حلو لبنان في حقيبة سفر

انها الفريكة ايضا ولكن بطعم مر ...طعم انتهاء اجازة الصيف و رحلة العودة الى بلد الاغتراب ....الطائرة جاهزة للاقلاع ومرارة مغادرة بلاد الأرز تكاد توازي حلاوته ...هو كذلك حلو لبنان يوازي مره...هو حلو بحنين المغتربين اليه وحنان العائلة ورفقة اصدقاء أطهر مراحل الحياة.... حلو من بعد ومر عن قرب...حلو في اجازة ومر لاقامة دائمة...
تقلع الطائرة وتترك خلفها عبء المحكمة الدولية والرعب من قرارها الظني وقطع التيار الكهربائي عن مناطق على حساب مناطق اخرى في ظل غليان شمسي يسيطر على بلد صغير يغلي سكانه من غيظهم وسخطهم على ساسته ....
لم أر لبنانيا خلال واحد وثلاثين يوما لا يكاد الأرق يقض مضجعه والقلق يعمي بصيرته....اللبناني المقيم في ارضه يضع يده على قلبه وينام على فراش من شوك ....يخاف الاخر ...يتمنى له ما لا يتمناه لنفسه...تحطمت كل احلامه لبناء دولة وتكسرت كل ارادته في تحقيق العدالة ... فيمتهن الخطوط الملتوية او يعد العدة للرحيل او يصمد الى درجة فقدان الاحساس فلا يثيره ما يثير غيره ولا يقهره ما يقهر غيره ...واللبناني المغترب يحاول ان يجرف ما تيسر من لبنان في مدة الاجازة القصيرة ...يحمل اولاده معه على اطلاله ..هنا منزل جدي ...هنا ملعب الحي ...هذه مدرستي ...يطلب من صغاره مشاركته فرحه بالذكريات وهم لا يتذكرون...يمارس مع اصدقائه ما كان يمارسه قبل عشرين عاما بحماسة..يجالس افراد العائلة ...يلتهم حنانهم كما يلتهم المناقيش الطيبة والكعكة الطرابلسية وبوظة سالم وكبة اهدن .. يخاف من غيابهم او من غيابه ..يقلق لقلقهم ويأرق لأرقهم . ......ويتوق للنظام والامن والاستقرار والوظيفة والكهرباء والحياة الكريمة في بلد الاغتراب ....
11 شهرا ويعود مجددا ...قد تتغير الحكومة وتتبدل السياسات الدولية و تمتزج الالوان ببعضها....قد تغيب الشمس وتتلبد السماء الزرقاء بالغيوم ...وقد يصدق من قال "المحكمة وكندرتي سوا "؟؟..اخاف ان يصدق في ما قاله ويقوله ... كم هو..مر لبنان ... انه العلقم الذي يفرك المعدة والقلب معا ....لا طعم للاجازة فهي تقهر صاحبها لحظة انتهائها فتقضي على حلاوة ايامها القليلة ...لا طعم للفريكة على اجنحة الارز في رحلة العودة ..حتى الفريكة تغيب ..
يوجد دجاج او قريدس ...سأختار القريدس انه بطعم الخليج العربي وحلاوة دبي ...الطائرة جاهزة للهبوط ومرراة الاغتراب توازي حلاوته..اه....لو استطيع ان أنقل في حقيبة السفر "حلو" لبنان وأرمي " المر" من الطائرة ...
تصبحون على وطن...