العالم عيونه على كردستان والأكراد عيونهم على تركيا
السيناريو الأسوأ قد يتحول إلى نبوءة تتحقق:
حلم الأكراد الحائر سيفتح الباب لـ "حرب الخرائط"!
بقلم/ ممدوح الشيخ
بعد أن زوال سكرة إطاحة النظام البعثي في العراق وتحقيق الأكراد صعودا لم يقبلوا بأن تكون غنائمه أقل من منصبين سياديين رفيعين في العراق الجديد: رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، بدأ الحلم الكردي يأخذ مسارات تكشف عن حيرة قد تقود أكراد العراق لأن يحققوا بأنفسهم "السيناريو الأسوا". فقد شكلت المعلومات التي كشف عنها تقرير لمجموعة الأزمات الدولية عن "سر" من أسرار العلاقات بين أكراد العراق وتركيا مفاجأة مربكة من حيث دلالاتها، فقد كشف تقرير للمجموعة مؤخرا أن أنقرة رفضت دعوة لضم كردية إقليم كردستان العراق لتركيا.
ورفض تركيا لا يعني إغلاق الملف لأن عملة جديدة تم صكها في سوق السياسة في هذا الإقليم المضطرب، وطرح الفكرة بحد ذاته معناه فتح الباب للتعامل بجدية أكثر مع هواجس طالما عوملت كاتهامات ظالمة تلصق بالأكراد. وزارة الخارجية التركية اختارت "الهرب للأمام" والحديث عن أن الحدود التركية قائمة لذلك فمن غير الصحيح مناقشة المسألة مع تأكيد أهمية وحدة الأراضي العراقية، لكن الرسالة وصلت!
كان فريق الأزمات الدولية والمركز العلمي الأمريكي في بروكسيل قد نشرا تقريرا مكرسا للكرد العراقيين عنوانه: "العراق والأكراد: أزمة على خط النار"، كشف عن أن قادة كردستان العراق بدأو يقتنعون بأن الوحدة مع تركيا خيارهم الصحيح. وبخاصة بعد فوز حزب العدالة والتنمية التركي بانتخابات عام 2007، حيث باشرت القيادات الكردية بعده مباحثات صريحة مع السلطات التركية تحدثت خلالها بصراحة عن ضرورة الاتحاد مع تركيا. وتضمن التقرير تصورا منسوبا للقيادي الكردي فؤاد حسين مساعد مسعود برزاني رئيس الإقليم خلاصته أنه إذا اختار الشيعة إيران وإذا توجه سنة العراق نحو العرب فلن يكون لكرد العراق أصدقاء في العراق.
وأول دلالات التوجه الكردستاني أن الإقليم بدأ يتحول من "نقطة مستقرة" داخل عراق مضطرب – كما كان يحلو لكثير من الأكراد أن يتحدثوا بفخر – إلى رقم حائر ومحير في معادلة لها امتدادات إقليمية خطيرة. ومن ناحية أخرى فإن طرح فكرة الوحدة مع تركيا أنها لم تعد – كما كانت لعقود – العدو التقليدي للأكراد. وهو من ناحية ثالثة يعني أن احتمال فشل المشروع الفيدرالي في العراق قد تقدم للأمام من مجرد سيناريو إلى احتمال مرجح.
المعلومات التي كشف عنها التقرير تضع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمام مأزق حقيقي، فخيار تعزيز سلطة المركز قد يدفع الأكراد نحو خيارات أكثر تشددا، بينما السير في الاتجاه المعاكس قد يعطي إشارات تفهم فهما خاطئا وتدفع باتجاه تعزيز الانفصال أو على الأقل الروابط الواهية بين بغداد وأربيل. وفي إطار هذا الوضع المحير يواجه الرجل ضغوطا من تيارين أحدهما يحذر من "تشجيع الأكراد" وآخر يحذر من "تنفير الأكراد"!
ويحمل التوجه الكردستاني الذي فاجأ كثيرين اتهاما ضمنيا لإيران بالمسئولية – ولو جزئيا عن شعور الأكراد بمستقبلهم في ظل العراق الجديد – ذلك أن النفوذ الإيراني القوي يثير مخاوف حقيقية لدى الأكراد وبخاصة أنه نفوذ يكاد ينفرد بالساحة العراقية، وتوفر له الأغلبية السياسة التي تقودها قوى سياسية شيعية السيطرة على القرار السياسي في بغداد. وفي ظل هذا الطغيان للنفوذ الإيراني يعتبر أكراد العراق أن تركيا ضامنة لأمنهم في العراق غير المستقر وأنها قادرة على حمايتهم.
ويهدد هذا الطرح الكردي باشتعال "حرب خرائط" في المنطقة، فالحدود في هذا الجزء من العالم تغيرت مرات عديدة و"تركيا العثمانية" كانت حدودها تمتد لتشمل الإقليم، فيما خرائط كثيرة يمكن أن توضع على الطاولة وأحلام قومية عديدة يمكن أن تستدعى من التاريخ في محيط مضطرب.
التعليقات (0)