من منا لم يسمع بتوفيق الحكيم حتى ولو لم يقرأ شيئا مما كتب ، وهو صاحب رائعة : حمار الحكيم والزواج ؟ .. ونص الرائعة هو حوار حي بين الأديب وحماره حول مسألة الزواج ، وهو واقع حالنا في حينها ، بل وحتى اليوم أين يفكر الناس في مجتمعاتهم بالزواج من نساء في مجتمعات أخرى ، وهو ما أطلق عليه الحكيم مسمى الزواج بالأجنبيات ، فماهي دوافع الأفراد لمثل هذا النوع من الزيجات ؟ .. هل هو الإنفتاح ؟ .. أم هي الرغبة في تمازج الأعراق ؟ .. وماهي إمكانية نجاح هذه الزيجات ؟
01 - المصلحة : العالم اليوم أصبح قرية صغيرة ، وفرص العمل لاتقتصر على مسقط رأس الواحد منا ، فالهجرة أصبحت من البديهيات ، بحثا عن فرص عمل في مجتمعات قد تختلف عاداتها ، وأعرافها ، وتقاليدها ، كليا عما عهدناه في مجتمعاتنا ، لكن (لقمة العيش)أغلى من أن تعرف فروقا ، أو عوائق إبستيمولوجية ومن أي نوع كانت ، لذلك يُسارع المهاجرون الكادحون ، واللاهثون خلف الإستقرار ، بالزواج هناك لضمان إقامة دائمة ، والحصول على الجنسية ، وهذا النوع من الزيجات مثله مثل أي صفقة تجارية محدود الآجال ، ينتهي بنهاية المصلحة .
02 - الإنبهار : ولأن العوالم الأخرى ، والغربية منها خصوصا لاتعرف فيها المرأة حدودا لحريتها ، فإن المهاجرين العرب خصوصا ، ينبهرون بتلك المظاهر ، وبشخصيات تلك النساء ، لأنهم لم يعهدوا ذلك في نساء مجتمعاتهم ، يعني سكن مستقل ، وحياة مستقلة ، ومرح مزعوم ومشوه ، فيُسارعون في الإرتباط بهن ، لتصبح صفات الإنبهار تلك بعد الزواج ، نفسها الصفات التي يرغبون في تغييرها في زوجاتهم فتفشل العلاقة ، لأن الشرق شرق والغرب غرب وأنى لهما أن يلتقيا ؟
03 - الدفئ والحنان : ولأن الغربة عن الأوطان صعبة ، فإن المهاجر يستأنس بأول إمرأة تشعره بأنه ليس وحيدا ، وبأن هناك من ينسيه وحدته تلك وغربته ، فيتصور أن تلك المرأة هي إمرأة حياته الموعودة ، وهي ملجأه ، حتى وإن كانت معاملتها تلك لاتعدوا كونها نوعا من الإنفتاح على الآخر القادم من حضارة أخرى ، فيتلهف للإرتباط بها لكنه يظل يشتاق لأهله ووطنه ، لكن يبقى هذا الزواج أرحم من النوعين السابقين .
04 - غلاء المهور : لايخفى علينا جميعا نحن معشر العرب أن الزواج أصبح في مجتمعاتنا حلما ، بعدما أصبحت المهور تناطح السحاب ، حتى ولو كانت المرأة فقيرة بنت فقير ، أو حتى لو كان بيتها من الصفيح ، وهذه إشكالية كبيرة جعلت الشباب يُعزفون عن الزواج ، ويفضلون الزواج من نساء خارج مجتمعاتهم ، أين تكون تكاليف الزواج معقولة أو في حدود إمكاناتهم .
ويبقى أن الزواج بأجنبية على أسس سليمة ، ونوايا صادقة ، خير من البقاء بدون زواج في مجتمعات تعرف قيمة الزواج لكنها تتمادى في سَن تكاليفه .
[تاج الديـــن : 11 - 2009]
التعليقات (0)