترك مجالاً للمراقب العام كي يسجل نقداً على المواقف السياسية الخارجية الأردنية بهذا المعنى.
ولكن هل يتسع أفق همام سعيد ويملك شجاعة توجيه النصح لحركة حماس لتتخلى عن أسلوبها الانقلابي في غزة، ووقف تصفياتها الجسدية لخصومها ولحلفائها، وتقبل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وتقبل بحكم وإرادة الشعب الفلسطيني الذي عاقب حركة فتح عام 2006 وأحسن لحركة حماس وأعطاها غالبية أصواته الانتخابية ومنحها شرعية التشريعية كما يصفها همام سعيد.
إذا فعل هذا وامتلك هذه الشجاعة فسأضم صوتي لصوته وأعود معارضاً للسياسات الرسمية الأردنية كما كنت أفعل سابقاً وقضيت سنوات طويلة من عمري في السجون احتجاجاً على السياسات الرسمية، بينما كان يتمتع هو بالوظيفة وببعثة الدراسة وبالتدريس في الجامعة الأردنية، وليس وحده بل كان معه اسحق الفرحان وإبراهيم زيد الكيلاني ومحمد أبو فارس وغيرهم العشرات، لا لسبب بل لأنهم كانوا حلفاء للسياسة الرسمية وخصوماً أشداء لليساريين وللقوميين الذين كانوا محرومين من حقوق التمتع بحرية التنظيم والعمل وإعلان المواقف كما كان متوفراً للإخوان المسلمين دون غيرهم، وذلك قبل أن يقدم الحسين الراحل على تصحيح هذه السياسة وتصويبها ويتعامل مع جميع السياسيين وكافة المعارضين باحترام وعلى قدم المساواة، طالما أنهم يتمسكون بالدستور ويلتزمون بالقانون، وهو ما يفعله الملك عبد الله الثاني اليوم باحترام الآخر حتى ولو كان معارضاً للسياسات الرسمية بأدوات سلمية ومدنية وحضارية على قاعدة الدستور والقانون واحترام النظام، سواء كان مواطناً أردنياً، أو ضيفاً فلسطينياً يحترم إرادة الأردنيين ويحفظ أمنهم كما يحترم إرادة الفلسطينيين ولا يتطاول على أمنهم كما تفعل حركة حماس اليوم بحق شعبها في غزة، مما يسبب القلق وعدم الطمأنينة لكل مراقب سواء كان أردنياً أو غير أردني.
التعليقات (0)