حلال بعدما كان حرام
لم يكن يدر بخلد البسطاء ان هناك فتاوى ستتغير في يوم من الايام , فالبسطاء جنود الدفاع عن تلك الفتاوى لكنهم استيقظوا على كابوس مفجع , فقد تبدلت الاحول وتغيرت طريقة التفكير وما كان حراماً وعبثياً أصبح اليوم حلالاً بل وواجبٌ على أهل التقى والصلاح .
ذلك التغير والتحول المثير كشفتة التطورات السياسية في دول «الربيع العربي» ونتائج انتخاباتها تقارب وتحالف بين فئات وجماعات الإسلام السياسي، «الإخوان المسلمين» بفئاتهم، والسلفيين الحركيين بأطيافهم، ففرقاء الأمس المختلفون فكريا أصبحوا اليوم في خندق واحد من أجل حماية وإنجاح مشروع «حكم الإسلاميين» الذي يعد مقدمة لتحقيق حلم الخلافة الاسلامية مشروع يدافع عنه السروريون سراً وجهراً ليلاً ونهاراً, فجماعة الاخوان حركة سلفية كما تدعي مثلها مثل اي جماعة تدعي السلفية والسرورية هي السلفية الحركية وسميت بالسرورية نسبة إلى أشهر رموزها محمد سرور زين العابدين، سوري الجنسية قدم للتدريس في السعودية منتصف الستينات , جماعتان سلفيتان تختلفان عن السلفية التقليدية من حيث الطموح السياسي ،فالسلفية التقليدية تنفر من السياسة قدر الامكان وتنشط في التعليم الديني، والتوجيه والإفتاء والإرشاد والقضاء, وتدعم سراً السلفية الحركية لاسباب عده ولعل أهم سبب هو المحافظة على ما تملكة من مواقف ومواقع يجعل منها مرجعاً اساسياً لكل تحرك في الغالب .
جماعة الإخوان المسلمين حسمت موقفها بشكل مبكر من الديمقراطية والمشاركة في المجالس النيابية، وتحولت من التنظير إلى الممارسة، في حين أن السلفية الحركية التي تفاعلت واحتفلت كثيرا بأحداث «الربيع العربي» بقيت تفكر في مخرج يشفع لها تجاوزات الماضي ، فالموافقة والتأييد بشكل مباشر للانتخابات والديمقراطية يعني هدم التراث الفكري فما كان محرماً في الماضي أًصبح اليوم حلالاً ومن كان يدعوا للديموقراطية والانتخابات في السابق شخص به ضلال وفسوق أما اليوم فهو الغيور متردي عباءة الاصلاح ومن أهل التقى والصلاح , فموقف السلفية الحركية من تكفير الديمقراطية ثابت لم يتغير، ففي حوار مفتوح بعنوان «نظرات تفاؤلية في أحداث الربيع العربي» في 2 فبراير 2013 يؤكد الشيخ ناصر العمر احد ابرز رموز التيار السروري والمشرف على موقع «المسلم»، أن الديمقراطية «منهج غربي كفري» .
وعلى الرغم من أن الشيخ سفر الحوالي، أحد أبرز رموز السلفية الحركية في السعودية دعى لقيام انتخابات حرة ونهزيهه بالدول التي لم يزرها الربيع العربي , فإننا نجد فتوى قديمة منشورة على موقعه الشخصي، بعنوان «معنى الديمقراطية وحكم الإسلام فيها»، حيث يقول إن «الديمقراطية كفر وشرك، لأن الله عز وجل يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)», وما الى ذلك من المواقف والفتاوى التي تكفر الديموقراطية تارة وتحللها تارة أخرى مواقف يتضح منها التقاء السلفية الحركية مع السلفية الجهادية في الموقف العقائدي ، فكلا التيارين يكفران الديمقراطية منهجا وفكرا، لكن السلفية الجهادية مع تكفيرها للديموقراطية تحرم المشاركة في المجالس النيابية، أو الدخول في العملية الديمقراطية بأي صفة كانت والتغيير يكون بالقوة , بعكس السلفية الحركية تكفر لكن تدعو لممارستها وتطبيقها حتى تسيطر كما تظن على كل شيء وتحقق حلم الخلافة الذي تحت لوائه تجتمع حركات وجماعات الاسلام السياسي وتسعى بمغامراتها وتضليلها لتحقيقة , وليس اصدق من ذلك قول ناصر العمر في ردة على من ينتقد تبدل مواقفه تجاه الديموقراطية كممارسة وكفكر فيقول «تعاملا مع واقع بغرض إصلاحه، ومتى ما تهيأ لهم إقامة نظام حكم إسلامي أو خلافة راشدة على منهاج النبوة، فسينبذون النظم الغربية، وليسمه من يسمه انقلابا على الديمقراطية» أما السلفية الجهادية وذراعها تنظيم القاعدة الاخواني فمغامراته تدل وبدون شك أن ما يسعى له ذلك التنظيم المخابراتي المصنوع بأروقة اعداء الانسانية والشعوب هو تحطيم الدول وانشاء دول تحقق حلم الخلافة المزعومة .
من كل ماسبق يتضح لنا أمر في غاية الاهمية وهو أن جماعات وحركات الاسلام السياسي وان أختلفت في الرؤى والافكار الا انها تجتمع على حلم واحد وهو تحقيق حلم الخلافة , وكل ما تمارسة من تضليل للشعوب ولعب بالعقول ما هو الا أداة من أدوات تحقيق الحلم فالغاية سياسية والدين هو الوسيلة فالشعوب الاسلامية والعربية شعوب عاطفية ويسهل تضليلها , لكن اليس من الواجب أن يقدم رموز تلك الجماعات اعتذار للتاريخ ولمن اساؤا اليه في الماضي فقد كفروا وفسقوا من كان يدعوا للديموقراطية ,والان يمارسونها ويتلهفون للمشاركة فيها بل ويدعمون بعضهم بعضا , اليس من الواجب الادبي ان يقوموا بالاعتذار ؟ أم انهم لا يؤمنون بتلك القيمة الانسانية الجميلة !
تسييس الدين جريمة بحق الدين وبحق المجتمعات , ولكن كل مشاريع وأحلام تلك الطوائف ستنهار , والسبب صحوة عقول خدرتها هجمة الصحوة الحركية في التسعينات الميلادية من القرن الماضي , فالعقول سئمت من التضليل والتخدير الممنهج .
التعليقات (0)