حماس من تحاصر اهل غزة
انها حماس التي تحاصر اهل غزة، بمنعها اولاً تلاقيهم مع ابناء فلسطين الآخرين، فالمسألة ليست في الجغرافيا ابداً.. بل بالسياسة وبالالتزام الوطني بوحدة اهل فلسطين سواء كانوا في الضفة الغربية او في الاراضي المحتلة عام 1948 او في ارض الشتات..
كان الفلسطينيون موحدين عبر تاريخ النكبة منذ 61 سنة، سواء من كان منهم في اميركا وأبدع كإدوار سعيد، او من كان في السعودية والكويت واغتنى كخالد الحسن ومنيب المصري او في لبنان كخالد اليشرطي كان شاعراً في فلسطين المحتلة عام 48 كسميح القاسم ومحمود درويش، وقد عبر عن كل هؤلاء من اقصى الارض الى اقصاها رمز واحد اسمه ياسر عرفات.
مع كل الملاحظات الجوهرية على هذا الرجل الكبير الراحل فإن امرين اثنين لم يتجاوزهما، شكلا صمام الامان وأبقيا قضية فلسطين حية في اذهان مليارات البشر وفي مقدمتهم ابناء فلسطين والعرب جميعاً.
الامر الاول: انه تمسك بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل، لم يسقط علمه من يديه، وكان يردد دائماً على سبيل المجاز.. القلم في يدي ولن اسمح لأحد ان يأخذه مني.
وعدا جمال عبدالناصر.. ومصر فإنه لم يبق حاكم عربي وبلد الا وحاول ان يمسك بعرفات وقلمه.. كلهم فشلوا خاصة من كانوا في سوريا يمسكون بتلابيبها وفي لبنان.. وكانوا يدركون ان اسرائيل ستجتاح لبنان عام 1982 ولم يحذروه، مفضلين هزيمته على ايدي اسرائيل طالما رفض ان يعطيهم القلم.
الامر الثاني: ان ياسر عرفات حقن دماء الفلسطينيين، وكانت غابة الاسلحة في لبنان ومنظماته، وتداخل انظمة سوريا والعراق وليبيا تحديداً قادرة على اخفاء كل الحروب الاهلية لو نشأت بينها.. وهذا ما لم يسمح به ياسر عرفات فظل القلم في يده.
مع رحيله سقط القلم من اليد الفلسطينية وتوزع مداده بين الانظمة.. عربية في سوريا وقطر وفارسية في ايران حتى لا نسقط ان القرار الظني في هذا المداد يصدر عن مكتب الارشاد للاخوان المسلمين سواء كان في مصر او في الاردن او في جنيف او حيث يقطن يوسف القرضاوي ويتجنس.
مع سقوط القلم المستقل والوطني والسلمي من ايدي الفلسطينيين بعد عرفات وفتح.. بدأ الحصار المخيف للشعب الفلسطيني في غزة.
اسرائيل تقاتل اهل غزة؟
وهل توقف العدو عن مقاتلة ابناء فلسطين في كل دار؟ المهم ماذا فعلت حركة حماس لحماية ابناء غزة؟
ادخلتهم السجن الكبير بعد ان انشأت لهم الامارة الموهومة المدججة بالظلام، ارادت ذبح الجغرافيا الممثلة بمصر العظيمة التي يقاس عمرها بالنضال الطويل بعمر التضحيات التي قدمتها على مذبح القضية الفلسطينية حتى قادت وخاضت خمس حروب من أجلها.. من أجل فلسطين ومصر.
حاولت حماس اخراج غزة من الجغرافيا الفلسطينية مع مصر، لتلحقها بالسياسة المرتهنة لسوريا وايران.
النظام السوري يغري اسرائيل ليل نهار ان تفاوضه لأنه الاسهل على ان تترك القضية الفلسطينية الاصعب حيث القدس المستحيلة، وعودة اللاجئين المدمرة لاسرائيل وحيث المستعمرات التي يمكن ان تفجر في الكيان الصهيوني حرباً اهلية، وحيث المياه والحدود وكل معوقات السلم المستحيل.. هاتفة تعالي الى مفاوضتي حول الجولان لتري ان كل شيء اسهل خاصة وان حماس في جيـبي وانا قادرة على فك رقبتها.. ورقبة خالد مشعل..
ألم اقدم اوراق اعتمادي بقتل عماد مغنية في المربع الامني الخاص بي في دمشق؟
اما النظام الفارسي.. فهو الاسعد بإرتهان القرار الفلسطيني كي يبتز كل العرب، ويدخل ديارهم باسم المقاومة ضد اسرائيل حتى لو طلب من حماس هدنة مع اسرائيل لخمسين سنة، حتى لو ادخل سلاح حزب الله مناطق اللبنانيين حتى لا يقاتل اسرائيل.. فالمهم بعد ان يبتز العرب ان يدخل اليمن والسعودية ومصر والسودان والعراق وكل ارض عربية.
