مواضيع اليوم

حلم سارة الأخير...

علي مغازي

2010-09-30 09:27:05

0

 

أقدام تلامس الأرض ولا تترك أثرا، أقدام بيضاء، أقدام قمحية، سمراء، حافية ومكتنزة، تلمع، بينما الخلاخيل الفضية تنثر رناتها الرقيقة، فيتسع وجه القمر، والأيدي المحنّاة الناعمة، المزهوة بالخواتم تتموج كشعله منتشية باحتراقها·

 

 

 

"مرآة تنهض من سطح بحيرة، وتعكس لبرهة وجيزة ذلك الغموض الشفاف الذي يتأنث له الأفق، ثم تتلاشى تلك المرآة، تحت ضوء قمر يضيء الطريق لموكب من النساء بفساتينهن المزركشة يجبن دروب القرية ويلوحن بالمناديل الملونة، فيضوع الطّيب من رؤوسهن وترتفع أغانيهن وابتهالاتهن إلى السماء· وهن يطلبن الغيث ويتضرعن إلى لله بالدعاء أن يلطف بقريتهن الصغيرة، ويعطيها من فيض رحمته، وعندما تحجب الغيمة الكبيرة ضوء القمر تنطلق زغردة حارة وتنتهي مسيرة نساء القرية وتبدأ حفلة الرقص. 

أقدام تلامس الأرض ولا تترك أثرا، أقدام بيضاء، أقدام قمحية، سمراء، حافية ومكتنزة، تلمع، بينما الخلاخيل الفضية تنثر رناتها الرقيقة، فيتسع وجه القمر، والأيدي المحنّاة الناعمة، المزهوة بالخواتم تتموج كشعله منتشية باحتراقها·

 عند الفجر تخرج الفتيات من وراء الهضبة غير البعيدة ويتقدمن بخطى متناسقة متناغمة، ثم يتحلقن حول صنوبرة ضخمة ويبدأن بالغناء ولا يتوقفن حتى تأتي سيدة ـ هي الأكثر إنجابا للإناث في القرية ـ ثم يكون عليها أن تربت على كتف كل فتاة، ولا تكف عن التربيت حتى تستقر على اختيار واحدة منهن عروسا للموسم الجديد·

 في صباح اليوم التالي تكون سارة هي العروس الوحيدة في القرية، وتكون الهضبة وراء الصنوبرة الضخمة ـ تكون هكذا دائما ـ مع مطلع الشمس، لكن سرعان ما تبتعد، أكثر فأكثر، كلما تقلص الظل، فهي بذلك آخر شيء، وليس بعدها أي شيء·  

يا للعطر الصباح الفاتن، ويا للسماء التي تنتهي عند حدود القرية من جهة الشمال، ويا للرعاة الذين غامروا مصطحبين أغنامهم ودوابهم ولم يعودوا من هناك أبدا، لقد التهمهم المجهول ولم يمهلم وقتا لسرد حكاياتهم، إن هذا ليأسر القلب حقا··

 وحطّ ذكر حمام على رقعة من العشب اليابس وحطت أنثاه الحمامة البيضاء، وصارا يلقطان الحَبَّ، ثم هزت الأنثى برأسها، وكانت سارة تقترب منهما، وفجأة طار الإثنان معا في لمحة بصر، وتلامس جناحاهما فاصطفقا، وسقطت منهما ريشة، بينما ظلهما لا يزال على رقعة العشب، ونظرت إليهما وهما يحلقان، باتجاه الشمال·  

إنحنت سارة لتلقط الريشة فأذهلنها أنها ليست غامقة اللون كما ريش الذّكر، وليست بيضاء تماما بلون الأنثى، إنها ريشة بلون هو مزيج من هذا وذاك، و··· أخذتها بالفعل وابتسمت، مرّرتها على أنفها، على شفتها، على رقبتها·· واستسلمت لحلم جميل في زمن آخر، كانت فيه هي الطفلة الوحيدة تجري بين الصنوبرات، وما إن تجد سياجا حتى تقفز عاليا، عاليا جدا· وتمكث بعض الوقت في الهواء، ويحدث أن تغمض عينيها، وتعدّ من واحد إلى ثلاث، وإذا بقوة خفية تبطئ مشهد وقوعها··· و···"··· 

 إنقطع الحلم··

الجسد الملائكي ينزف دمه على إسفلت الشارع··

بقلم: علي مغازي - شاعر




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات