بدأ مفهوم " حكومة الظل " يقتحم المشهد السياسي في المغرب بشكل قوي منذ الإعلان عن تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا لدى الديوان الملكي. و الواقع أن هذا التعيين ما كان ليثير نقاشا كبيرا لو لم يأت في سياق الواقع الجديد الذي أفرزته انتخابات 25 نونبر، و التي مكنت حزب العدالة و التنمية من فوز كاسح أهله لتشكيل حكومة جديدة من المؤكد أنها ستكون تحت المجهر في انتظار ما يمكن أن تجنيه من إنجازات أو إخفاقات.
فوز العدالة و التنمية هو تأسيس لمرحلة جديدة في الشأن السياسي ببلادنا. لذلك التقط أغلب المراقبين إشارة تعيين مؤسس حزب الأصالة و المعاصرة كمستشار للملك، و وضعوها في سياق الإعداد لمواجهة تحديات هذه المرحلة الجديدة. و بما أن الجميع يدرك حجم التوتر و الخلاف بين مستشار الملك الجديد و زعماء حزب العدالة و التنمية، فإن أكثر القراءات تداولا تنظر إلى المنصب الذي سيشغله الهمة باعتباره رسالة مباشرة لرفاق " بن كيران" ( عفوا لإخوة بن كيران). و هو ما يؤشر لعلاقة حذرة في المستقبل بين القصر و رئيس الحكومة المكلف. لذلك قفز إلى الواجهة مفهوم " حكومة الظل " كتعبير عن الدور الرقابي الصارم الذي سيلعبه المستشار الجديد و فرملة الحزب الإسلامي حتى لا يتجاوز الخطوط الحمراء. لكن تعيين الهمة و إن كان مفاجئا خصوصا بعد الضجة التي أحاطت به خلال مختلف خرجات حركة 20 فبراير، قد يحمل دلالات أخرى تتجلى أساسا في رفع يده عن حزب الأصالة و المعاصرة ، وبالتالي تجاوز مقولة " حزب صديق الملك" التي ظلت ملتصقة بهذا الحزب و جرت عليه كثيرا من الإنتقادات... غير أن ذلك لا يمنع من العودة إلى التحليل السابق الذي يربط بين صعود العدالة و التنمية و الإعلان عن تعيين الهمة كمستشار ملكي.
" حكومة الظل" هي حكومة غير رسمية موازية للحكومة الرسمية، و تتشكل من مجموعة من المعارضين لسياسات الحزب الحاكم. و هو مفهوم متعارف عليه في الدول ذات التقاليد الديموقراطية العريقة، حيث يتداول بقوة في بريطانيا مثلا. و قد كان لحكومة الظل هناك حضور دائم منذ أواخر القرن التاسع عشر. و ربما بلغ في فترات محددة إشعاعا إعلاميا يفوق الحضور الحكومي نفسه. لذلك تعرف بريطانيا تناوبا مستمرا بين حزبي" المحافظين " و " العمال " على السلطة. و في كل مرة يشكل الحزب الخاسر في الإنتخابات حكومة ظل تقدم نفسها من موقع المعارضة كبديل سياسي يتجلى أداؤه خصوصا في المناقشات البرلمانية و مراقبة الأداء الحكومي. لكننا في المغرب مازلنا بعيدين عن هذه الثقافة نظرا للمشهد الحزبي المبلقن و النظام الإنتخابي الذي لا يسمح بتكوين حكومة منسجمة إيديولوجيا لا في الضوء و لا في الظل. لذلك يبدو واضحا أن المعارضة البرلمانية التي ستتكون من أطياف غير متجانسة لن يكون لها دور كبير في إغناء الممارسة السياسية، بالرغم من عودة " الإتحاد الإشتراكي " إلى صفوف هذه المعارضة. لذلك فإن شتات الخاسرين في الإستحقاق الإنتخابي سيحول هذه الأحزاب إلى مجرد ظل للحكومة، لأن المعارضة ثقافة سياسية و ليست مجرد عصا في العجلة.
و في هذا السياق يمكن القول أن الهمة و من معه من المستشارين الجدد الذين عينوا بعد التعديل الدستوري و قبل الإنتخابات التشريعية و بعدها أيضا هم الذين قد يشكلون حكومة الظل المرتقبة. و واضح أن هذه الهيئة الإستشارية ستضطلع بمهام محددة تمثل أولويات بالنسبة للمؤسسة الملكية. و بالنظر إلى الشخصيات التي انضمت إلى الطاقم الإستشاري منذ شهر غشت الماضي، يمكن فهم طبيعة هذه الأولويات. فعمر عزيمان مثلا يحمل تجربة وازنة في المجال القانوني، و الكل يعرف أن العدل محور أساسي في استراتيجية الحكامة الجيدة و إصلاح منظومة القضاء. أما ياسر الزناكي فقد راكم تجربة مهمة كوزير للسياحة، لذلك فتواجده إلى جانب الملك يشير إلى أهمية الملف السياحي كمورد اقتصادي مهم يراهن عليه المغرب، لكنه يتطلب استثمارات ضخمة يمكن لخبير مثل الزناكي أن يساهم في جلبها من موقعه الجديد. و من تم فإن تعيين وزير السياحة السابق في هذا المنصب هو بمثابة رسالة إلى كل الذين يمكن أن يترددوا في الإستثمار في المجال السياحي في بلادنا بعد فوز العدالة و التنمية. بينما يظل لاسم فؤاد عالي الهمة أكثر من دلالة، و لابد أن خبرته في وزارة الداخلية ستكون وازنة في هذا المقام. لذلك فإن الحديث عن نهاية عصر " أم الوزارات" و معها وزارات السيادة استنادا إلى مقتضيات الدستور الجديد، مازال مبكرا و سابقا لأوانه مادامت تفاصيل مرحلة مابعد 25 نونبر لم تكتمل بعد.
إن ما يجري في ردهات السياسة المغربية لا ينضبط لأية قواعد واضحة المعالم، فالمفاجأة تطرح نفسها باستمرار، لكن المؤكد هو أن فوز العدالة و التنمية سيفرض نفسه من قريب أو بعيد في كل مفاصل المشهد السياسي المستقبلي في بلادنا. محمد مغوتي. 10/12/2011.
التعليقات (0)