خدمتان قدمتهما حماس لاسرائيل:
1- ان قرارها لم يعد في يدها.
2- انها سفكت دماء الفلسطينيين بأيديها.
لقد رأت اسرئيل ان حماس تزحف الى السلطة في غزة وفق هذه المفاهيم التي تخدم اسرائيل فانسحبت من غزة، لتتركها محاصرة من حماس ومن اسرائيل نفسها.
اما ان تقول حماس ان مصر تحاصرها بالجدار الفولاذي الذي تقيمه فاصلة الحدود الدولية بين مصر وفلسطين المحتلة وفق حدود 1949 فهو مردود عليه بما يلي:
ان حركة حماس هي التي اسقطت الجغرافيا الفلسطينية – المصرية عندما توجهت الى مقاتلة مصر سياسياً واعلامياً وفتحت الطريق لاستفزاز مصر بإرسال جحافلها بعشرات الآلاف اختباراً وعقاباً وتحدياً وتنفيذاً لأوامر ايرانية – سورية.
ان حركة حماس التي عرضت الهدنة على اسرائيل لخمسين سنة، وهي التي تعتقل بل وتقتل كل معارض لها داخل غزة ما زالت ترفض مجرد الهدنة مع حركة فتح الفلسطينية مثلها، تمهيداً للمصالحة معها.
ولقد بات واضحاً ان حركة حماس تقاتل مصر برفضها المصالحة مع فتح، وتقاتل السعودية التي رعت مصالحة سابقة في مكة المكرمة مزقها خالد مشعل في دمشق، خدمة للمصالح الايرانية.
حماس تقاتل مصر وتهادن اسرائيل.. مصر تقول لحماس عليكم بالوحدة الوطنية الفلسطينية وعليكم بحقن الدماء الفلسطينية.
مصر تقول لحماس اتفقوا مع فتح وتعالوا تسلموا معبر رفح الذي هو ملك للشرعية الفلسطينية.
مصر ترفض تسلم معبر رفح، حتى لا تفتح الطريق امام اسرائيل كي تسلمها قطاع غزة مرة اخرى.
مصر لا تريد غزة تحت ادارتها.. مصر تريد غزة في كنف الشرعية الفلسطينية ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية.
حماس ترفض الطروحات المصرية: وهي لا تريد مصالحة فتح حتى لا تعود رفح تحت إدارة السلطة الفلسطينية وهي تعرف انه يستحيل ان تتسلم معبر رفح، واسرائيل لا تريد تسليمه للسلطة الفلسطينية الا اذا كانت ذات سلطة داخل غزة، و((حماس)) لا تريد السلطة الفلسطينية في غزة.
إذن،
((حماس)) لا تريد مصر.. لا تريد السلطة الفلسطينية في رفح ولا في غزة، تريد الهدنة مع اسرائيل لخمسين سنة.. علها تكون كافية كي تحوّل الغزاويين كلهم الى إخوانجية، او علها تنجح في الإنقضاض على الضفة الغربية، او علها تكون قد اقنعت اسرائيل بترحيل مليون فلسطيني من ابناء 1948، او اقنعتها بتسليمها جزءاً من المثلث الشمالي، مقابل الاحتفاظ بمستعمرات الضفة الغربية.
لذا،
تفتعل ((حماس)) مسألة الجدار الفولاذي.. وفي خلفية حملتها حماية الانفاق في رفح.
تعالوا الى كلمة سواء.. من أين تأتي البضائع الى هذه الانفاق.. هل يدور في خلد عاقل امكانية دخول عود كبريت الى غزة دون ان تعرف مصر به؟
من أين الطحين والأرز والخضار والفاكهة والوقود والدواء ودفاتر المدارس وكتبها؟ اليست كلها من مصر؟
هل الذي يعرف ويسمح بدخول كل هذا.. عاجز عن معرفة كيف تمر الأموال والسلاح والذخيرة؟
لقد أوقفت السلطات المصرية عدة مرات مبالغ نقدية كان يحملها قادة ((حماس)) قادمين بها من طهران او قطر او دمشق او بيروت.. في رسالة الى قادة ((حماس)): اننا نعرف كل ما يدخل ومن يدخل الى غزة.. سواء عبر الانفاق او عبر الممر الشرعي في رفح؟
لم يتوقف دخول الاموال الى غزة.. لأنها ستصرف داخل القطاع وبين الناس.
لم يتوقف دخول الاسلحة والذخائر وكل ما يساهم في تصنيع الصواريخ سواء التنك منها او الأقل قيمة.. فربما يستطيع هذا السلاح رد عدوان صهيوني على ابناء غزة.
