مع صوت الحق المدوي في الأرجاء.. مُعلناً نداء الرب لعباده في الأرض لتتسابق صلواتهم تألقاً وعروجاً نحو السماء.. فتحتُ عيني وقد أيقظتني كلمات القداسة من نومي.. حيث «الله أكبر» تخترق الحجب وتُسقط المتكبرين والظالمين من عروش الوهم إلى الهاوية..!
فتحتُ النافذة لأستمع صوت الأذان بوضوحٍ أكثر.. فهو يبعث بين ثنايا الروح حياة فوق الحياة..!
استيقظ النائمون وبدأت الحركة تدب في أرجاء المنزل.. بين من يستعد للذهاب لعمله وبين من تتأهب للجامعة والآخرون للمدرسة.. تتعالى الفوضى في المكان حتى تصل لأوجها ثم تعود لتخبو بعد أن ينصرف كلٌ لوجهته وترجع أمي لتخلد للنوم مرة أخرى..
ما من شيء يشوش هدوء المكان عدا بعض النسائم الخريفية التي تداعب ستائر الغرفة وكأنها تدعوني للهو معها في أحضان الطبيعة.. تنفستها بعمق ووقفتُ أتأمل الحديقة من خلال النافذة.. كان الشروق جميل جدا بدت فيه الشمس كعروس مذهبة تُبطّئ الخطى ويبتسم كل شيء في استقبالها..!
أعددتُ فنجان قهوتي وبعض الكتب والأوراق التي سأعمل على إنجازها لهذا اليوم.. غرقتُ بين الصفحات حتى أن الساعة تمضي كبضع دقائق.. أخرجني صوت وقع أقدامٍ من عالمي الذي كنت أسكنه حد اللاشعور.. يتعالى الصوت ويقترب من باب الغرفة..! أعرف هذه الخطى جيداً إنها هي..! ولكن ما الذي أيقظها باكراً فموعد استيقاظها لم يحن بعد..؟!
فتحت الباب برفق وأطلت والابتسامة ترتسم على محيا وجهها.. نطقت بالدهشة عيناي قبل أن ينطق لساني..
- ما الذي أيقظك باكراً أمي..؟!
اقتربت مني وهي تقول..
- حلمٌ جميل وجئتُ لأقصه عليكِ..
وضعتُ القلم من يدي وأغلقتُ الكتاب..
- كلي أذانٌ صاغية..
- رأيتُ كأن حافلة قريبة مني وبها منادي ينادي بأعلى صوته «إلى مسجد جمكران..» فأخذتُ أمتعتي وصعدتُ الحافلة المكتظة بالركاب والذين لا أعرف منهم أحداً.. سرنا حتى صعدنا أعلى جبل ثم نزلنا منه وإذا بنا نشاهد قبة مسجد جمكران.. دخلته وكان مقسماً قسماً للرجال وآخر للنساء.. صليتُ هناك وقرأت الأدعية وكان مزدحماً جداً إلا أنه ليس من أحد أعرفه بل ليس هناك من يتكلم العربية إلا المنادي الذي كان يقود الحافلة.. وحين رآني قال هيا هيا بسرعة للعودة.. فقلتُ له مهلاً.. وكان قريباً من المسجد شجرة خضراء غاية في الجمال فأخذتُ منها ورقتين خضراوين وقلتُ في قرارة نفسي واحدة لكِ والأخرى لأختكِ ولففتهما بخرقة سوداء وصعدت الحافلة للعودة..! استيقظت وسعادةٌ تغمرني حتى اللحظة فجئتُ أخبرك بهذا الحلم.. مع أنني لا أعرف شيئاً عن مسجد جمكران إلا أنني شعرت بروحانية كبيرة جداً..
- ما أعرفه عن هذا المسجد يا أمي أنه في إيران وقد شُيد بأمر الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه إلا أنني لا أعرف قصة تشييده.. ولكن ما معنى المنادي والجبل والشجرة والورقتان.. يا له من حلم جميل وعميق الدلالة أيضاً..!
لحظة يا أمي..! فتحتُ حاسوبي وكتبتُ في محرك البحث «مسجد جمكران» فظهر في الموسوعة صورتان للمسجد.. وما إن وقع بصر أمي عليهما حتى اندهشت وتوقف جفناها عن الحركة.. تكاد دمعتها تهوي وهي تقول إنه هو بذاته وهذه هي الشجرة أيضاً.. تماماً كما في الصورة القديمة.. كلي ذهول أنا أيضاً وما إن قرأت أول سطر في الموسوعة «يبعد مسجد جمكران، خمس كيلومترات عن مدينة قم المقدسة في إيران، ويقع في الجانب الجنوبي الشرقي للمدينة، مباشرة بعد قرية جمكران، بالقرب من جبل معروف بمقام الخضر عليهالسلام» تمتمت بلا إرادة أقرئي يا أمي إنه يقع بالقرب من جبلٍ أيضاً..!
لا يزالُ حلم أمي الجميل يداعب مخيلتي.. فلم أتمكن من الرحيل بعيداً عنه.. فتحتُ بريدي الإلكتروني لأرسل للجامعة تقرير العمل الخاص بهذا اليوم.. هناك ثمة رسائل في صندوق الوارد.. وإذا بأول رسالة «مقامات الإمام الحجة » فتحتها فإذا بصورة مسجدٍ من خلفه جبل ثم «المقام الأول مسجد جمكران» تساءلتُ في دهشة هل أن ذلك حلم أم عالم آخر...؟!
التعليقات (0)