لم يتوقف إيصال كل ما تحتاجه غزة من دواء او غذاء..
كل ما كانت تطلبه مصر من ((حماس)) ان تصالح ابناء القضية من حركة ((فتح)) وبقية الفلسطينيين،
فماذا كانت النتيجة؟
انقلبت ((حماس)) على السلطة الشرعية الفلسطينية، وطردتها من غزة، ثم قتلت ابناء فلسطين ورمت جثث بعضهم عن الاسطح والبعض كان ما زال حياً ثم اطلقت النيران على ركب مواطنين ليتحولوا الى كسحان.. والأخطر في هذا سياسياً انها فصلت غزة عن فلسطين، وحجمت القضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني الى صراع على غزة حيث اقامت امارتها كأول دويلة للأخوان المسلمين في التاريخ، وتحول الصراع مع اسرائيل الى صراع حول رفح ومن رفح الى صراع على الانفاق..
اما الانفاق فهي ليست سوى مصدر ربح لجماعات تعطيها ((حماس)) الحماية، على قدر ما تدره من ارباح نتيجة عمليات التهريب، حيث اصبح لكل نفق سعر يتم دفعه كي تتم حمايته من قبل ((حماس)) او للسماح به.
((حماس)) تشجع التهريب كي تحصل على الاموال من المهربين عبر الانفاق، حتى وصل سعر حماية النفق الى 15 الف دولار.
مصر تريد ان تمر كل المواد الى غزة شرعياً وعن طريق المعبر الشرعي الذي تشترط اتفاقية اوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل عام 1993 على ان تتسلمه السلطة الفلسطينية، وكان هذا الامر سارياً منذ ذلك العام حتى انقلبت ((حماس)) على هذه السلطة عام 2007.
بين عامي 1994 و2007 شهدت مدن وقرى قطاع غزة ازدهاراً وعمراناً غير مسبوقين، وتحركت التجارة والصناعة وتطورت الزراعة وحتى السياحة، وصيد السمك، وانتشرت المدارس والجامعات والمؤسسات على انواعها وتحسن الوضع المعيشي وفق احصاءات الامم المتحدة.
والأهم من ذلك ان النضال الوطني الفلسطيني لم يتوقف تحت ادارة السلطة الفلسطينية نفسها، حتى ارغمت اسرائيل على الانسحاب نتيجة الانتفاضة الثانية، خاصة وان اسرائيل كانت تراقب صعود حركة ((حماس)) في ظل الحريات التي وفرتها السلطة الفلسطينية للعمل السياسي للجميع.. وقد سبقت ((حماس)) الآخرين بسبب الاموال التي اغدقت عليها من قبل ايران وقطر كي ترسخ اقدامها وتستقطب الناس بالمؤسسات والعطاءات في ظل الفساد الذي اخترق صفوف حركة ((فتح)) ومؤسسات السلطة في كل جوانبها.. وعندما حصل الصدام بين ((حماس)) و(فتح)) كانت اسرائيل الاكثر سعادة، ليس بسبب استنـزاف اعدائها بعضهم بعضاً بل لأن اسرائيل قدمت للعالم صورة مغايرة عن تلك التي سبقت سيطرة ((حماس)) على غزة.
قبل هذه السيطرة كانت اسرائيل مطالبة بالتفاوض مع الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
بعد هذه السيطرة قالت اسرائيل للعالم انظروا لقد تم الانقلاب على هذا الممثل الشرعي، ولم يعد هناك من أفاوضه.
والأهم لاسرائيل انها تخلصت من غزة، وانها تتفرج عليها الآن تخوض حرباً داخلية بين الفلسطينيين.. ثم انها ما زالت تطرح على مصر دعوتها لتتسلم ادارة قطاع غزة.
وهذا ما ترفضه مصر.. ولهذا كان الجدار الفولاذي:
1- رفضاً مصرياً لادارة قطاع غزة.
2- حماية للسيادة المصرية داخل اراضيها.
3- ضغطاً على ((حماس)) كي تعيد فتح معبر رفح تحت السيادة الفلسطينية الشرعية.
4- ضغطاً مصرياً لتحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي ترفضها ((حماس)) نيابة عن سوريا وايران.
اما الادعاء بأن ((حماس)) تريد القتال وان السلطة تريد المفاوضة فهذه اسخف الادعاءات التي استعلمتها ((حماس)) نفسها، حيث ان لا ((فتح)) ولا السلطة الفلسطينية، بقابلة بالهدنة التي تعرضها ((حماس)) على اسرائيل وهي خمسون سنة الى ان تتحول غزة الى امارة مستقرة للأخوان المسلمين على شاطىء البحر الابيض المتوسط!!!
http://mawtinips.wordpress.com
التعليقات (0)